بعد أفول نجم الاشتراكية في الحقب الزمانية الماضية، وبعد سطوع نجم الإسلاميين بعد الثورات العربية في تونس ومصر وغيرها من الدول العربية، نرصد تحرك تيار جديد تحت مسمى (الأناركية) مع الثورات العربية، فيجوب شعاره الملاعب ومحطات المترو وأغلب الأماكن متخذا من الدائرة الممزوجة بالأحمر والأسود "يتوسطها حرف A مقلوبا" شعارا له، وأغلب معتنقيه من الشباب، ولهذا التيار أسس وأهداف فهو البديل الذي يطرحه هذا التيار عن الرأسمالية والدولة، وأهم مبادئه أنه "النظام الاشتراكي التحرري الأناركي أوالنظام الاشتراكي. يتأسس على الملكية التشاركية (الكوميونالية) لكل من وسائل الإنتاج والعنف والمعرفة، باعتبارها مصادر السلطة المادية، لا ملكية الدولة العامة كما في رأسمالية الدولة، ولا الملكية الخاصة كما في رأسمالية الأفراد، ويقوم على احترام حقيقة تفرد الإنسان كفرد له سماته وشخصيته الفريدة، والذي تتعدد أبعاد شخصيته بسبب صفاته الجسدية والعقلية ومكتسباته الاجتماعية، وخبراته التاريخية، وقدراته الخاصة"، هذا ما يرتكز عليه هذا التيار الأناركي، كما أنهم يرون أن الإنسان مكبل بالعديد من القيود مثل الصفات الوراثية والأوضاع الاجتماعية مما يجعله مجبرا على اكتساب موروثاته وجنسه ولغته وثقافته وعقيدته وعاداته وتقاليده ومجمل وعيه، ولذا يجب تحرره من وجهة نظرهم. وقد دعا هذا التيار إلى الانضمام إليه طالما قارب سن الشباب لكي يتم تحريره من هذه القيود كما يرونها، ومن ثم تتعدد التشاركيات (الكوميونات) بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو آرائه السياسية أو دينه أو قوميته أو وضعه الاجتماعي.
إن هذه السمات غالبا ما نلحظها في بعض التكتلات الشبابية - التي ترتدي هذا الشعار-، جيل جديد يتزعم مبادئ لا يدرك كنهها ولا يعلم من أين أتت ومن هم صانعوها، وهي أفكار ـ بلا شك ـ وافدة على المجتمع العربي بإرثه الكبير من معتقدات وعادات وتقاليد وأعراف. إن الانسلاخ من القيم الموروثة هو ما نظَّر له الغرب. ففي ندوة بعنوان (تفسير الربيع العربي من وجهة نظر أكاديمية أميركية) حفلت بالعديد من المنظرين ومنهم "مارتن إنديك" (نائب الرئيس والمدير، السياسة الخارجية، معهد BROOKINGS ). وأوليفر روي (الرئيس في Mediterranean Studies ) ـ معهد European University ـ وتوماس فريدمان (محرر في الـ New York Times).
نجد مقدم الندوة يقدم أولفر روي فيقول: "كان أوليفر روي أحد أوائل الخبراء الذين ناقشوا الحاجة إلى الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ ودعم التغيير، التغيير الديمقراطي الذي فهم روي أنه سينتشر عبر العالم العربي من تونس. لقد قال إن الثورات العربية تشكل الثورات الأولى لما بعد الأسلمة".
وبالتالى فإن نظام الأناركي هو المثال من وجهة نظر روي وإنديك. إنديك يرى أن هؤلاء الشباب هم من يمثلون المجتمع الجديد في العالم فيقول: لماذا قلت إن الربيع العربي أمر لا رجعة فيه؟ بالنسبة لي هناك ثلاثة تغييرات رئيسة بالعمق في المجتمعات العربية؛ أولا.. إنهم أقل ارتباطاً بالعائلات الكبيرة، بالعائلات الممتدة. لديهم عدد أقل من الأطفال عندما ينجبون. إنهم أكثر اتصالاً, وأكثر عالمية وشمولية. غالباً ما يفهمون أو يتحدثون لغات أجنبية. إنهم على اطلاع. وهم لا يتبعون المجتمع الأبوي التقليدي، والثقافة الأبوية بالضبط، لأن البنى الأبوية، على وجه التحديد، هي الآن في حالة هبوط، لم تعد تعمل. إنهم أكثر تعلماً من آبائهم. إنهم أفضل من آبائهم".
ثم يثني روي على أهم ظاهرة، وهي الانسلاخ من القيم العربية فيقول: "إن الصورة الأبوية التقليدية عن الزعيم لم تعد تعمل بعد اليوم. فهم غير منجذبين للقادة الكاريزميين. إنه جيل السلام، ليس جيل القادة العظام. لذا، فإن نتيجة هذا الأمر – وهذا هو التغيير الثاني- هو أن هناك انهياراَ للثقافة العربية التقليدية – حسناً، كلمة تقليدي كلمة كبيرة – لكنه انهيار للثقافة العربية التقليدية المبنية على الشخصية الكاريزمية أو المبنية على الابن، كما تعلمون. فعادة ما يكون الأبناء أقل كاريزمية من آبائهم. لكن مع ذلك، كما تعلمون، كانت الفكرة أن هناك قائداً شرعياً كبيراً وأنه يفترض بالناس أن يكونوا موحدين، وأن أي نوع من أنواع الإيديولوجية، القومية، الإسلاموية، العروبة، مسألة لا تهم, وأن الديمقراطية هي ديمقراطية خارجية ـ أكثر من خارجية ـ هي مؤامرة لتدمير وحدة الشعب العربي".
ثم يستمر في محاضرته فيقول: "كل ذلك انتهى. إنهم يؤمنون بالديموقراطية، وليس بالمصطلح الثقافي للكلمة، إنما بشيء موجود في داخلنا جميعاً. هم لا يهتمون باتباع النماذج غير التقليدية، كما تعلمون. هم لا يؤمنون بالمؤامرة الغربية لتقويض القومية العربية. هم لا يكترثون للبروباغندا.. يريدون حكماً رشيداً ومواطنة جيدة"، وبهذا فإن خلع رداء العادات والتقاليد والقيم - من أبرزها إسقاط السلطة الأبوية والمتمثلة في احترام الكبير ووجود الشخص الرمز والقادة العظام - من متطلبات إنديك للعالم الجديد.
هذا هو النموذج لدى منظري العالم الجديد، حمى الله شبابنا وعاداتنا وتقاليدنا.. آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق