الأحد، 17 يوليو 2011

الطاحونة ج1 تأليف د.ملحه عبد الله






الشخصيات
الإبن
الإبنه
        العجوز
        الفلاح
        الضابط
        رجل (1)
        رجل (2)
        مجاميع ( أهل القريه )

    المنظر :
منزل وطاحونة العجوز حيث تظهر الطاحونة في خلفية المنظر فى مستوى أعلى من المنزل.
المنزل ينقسم إلى مستويين على خشبة المسرح .. المستوى الأعلى يضم حجرة المعيشة. فى يمين الحجرة يوجد بار قديم وقد تراصت فيه زجاجات الخمر المختلفة . علق على الحائط مصباح كيروسين خلف البار ليعطى للبار إضاءة خافته، فى يسار الغرفة توجد منضدة الطعام وحولها أربع كراس . الأثاث قديم متهالك ولكن به مسحة من الجمال والذوق وعلى الحائط الخلفى للمنضدة وضعت لوحة تشكيلية لفناني مدرسه"البار بيزون " وبجانب اللوحة علق مصباح كيروسين .. يوجد باب فى وسط المنظر وشباك قديم متكسر وبه قضبان حديدية ، فى أقصى اليمين من المستوى الأعلى يوجد سلم خشبى عريض يربط بين المستوى الأعلى والمستوى الأسفل حيث القبو وهو مكان معتم يتوسطه صندوق حديدى ضخم تخرج منه ماسورة ملتوية تربطه ببرميل خشبى ضخم فى أقصى يسار القبو . كما أن بأسفل البرميل يوجد صنبور معدني .
أجولة الدقيق تتناثر فى المستويين الأعلى والأسفل تبدو بدون ترتيب كما أن غبار الدقيق يغطى الأثاث وكل ركن في المنزل من غرفة المعيشة .
على منضدة الطعام جلست الإبنه بينما جلس الإبن فى مواجهتها على مقعد البار كلاهما ينظر إلى الخارج حيث ريشة الطاحونة حيث يتعلق العجوز أعلاها محاولاً إدارتها بيديه.
الصمت يخيم على المكان كله فلا نسمع سوى أنين الطاحونة عالياً مع صوت هدير مياه ونقيق ضفادع .
الإبنه : الرياح توقفت
الإبن : هكذا طوال اليوم ، لا يفعل شيئا سوى إدارة الطاحونة بيديه المرتعشتين .
الإبنه : أنت إبن عاق .. ألا تدرك معنى أن يظل هكذا بدون عمل ينتظر أن تحسن إليه .؟
الإبن : لقد صار خرِفاً هرِماً .. إن حصيلة ما يجمعه من عمله طوال الأسبوع لا يكفى حتى لإطعام طفل رضيع ورغم ذلك يرهق نفسه بالعمل .
الإبنه : لو أنك لا تبخل عليه بالعطاء لارتاح من العمل .
الإبن : أنت تعرفين أباك جيداً .. فلم يتوقف عن إدارة الطاحونة منذ عشرة أعوام .. رغم توقف الرياح .
الإبنه: ليت أمي موجوده لتساعده .
الإبن : رحمها الله .
الإبنه : ماذا تقول ..؟
الإبن : إني أترحم على أيامها .. فلا أحد يجزم بأنها ماتت أو أنها حية .
الإبنه : مسكينة تلك الأم .  [ دقات الطاحونة ترتفع ] هل تعتقد أنه
         يستطيع إدارة الطاحونة بدون الرياح .
الابن ‍‍: طوال عشرة أعوام وأنا أتمنى أن يُفلح، فكثيراً ما يمتلئ الدقيق بالسوس فى انتظار أن تعمل . هل تعرفين ماذا يقولون عنا فى القرية ؟
الإبنه : هؤلاء الناس ليس لديهم ما يتسامرون به في لياليهم سوى سيرة الآخرين وإساءة الظن.
الإبن : يقولون إنها هربت مع آخر ..
        [ تتوقف دقات الطاحونة ]
الإبنه : قلت لك لا تذكر ذلك مرة أخرى .
الإبن : ويقولون أيضاً أنها تحاكى إبنتها في كل شئ ؟.
الإبنه :  " بعصبية"   قلت لك توقف عن ذلك .
الإب‍ن : ومثلما فعلت الأولى حينما سرقت أموال أبيها فعلت الأخرى وسرقت ذهبه وفرت تثغو وراء كبش آخر.
الإبنه: [ تقترب من الإبن تصفعه ، الإبن يمسك بها ويدفعها لتقع على الأرض ]
الإبنه : قذر
الإبن : عاهرة .
          [ الطاحونة تدق ، الإبن و الإبنه يندفعان نحو الباب ]
الإبنه : عله ينجح هذه المرة .
الابن : منذ أن اختفت إمرأته لم تدُّر . تتوقف الرياح عن دورانها أو ربما عجزت يديه عن إدارتها .
[ دقات الطاحونة تتوقف ]
الإبنه : لقد توقفت .
الإبن : [ يضحك ]
          [ يدخل العجوز وهو يميل إلى الأمام فى إنحناءة واضحه يتجه نحو البار الموجود فى الحائط الجانبى ويتجرع زجاجة خمر يضعها على فمه ويفرغها ثم يتجشأ بصوت عالٍ ينظر نحو الأبناء بإمتعاض وينظر للزجاجه التي فى يده فإذا بها بعض القطرات يرفعها على فمه حتى تفرغ تماماً ، ثم يلقيها جانباً فتنكسر ].
          " صارخا " كفاك جنونا
العجوز : تعالى هنا ياطفلى الحبيب
الابن : أكاد أصاب بالخبل .
العجوز : لا تغضب تعال لأربت على رأسك مثلما كنت أفعل من قبل عشر سنوات .
الإبن : لا تظن إنك بهذا سوف تضعنى تحت سيطرتك .
الإبنه : كفى هو لم يسئ إليك .
الإبن : منذ عشر سنوات لم أكن أحيا معه .
الإبنه : ماذا تقصد ؟
الإبن : كنت مسجوناً
الإبنه : مسجونُ ؟
الإبن : نعم مسجون أتحمل نظرات الناس وشماتتهم فيّ .
العجوز : كانت امرأة لعوب ولعينة .
الإبنه : سامحها الله أينما كانت .. لقد قضيتما علىّ
الإبن : بل قضى عليك ذلك الإحساس المشوب بالنفور من هذا المنزل .
الإبنه : إن كل ركن فيه يشعرنى بقضبان حديدية تخترق جسدى وتسجن فيه حريتى للأبد .
العجوز : [ يتجشأ وينظر فى الزجاجه التى بيده ]
ملعونة تلك الخمر لسرعان ماتزول تاركة ورائها خواء الرياح .
الإبن : هاهو ذا بدأ يهذى من جديد . هل تعتقدين أن رأسه الصغيرة تحمل أكثر من هذا الخواء .
الإبنه : لا ، بل يحمل داخل رأسه عقلاً يحتوى هذا الكون. إن مايتردد من شائعات ليس إلا محض كذب وهراء . ، فالحقيقة لايعلمها سواك أنت .
الإبن : حقيقة .. حقيقة ماذا ؟
الإبنه : حقيقة أمك .
الإبن : وهل يمكن أن أكون مدركا الحقيقة وأتعذب هكذا؟
الإبنه : منذ  أتيت إلى هنا لا يوجد فى هذا المنزل سوانا نحن الاثنان، والثالث منعزل على نفسه لا تسمع منه شيئا سوى الهذيان.
الإبن : منذ أن خرجت من السجن وأنا أسأل : فمِن الأولى أن تعرفين أنت حقيقة الأمر .
الإبنه : أعرف .. ؟ أنت تعلم أن أباك اخترع لنا مسألة سرقة الذهب فكلانا ابتعد عن البيت . آه فيما مضى كانت تكتب رسائلها كلما غبت عنها أو غابت عنى وتضعها في صندوق الخطابات .
العجوز : فى زجاجة الخمر هذه تكمن راحتى .
الإبن : كف عن هذا الخوار
العجوز : أتستكثران عليّ متعة الشراب ، إن قطرات الخمر التى تنسكب فى هذه الزجاجات تحل محل الدم فى جسدى .
الإبنه : سأرحل فلم أعد أطيق هذا الحديث السمج .
الإبن : وهل تفضلت سيدتى الموقرة بذكر أسباب هروبها أول مره .
العجوز : مثل الأخرى .. فقط .
الإبن : [ يركل والده بقدمه ] كف عن ترديد هذه الكلمات التى أغرقت القرية بسماعها إنها تخترق آذانى حينما أتجول في طرقات القرية .
العجوز : هل أعددتما المائدة لتناول العشاء ؟
الإبن : لم يعد فى البيت مايكفى لتناول وجبة واحده .

العجوز: [ لنفسه ] : الضفادع .. الضفادع .. أنتما تسرقان نقودى وأموالى مثل من جلبتكما إليّ . الضفادع .. الضفادع ..
الإبنه : سأرحل
الإبن : لن تفلتين هذه المرة .
العجوز : دعها فربما تجد مرعى أفضل تنعم فيه بظل رجال الوادى
الإبن : لن أدعك تهربين سأفتش في كل ملابسك بل وفى ثنايا جسدك
الإبنه : منذ أتيت إلى هنا وأنا لا أجد ملابسى يبدو أنه أتلفها في محاولة إدارة طاحونته .
الإبن : [ يخرج لفافة ] أعتقد أن فى هذه اللفافة ما يكفى لعشاء اليوم لكن ينقصنا بعض الخمر.
[ صوت شلال الماء يرتفع مع صوت نقيق الضفادع ]
العجوز : الخمر ؟ آه معشوقتى [ ينظر للزجاجه ] ذات الكرات الحمراء . إن لدى زجاجه من أروع كروم العالم أستطيع أن أقايضكما بها على عشائى .
الإبنه : هل وصل بنا الحال إلى التقايض داخل منزل واحد .
العجوز : من يعمل يستطيع أن يأكل فلا أحد يعول الآخر، ردى إليّ ماسرقتيه من أموالى أنت وهذا الأخرق .. عليكما إعادة الذهب المسروق .
الإبن : لقد دفعت ثمن ذهبك المسروق من عمرى خمس سنوات في السجن .. 
الإبنه : وهل محاولتك الفاشله كل يوم لإدارة قرص الطاحونة تسميها عمل .
العجوز : إن ما أفعله كل يوم أفعله كل يوم هو العمل في حد ذاته لكنكم لاتعلمون قيمة العمل .
الإبن : كانت تعد الطعام و لاتأكل حتى نأكل، عكسك أنت تصنع الخمر ثم تشربها بل تقايضنا بها .
العجوز : [ يترنح ] .. لا  إن كل أبناء القرية يشربونها " لحظة صمت ثم ينتفض من مكانه": أسمعتما ؟...
الإبن : لانسمع شيئاً . ماذا دهاك .
العجوز : إنه صوت أزيز الطاحونة - لعلها دارت .
الإبنه : لا تقل أزيز الطاحونة فهذا أمر ميئوس منه - بل قل أنينها .
الإبن : لم تعد تئن بمفردها بل البلدة كلها أصبحت تئن .
العجوز : إن ذرات الدقيق المتناثر على وجوه الناس الراكده يشعرنى بنشوة غريبة .
الإبنه : ريثما تنتهيان من حديثكما المنفر سأعد المائده .
الإبن : لم تعد لدينا مائده . كل مكان فى المنزل إمتلأ بأجوله القمح المعطن ، والمحمل بالسوس .. ثم قل لى .. لماذا تبلل حبات القمح ؟
الإبنه : [ فى أحد الأركان ] علّه يساعده على الطحن فلم تعد يداه    
         تقويان على طحن الحبوب الجافة . أو أنه يضع منها حبّاتاً
         فى هذا البرميل الذى لا ينتهي من الخمر.
الإبن : ماذا ؟ يضع الحبوب فى برميل الخمر ؟!
الإبنه : نعم . فلا أحد يجهل تلك الماسورة الملتوية والممتدة من أسفل الطاحونة حتى برميل الخمر.
العجوز : هلاّ إنتهيت من إعداد الطعام ؟
الإبنه : وكل مساء يحمل فى يده زجاجة خمر حمراء ليذهب بها للمتسامرين على شرف أمى . تفضلا طعامكما سأستريح فى غرفتى .
العجوز : لابد أن تشربين من الخمر المعتق
الإبنه : تريد أن تنتزع منى إعترافاً بسوء أخلاق أمى .
العجوز : بل أريد أن تدركى الحقيقة أيتها المكابرة تشبهين أمك فى كل شئ .
الإبنه : نعم - حتى هذه الخصلات التى تنساب عل جبينى . لقد سئمت هذه الثرثرة
الإبن : جعجعة بلا طحن . فى تلك الأليام الخوالى حينما كانت تغسل مياه الأمطار شجر الكافور الذى يحتضن منزلنا . كنا نتقافز فرحاً ، ونطارد تلك الضفادع الصغيرة .
العجوز : عليها اللعنة . كانت ضفادع ملساء بائسة .. لاتسمن ولاتغنى من جوع .
الإبن : لكنها كانت نشطه . حينما كانت تتقافز فى أرجاء المنزل .
الإبنه : آه . تلك الضفادع منذ رأيتك تذبحها استشعرت الخطر منك.
العجوز : كان سرك مفضوحاً لى منذ رأيتك تتقيئين ولاتقوين على حمل أكياس القمح المنهارة على كتفى . مثلها تماماً !!
الإبن : لكم هو لذيذ ذلك الخمر المعتق . هل تستمر على مقايضتنا بها ؟
الإبنه : [ تتقيأ وتجرى إلى الخارج ]
العجوز : هكذا تفعل كل يوم . لاتهدأ حتى تتقيأ .
الإبن : لأنها لاتتحمل رائحة الأجولة العفنة .
العجوز : تعال أنت، لنشرب سوياً فتنسى هذه الرائحة .
الإبن : دائماً رأيك صائب ياأبى .
العجوز : سترانى دوما على هذا المنوال .. طالما سنشرب سويا .
[ صوت تقيئ الفتاة بالخارج مع صورة نقيق الضفادع ]
إظـــــــــلام














المشهد الثاني
قسم الشرطة
 [ حجرة استقبال - مكتب بسيط - وقطع متناثرة من الأثاث - مصباحٌ يتدلى من السقف - عش العنكبوت يغطى السقف كله محملاً بذرات الدقيق . ]
الفلاح : سيدى الضابط  إن هذا الرجل يقتل كل يوم فرداً منّا بطاحونته الراكده منذ عشرة أعوام .
الضابط : ماهذا الكلام الضخم ؟ يقتل كل يوم فرداً منّا ، دعه يعالج مصيبته . ألا تعلم أين ذهبت زوجته؟!
الفلاح : كانت طيبة . [ صوت ريح بالخارج ]
الضابط : دعك من هذا . فهذه أمورأمور ناتجه عن الطبيعه . الهواء توقف فوقفت الطاحونة .
الفلاح : كل يوم أقف ببابه وهو يحتفظ بقمحى وقمح كل فرد فى القرية . فليرد لنا أموالنا التى نخرها السوس .
الضابط : كل أهل القرية يتهمونها بالخيانة .
الفلاح : لكنها كانت طيبة وشريفة .
الضابط : إن أهل القرية يتقيئون إسمها كل يوم حتى أصبحت همهم الوحيد .
الفلاح : إذا لم تستطع رد أموالنا فأوقفوا ذلك الأنين  . لا أستطيع أن أنام وكل أهل القرية كذلك.
الضابط :لكن كل أهل القرية يطربون لأنينها ويرقصون له رقصاتهم كل ليلة . فربما يمثل ذلك الأنين - حالة استعداد للدوران .
الفلاح : آه لو كانت موجودة لأدارت الطاحونة فمنذ أن غابت ونحن فى هذا البلاء
الضابط : حتى الآن لم يتقدم أحد بشكوى . فتقدم أنت بطلب .. باسم كل أهل القرية وأنا أنظر فى الأمر ولكن .. مدموغ .
الفلاح : سيدى . إنهم جميعا مكبلون بقطرات حمراء يهديها لهم كل مساء .
الضابط : [ يتحسس بطنه ] تقصد ذلك النبيذ المعتق .
الفلاح : وهل هناك غيره فى هذه القرية .
الضابط : لا. لا لست على حق . فذلك هو الذى يعينهم على تحمل البلاء  ثم أنت لاترى إنتفاخ بطونهم . هذا يعنى أنهم لم يعدوا جوعى .
الفلاح : سيدى . إنها حبات القمح النيئة ، تنتفخ فى بطونهم لتصيبهم بهذا المنظر المنتفخ القبيح .
الضابط : أنت لاتعلم أن ذلك من باب الإختبار الإجرائى الذى اختاره لهم القانون لإثبات براءتهم .
الفلاح : وماهذا الإختبار ؟
الضابط : حينما بدأ التحقيق فى قضية إختفائها . قبل حضورى إلى هنا  كان على كل فرد أن يبتلع سبع حبات من القمح مع كثير من الماء كل يوم فانتفخت بطونهم ، وهذا يعنى أنهم أبرياء .
الفلاح : سيدى . لقد أمرتوهم بشرب الماء مع حبات القمح - وهذا أمر طبيعى أن تنتفخ بطونهم من جراء إختلاط حبّات القمح بالماء كل يوم
الضابط : هكذا  ؟!
الفلاح : كل أهل القرية شرفاء لكنهم محتاجون . يتضورون جوعاً سيدى ، يبتلعون حبوب القمح دون طحن مع الخمر كل ليلة .
الضابط : لكنهم سعداء . فالإبتسامه تعلو وجوههم كل مساء .
الفلاح : تقصد تلك الإبتسامة البلهاء . إنه خاتم الزمن على وجوههم وأنت تراها ابتسامه .
الضابط : ولكن ماذا دهاك ، لم لاتنتظر كالآخرين ؟!
الفلاح : لابد أن تحضرها فأنت المنوط بهذا الشأن
الضابط : من هذه ؟
الفلاح : تلك التى لو وجدت لدارت الطاحونة .
الضابط : الطاحونة مرتبطة بأمر طبيعى ... الريح .. مادخلها هي بالطاحونة ؟
الفلاح : إنها هي .. إنها هي ...
الضابط : أتتهمها هي بإيقاف الطاحونة ؟!
الفلاح : أبداً ... أبداً
الضابط : حدد مطلبك ..تريدها هي .. أم تريد القمح أم تريد الرياح .. نحن لنا منك مطلب واحد محدد.
الفلاح : [ يصرخ بعصبية شديدة ] كلها أمور مرتبطه ببعضها فلن أتنازل عن واحدة منها .
الضابط : بالنسبة للرياح والقمح والطاحونة فهذا أمر شرحته لك من قبل . أما بالنسبة لها ، فهي امرأة سيئة السمعة .
الفلاح : كذب ... كذب ... إفتراء . كانت تقف بجوار كل محتاج وتسهر من أجل إطعام أفواه جائعه . تقف طوال اليوم لتوزع الدقيق على كل من يفد إليها ، ثم إنها عاشت بيننا ثلاثين عاماً لم نسمع منها سوى سمعة كرائحة المسك . أين اختفت فبظهورها تظهر الحقيقة .
الضابط : لقد هربت مع عشيقها أفهمت
[ صوت الطاحونة يدق ]
الفلاح : هيه .. إنها تدق [ يتجه مسرعاً نحو النافذه ]
الضابط : [ يتنحنح فى هدوء تام ] وهل هذا غريب عليك ستتوقف سريعاً . [ يزداد صوت دقاتها على شكل نبضات قلب ]
الفلاح : إنها تسرع .. فلنسرع جميعاً فلربما تجود علينا بشئ من الدقيق .. آه لو تسمع هذه الدقات . [يتوقف صوت الطاحونة ]  إنه هو .. إنه هو ... [ يتجه ناحية النافذة ]
الضابط : من هو ؟ !
الفلاح : ذلك العجوز الخرف ، لاتفلح محاولاته اليومية لإدارتها .. ماهي إلا نصف دائرة وتتوقف .
الضابط : لاتقوى ذراعاه على إكمال الدائرة .. لأنه هرم وهذا أمر طبيعى [يتأفف] أوف
الفلاح : نعم . ويداه لاتكفان عن الإرتعاش .. كانت تساعده
الضابط : سمعت إنها كانت بضة ، عريضة الأرداف تغمز بعينيها لكل من يأتى .
الفلاح : محض افتراء مايقوله الناس عنها .
الضابط : إنه هو .. إنه هو ..
الفلاح : من هو ؟
الضابط : ذلك العجوز المنكود ؟ لكم يشعر بالوحدة كالطائر المسكين إذ يحلق وحده بأعلى الطاحونة كل يوم .
الفلاح : تقصد خفاشاً ماصاً للدماء يتعلق كل ليلة  بقدميه من سقف طاحونته الخاويه وهو يعتقد أنه يمنع السماء أن تقع على الأرض .. هكذا تعتقد الخفافيش .
الضابط : هذا هراء .. أفق يارجل .
الفلاح : متى رأيت ذلك العجوز ؟
الضابط : بالأمس .. حين كنا نتسامر جميعاً فى بطن الوادى .
الفلاح : وقتها يمتلئ بطن الوادى بالنبيذ المعتق ،كرات حمراء ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! كما يصفها . أليس كذلك ؟
الضابط : حيث تحيط بنا خيالات الأشجار المظلمة . ولكن .. لماذا تسأل ؟
الفلاح : وهل كف ذلك المنكود عن ذكر مساوئ زوجته.
الضابط : بالأمس لم يذكر لنا مساوئها بل أخذ يعدد لنا فى محاسن جسدها وكيف استحالت عليه الحياة بدونها .
الفلاح : سيدى الضابط لاتغضب منى لو سألتك سؤال .
الضابط : قل .. لن أغضب
الفلاح : تعدنى بذلك ؟
الضابط : قل .. قل إنى أعدك
الفلاح : هل تحمل زوجتك بين نهديها وشماً .
الضابط : أنت وقح
الفلاح : قلت لك لاتغضب إذ إنى أراهن على شئ ، فنحن أبناء هذا الوادى جميعاً لانفتقد للشهامة المطلوبه إزاء الحفاظ على حرمتنا، وها أنت تغضب وتثور إزاء ذكر الوشم بين نهدى الزوجة ، فهل تعتقد أنه من السهل التفريط في حرمتنا . وكذلك هو .
الضابط : ماذا تقصد ؟
الفلاح : أقصد أنه رجل غيور أكثر منى ومنك ومع ذلك فلا يحمر وجهه خجلاً حين يذكر محاسن جسدها .
الضابط : لماذا ؟
الفلاح : هذا هو السؤال ..
إظـــــــــلام














المشهد الثالث
[ حجرة المعيشة ، حيث يقف العجوز على البار يأخذ الخمر من البرميل أسفل الماسورة الممتده من الطاحونة . يغنى ]
العجوز : آه أيتها الخمره المعتقه إندفعى بشدة نحو أفواه جائعه .. آه إنهم ينتظرونك على أحر من الجمر ، وخصوصاً إنهم يتجمعون كالعادة استعداداً لصهر أنفاسهم الحديدية [ يتعثر فى جوال من الدقيق .. يكلم الأجولة ] أيها المنتفخون كل ليلة إهدأوا .. ستنتصرون وتظهرون للنور الأسود فى يوماً ما . صبراً أعزائى صبراً ياتلك الأشلاء سيصيبك العفن فلاتقوين على إيلام ساقى إلى هذه الدرجه ، آه . لن يذهب ذلك الألم عنى سوى هذه الخمرة المقطرة من طحن عظام الخوف
[يدخل الإبن ويقف بعيداً يراقب والده فى ذهول حتى ينتهي من حديثه] .
الإبن : أبتاه هل أصابك الخبل تتحدث مع أجولة الدقيق . ثم قل لى ، يفترض أن تنساب الخمر صافية نقية وخصوصاً أنها تخرج من بين حبات القمح  فلماذا تنسكب حمراء كالدم .
العجوز : ماذا جاء بك إلى هنا ألم تنتهي من عشائك بعد؟
الإبن : لأن أختى تكاد تموت . تتقيأ .
العجوز : لما ؟
الإبن : لأنها شربت كأساً من اختراعك الذى تسميه خمراً.
العجوز : أهل القرية كلهم يعبونه ولايتقيأون فلماذا أختك. قل لىهيه ؟
الإبن : ربما .. ربما .. [ ويخرج ]
العجوز : [ يصرخ منادياً عليه ] تعالى ماذا دهاك [يدخل وهو يترنح ] لم أعد أطيق رائحة العفن الذى يلف المكان كله إنها رائحة غريبة لايتحملها بشر
          إنها رائحة أجولة القمح المعطنة من جراء إبتلالها بالماء ، فرطوبة هذه الغرفة أكلت من ظهرى فماذا تفعل فى حبات القمح .
الإبن : ربما .. ربما .. ! . فحين كنت مسجوناً كانت تلك الرائحة تزكم أنفى كل مساء إذ كانت تلك الغرفة المخصصة لقضاء الحاجة بعيداً ، وكنا مسجونين مع تلك الجثة المتعفنة .
العجوز : جثة متعفنة ؟
الإبن : إثنان إقتتلا بالموسى داخل الزنزانة ومات الأول منهما مقتولاً بموسه، وتركونا جزاءً لنا على سكوتنا مع الجثة.
العجوز : وهمٌ . إنها رائحة أنفك الأفطس إنت .. وأنا أعرفك جيداً [ يتجه لأجولة القمح ] عفوا أحبائى .. فهو لا يعرف قيمة كل منكم .. فلو قضى عمره بينكم مثلى لأحبكم .
الإبن : والدى أنظر إليها إنها تنتفخ يوماً بعد يوم ومع مرور الوقت المكان لن يتسع لها .
العجوز : قلت لك ماذا دهاك عُد لأختك وانتظر .
[ تدخل الإبنه تترنح ]
الإبنه : أبتى .. إننى إقتربت من غيبوبة تامة فالمكان يلف من حولى
الإبن : قلت لك ستقضى علينا كلنا .
العجوز : [ يتجه نحوها ] قلت لك ماذا . أعصابك .. فالأمر لا يستدعى قلقك هذا [ يقف بجوارها ويسكب زجاجة خمر على وجهها ]
الإبن : قلت لك إن حالها يزداد سوءاً كلما تجرعت كأساً من اختراعك هذا .
العجوز : بل سيزداد وجهها إحمراراً أنظر وجهها المشرق وكأن الدم يتدفق فيه بغزارة .. والآن أخرجامن هنا لأتم أعمالى اليومية المعتادة .
الإبن : بل ستخرج معنا ولو للحظة لتستنشق الهواء .
العجوز : أخرج .. ماذا .. أستنشق الهواء إننى أكثر مخلوقات الله حاجة إلى هذا المكان ، لا أكاد أغادره حتى أشعر برغبة شديدة فى العوده إليه.
الإبن : وهذه الأجولة العفنة ؟
العجوز : لن أستطيع العيش بدونها .
الإبن : [ يصرخ ] إنها أجولة الشيطان [ ويدفع بأحدهما على الأرض فتتدفق منه حبات القمح على الأرض] .
العجوز : لقد اقترفت حماقة كبيرة أشد من حماقة أمك تقدم ، ساعدنى في إصلاح ما أتلفت .
الإبن : [ يحمل الجوال جانباً ]
الإبنه : [ تقوم بجمع حبات القمح  تتقيأ ] رائحتها غريبة ياأبى [ تتوقف ] لا..لا لن أطيقها.
العجوز : تقدم أنت وساعدني في إحكام غطاء الزجاجات.
الإبن : [ بهلع ] لا .. لا .. لن أمد يداى فى أى لحظة إلى هذا المعمل الغريب
العجوز : كانت عاهرة
الإبنة : حينما تشرق الشمس دافئة وتتساقط حبات المطر أحتاج لحضنها ، كانت تأخذنى بين ذراعيها وتسرع .
الإبن : لأن دباً أسود اللون قد هاجمكما .
العجوز : ها ها .. أتعتقدين أنها نجحت فى حمايتك .
الإبنه : كان عسيراً عليها أن تصعد الجبل بحمل ثقيل لكنها خطه صائبه .
العجوز : يامعتوهة أتعتقدين أن الدببه لاتصعد الجبال العالية ؟
الإبن : هكذا يقولون .
العجوز: هذا ، هُراء .
الإبنة : تركتنى أتسلق شجرة وحينما اطمأنت عليّ صعدت هي الجبل . أما أنا فأربض على غصن عال وحينها يشد الدب أغصان الشجرة وأنا أتأرجح أهبط تارة حتى أصل إلى الأرض وأعلو تارة أخرى ومن يومها لم أرى أمى .
الإبن : وقد كان رضابه الأبيض ينتشر فى كل مكان من القرية ويملأ هذه الزجاجات الفارغة .ولكن هل تعتقدين أن هذا المكان ستشرق فيه شمس .
الإبنه : كان لزجاً قميئاً .
العجوز : [ يتجه للأجولة ] تقدموا ياأحبائى وانثروا محتواكم الأبيض في ارجاء المكان كما عهدتكم بل وفي أرجاء القرية كلها .
الإبن : عشرة أعوام ومحتواها الأبيض الذي تسميه دقيق يعم القرية كلها، فلم يعد منزل أو طريق أو وجه أو شارب إلا وكساه الغبار الأبيض.
الإبنه : حتى أعالى الأشجار وأوراقها كلها كساها .
العجوز : ومادخلى أنا . فالرياح لو هبت لتطاير كل ذلك أو حتى ريشة الطاحونة إنها كفيلة بأن تنظف القرية كلها من جراء حركتها القوية [ ينزوى لنفسه] لكنى أعشق ذلك المنظر الراكد [ينشغل بزجاجات الخمر ]
إظـــــــــلام