الأحد، 27 يونيو 2010

مسرحية المبروك تاليف محمد خطاب






شخصيات المسرحية :


الدرويش


سيد


ابو سيد


العطار


الفكهاني


الحلاق/الحانوتي


الاول / الثاني / الثالث


مذيعة 1/مذيعة2


الاستاذ /الرجل /الولد














يدخل درويش (كان ياما كان يا سادة يا اكرم وما يحلي الكلام


الا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام


ناس بسطاء عايشين علي قد حالهم


يكلوا لقمتهم مغموسة في الشقا


ويناموا مهدودين .. بس بيحلموا


بيوم جديد ياتيهم ملك رشيد


يقسم بينهم الرزق بالعدل


ومتشرقش تاني شمس الظلم علي ارضهم )


ناس بسطاء عايشين علي قد حالهم


0 يكلوا لقمتهم مغموسة في الشقا 0


ويناموا مهدودين .. بس بيحلموا 0


بيوم جديد ياتيهم ملك رشيد 0


يقسم بينهم الرزق بالعدل 0


ومتشرقش تاني شمس الظلم علي ارضهم 0


ديكور : شارع في حي شعبي .. الحائط المواجه للجمهور ..توجد به ثلاث محلات ..


المحل الاول : محل عطار فوق باب المحل يافطة ((عطارة الامل)) وبحانب الباب فترينة بها ارفف مرصوص عليها علب مملوءة بمواد عطارة


المحل الثاني : محل جواهرجي عليه يافطة ( محل ابو سيد للبيع ) رفوف مرصوص عليها علب مملؤة بها خواتم وسلاسل ذهبية


المحل الثالث : محل فكهاني حيث اقفاص الفاكهة علي جانبي الباب ويبدو الدور الثاني للبيوت القديمة


" حركة وصخب في الشارع " محل الذهب مغلق .. العطار جالس أمام محله ويمسك في يده سبحه بمنظر الي الفكهاني وهو يبيع لاحد زبائنه ينفخ


العطار : افرجها يا رب


الفكهاني : ( الزبون يعطي الفكهاني فلوس في يده ) خلي


الزبون : ( بتمنع ) لا مايصحش


الفكهاني : يأخذها ..( ينصرف الزبون . ينظر في يديه . مندهشا ) خمسة جنيه ثمن كيلو تفاح


. خد يا بن .. ( يجري وراء الزبون محاولا اللحاق به . يخرج . فلا يستطيع يرجع خائبا )


العطار : ( يستطلع الامر) فيه ايه يا فكهاني بتجري ليه ؟


الفكهاني : ( يجلس وهو ينهج ) تخيل الزبون اللي كنت فاكره هيبه وابن ناس يطلع نصاب


. يديني خمسة جنيه ثمن كيلو تفاح .. تصور خمسة جنيه وجري


العطار : ( يضحك ) طب والله ده زبون سقع


الفكهاني : ( غاضبا ) زبون سقع .. بتقول زبون سقع .. بينصب عليه وتقول زبون سقع


العطار : يا فكهاني يا خويا .. هو فيه حد في الزمن ده معاه مليم احمر يدفعه .. ده كويس تلاقيه


غلبان حلال عليه


الفكهاني : طبعا حلال عليه وهو انت يهمك ما أنا اللي خسرت .. لو كنت انته


العطار : ( مقاطعا) انت بتقول فيها .. يا ريت كان الزبون نصب عليه واداني الخمسة جنيه ..


هو احنا لاقيين


الفكهاني : معقول يا معلم تبقي محتاج ومتقولش .. طب ده احنا اخوات يا راجل ..


قولي عاوز كام


العطار : عشت يا اخويا .. انا بس بأفضفض معاك ( ينظر لمحل ابو سيد ) هو ابو سيد


الجواهرجي مش ناوي يفتح النهارده


الفكهاني : انت ناسي ان مراته .. هتولد النهاردة


العطار : ربنا يحقق له أمنيته وتجيب له سيد


الفكهاني : اما دي حكاية غريبة والله .. بيسمي المحل ابو سيد .. رغم ان مفيش سيد .. مجاش


سيد .. ويمكن يجي ويمكن لا


العطار : لا والادهي انه مصر الناس تنده له بابو سيد .. طب هو فين سيد


( يدخل درويش حاملا مبخرة يجول في المكان )


الدرويش : حي ( الفكهاني يعطي فلوس للدرويش ويتبعه العطار)


الفكهاني : تفتكر ده طبيعي


العطار : يا فكهاني ما هو لازم كل واحد منا يكون له حلم يتمني انه يتحقق عشان


يكون لوجودنا معني


الفكهاني : هه انا مش عارف انته عطار وللا فلسلوف


الدرويش: حي .. شوفت امبارح حلم غريب ولي من اولياء الله جاي من بعيد بيرفرف بتوبه


الابيض علي الحي عشان يسعد كل حي ( الناس تلتف حول الدرويش باهتمام )


الناس : ومشاكلنا


الدرويش : قوام تتحل


الناس : والاعمال


الدرويش : الاعمال والعكوسات والديون تتفك ببركته


الناس : هو فين .. وشمسه هتشرق امتي علينا


الدرويش : متقلقوش .. متقلقوش


الناس : بس احنا محتاجينه .. الهم غالبنا وبكره قالقنا ضلام ضلام و السماء مخفية تحت الغيام


الدرويش : خلاص ميلاده قرب


الناس : لسه هيتولد يوهه


العطار : نكون موتنا يللا يا عم بلاش تخاريف


( ينصرفوا . يدخل ابوسيد )


الفكهاني : ابو سيد جه .. ها نبل الشربات


ابو سيد : ( يجلس بجوار العطار ساهما) لسه الولد مش عاوز ينزل من بطن امه


العطار: ( ضاحكا ) الظاهر النومة في بطن امه عاجباه


الفكهاني : والله ليه حق .. حد يبقي مرتاح في بطن امه ويسبها .. وينزل في الدنيا الغم دي .. سيبه لما يكبر ويبقي راجل وييجي لوحده


ابو سيد : ما هو انته .. لو تعرف انا مستني الولد ده من امتي وللا اللهفة اللي في قلبه عليه .. ده لو جه هغرقه في الدهب والعز .. هجوزه اول ما يتولد


العطار : تجوزه مرة واحدة .. وهو في اللفة ليه هتجوزه مرضعة


ابو سيد : بس ييجي


الفكهاني : ايوه بس ده ما يمنعش انك تريح نفسك شوية .. بالشكل ده انته اللي هتولد مش مراتك ( يضحك وهو يقلد بيدده امراه حامل تولد ثم يقلد صوت بكاء طفل مولود . يبتسم ابو سيد ) اهه كده يا راجل اضحك بقي الواد زمانه استوي وجاي .. وغلاوتك جاي وهو هيروح فين


ابو سيد : بس ييجي


العطار : هييجي .. علي راي الفكهاني هيروح فين .. الا اذا كانت بطن مراتك منفدة علي بلد تانية ( يضحكوا )


ابو سيد : ده الشهر الاتناشر وبرضه مش عاوز ييجي


الفكهاني : (يخبط كفا بكف ) اتناشر شهر خلاص قرب اهو ( جانبا ) اتناشر شهر ليه جاموسة بتولد .. حتي الجاموسة ما تاهدش اتناشر شهر الراجل باين عليه اتخبل


( امراة تدخل مسرعة وهي تنادي )


المرأة : ابو سيد .. ابو سيد


ابو سيد : ( ينتفض من علي مقعده وتدب فيه الحياة ) سيد جه


المراة : اخيرا


( يغمي عليها . يتجمع حولها الجميع . ابو سيد يهرول ناحية المنزل)


اظلام وبقعة ضوء علي الدرويش


الدرويش : ضلام ضلام والشمس تطلع تشق الغيام و يخرج ولد


صغير النحس لازمه


كل خطوة حد يموت


وكل نفس نار بتقيد


يا حفيظ من بكره يا حفيظ


نور


خلينا نشوف اللي جاي


ياتري فيك ايه يا بكره






تغيير طفيف في الديكور : تغيير يافطة محل ابوسيد الي ( محل حلاقة للصلع فقط )


العطار والفكهاني يجلسان في نفس المكان .. الحلاق انتهي من اللاقة لزبون اصلع


الحلاق : ( للزبون ) بص للمرايا وقولي انت احلي وللا روبي


الزبون : ( بسعادة ) روبي مين بقي ما راح عليها .. دلوقتي فيه انا ( يخرج البون وهو يدعي له ) ربنا يخليك من ساعة ما فتحت محلك وصلعتي اتحلت .. ااقصد عقدتي اتحلت .. انا آسف .. اصل الصلعة تحكم ( مشيرا لصلعته )


الحلاق : لا ولايهمك .. انا في خدمتك انت وكل اخواننا الصلع ( يخرج مشط من جيبه يمشط صلعته . يغني ) والشعر الحرير علي الخدود يهفهف ويرجع يطير


الفكهاني : ( ضاحكا ) الشعر الحرير .. شعر حرير وبيهفهف .. ده انت بتحلم


العطار : ما تقعدش الراجل .. ( للحلاق ) انا عندي وصفة ليك تخلي شعرك يطلع تاني ويهفهف


الحلاق : (باهتمام) صحيح يا معلم


العطار : عيب يا ابني هو انا بهزر


الحلاق: العفو والسماح يا معلم قول وصفتك


العطار : انته تحط علي السيراميك قصدي الحته الفاضيه


الفكهاني : قصده الطريق الصحراوي اللي قاسم راسك نصين


العطار : استني بس يا فكهاني .. انت تحط عليها حبة البركة وحنه وزيت زتون وجناح حمامة


ميته .. شعرك يطلع علي طول


( سيد يجري ناحيتهما والعيال تجري ورائه يزفون)


العيال : سيد النحس اهوه .. سيد النحس اهوه


الفكهاني : يا ساتر يا رب .. هو الولد ده هيفضل في وشنا علي طول


العطار : حرام عليك يا راجل هو الولد ذنبه ايه .. دي ارادة ربنا


الفكهاني : ارادة ربنا الداية وامه يموتوا وابو سيد يتسرق ويتحول من تاجر دهب لبياع فلايات


يوم ما اتولد


العطار : انت هتكفر بارادة ربنا


الحلاق : تعرف يا عم فكهاني انا بحلق للولد ده ليه


الفكهاني : ليه يا خويا


الحلاق : ( ضاحكا ) عشان يمكن لما ينحسني يطلع ليه شعر ( يدخل المحل . الفكهاني يحول وجهة كرسيه بعيد عن سيد )


العطار: تعالي يا سيد .. تعالي يا بني .. عامل ايه


سيد : ( حاملا شنطة كتب . مندهشا ) انا


العطار : ايوه يا بني انته


سيد : ربنا يخليك يا معلم .. انت الوحيد اللي بتسأل عليه .. اما اهل الحارة مقاطعيني كلهم وكأني جربان


العطار : معلش يا ابني هي الناس كده ما بترحمش حد


الدرويش : معلش يا ابني شمس السعادة في السماء بتشقشق


يا تري شايف نور وللا دم بترقرق


يا ساتر استر من بكره


عيني ضعفت وداوير القضا خانقه


والقدر مفيش منه مهرب


( يدخل ثلاث شبان )


الاول : شايف ياللاه .. مش ده الواد سيد النحس


الثاني : ايوه يا ساتر .. الواد ده كل ما اشوفه اتغم


الثالث : لا وفاكر نفسه فت اوي


الاول : بس حمار مذاكرة


الثالث : مين قده .. الاول علينا دايما


الثاني : بس انتوا عارفين ايه اللي معقده من البنات


الثالث : شكله طبعا


الثاني: شكله ايه يا اخي .. ده فاكر نفسه قمر


الاول : امال ايه


الثاني : كل ما واحده منهم تعطف عليه .. يفتكر انها بتحبه ويصرح لها بحبه .ز ترفع راسها لفوق و تقوله ( مقلدا البنات ) انا آسفة يا سيد انا معتبراك زي اخويا (يضحكوا) بس انا ناوي اخرجوا من الحالة دي


الاول و الثاني : (معا) ازاي


الثاني: ايه رايكم لو خليناه حاجة عظيمة .. الناس كلها تحترمه


الاول : انت اتجننت .. حاجة عظيمة ( مستهزئا) سيد .. طب ده انا بعتبر كل اللي يسلم عليه ويمر يوم من غير ما تجري ليه اجة يبقي ولي من اولياء الله الصالحين


الثاني : ولي من اولياء الله الصالحين ( مفكرا) عظيم لاقيتها


( يخرج سيد ويعود الفكهاني لوضعه الاول . وينضم اليهم الحلاق . يقترب الشبان الثلاثة منهم . الشبان الثلاثة في صوت واحد ) السلام عليكم


العطار : ايه يا ولاد .. عاملين ايه في المدرسة .. السنة دي ثانوي عام شدوا حيلكم


الاول: ما هو ده اللي بنعمله .. ادعي لينا يا عم العطار


الثاني : (للعطار) مشفتش سيد


الفكهاني : ايه جاب سيرة الواد النحس ده


الثلاثة : ( بانفعال مبالغ فيه) لالالا متقولش كده علي مولانا


الحلاق : ( ضاحكا) مولانا .. كده مره واحده


الاول : ( جادا ) متقولش كده لتنضر


( يتوقف الحلاق فجأة عن الضحك )


العطار : ايه يا ولاد التخاريف دي .. مولانا ايه .. وينضر ايه


الفكهاني : سيبهم يا معلم دي عيال فاضية .. انت هتاخد عليهم


الثاني : باين عليكم مش مصدقينا


الاول : احنا مالنا .. بس نتقولوش اننا خبينا عليكم


العطار : خبيتوا ايه .. يللا بلاش لعب عيال


( يتصنعوا الانصراف . يجري الحلاق ناحيتهم)


الحلاق : استنوا بس انتوا رايحين فين


الاول : هندور علي مولانا .. يمنحنا بركاته .. ده سره باتع ده .. وللا بلاش لتقولوا عليه بكدب


الحلاق : استنوا بس .. انتم رايحين فين .. اتنوا الكلام اخد وعطا .. انت كنت هتقول حاجة وسكت ابه هبه هه


التاني : قصده مولانا لما يرضي عن حد


الفكهاني : يحصله ايه يعني


الثالث : يووووه يحصله كتير يا معلم


الاول : تعرف يا معلم انه رضي عن مدرس عندنا في مدرستنا مش حته بعيده .. تعرف حصله ايه


الحلاق : ( بلهفه ) حصله ايه


الثالث : راح بعثة لجامعة ميتشجان الامريكية


الحلاق : يالهوي .. ماتش مع الجن وكمان جن امريكاني


الفكهاني : ( باهتمام ) وبتقول رضي عنه


الاول : رضي عنه بلغة الاولياء يعني غضب عليه


الثاني : وللا العامل الغلبان اللي برضه اللي رضي عنه


الفكهاني : وده حصله ايه لعب ماتش مع الاهلي


الثاني : ماتش ايه يا معلم .. ده ساب المدرسة وسرح علي عربية


العطار : ومالاقش غير عربية ويسرح عليها


الاول : سرح يا معلم .. اشتغل عليها مش فكر عليها .. هو كان ناوي ييجي بالعربية هنا بس يا خسارة


العطار : ايه .. خايف العربية تتوسخ


الثالث : لا يا معلم .. المسافة بعيدة والحمار يتعب اصله عربجي


الحلاق : يالهوي .. ده لو رضي عني .. القرع يطلع لهم شعر واجوع انا وعيالي ( يلطم ) يالهوي يالهوي


الفكهاني : بس يا ولد بلاش هبل


الحلاق : هبل ايه انا جايب اجهزة الكترونية تحلق شعر الزبون بدون معلم


العطار : ايه ايه الاجهزة المصدية دي التكرونية .. ( للثالث) طيب قولي لما هو سره باتع امال لما اتولد والدته والداية اللي بلغتنا باليوم الاسود ده ماتوا ليه ..


الثالث : قضاء ربنا


العطار : وفي نفس اليوم ابوه خسر تجارته واتحول بقدرة قادر من تاجر دهب .. لبياع ريح بيهرب من شرطة المرافق


الاول : ( هامسا للثاني ) هو عمل ده كله


الفكهاني : تقولوا ايه في الكلام ده .. ازاي ولي .. ويحصل منه كل ده


الثاني : نقول ان كل ولي ولازم فيه ابتلاءات تواجهه عشان ربنا يختبر صلابته .. و يصمد قدام تكاليف الرسالة


الثالث : ( للثاني ) ايه الكلام الكبير ده


الثاني : (هامسا) مش عارف كلام سمعته قبل كده ومش فاهمه .. بس اهو ماشي


الفكهاني : العيال دول بدءوا يؤثروا فيه ( لنفسه ) لا اثبت


( ابو سيد يدخل بملابسه الممزقه وهو يبكي )


ابو سيد : الحقوني سيد ولدي انتحر


الجميع : الشيخ سيد


ابو سيد : ( متعجبا ) لا ولدي سيد


الجميع : الشيخ سيد


ابو سيد : بقولكم ولدي


الجميع : ما هو الشيخ سيد


ابو سيد : ( مستسلما ) الشيخ سيد بس يعيش .. ساب ليه الجواب ده بيقول فيه انه هيرمي نفسه النيل


الاول : وريني الجواب ده يا عم ابو الشيخ سيد ( يقرأ الجواب بصوت عالي ) اليوم اموت وحدي .. اريحكم مني واستريح .. اليوم ارحل وما زال هناك الكثير مما احلم به لم يتحقق .. ارحل وما زال هناك الكثير لم اقله اليوم اغلق الباب علي اسواري لعلي أنال بموتي قداسة الاموت في حديثكم


اظلام


الدرويش : بل المكيدة اتربط وماعاد حد بره اللعبة


اصل الجهل ده قش ولع عود كبريت


النار تشعلل والارادة مسلوبة


تقول ايه يا قلم علي اللي


غاويين اوهام


عايشين في كهوف


زي التماثيل تمام


( اهل الحارة متراصين في الشارع و المحلات الثلاثة مغلقة)


العطار : احنا السبب .. لو كنا احتضنا الشيخ سيد وقربناه مننا ماكنش انتحر


الحلاق : انا خايف لحسن لعنته تنزل علينا .. ويتخرب بيتنا


الفكهاني : فال الله ولا فالك .. الشيخ طول عمره طيب .. وشه سمح . . يا ولداه .. ياما التراب بيتاوي


( الشبان الثلاثة يبكون بصوت واحد ) : ليه بتبكوا


الاول : اصل احنا عملنا فيه مقالب كتيرة قوي


الحلاق : ازاي


العطار : هو ده وقت حكاوي .. البقيه في حياتك يا ابو الشيخ سيد


ابو سيد :


عَجِبتُ مِنَ الأَيَّامِ كَيـفَ تَقَلَّبَـت *** بِنا فَتَفَرَّقنـا كَـأَن لَـم نُجَمَّـعِ


عَباديدُ شَتَّى مِثلَ مَا نَثَـرَ الأَسَـى *** فَرَائِد مِن دَمـعِ الفُـؤَادِ المُفَجَّـعِ


عِدُونِي فَإِن لَم تُنجِزوا رُبَّ مَوعِـدٍ *** شَفَا غُلَّتِي مِنكُم وَإِن خَابَ مَطمَعِي


عَلَى الدَّهرُ أَيْمان بِأَن لا يُرَى لَنـا *** شَتَـاتٌ وَأَبعَـادٌ لِجَمـع مُلَمَّـعِ


العطار : الراجل بيكام نفسه يا ولداه


الفكهاني : مالك يا ايو سيد مالك يا خويا اقعد ارتاح


العطار : مش توحد الله


ابو سيد : لا اله الا الله .. بس النار قايده في جتتي


العطار : لا لا شد حيلك امال


ابو سيد : رغم ان جزء مني فارقني .. وانه وحيدي اللي طلعت بيه من الدنيا .. بس يعزيني عن فراقه انه ارتاح من الناس و مشاكلها .. ومن الدنيا وهمومها


( يدخل اناس مختلفون يجرون يمينا وشمالا دون هدي وكانما يهربون من شيء يطاردهم )


ابو سيد : ( متعجبا ) فيه ايه


الحانوتي : ( بهيستريا ) ابعدوه عني .. ابعدوه عني .. انا ماليش دعوة ماليش دعوة سامع يا ابو سيدنا الشيخ سيد .


العطار : فيه يا حانوتي الغبرة .. مين اللي يبعدوه عنك .. ما تتعدل وللا اتخبلت


الحانوتي : ايوه اتخبلت .. هو حد ياخد علي واحد مخبول .. ( لابو سيد ) قوله ان الحانوتي مخبول مش في وعيه يعني يسامحني ( يمسك يد ابو سيد يقبلها ) وادي ايدك ( يسحيها منه)


ابو سيد : استغفرالله .. قوم يا ابني وفهمني


الحانوتي : هقول ماهو انا لازم اقول


الفكهاني : ( يرفع يده متوعدا ) هتقول وللا اخنفك


العطار : سيبه يهدا الاول


الحانوتي : الشيخ سيد


العطار : عليه رحمة الله


الفكهاني : الله يرحمه ويبشبش الطوبة


الحانوتي : ( مقاطعا ) لا متكملش انا اللي بايدي دي كنت بغسله


الحلاق : وبعدين


الحانوتي : انا مكنتش مصدق انه ولي


الحلاق : شوقتنا وبعدين


الحانوتي : وانا بغسله قولت كلمة .. غلطت .. والنبي يا ابو الشيخ سيد تخليه يسامني


العطار : كلمة ايه


الحانوتي: ريحت الدنيا من مشاكلك


( الجميع يصدرون اصوت مستنكرة)


ابو سيد : كمل وبعدين يا ابني


الحانوتي: هكمل .. لاقيت سيد .. قصدي مولانا الشيخ سيد .. فتح عينه وبرق ليه


الجميع : ازاي .. اكيد كرامة من كراماته


الفكهاني : قصدك ايه بالكلم ده .. يعني ايه فتح عينيه .. هو الميت


الحانوتي : ( مقاطعا ) ميت ايه ده حي يرزق .. يا لهوي .. انا اللي صحيته بغلطي فيه .. اكيد هينتفم مني ( يصرخ ) القني يا عم ابو الشيخ سيد .. احميني


الفكهاني : الحكاية باينها جد يا ولاد


الحلاق: ما قولنا من الاول انه ولي محدش صدق


( يدخل سيد بجلباب ابيض والناس تلتف حوله في دائرة في ذهول )


سيد : ( يقترب من والده ، و الذي يبدو خائفا ) ابويا .. مالك مش فاكرني


ابو سيد : لا ازاي .. تعالي يا ابني في حضني .. وحشتني يا غالي






سيد : مال اهل الحارة متجمعين فيه حاجة حصلت


الحانوتي : ( يجري ويركع تحت قدمي سيد ) وياتاة من رجعك الدنيا ما تكون واخد علي خاطرك مني .. انا خدامك .. اربطنبي في سلسلة واسحبني زي الجاموسة قابل زي الكلب قابل


بس سامحني .. يالهوي


سيد : وليه كل ده


الحانوتي : سا محني يا ولينا


الحلاق : سامحه .. السماح من شيم الاولياء .. وسامحنا احنا كمان


سيد : اولياء .. سماح .. عاوزني اسامحكم علي ايه .. وايه حكاية ... ابويا فهمني مش فاهم حاجة


انا .. تعبان عاوز ارتاح


ابو سيد : تعالي معايا وانا افهمك


العطار : وسعوا لمولانا لاجل يرتاح


الشبان الثلاثة : ده طلع ولي وانا مش واخدين بالنا


سيد : فيه ايه .. والناس اتغيرت ليه


( يخرج سيد و والدي . الشبان الثلاثة جانبا )


الاول : ( متعجبا ) معقول فيه حد يموت ويرجع تاني


الثاني : انا لو مكنتش شوفته بنفسي وهو ميت .. كنت قلت دي كدبة ابريل


الثالث : ايه رايك لو خليناه يرضي عننا ومش بعيد يشغلنا معاه


الاول : ازاي


الثالث : نكلم الصافة والاذاعة والتلفزيون القنوات الفضاية ونعمل لمولانا صيت


الثاني : وهنقول لهم ايه


الثالث : نقول لهم ان سيد المنحوس رجع ولي بامر الله


الثاني : وهيصدقونا


الثالث : من مصلحتهم يصدقونا امال هيكسبوا منين


اظلام


الدرويش : دور وانكتب مكنش لك ايد فيه


مثل وانبسط و اضحك او اصرخ


اقبل أو ارفض ما عاد حد يسمعك


ولو صوتك شق الفضا


المسر خلاص اتنصب والجمهور مشتاق


تعمل ايه انته يا مسكين في ارادة العشاق


(تغير الديكور : منزل ابو سيد ... صالة ، تربيزة .. كرسيان)


ابو سيد قاعد علي احد الكراسي وسيد واقف


ابوسيد : ما تقعد يا بني .. هتفضل واقف طول الليل تبحلق في السقف .. اقعد ارتاح


سيد : هو انا هشوف راحة بعد كده


ابوسيد : بقي انته مش عارف الناس ايه اللي غير مرة واحدة


سيد : خالص .. الناس اتغيرت ناحيتي 180 درجة من غير سبب


ابوسيد : ايوه


سيد : ( مستمرا في حديثه وكانه في حلم) بعد ما كانوا بيخافوا مني اني انحسهم .. دلوقتي بيتسابقوا علي ارضائي


ابوسيد : انتي مش عارف انت مين وللا مقامك ايه


سيد : عارف .. انا سيد اللي يوم ما اتولد ماتت امه والداية


ابو سيد : اجلهم .. حد يقدر يتكلم في قضاء الله


سيد : وانت يا والدي


ابو سيد : انا ايه ؟ ما انا كويس اهوه


سيد : اتسرقت كل فلوسك يوم ما اتولدت .. ومن غني بقيت فقير .. كلكم اتأذيتم بسببي (يبكي) انا عارف اني نحس زي ما الناس كلها بتقول عليه


ابو سيد : يا ابني يا حبيبي يمكن ده زمان .. لما كانت الناس مش عارفه قيمتك .. دلوقتي انته حالك اتغير في نظري ونظر الناس


سيد : يا ابويا بالراحة عليه .. واحدة واحدة عشان أفهم


ابو سيد : الظروف خلتك في وضع مهم


سيد : وضع ايه ؟ وزير!


ابو سيد : اكتر .. الشوية اللي غيبت فيهم عن الحياة .. الدنيا كلها اتغيرت .. وانت بقيت في نظر الناس من سيد المنحوس .. زي ما انت بتقول .. لسيد ولي من أولياء الله الصالحين .. وانا رجعت لابو الشيخ سيد الجواهرجي


سيد : ( ضاحكا) ابوسيد الجواهرجي ايه يا ابويا .. انت دلوقتي بياع حلقان وسبح وفلايات


ابو سيد : انت مسمعتنيش .. انت مفهمتش


سيد : افهم ايه


ابو سيد : انت بقيت ولي من اولياء الله الصالحين ومش عاوز ولا كلمة تاني .. سيبني انا اتولي الامر .. وانت تنفذ ( صوت ضوضاء وحركة بالخارج )


سيد : ايه الدوشة دي .


ابو سيد: الظاهر الناس جاية تتبرك بيك .. طبعا يا عم مين قدك .. ولي .. عموما ارتاح أروح انا أأقولهم انك تعبان شوية ... وللا اقولك ااقولهم انك بتتعبد زقافل علي نفسك ومش عاوز حد يقلقك في خلوتك


( يخرج ابو سيد تاركا سيد مذهولا)


سيد : انا لافاهم ولا قادر افهم حاجة .. بس هسمع كلام ابويا .. وكل اللي عاوزه هعمله .. كفاية اني كنت سبب تعاسته ... خليني مرة سبب سعادته .. بس ايه قصة الولي دي وليه مصرين ينادوني بيها .. وايه اللي جري بعد مارميت نفسي في النيل .. اخر اجة فاكرها .. ( يحاول ان يتذكر دون جدوي) ايوه ايوه .. بعد ما نطيت من فوق الكوبري .. وانا نازل كان هواء النيل منعش اتمنيت لو فضلت علي طول متعلق .. بين الكوبري والنيل .. كان شكل الناس وهيه مترصصه علي النيل ودايبين في السعادة و هما في المراكب والنيون بالوانه المختلفة .. بيبهج القلب الحزين .. فجأة لاقيت النيل بقي وحش بيبلعني .. حاولت اكتم نفسي مقدرتش الميه دخلت من انفي وبقي و ضلمت الدنيا ولما فوقت لاقيتهم


( صوت ضوضاء و ابو سيد يحدث ناس )


ابو سيد : هدوء كلكم هتدخلوا تزوروا مولانا وتاخدوا البركة وهتعملوا كمان لقاء ايه رايكم


سيد : مين دول ( يدخل ابو سيد )


ابو سيد : أأقعد يا بني وارتاح علي الكرسي .. معلش الكرسي قديم .. ( يجلس سيد وهو يتصرف دون ارادة ) امسك يا ابني المصحف ده .. والسبحة دي كمان .. دول اهم شيء


لمستقبلنا كلنا فاهم


سيد : فاهم


الدرويش : مصحف وسبحة وارسم رسمتك


اللي انظلم امبارح لازم يرد الجميل


لمجتمع اسير الكدب والفشخرة


مثل يا سيد واوعي


تنسي سبحتك


بس ليه ايدك بتترعش وهيه ماسكه المصحف


خايف غضب ربنا يا مسكين


ابو سيد : الصحافة والتلفزيون وناس كتير ياما .. حتي بتوع الاعلانات جم .. امال ايه طاقة القدر اتفتحت لك ولينا كلنا وانا نولت شرف اني ابقي ابو الشخ سيد ( يناول سيد المصحف ) امسك المصحف بقي ( يمسكه سيد بايد مرتعشه ) لا يا ابني المصحف كده مقلوب .. ركز يا سيد وابدا اقرا اي سورة تخطر علي بالك


( يخرج ابو سيد تاركا سيد يحاول قراءة القرآن )


سيد : بس .. بسم الله الرحمن الرحيم .. قل هو .. لا مش قادر ( يسمع أصوت تقترب من الباب . يستمر في القراءة ) قل هو الله احد


( يندفع الناس للداخل من اعلام صحافة وتلفزون ومواقع الكترونية )


ابو سيد : بالراحة .. كده تزعجوا مولانا


سيد : من هاهم يا والدي


الصحفي : ( ساخرا ) "ها هم " جديدة دي .. يا ما نقابل ناس في مهنة الصحافة ..المهم ألاقي خبر اكتبه ( لسيد ) ها هم الصحافة ورجال الاعلام يا سيدي .. جئنا لتحدثنا عن رحلتك للعالم الآخر


مذيعة 1: انا مذيعة قنام الاحلام .. عاوزك تقول لجمهورنا يا شيخ سيد الحاجات الفظيعة اللي شوفتها في عالم الآخرة .. قالوا ليك ايه وقولتلهم ايه


مذيعة2 : انا مذيعة فناة مسابقات ( تخاطب جمهورها عبر الكاميرا التي يحملها المصور ) اعزئي المشاهدين ومن بيت الشيخ سيد من العالم الآخر قصدي من عالم السحر انا عاوزاكم تتواصلوا معانا الشيخ سيد خد كام يوم في عالم الاخر يللا اتصلوا علي زيرو زيرو زيرو


( الصحفي يحاول الجلوس علي كرسي )


سيد : ( محذرا) اوعي تقعد


( يقع الصحفي علي الارض . الناس تهلل)


الحلاق : الله اكبر


الحانوتي : كراماتك يا مولانا


العطار : فعلا شيء مدهش


ابو سيد : امال ايه ابني ولي من اولياء الله الصالحين


الصحفي : ( لنفسه وهو ينفض ملابسه من التراب ) يا مجانين ( للناس) فعلا بانت كرامتك رسمي .. ممكن اعمل لقاء مع سيادتك عشان اعرف الناس علي كراماتك


مذيعة1 : ولقناة الاحلام لان رحلتك في صميم عملنا .. وصاحب القناة وعد يعملك برنامج بالاف الدولارات .. تفسر الاحلام للمشاهدين


مذيعة2 : و قناتنا هتعمل مسابقات وحضرتك تسلم الجوايز للمتسابقين و برضه بالاف الدولارات


ابو سيد : الله اكبر .. كلامكم جميل بس مولانا لسه واصل من رحلته الشاقه في العالم الآخر ومحتاج يرتاح وبعدين ينظر في .. طلباتكم .. انا دخلتكم عشان تطمنوا الناس علي سلامة الوصول لمولانا


الصحفي : بس علي وعد اننا نسجل معاك قبل السي ان ان والبببي سي


العطار : البيبي هيسجل كمان مع مولانا


الفكهاني : والسنسن بتاع امريكا


الحلاق : ده احنا راجلنا كبير كبير قوي


الصحفي : طبعا مقام الشيخ سيد كبير .. انا هنتظر قدام الباب واول ما يطلع الصبح هنكون عندك .. بللا يا جماعة نسيب مولانا يرتا


مذيعة 2 : وانا هستناك الجمهور نفسه يشوفك يا سيسو


مذيعة1 : برنامجنا في انتظارك يا يويو يا روح قلبي


الحانوتي : اهي دي الحريم وللا بلاش يا ريتني كنت ( هامسا للحلاق) ولي


الحلاق : كنا اتنحسنا كلنا يللا بينا ( يخرج الجميع . يبقي سيد وابو سيد)


ابوسيد : تعرف يا بني نفسي اشوف مين دلوقتي


سيد : الراجل اللي سرقك ( خبطات خفيفة )


سيد : الظاهر انهم رجعوا تاني


ابو سيد : خليك زي ما كنت


( ابو سيد يفتح الباب ويتراجع مذهولا وهو يري رجلا انيقا مهندما يحمل في يده شنطة )


ابو سيد : انته


سيد : مين ده يا والدي


ابو سيد : بعد السنين دي كلها .. جاي تعمل ايه


الرجل : ( ينحي علي يد سيد يقبلها) سامحني يا مولانا انا غلطت في حق والدك وخليه هو كمان يسامحني


ابو سيد : ايه اللي رجعك بعد السنين دي كلها


الرجل : انا آسف علي كل اللي حصل


ابو سيد : آسف بسهولة بعد ما سرقتني وشردتني انا وابني


الراجل : انا جيت اصلح غلطتي بعد السنين دي كلها


ابو سيد : هتصلها ازاي


الرجل : تقول الشنطة دي فيها ايه يا شيخ سيد


ابو سيد : انتي جاي تعمل لنا فوازير


سيد : ولا فوازير ولا حاجة يا والدي .. الشنطة فيها اللي سرقه منك


الرجل : الله اكبر


( الناس في الخارج تردد : الله اكبر)


الرجل : مد ايدك يا بو سيد خد فلوسك


ابو سيد : ( يفتح الشنطة . مذهولا) سيد بص يا سيد الفلوس فلوس ابوك يا ابني ..اللي اتحرمت منها يا ابني السنين دي كلها رجعتلك تاني يا ولدي


الرجل : سامحتني يا بو سيد .. سامحتني يا مولانا


سيد : مبروك يا والدي


ابو سيد : (للرجل) وايه اللي خلاك ترجعهم تاني .. ايه اللي صحي ضميرك تاني


الرجل : الحرام مبينفعش وابني مريض والدكاتره كلهم محتارين فيه قلت اجيبه ليك .. اكيد هيخف علي ايدك ( يحاول تقبيل يده . لكنه يسحبها)


سيد : استغفر الله .. طب وانا راح اعمل ايه


ابو سيد : هتعمل كتير ببركاتك يا مولانا ( للرجل ) هات ابنك يشوفوا مولانا بسرعة ( يخرج الرجل) مالك متردد ليه


سيد : بيقول احتار فيه الدكاتره هعمله ايه .. وللا فكرت اني ولي بجد


ابو سيد : بقي الدنيا كلها بره مقلوبة وانت لسه بتسال السؤال السخيف ده .. لو مكنتش ولي كان الراجل ده رجع فلوس سرقهم من سنين طويلة


سيد : ده اسمه نصب .. كفاية يا والدي .. وخلينا في حالنا .. تعالي نمشي من المكان ده ونعيش بشرف


ابو سيد : بعد ما بقينا اسياد المكان .. نروح مكان نبقي فيه نكرات لا يمكن ابدا .. وبعدين ده لو حصل هيقولوا علينا نصابين و نتحبس .. اسكت الرجل جاي


الرجل : ادخل يا ابني ما تخفش ( يدخل الولد ) ابني يا شيخ سيد


سيد : ما شاء الله كبير اهوه سيبه وانا هاعتني بيه


( يخرج الرجل وهو يدعو للشيخ سيد . يشير سيد للولد فيقترب في تردد )


سيد : تعالي قرب وما تخفش وقولي بقي


الولد : بقي


سيد : مش قصدي تقولي بقي .. عاوز اعرف انت حاسس بايه


الولد : وانت دكتور


سيد : ( لنفسه ) وبعدين في الولد ده ( للولد ) ايه مشكلتك مع ابوك


الولد : طلع عيل


سيد : لالالا مش عيب تقول كده علي ابوك


الولد : اعمله ايه .. اكتر من مرة .. يوعدني يعمل ليه شريط وبعدين يخلع مني


سيد : يخلع ايه .. قصدك ميرضاش يعمل الشريط


الولد : يخلع ..ميرضاش .. كلها بنفس المعني


سيد : بس انته مش صغير شوية علي الموضوع ده


الولد : صغير ايه يا عم


سيد : عم


الولد : هو الغناء فيه صغير وكبير .. انت باين عليك مش عايش في دنيتنا


سيد : فعلا انا لسه جاي علي وطول


الولد : لا اليومين دول .. مع طلعة الشمس يطلع مطرب من سن حلاتي يعمل شريط يكسر الدنيا .. يضرب في اللسوق


الولد : والسوق بيسكت


الولد : حلوة دي


سيد : باين عليك شقي


الولد : وانت نصاب


سيد : ولد


الولد : ولد ايه يا عم .. انا ابان طفل بس افهمها وهيه طايرة .. الاولياء دول ناس كبار مش


زيك كده خيخة .. بس متخفش انا مش هتكلم بشرط


سيد: قول يا لمض


الولد: تساعدني .. تقنع بابا


سيد : سهلة


الولد : وتطلع في الاغنية معايا


سيد : نعم


الولد : انت مش هتغني .. انت هتكلم الصفيين عن موهبتي والشريط اللي هاعمله والناس ما


تصدق .. تسمع كلامك وتشتري الشريط ونلعلع واديك حسنتك


سيد : وانا اقول عليك عيل ده انت شيطان


الولد : لا ماهو دي مش افكاري دي افكار علي كوارع مدير اعمالي


سيد : والملحن اسمه ايه شربه


الولد : عرفت ازاي


سيد : واضحه


الولد : المؤلف اسمه الفتك والموزع الموسيقي تايب


سيد : حد جاب الاغنبة وراء غير تايب وفتك وكوارع ..سمعني صوتك


الولد : ( يغني ) آآآه .. دموعي غرقت الارض


مش لاقي حد يمسحها ولا ينضف الارض


لاقريب يواسي


ولا بعيد يداوي


ارجع يابابا ارجع لماما


جوز امي بيضربني


واخواتي جعانين


وبطني وجعاني وديني للدكتور


آه آه آه آه آه


سيد : ( مقاطعا ) حرام


الولد : الاغنية عجبتك


سيد : ممتازة آه يا بطني .. اغنية ميظبطهاش غير كوارع وشربه .. فيه منها كتير


الولد : أأمر وكوارع يعمل تاني .. وفيه اغنيه ماما اللي سابتنا وبابا في البيت اغنيها


سيد : لا حرام عليك مش كفاية عليه اغنية واحدة .. بالشكل ده هتعقد الجيل كله


الولد : والدي جاي زي ما اتفقنا ( يجري الولد مرتميا في حضن ابوه) انا خفيت اهوه


الرجل : ماشاء الله .. اوامرك ياشيخ سيد


سيد : ابدا يا ابني كله من فضل الله ( يحمحم الولد ) بس انا شايف انك تشوف طلباته وتعملها عشان يتم الشفاء


الرجل : انت عارف هو عاوز ايه يا مولانا


سيد : ايه بسكلته هاتها ( يميل علييه) اعوذ بالله عموما نفذ بدل ما يتنكس


الاب : امرك يا مولانا ( يخرج الاب والابن)


سيد : اعوذ بالله الولد ده لعنه ( يدخل رجل مع ابوسيد)


ابو سيد : الاستاذ


الاستاذ : ( يفتح شنطة ويخرج علبة لبن ) انا مش هضيع وقت في الكلام .. انا الاستاذ .. وانت اتفتح لك طاقة السعد (يشير للعلبة ) قدامك اهيه


سيد : دي .. مش ملاحظ انا طاقة صغيرة حبتين


الاستاذ : هنستغل اسمك مرتين .. مرة في اننا هنسمس المتج ده باسمك لبن الولي


ابو سيد : والمرة التانية


الاستاذ : انك تعمل لقاء تتكلم فيخ عن البان الولي


سيد : هيه حصلت


الاستاذ : افهمني بس


سيد : مرفوض


الاستاذ : ماهو انت لو رفضت .. هبلغ عنك بتهمة النصب .. انا مش هعطل خط انتاج كامل عشانك


سيد : ازاي تكلمني بالشكل ده


الاستاذ : اديك عرفت اللي فيها .. وللا انت مصدق ان عصر الاولياء رجع تاني


ابو سيد : ومبلغتش ليه


الاستاذ : وابلغ ليه ما دام نقدر نستفيد من الكدبة دي ونعيش كلنا مبسوطين


ابو سيد : طلباتك


الاستاذ : بركات مولانا زي ما قولت


سيد : بس


ابو سيد : موافقين


الاستاذ : ( ينحني علي يد سيد) بركاتك يا مولانا


( اظلام في المسرح مع تسليط بقعة ضوء في وسط المسرح)


سيداتي سادتي .. انتبهوا


لبن الشيخ سيد ..افضل الالبان


دول ولدين الولد علي اليمين بيشرب لبن ابو سيد .. واللي علي الشمال يا حرااام


مبيشربش لبن ابو سيد .. الطفل اللي علي اليمين كبر بسرعة واللي علي الشمال ضعيف


( بقعة الضوء تنتقل لسيد)


سيد : ياعالم مش قادر استحمل كدب ونفاق


ابو سيد : قلبي عليك يا ابني


سيد : عاوز ارجع سيد الانسان .. واعيش وسطكم


ابوسيد : الناس مابترحمشي


سيد : انا مخنوق عاوز اطلع من هنا


ابو سيد : بره يا ابني غابة .. في كل حته منها ديابة


سيد : هعيش بينهم .. واستحمل مخالبهم


ابو سيد : خايف عليك


سيد : نفسي اعيش سعيد زاسعد الناس


ابو سيد : الناس مش عاوزة اللي يسعدها الناس عاوزة اللي يخدرها ويضحك عليها .. بص في وشي


سيد : ( يفحص والده ) انت مين


ابو سيد : انت مش عارفني


سيد : لا ملامحك اتغيرت .. اتحولت وبقيت زيهم ناب ومخالب


ابو سيد : هما اللي غيروني


سيد : مش عذر


ابو سيد: هما اللي غيروني


سيد : ابعد عني .. ابعدوا عني كلكم عاوز ارجع لحضن النيل .. بس ياريت يغسلني من قذارتكم


(يدخل رجال يحملون الدف يغنون . ويشكلون حلقة بها اهل الحارة)


المجموع : شيخ سيد .. شيخ سيد .. ولينا


ولا غيره حد يحمينا


فيضك يا مولانا يسعدنا


( يصرخ سيد ولا يسمعه احد)


سيد : يا عالم انا مش ولي


انا كدبت عليم


( الحضرة تستمر)


شيخ سيد يا ولي .. اسعدنا بنور تقوتك


( يسقط سيد مغشيا عليه وهم مستمرون بالانشاد)


الدرويش : تصرخ يا خويا ومين يسمعك


انت ولي متفصل علي قدنا


متعملش عندك ضمير


لاننا منعرفهوش


ايدك في ايد النصابين تملك عرش الحكمة


ولو رفعت راسك تطير وولايتك مستمرة


غصب عنك ولينا غصب عنك خادمنا


سر الكرسي رقم 1 تاليف محمد خطاب







في بلدنا النائي أعلن المجلس المحلي عن شراء المحافظة لعدد من الاتوبيسات المكيفة بدلا من القديمة .. وأن ابناء المحافظة كلهم سواسية كأسنان المشط ، وسيركبون الاتوبيس المكيف ويتمتعون بجوه الراقي ، ويستطيع الركاب من ابناء محافظتنا التعيسة بأتوبيساتها القديمة أن يغطون في احلام وادعة أو يشاهدوا افلام الفيديو التي تتراقص فيها البنات دون ملابس تقريبا .. لقد أكد رئيس المجلس علي هذا كما أكده رئيس شركة النقل و أكده المحافظ بذاته و أكده عم حسين الذي يزعم أنه أول من ركب الاتوبيس القديم وفي الكرسي رقم واحد المخصص للكبار فقط .. ولا أعلم سر تخصيصه رغم أنه كرسي كباقي الكراسي في الاتوبيس يناله الاهمال كما ينالهم .. لكنه (شغل كبارات) ، وفي احدي السفاريات غاب صاحب الكرسي رقم واحد عن اللحاق بالاتوبيس القديم لظروف قيل أنها سرية وعلمنا بعدها أنه كان مع امراة والعياذ بالله .. المهم أن عم حسين رفض إكمال القصة رغم إلحاحنا عليه لمعرفة كيف عرف بالفضيحة لكنه اوعز إلينا بأنه علي معرفة بالمرأة .. المهم أن عم حسين استطاع اقناع سائق الأتوبيس والكمسري بالسماح له بالجلوس في الكرسي رقم واحد .. لانها أوامر الطبيب .. وبعد مداولات ومماحكات و تدخل ركاب الاتوبيس ـالمهدودين من وعورة الطريق و سخونة الجو وابتلال ملابسهم بعرقهم ـ ليقنعوا سائق الاتوبيس أن جلوس عم حسين اصبح ضرورة طبية له وفضول بالنسبة لهم .. جلس عم حسين على الكرسى رقم واحد .. وبدأت مظاهر العظمة تظهر عليه ؛ استقام ظهره ، وانتفخت أوداجه ، واصبح لصوته وتصرفاته قيمة في المحافظة ؛ فمن يقيم فرح لاتكتمل فرحته حتي يحضر الفرح عم حسن ، ومن يموت لايخفف عنه فراق الأحبة إلا حضور عم حسن ، وجلوسه بجوار أهل الميت لأخذ العزاء .. لقد أصبح الكرسي رقم واحد مثار حديثنا جميعا وزادت الاثارة عندما وصل الاتوبيس المكيف .



قرر عم حسين بما أنه ركب رقم واحد في الاتوبيس القديم سيجلس علي رقم واحد في الاتوبيس المكيف ، ولو باع نصف ثروته ، وسألناه إن كان يملك سوي ملابسه .. قرر أن لديه ثروة سرية لايعلم بها احد .. وبالفعل جلس عم حسين علي الكرسي رقم واحد وجلست زوجته الجديدة علي الكرسي رقم اثنين .. وعندما سألناه عن سر الكرسي رقم واحد ، قال بعد ان قضي نصف الليل يبحث عن اجابة : الكرسي رقم واحد تكون في مقدمة الاتوبيس تري العالم من خلف زجاج الاتوبيس الامامي كما هو دون ان يزعجك احد .. تري افلام الفيديو كاملة دون قطع .. تشرب سجائرك ولا يعترضك احد .. الكل يعاملك معاملة الكرسي رقم واحد في الاتوبيس


وانهي حديثه بحكمة الرجل الذي جلس علي الكرسي رقم واحد : ( اذا كنت رقم واحد في الاتوبيس ، فأنت رقم واحد في كل شيء .. تفهمونني طبعا )

قصة قصيرة : التجربة الافغانية تاليف محمد خطالب







قرار صعب ؛ قرار القتل .. أن تنهي حياة انسان برصاصة أقل إيلاما من قتله بسكين .. شيء مفزع !! ذلك ما أجمع عليه السفاحون ( إذا كنت قاتل مبتديء ، فلا تقتل بآلة تجعلك قريبا من الهدف) حاولت أن أفهم .. أخبرني آية الله وهو ينفخ السيجار المستورد ويلعن الغرب : تعبيرات الدهشة علي وجه الهدف وهو يموت .. تجعلك تتوحد معه و تظل تطاردك لحظة النهاية للهدف ، وفي عالمنا لامكان للعواطف والغرب إخترعوا الطائرات والصواريخ حتي لايروا وجوه القتلي إنها طريقة سهلة وممتعه . أردت أن اساله عن مصدر الأسلحة الحديثة ووسائل القتل المتعددة هنا من آلات حادة متنوعة الي كلاشينكوف و آر بي جي ودبابات منتهية الصلاحية من أيام الغزو السوفيتي لكن نظراته الثاقبة جعلتني أتردد . إعتدل آية الله في جلسته وتحدث بكلمات سريعة كطلقات الرصاص التي يسلي بها نفسه بإطلاقها علي أعداء الله و أعدائه طبعا : سنهجم علي مركز انتخابي في كابول .. نفجره وعليك أن تكون مستعدا لاستخدام السلاح الابيض مع أي كافر يعترض طريقك .



تدربت ثلاثة أيام علي كل أنواع القتل .. مجهود شاق بذلته وسط جبال وطبيعة قاسية ووجه منحوته من الصخر .. يكفي أن ينظر أحدهم إليك شزرا حتي تتحول لقطعة من الخشب .. قضيت الليالي أرتقي أحد المرتفعات وأنا أبكي ، ولا أفهم سبب بكائي .. هل هو الألم من كثرة التدريبات العنيفة علي إستخدام احدث أنواع الأسلحة وكيفية زرع حزام ناسف للقضاء علي الكفار .. أم وجوه بريئة سكنت ذاكرتي من زيارتي الاستطلاعية لسوق كابول لمعاينة المركز الانتخابي الذي سنفجره .. كان السوق مكتظا بالبشر .. تطالعك فيه جنسيات مختلفة من الجنود كندي ، و أمريكي ، وبريطاني ، و أفغاني .. تستطيع أن تميز بين الجندي الغربي منتفخ الوجه والدم ينضح من وجهه و الأفغاني الهزيل الذي يرزح تحتل ثقل ملابس عسكرية وسلاح يعرفه بالكاد .. دفع احد الجنود متسولة عجوز مدت يدها نحو الجندي تطالب ما تقتات منه .. اندفع الناس البسطاء يسحبون المرأة قبل ان يقتلها .. جنود بلا قلب أو عقل .. في كابول عليك أن تعتاد علي منظر مشوهي الحرب فاقدي الاطراف .. الأرامل .. الأطفال المتسولون . . أمراء الحرب وعصاباتهم المنتشرة بطول البلاد وعرضها .. يسرقون ويقتلون في وضح النهار وبمباركة الجنود الاممين . تبدو حملة لتأديب لشعب منظمة ومننهجة .. كل شيء يدعوك للغثيان .. تذكرت وجه من دفعوني تحت اسم الجهاد للقدوم والاصطفاف خلف مروجي مخدرات وحملة شعار ( القتل المقدس) .. فكرت أن أهرب لكن رجالهم منتشرون في كل مكان يقتلون أى هدف متحرك دون قلب ..نادانى أحد رجالهم بغلظة .. تمنيت لو بقرت بطنه . قابلني آية الله بود لم أعهده منه قبلا .. قال لي : أنت الآن واحد منا رغم الفترة القصيرة التي قضيتها بيننا منذ مجيئك من بلادك .. أنت أفغاني ابن أفغاني .. تدربت علي كل فنون القتل .. ولديك تدريب بسيط قبل عملية الغد المباركة .. إذبح تلك المرأة الخائنة .. أعطاني السكين قبل أن أفكر فى الأمر . نظرت إلي وجهها فإذا فتاة صغيرة بريئة الوجه عينيها زائغة بين السكين وبين ملامح وجهي وبين آية الله المبتسم و كأنه يشاهد فيلم كوميدي .. ارتعشت السكين في يدي وأنا أقترب منها .. كبلني الفزع المرتسم على وجهها والدموع والعويل .. ارتج جسدي وسقط السكين .. هربت من أمامهم إلي الجبال .. ومن خلفي رصاص آية الله المنهمر نحوي .. ورجاله كلاب مسعورة تطاردني في كل مكان .

قصة قصيرة : أحلام مستهلكة تاليف محمد خطاب

 
من فتحة صغيرة في باب حجرتي .. أتجسس علي نفسي .. اراقبني وأنا انفق الساعات الطويلة جالسا علي كرسي خشبي ممسكا بقلمي الرصاص وأمامي أوراق صفراء .. أعيد تخطيط العالم .. أخلق أكوانا و أبيد ممالك .. أقتص من الظالمين أحيانا .. أبسط نفوذي وسلطاني علي القارات الست و اشرب مجرتنا في كوب شاي ساخن .


تسقط قطرات عرق من جبيني .. فتضيع أحرفا .. و يصبح عالمي بلا معني .

أمزق أوراق .. فتختفي شخوصها بلا ذنب .. أعيدها مرة أخري .. أحس بالنعاس ..فأنام علي أريكة قديمة بالية .. وأغوص في متاهات الحلم تاركا شخوصي ضائعين بلا زمن .. بلا هدف .. ينفتح شباك الحجرة بعنف فتطير أوراقي لعوالم أكثر رحابة .. أستنشق هواء راكدا وأغوص في أحلام مللت النوم بسببها .




الخميس، 17 يونيو 2010

التجريد





التجريد abstraction، هو عملية الفصل بين ما هو رئيس، وما هو ثانوي عارض ومتغير. ويعد التجريد عملية حاسمة، تساعد على الانتقال من المستوى الحسّي التراكمي، ومن التعامل مع خليط الخبرة، وتداخل عناصرها ومكوناتها (حسّية، حركية، إدراكية، مشخّصة، مجرّدة، وغير ذلك) إلى المستوى المعرفي النظري، القائم على إدراك ما هو مشترك بين أنواع الخبرة هذه، أي المستوى الذي يشتمل من حيث التكوين والبناء على مفهومات ومبادئ وقواعد وقوانين ونظريات.
وللتجريد درجات، فإذا نظرت إلى الورقة التي أمامك، فانتزعت منها لونها أو شكلها، كان تجريدك فرز المجتمع في الإدراك الحسي، وهو أبسط درجات التجريد. وإذا نظرت إلى اللّون عامة، من دون أن يكون هذا اللون أحمر، أو أزرق، أو نظرت إلى الشكل عامةً، من دون أن يكون هذا الشكل مستطيلاً أو مربعاً، فأنت لم تقتصر في ذلك على درجة الفرق، أو حتى على مجرد الفرق بينهما، بل تجاوزت ذلك إلى درجة أعلى، ولا تزال ترتقي من تجريد أدنى إلى تجريد أعلى حتى تصل إلى تصور المعاني الكلية، والمفهومات الراقية، لذلك، قال ابن سينا: «إن أصناف التجريد مختلفة، ومراتبها متفاوتة».
أولاً ـ ماذا يعني التجريد
يمكن للباحث في الفلسفة، أو التربية أو علم النفس، أن يجد معاني وتعريفات كثيرة لعملية التجريد، وقد يجد فيها بعض الاختلاف، غير أن معظمها متشابه، ليس على مستوى الاختصاص الواحد فقط، بل على مستوى الاختصاصات المختلفة. وهذا الاتفاق يدل على تماسك هذا المفهوم، وثباته وأصالته. وفيما يلي عرض لأهم هذه المعاني والتعريفات:
1ـ التجريد في الفلسفة: يشير التجريد بالمعنى الفلسفي إلى «الجانب الإدراكي، الذي يعزِل عقلياً خصائص الموضوع، عن أي موضوع آخر بهدف تجزئة عناصره، وعزل جوانبها الأساسية، وتحليلها من نواحيها المتعددة، وفي صورتها الخالصة».
2ـ التجريد في المنطق: «هو تبرئة عن شيء، لو لم يبرأ عنه لكان لاحقاً من خارج، فإن من قال إن الإنسان قد يتجرد عن الإنسانية، قال شططاً إلا إن كان يعني أن مادة الإنسانية، قد جُردت عن الإنسانية، فحينئذٍ تكون الإنسانية أمراً خارجاً عنها أيضاً».
3ـ التجريد في علم الاجتماع: يرى جورج لندبرج «أنَّ التجريد عملية إدراكية، وظيفتها توجيه الانتباه نحو خبرات محددة، من أجل تسهيل عملية التعميم، والتجاوب مع معطيات البيئة»، في حين يرى ثيودورسون Theodorson أنَّ التجريد «عملية عقلية، يستخدمها الباحث استخداماً إدراكياً انتقائياً، بهدف الوصول إلى تعميمات، مرتكزاً على جانب معين من الواقع الذي يختار من البيئة عدة ظواهر مدركة».
4ـ التجريد في علم النفس: التجريد عند شيرد «عملية عقلية راقية خاصة بالإنسان، وهو يتحقق على قاعدة المفاهيم والفئات». والتفكير المجرّد هو تجرد واستخلاص علاقات من الأشياء المحسوسة الموجودة، واستخدام هذه العلاقات للوصول إلى تنظيمات أخرى.
ثانياً ـ نشأة مفهوم التجريد وتطوره من الطفولة إلى الرشد
لا يستطيع الطفل حديث الولادة أن يفهم بيئته، وما تنطوي عليه من أشياء وكائنات وأحداث، غير أنه يكتسب هذا الفهم تدريجياً من خلال عمليات النضج، والتعلم، والخبرة.
وينشأ الفهم من خلال الخبرات الحسية الأولية التي يعيشها الطفل، فالمفهومات «ليست معطيات حسية مباشرة، ولكنها شيء ناتج عن ربطٍ وحبك لهذه المعطيات وهي التي تحدد ما يعرفه الطفل، وما يعتقد، ومن ثم، وإلى حد كبير، ما يفعله».
إن التفكير المجرد يتخطى كثيراً حدود المعرفة الحسية، لكنه لا يمكن أبداً أن ينقطع انقطاعاً تاماً عن الإحساسات والإدراكات والصور. إن هذه العلاقة الوثيقة للنشاط العقلي بالخبرة الحسية العملية، لها أهمية كبيرة في أثناء تكوين المفهومات لدى الأطفال.
ومفهوم التجريد كغيره من المفهومات العقلية الأخرى، ينمو ويتطور تدريجياً، مسايراً في ذلك مراحل النمو المختلفة التي يمر بها الفرد والتي سيتم تناولها على النحو التالي:
1ـ الطفولة المبكرة (مرحلة ما قبل المدرسة) 3ـ5 سنوات: تتميّز هذه المرحلة بما يلي:
أـ يتمحور التفكير على العمليات الحسية المتعلقة باللذة والألم عند الطفل.
ب ـ يتصف تفكير الطفل بأنه خيالي، بعيد عن المنطق، كما أن الطفل يكون متمركزاً حول ذاته، ولكنه يبدي تقدماً ملحوظاً وانتظاماً في خبراته الحسية الحركية، ويبرز اللعب كنشاط رئيس لديه في هذه المرحلة.
جـ ـ يطرح الطفل أسئلة كثيرة تدور حول مشاهداته وخبراته اليومية، ويكتشف أن التفكير يرتبط بالكلام، وأن لكل شيء اسماً يقابله.
د ـ يكون تعلم الطفل شرطياً، يعتمد على الاستجابة المباشرة للمثيرات الخارجية.
هـ ـ تكون استجابات الطفل جزئية تحليلية، وليست تركيبية أو كلية، والمثير في لحظة نشاطه يستحوذ على الطفل استحواذاً كلياً، وينبثق معناه من شكله الخارجي فقط.
يبدأ الطفل بتعلم المفهومات في بداية هذه المرحلة، وربما قبلها، أي في نهاية السنة الثانية.
أما المفهومات التي يبدأ الطفل بتكوينها في هذه المرحلة فهي كثيرة مثل: مفهوم الفراغ، والوزن، والزمن، ومفهوم الذات، إضافة إلى المفهومات الاجتماعية التي تتشكل من خلال علاقته بالناس، وعلى رأسهم ذووه. إلا أن المفهومات في هذه المرحلة تكون غائمة جداً وغير محددة ويمكن تعلمها من خلال الخبرة الحسية فقط، بل يمكن عدها على الأرجح، المستوى التمهيدي الذي لابد منه لتعلم المفهوم المجرد. 
2ـ الطفولة المتوسطة 5ـ8 سنوات: ويتميّز تفكير الطفل في هذه المرحلة بما يلي:
أ ـ تفكير تجريدي ناقص وغير مكتمل، يعتمد على اكتشاف أوجه الشبه بين المثيرات المختلفة.
ب ـ لا يتمكن الطفل من استخدام المعاني الكلية، أو الألفاظ المجردة، كما أنه غير قادر على تركيز انتباهه لمدة طويلة في موضوع واحد، أي أن تفكيره انتقالي موزع.
ج ـ يستخدم الطفل الصور البشرية للأشياء التي يخبرها، ويتمكن من إدراك العلاقات المكانية بين الموضوعات، لكنه غير قادر على إدراك فكرة العلة والمعلول على نحو كامل.
د ـ يتمكن الطفل من الاستجابة لعدد من المثيرات دفعة واحدة، كما يكون قادراً على اختيار مثير والاستجابة إليه دون غيره، وتأجيل الاستجابة لمثيرات أخرى لوقت لاحق.
هـ ـ تعمل حواس الطفل المختلفة (البصر والسمع واللمس...) متآزرة مترابطة، مما يجعله يدرك أن ما يلمسه، هو نفسه ما يراه، وأن ما يقرؤه هو عين ما يسمعه.
وعموماً، يمكن القول، إن تفكير الطفل في هذه المرحلة، يتميز بخصائص تجعله أكثر تعقيداً عما كان عليه في السابق، غير أنه مازال بسيطاً، يفتقر إلى الثبات والتماسك إذا ما قورن بالتفكير في المرحلة اللاحقة، أي مابين الثامنة والحادية عشرة.
إن للمفهوم المحسوس في هذه المرحلة، خمسة مستويات من التجريد، يمكن توضيحها في المثال التالي: الكلب بوسي، المستوى الأول بوسي، والثاني كلب، والثالث حيوان، والرابع مادة حية، والخامس مادة. وتزداد هذه المستويات في درجة تجريدها على أساس منطقي هرمي، وقد بُني هذه الترتيب المنطقي على حقيقة مفادها أن المستويات العليا تتضمن المستويات الدنيا، وهكذا إلى أن نصل إلى أعلى المستويات. فالمستوى الأول وهو بوسي، متضمن في الثاني، وهو كلب، والثاني متضمن في الثالث، وهكذا...
وحقيقة الأمر «أنَّ هذه المستويات، التي تتكون المفهومات المجردة من خلالها هي غاية في التعقيد بالنسبة للطفل، وإن كانت تبدو للوهلة الأولى أنها غاية في البساطة».
 أما المفهومات الأكثر أهمية وعمومية في هذه المرحلة فهي: مفهومات الحياة والموت، ومفهومات الفراغ والوزن والزمن والبعد ومفهوم الذات والسببية، إضافة إلى المفهومات الاجتماعية والجمالية.
والشيء الذي يمكن تأكيده هنا، هو أن المستوى التجريدي للمفهومات، أصبح أكثر ارتقاءً من المرحلة السابقة. إلا أنه مازال دون مستوى التفكير المجرد بالمعنى الخالص للتجريد. إن الأطفال على سبيل المثال مازالوا  غير قادرين على فهم حقيقة أن الموت عملية نهائية، فهم يعتقدون أن لكل شيء صفات حيوية تمكنه من العودة. فالعصا بالنسبة للطفل حصان يمتطيه، وقطعة القماش المعقودة بطريقة معينة طفل يداعبه، وهكذا، ولاسيما في بداية هذه المرحلة.
أما مفهوم الذات فيتشكل من خلال الأدوار التي يلعبها الطفل، ويتقمص فيها شخصيات الآخرين. رجل البوليس، المعلم، رجل الإطفاء... ويتجلى ذلك في أنشطة اللعب التمثيلي التي بدأت تأخذ طابعاً شبه منتظم، يعتمد التخطيط، ويتوخى الوصول إلى أهداف شبه واضحة محددة.
3ـ الطفولة المتأخرة: 8ـ12سنة: يتميّز تفكير الطفل في هذه المرحلة بما يلي:
أ ـ تتناقص عملية التمركز حول الذات تدريجياً، ويزداد تفكير الطفل مرونة، ويغدو قادراً على الاستفسار وتقبل آراء الآخرين، ومحاولة فهمها من خلال تفاعلاته الاجتماعية المختلفة الآخذة في النمو والارتقاء.
ب ـ يدرك الطفل ما هو عام، وما هو خاص في اللحظة ذاتها، ويميز بينهما تمييزاً واضحاً.
جـ ـ يصبح التفكير التجريدي لدى الطفل شبه كامل، وخاصة في نهايات هذه المرحلة، إذ تتجلى قدرته في اكتشاف أوجه الشبه، وأوجه الاختلاف بين المثيرات المختلفة كما تتجلى في التمكن من تعليل الظواهر المادية المشخصة.
د ـ يتمكن الطفل من وصف الظواهر والأحداث من حوله، كما يتمكن من إدراك العلاقات ومن الربط والتوحيد بين الموضوعات.
هـ ـ يغدو الطفل قادراً في نهايات هذه المرحلة على القيام بعمليات الربط والتحليل، والتفسير والاستنتاج بوضوح، ولكنه مازال يعود بين الحين والآخر إلى القاعدة المادية التي اعتمد عليها تفكيره في المراحل السابقة.
وـ تقلّ عمليات التشتت الذهني لدى الطفل، ويغدو قادراً على التركيز في موضوع معين بصورة أكثر وضوحاً من ذي قبل.
ى ـ يصبح الطفل قادراً على اكتشاف العلاقات القائمة بين الموضوعات، وفق مبادئ التشابه والتجاور.
ويرى بياجيه، أن الطفل في هذه المرحلة يستطيع أن يقوم بعمليات التصنيف والترتيب والتسلسل والعد والجمع والطرح والقسمة، وبإمكانه إدراك مفاهيم الزمان والمكان والمساحة والعلاقات الهندسية الأولية، إضافةً إلى العمليات الفيزيائية الأولية، ويتم ذلك كله، بصورة تدريجية، وفي إطار العمليات المشخصة، وليس في نطاق الفروض النظرية أو المجردة.
4ـ مرحلة المراهقة والرشد، 12ـ15 سنة فما فوق:
إن استخدام التفكير المجرد الذي يرتقي ويكتمل في هذه المرحلة يستمر إلى نهاية العمر. ومن أهم خصائص التفكير في هذه المرحلة ما يلي:
أ ـ يستطيع الفرد حل مشكلات تتطلب تدخل التفكير الفرضي الاستدلالي، الذي يبنى على معرفة عدد كبير من التنظيمات، مثل التصنيف على أساس محطات متعددة والانتقال بنجاح من التصنيف إلى القانون السببي، وتمييز الغموض في التجريب. ولكن لابد من الإشارة، إلى أنه تمَّ التمهيد لهذه التنظيمات في المرحلة السابقة.
ب ـ يتعلم الفرد عن طريق الاستبصار كمقدمات لإيجاد الحلول للمشكلات الطارئة.
جـ ـ توجد فروق فردية في كيفية التعامل مع المفهومات والقدرة على استعمالها وفهمها. فالعلماء مثلاً أكثر قدرة من سواهم على البحث في أمور غاية في التجريد كالطاقة والجهد والقوة، في حين نرى فريقاً من الناس غير قادر حتى على استخدام المفاهيم العادية. ويركز بعضهم على الاهتمام بالشكل على حساب المضمون.
د ـ تظهر لدى بعض الأفراد على الانتقال من الشكل إلى المضمون وبالعكس، الأمر الذي يمكنهم من اكتشاف مزيد من المفهومات، والقيام بمزيد من عمليات التجريد، وتنقص بعضهم الآخر مرونة التفكير، فيصبح تفكيرهم جامداً أحادي الجانب، ويصير غاية مايبغون الوصول إليه علاقة مناسبة أو مقبولة لعلاقة الشكل بالمضمون.
أما المفهومات التي يصير الفرد قادراً على فهمها واستخدامها في هذه المرحلة، فهي كثيرة وثرية جداً، سواء من حيث الكم أو الكيف، وفيما يلي ذكر لأهمها:
مفهومات النسب والتناسب، والتوازن والمفهومات الاحتمالية واستقراء القوانين وتحليل العوامل إضافة إلى رسوخ المفهومات التي ذكرت المراحل السابقة وتماسكها ووضوحها.
هـ ـ يتناقص اعتماد الفرد على معالجة الأشياء المادية، ويفكر فيما وراء الحاضر، وتظهر قدرته على التفكير العملي وعلى التعامل مع الأشياء عن طريق العمليات المنطقية، ويتطور نحو لامركزية الذات، من خلال مناقشة ذاته وأفكاره بطريقة نظرية وأخرى عملية، يقوم فيها بدور الراشد، وأخيراً يدرك الأشياء من حيث علاقتها بنظام قيم الأشياء.
ثالثاً ـ تطبيقات مفهوم التجريد في الحياة
يمكن تطبيق مفهوم التجريد في الحياة عامة، وذلك من خلال العلوم المختلفة، وعلى رأسها الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الحياة والجغرافية والتربية وعلم النفس والأدب والفن، وأخيراً من خلال علوم الفضاء.
إن تطبيق مفهوم التجريد في الحياة، ماهو إلا عملية عكسية لنشوء التجريد ذاته، فإذا كان تعلم المفهوم المجرد أي مفهوم في الرياضة أو التربية أو الفن، يبدأ من الحسي الملموس ثم لايلبث أن يتخلص تدريجياً مما علق به من أشياء حسية ملموسة، إلى أن يصل إلى أرقى شكل من أشكال التجريد، فإن تطبيق هذا المفهوم في الحياة، يحتاج إلى عودة تدريجية جديدة من أرقى أشكال التجريد إلى الحسي الملموس.
إن صفة التجريد، التي تبدو أنها تباعد بين ماهو نظري وعملي، بين المجرد والملموس هي التي مكّنت وتُمكّنُ الإنسان من السيطرة على عالمه وواقعه المعيش، وتتيح له تطبيقاً أفضل لقوانينه.
وتمتلئ بحوث ودراسات العلم المعاصر بالرموز والمعادلات والأشكال الهندسية، ويُقدم لنا، باستخدام هذه الرموز المجردة ذاتها، اكتشافات واختراعات جديدة في كل يوم، تمكننا من السيطرة على الشروط المحيطة بنا على نحو أفضل، ويعمل على رفع مستوى حياتنا باستمرار.
إن طريقة العلم تكمن في السيطرة على العالم الملموس، والتغلغل فيه وتجريده من صفاته العينية المألوفة، ثم التغلغل فيه من جديد كلما تطلب الأمر ذلك.

أمل الأحمد