السبت، 9 يوليو 2011

مسرحية أَلطَلْسَــــــمْ تأليف : ملحة عبد الله










المنظر :
وادى بين الجبال العالية يتوسطه قمة تعلو كهف تراصت الأحجار على جانبيه .. صوت الريح  يتردد صداها بين الجبال على يمين المنظر توجد شجرة صبار ضخمة وعلى اليسار يوجد شلال مياه ينساب من بين الأحجار يجلس أمامه رجل عجوز فارع الطول شديد بياض الشعر وقد إستطالت لحيته بشكل مبالغ فيه كما إستطال شعر رأسه حتى تهدل على جبهته حتى لايظهر من وجهه إلا عينيه وقد ارتدى جلباباً أبيض يدقق النظر فى شلال المياه ولايحرك ساكناً كتمثال منحوت من الصخر ...
يدخل الشاب وهو يترنح ممسكاً بكتفيه يسيل الدم على ملابسه بغزارة يجلس أمام شجرة الصبار وهو يتألم .. ويبدو عليه الإعياء يجول بنظره متفحصا المكان من حوله فيرى العجوز الجالس يتجه بجسده صوب العجوز زاحفاً فيتأكد إنه تمثال فينام على ظهره مستلقياً يقف العجوز ويسير حتى يقف فاتحاً قدميه وبين قدميه يرقد الشاب .
العجوز : [ بهدوء ] آه لقد آن الأوان أن تقف بباب هذا الأثر الذى طالما وفد إليه أناس كثيرين لكن مع الفارق .. أنت حى .
الشاب : [ مفزوعاً ] من أنت
العجوز : لايهم .. المهم إنك جئت
الشاب : لقد جئت إلى هنا مرغما فضمد جرحــــــى أولا [ يتحسس كتفه ] ياوالدى الشيخ .
العجوز : منهمك أنت ياولدى ولكن ..
الشاب : ولكن ماذا ..؟ جرحى ينزف والموت قاب قوسين أو أدنى وتقول لكن أفعل شيئا أى شئ
العجوز : ألدغك عقرب ؟ أم ثعبان أم ماذا فلدى لكل جرح علاجه .
الشاب : جرح أى جرح ؟ المهم أوقف النزيف .
العجوز : ما أسمك ؟
الشاب : مصباح .. مصباح أفهمت أسعفنى بارك الله فيك
العجوز : [ يميل على الأرض ويأخذ حفنة من الرمل ثم يملأ قدح من الماء ويضع فيه حفنة الرمل ثم يرج القدح وينوله للشاب ] أشرب .. أشرب يابنى فهذا دواء لدغات العقارب .
الشاب : [ يتقزز وهو يشرب ] ولكن هذه ليست لدغة عقرب هذا جرح عميق عميق جداً أنظر .
العجوز : سأصعد الجبل من أجل أن أجمع لك أوراق الشجر وأطبخها وأضمد جرحك
الشاب : لا .. لاوقت لهذا أنا أنزف أنزف أفهمت .
العجوز : قل لى أولا ماسبب جرحك .. ؟
الشاب : [ يقع على الأرض ] أنها [ يتردد ] أنها رصاصة مصاب الرصاصة ترقد فى كتفى أفهمت
العجوز : النار شفائك لابد أن أكوى جرحك من أى البلاد أنت ؟
الشاب : من هناك .. من خلف النهر
العجوز : [ يتحسس كتفه ] الجرح ليس هين .. إن الأنهار كثيرة .. من أى نهر عبرت ؟
الشاب : من خلف النهر الكير
العجوز : آه أن هذا النهر ملئ بالحيات والعقارب فكيف نجوت ..؟
الشاب : ذلك الصياد العجوز .. أرحنى ياوالدى .. أعطنى شيئا من الماء
العجوز : حالا .. سترتاح بعد قليل .. لكن قل لى أليس لديك زوجة وأولاد ؟
الشاب : ياألطاف الله ألا يوجد بشر هنا [ يصرخ فيتردد صدى الصوت بين الجبال بينها أخذ العجوز فى تهذيب بعض سعف النخيل ]
العجوز : لايوجد سواى فأنا خادم هذه الجبال وأنا حارس هذا الأثر منذ .. قل أربعمائة عام
الشاب : [ يفزع ويقف لكنه يقع على الأرض ]
العجوز : [ يغنى أغانى خاصه به ويتحسس الجرح ]الصياد العجوز صاحب المركب المثقوبة
الشاب : مثقوبة .. ؟
العجوز : حين ضربه التمساح وثقب القارب وأمتلأ بالماء .. كيف عبرت إلى هنا .. ؟
الشاب : هل أقوم أعد لك النار .. ؟
العجوز : أن النار ستكون جاهزه حالاً سترى .. كلها .. لحظات ..
[ الدم يتدفق من كتف الشاب بغزارة ]
          إن دمك هذا سيتخشر سريعاً فأضع بعضه على النار تتصاعد منه رائحة الشواء وحينها .. ترى
الشاب : [ يصرخ ] أرى .. ؟ هراء ماتقول أوقف النزيف أرجوك
العجوز : لا .. لا .. لاتتحرك فتتناثر قطرات الدم فنحن فى حاجة إلى قرص الدم دعه يسيل حتى يتخشر [ ويشعل النار ويجلس ويخرج طبلا ومزمارا ويبدأ فى عزف إيقاعات خاصة ]
الشاب : أرجوك أحملنى إلى هذا القارب هناك .. القارب المثقوب لأعبر إلى أى مكان فيه حياة
العجوز : دعك من هذا قلت لك أهدأ فسترى .. قل لى .. هل تأملت ملامح ذلك الصياد العجوز
الشاب : آه .. لقد سمعت صوته فقط ولكن كان يبدو لى أنه يرتدى قناعاً على وجهه حيث يبدو منه العظم بارزا
العجوز : أريد أن أطمئنك يابنى لم يكن قناعاً بل هى جمجمة على رأسه يحملها منذ أكثر من ألف عام
الشاب : قلت لك أخرجنى من هنا [ لنفسه ] يقول ألف عام ماذا أتى بى إلى هنا
العجوز : قلت لك سترى .. فهم ينتظرون قدومك منذ أو وضعوا أجسادهم على الأرض
الشاب : من هم ..؟ ومالى بهم أريد أن أعيش .. لاأريد أن أموت الآن
العجوز : من هم .. ؟!
          أولئك الذين يتمددون بداخل هذا الكهف فلو صعدت ودققت النظر إليهم من فوهة هذا الكشف لوجدتهم يتمددون كل إلى جانب الآخر بأسمال ممزقة فلا يبدو منهم سوى الجلد يغطى العظم البارز فلم يقاوم الزمن منهم سوى هذه اللحى البارزة التى إستطالت حتى أقدامهم تحركها الرياح يمينا وشمالا كل صباح
الشاب : وكيف استطاعوا مقاومة وحوش الليل فى هذه الجبال المظلمة

العجوز : مظلمة ..؟! إن نيران عيونهم المتوقدة تخيل ظلام الكهف إلى فوهة الجحيم كل مساء [ يخرج من بين ثنايا ملابسه ورقة مطوية يفردها بعناية شديدة ويضعها أمام الشاب ] أنظر دقق النظر فى ملامح هذا الشاب
الشاب : ماهذا [ مفزوعا ]
العجوز : مهلا يابنى ألم أقل لك لاتتحرك دع الدم يتخثر ثم ماذا يفزعك أن الفرج قد دنا لنا ولك
الشاب : فرج .. ؟ من أين فرج ..؟ ثم أنه الموت بعينه ثم قل لى ماذا أتى بصورتى
العجوز : نحن مكبلون منذ آلاف السنين ننتظر قدومك ونحن بين هذه الجبال الراكدة
الشاب : تقول نحن .. من أنت ومن معك
العجوز : [ يشير إلى الكهف ] هم وأنا حارس المكان قلت لك منذ أربعمائة أو ألف سنة
الشاب : عمرك ألف سنة [ يصرخ ]
العجوز : منذ أن لامست قدماك الماء فى النهر الكبير وهذه الجبال تردد صداك أسمع [ يتردد صوت رجع الصدى ]
الشاب : [ يبدو فاقد الوعى تقريبا بينما يأخذ العجوز أقراص الدم يضعها على النار ] الرائحة تعم المكان .. دمى يحترق
العجوز : السركله فى هذه الرائحة وهذه الصورة أنظــر [ يضع الصورة أمامه ]
الشاب : الصورة بدأت تحترق من الذى رسمها قـــل لى [ ينام ويضع رأسه على الأرض ]
العجوز : شيخ عابر سبيل حينها رآهم ينامون فى سبات عميق منذ آلاف السنين وأنا حارسهم الوحيد أعطانى هذه الورقة
الشاب : الدم ينزف سألحق بهم .. أرجوك ماذا فى هذه الورقة
العجوز : يقر سيأتى زمن يقدم فيه شاب يافع من خلف النهر فى المركب المثقوب يتدفق دمه دفعته يتحشر على لهب النار المشتعلة يعبر فوق الحيات والأفاعى يحيا لتحترق الصورة وينفك الطلسم
الشاب : أرنى الصورة .. أنها تخترق فى يدك كما تخترق خثرات رمى فوق اللهب [ العجوز يقلب النار فوقها قرص الدم ]
العجوز : وعندما ينفك سر الطلسم .. حلمى الأبدى
الشاب : .. ماذا نقول ..؟
العجوز : لاعليك إنى أنتظر منذ ألف عام أو قل ألفين
الشاب : بل تزيد فلقد تعبت من عد الموتى داخل الكهف ولقد نقبت من عد السنوات
الشاب : موتى ..؟
العجوز : وأنا حارسهم أنتظر فى ولع وشوق حضورك .. أنت هو
الشاب : [ يتململ محدثا نفسه ] سيزيد عددهم واحدا فى هذا اليوم
العجوز : حاول أن تقرأ سر الطلسم
الشاب : فلنقرأ أنت
العجوز : لا أجيد القراءة .. كلنى أحفظ سر الأمم وتاريخ الحضارات أتلهف شوق لحضورك
الشاب : [ يقرأ ] ذو القرنين أو من يحمل هذه الأرض على قرنين .. من جاء من مقدونيا بالحلم الأعظم [ دخان كثيف يتصاعد من الدم المحترق ] هو لا كوخان والجيش الذهبى المنتصر .. خاقان المشرق والمغرب حارق ومالعظيم نيرون [ يزيد إشتعال النار ] أبو قيس الجاثم على أفراس النهر المنكوبة وابن يوسف الحجاج حاصد الرؤوس اليانعة تيمور لنك نابليون وهتلر وموسولينى .. ماهذه الأسماء وما هذا أيجمع أسماء الطغاة كلا فى ورقة إقرءها وأنا أتلوى بين يديك يارجل [ الدخان يتكاثف على باب الكهف صوت أنات من الداخل ] ماهذه الأصوات
العجوز : أصواتهم بدأوا يفيقون من سباتهم أنت موقظهم ومنقذهم فالآن يفتح الكهف
الشاب : ينفتح يقضون عليها .. لاأريد أن أموت
العجوز : بل تعيش وتحيا من جديد .. أنظر لكن أكمل يابنى فالكهف لن ينفتح الآن [ أصوات تبعث من الداخل ]
الشاب : حين قدمت إلى هنا أعتقدت أننى نجوت
العجوز : نجوت .. نعم لقد نجوت ولكن قل لى ممن تريد النجاة
الشاب : سيدى أنا شاب مثل كل شباب مدينتنا أشتاقت نفوسنا لتغيير تلك الأوضاع المختلة
العجوز : أوضاع مختلة ؟!!
الشاب : ساعت أوضاع مدينتنا وشظف العيش يؤرقنا تقدمت أنا ورفاقى ناولته رصاصة أستقرت فى رأسه وهربت
العجوز : من ؟
الشاب : تلك الهولة أو ما اللعنة ننزل على حقولنا تبتلع سنابل قمحنا الخضراء ونخش القطن الأخضر وتدوس بقدميها حقولنا الخضراء حتى هجمت علينا جحافلهم من الجو والبحر والبر فتحولت أراضينا لأراضى الحضرا ، إن أراضى صفراء
العجوز: والرصاصة التى فى كتفك
الشاب : إنه ناب السهولة أشد فتكا وسما من رصاص القناصة يرقد فى كتفى
العجوز : ذلك الصياد والعجوزة صاحب القارب المثقوب عبر بك ومات هو إذ أنك قدمت تجدف قاربك بساعديك هاتين [ أصوات تنادى باسم مصباح ]
الشاب : لقد عرفوا إسمى .. من أين ؟
العجوز : ألم أقل لك أنهم يدينونك ومنتظرونك
الشاب : نعم .. نعم [ بصوت عالى يصرخ ] أغيثونـــى [ صدى الصوت يدوى بين الجبال  كما أن صدى الأصوات القادمة من الكهف يدوى أيضا]
الأصوات : مصباح .. مصباح
العجوز : أنظر .. [ ينظران إلى الكهف فيتسع قليلا ] [ وينقشع الدخان ]
العجوز : لقد آن الأوان أن تدخل مدينتهم فلقد استيقظوا
الشاب : سأشفى من جرحى ؟
العجوز : بل ستحيا من جديد وتحيا معك
الشاب : فليأتوا إلى هنا
الأصوات : لن نستطيع أنت الذى تأتى إلى مدينتنا .. وتشفى من بابك

[ صوت صرخة عالية يمتد الصدى ]
تقدم يامصباح
الشاب والعجوز يتقدمان على باب الكهف يزحف الشاب حتى الباب بينما يقع على الباب يعود العجوز على صخرته ينظر إلى الشلال ويتكاتف الدخان على باب الكهف وإظلام ]
[ ستار ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق