الجمعة، 13 يوليو 2012

فوبيا الكاميرا والمرايا المتوازية بقلم : ملحة عبدالله



لفوبيا الكاميرا مكان واضح على المستويين المؤسسي والمجتمعي، ولكنهما نقيضان مستويان على سطح المرآة العاكسة، فالأولى مبرراتها هزيلة وزائفة، والثانية مبررة ومقبولة لأنها تصبح شديدة الخطورة على المجتمعات التقاليدية التي وجب احترامها لقد تداول النقاد مصطلح المرايا في تيار نقدي حديث، في محاولة سبر أغوار الواقع من خلال الأعمال النقدية، وسُطرت كتب عديدة بين المرايا المحدبة والمرايا المقعرة، فقد حظيت صورة المرآة بذاك الاهتمام الشديد في الدراسات الأدبية في المجال النقدي في النصف الثاني من القرن المنصرم، ومنها مفهوم المرايا المسطحة أو المستوية، ولهذا فقد فرض الموضوع نفسه، الكاميرا والمرايا المتوازية، وما تحدثه من عوامل نفسية في جوانب مجتمعاتنا.. "فهناك أربعة أشكال وأوضاع معروفة للمرايا، المرآة العادية حينما تكون منفردة، تعكس كل ما يوجد أمامها في صدق وأمانة دون تزييف أو تشويه أو مبالغة وسميت بالمرايا المستوية. أما المرآتان المتوازيتان فتقدمان صورا لا نهائية لكل ما يقع بينهما في متاهة خداعة ووهمية. والمرآة المقعرة، تقوم بتصغير الأشياء بشكل مخل يشوه حقيقتها لكن المرايا المحدبة تقوم بتكبير كل ما يوجد أمامها وتزييفه حسب زاوية انعكاسه فوق سطح المرآة".  فإذا ارتأينا أن المرايا المقعرة والمرايا المحدبة والمتوازية والمستوية هي أدوات نقدية لعوالم المجتمع، فإن الكاميرا ـ الإعلام المرئي ـ في يومنا هذا هي أداة من أدوات المرايا المستوية كما يجب أن تكون، إلا أنها تتحول في عالم تسوده فوبيا الصورة إلى مرايا متوازية كما صنفها النقاد الحداثيون. بما تحمله من خواص المتاهة الخداعة والوهمية في ظل هذه الفوبيا. وللصورة المسطحة مفعولها السحري في التسلل إلى الوجدان الجمعي وهنا تكمن الخطورة.  فللكاميرا سحرها ولها عنفوانها في الكشف عن أغوار النفس الداخلية قبل الخارجية وبالتالي المجتمع، ولعل الاهتمام بالتفاصيل الخارجية عامل حرفي فُتحت له أبوب الجامعات والأكاديميات العربية والعالمية للتعامل مع التأثير والتأثر بزواياها وحركاتها وأنواع إضاءتها في أطياف المجتمع، لأن تلك خاصية من خواصها الانعكاسية ولها مدلولاتها العتيدة في التأثير على من يتلقاها. ولهذا كان السؤال الملح وهو: إلى أي مدى يتعامل مع الكاميرا المسؤولون من كوادر وشخصيات عامة وأعلام دول بعد أن تسلل نوع منها إلى أبعد مما يجب؟ ولقد دأب العامة على استقبال الكاميرا بنوع من التحفز وأحيانا نوع ثقيل من التزيي ولبس القناع خوفا وتأمينا من تسلل خواصها لكشف أغوار النفس وما يدور في بواطن الوعي، وفي ردهات المؤسسات الأهلية منها والرسمية. تلك مشكلة كبيرة في ارتداء القناع، ولهذا فقد ظهر فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" لأحمد زكى عام 1999 لكي يكشف قناع مجتمع بأكمله بما له وما عليه. لأن في موروثنا النفسي أن يضحك المرء أمام الكاميرا فور التقاط الصورة، لكي يخفِ ما يظهره عما يبطنه وهنا تكمن الخطورة في إعلامنا الحالي. ولعل الكاميرا اليوم من أهم عوامل الخوف الذي قد يصل إلى حد الفوبيا لدى كثير من الشخصيات العامة، فلم يعد الأمر كما تعلمه ودرسه الدارسون والمتخصصون في فنون الزوايا واللقطات بحسب ما يقتضيه الخبر الصحفي إذا ما اعتبرنا أن الصورة في حد ذاتها خبر صحفي حسب مقتضيات الخبرة الصحفية في فنون الخبر وأدواته، ومن جهة أخرى أصبح الأمر أشد ضراوة وأكثر جرأة إلى أن يصل إلى التعدي على الحقوق الشخصية والحياة الخاصة. حتى أصبح في حياة المجمتع العربي برمته شبح هذه الفوبيا، فأصبحت تلعب هذه الفوبيا على مستويين: المستوى الأول: على الصعيد المؤسسي.. المستوى الثاني: على الصعيد المجتمعي. فإذا ما تطرقنا للمستوى المؤسسي في الوطن العربي فسنجد أن هناك العديد من الشخصيات العامة ترفض فجائية الكاميرا خوفا من المرور بين الحقيقة والقناع، وتجنبا لأهم خاصية من خواص المرايا المستوية التي تكشف الحقيقة كما هي دون زيف أو مواربة، حينها نقع جميعا كمجتمع في منطقة المرايا المتوازية بما تحمله من خاصية المتاهة الخداعة والوهمية، بالرغم من أن ثقافتنا العربية والإسلامية تأسست على مراقبة الذات في السر والعلن لمن تحمل عبء المسؤولية، فحين يصبح الإنسان في مصاف الشخصيات العامة فلا بد أن يكون ظاهره باطنه وباطنه ظاهره ويعلم أن لكل فرد في مجتمعه نصيبا في أدائه وتصرفاته وأخلاقياته وعاداته وتقاليده، ومن هنا يتحتم عليه أن يجعل من ظاهره مرآة لباطنه لأن الكاميرا أصبحت في مفهوم المرايا المسطحة الكاشفة لبواطن الأمور ولم يعد لنا سبيل لتقبل فكرة ومقولة "اضحك الصورة تطلع حلوة". فلمذا إذا تلك الفوبيا التي نلحظها على كل من تبوأ مركزا مرموقاً؟ ولماذا يتحتم علينا أن "نضحك للصور لكي تطلع حلوة"؟ فالكاميرا يجب أن تتحرك بدون استئذان في كل ركن من أركان مؤسساتنا العربية والمحلية بدون خوف، لأنها منا وإلينا ومن خاف منها أو ترقبها أو استعد لها كان من المقنعين الذين يرفضهم المجتمع بأسره، لأنهم من فئة أو من جماعة "اضحك الصورة تطلع حلوة" بينما قد يكون في داخله بكاء ونحيب وتشنج لا يعلمه سواه. أما على المستوى المجتمعى فالعكس هو الصحيح، من زاوية الحرية الشخصية واحترام خصوصية الفرد وخاصة في مجتمعاتنا العربية ذات الحدود والخطوط الحمراء، التي أصبح للفوبيا الكاميراتية فيها قسط كبير حرصا على شديد الخصوصية والحرية الشخصية في هذه المجتمعات، ولذلك نرى لهذه الفوبيا مكانا واضحا على كلا المستويين المؤسسي والمجتمعي، ولكنهما نقيضان مستويان على سطح المرآة العاكسة، فالأولى مبرراتها هزيلة وزائفة وغير مقبولة إلى أبعد مدى، والثانية مبررة ومقبولة لأنها تصبح شديدة الخطورة على هذه المجتمعات التقاليدية التي يجب أن نحترمها ونقدرها، إلا أن كليهما يستويان بمرارة شديدة على سطح مستو من الفوبيا العاكسة لدواخل النفس وللمجتمع بجميع مستوياته. 


جريدة الوطن

الأخلاق فطرة أم اكتساب؟ بقلم : ملحة عبدالله





هل سأل أحد منا نفسه قبل أي تصرف أو سلوك يسلكه: هل هذا من الأخلاق في شيء؟ ليس من أجل مصلحة أو نفع مادي أو معنوي ذاتي، وإنما من أجل أن تظل راية مجتمع بأسره خفاقة؟
سؤال طالما حير كثيرا من الباحثين ونظر له جل الفلاسفة، ودعت له جميع الأديان السماوية، اعتمادا على علاقة الفرد بذاته وبالآخر ثم المجتمع، فالإنسان في عصره الأول كان لا يخاطب الآخر إلا بالإشارة ثم اخترع لغة كي يأنس بالآخرين فاتسم عصره بالخطاب اللغوي الكلامي ومن هنا تطورت اللغة بين الكلام والإشارة. 
والأخلاق أو السلوك البشري هو مجموعة تصرفات وممارسات تتسم بالشمولية ابتداء من الحركات والسكنات إلى أن تشمل جميع أشكال التواصل البشري والإنساني والحضاري التاريخي في إطار القيمة.
ومن هنا كان هذا السؤال حول: هل الأخلاق والسلوك البشري فطرة فطر عليها الإنسان أم أنه يكتسبها من محيطه البيئي والاجتماعي؟
فإذا ما رجعنا إلى التحليل العلمي، سنجد أن هناك تفاوتا كبيراً بين الاكتساب والفطرة، وقد أكد كثير من العلماء والفلاسفة أن الإنسان كله خير أي أنه فطر على الخير، أما النوازع الأخرى فترجع إلى نوازع القيمة وهي مكتسبة من محيطه وبيئته، ولذك ظهرت مجموعة أفلام طرزان التى ضجت بها السينما الأميركية تؤكد ذلك في أنه ولد في وسط بيئي "غابة" فاتسم بسلوك ولغة وتصرفات تلك الغابة، وهي رؤية لا تزال محل الجدل. وإذا ما سلمنا أن الإنسان قد فطر على الخير كله وأن ما عداه مكتسب فقد يرجع ذلك كله إلى نوازع النفس البشرية التي وضعها الله سبحانه وتعالى فينا ومنها تعدد الأنفس من نفس مطمئنة ونفس أمارة بالسوء والنفس الراضية إلخ..
وقد أرجع علماء النفس ذلك إلى مبدأ اللذة معيار الصواب والخطأ أو الخير والشر، وأول من أسس لهذا الأبيقوريون وكان سلوكهم كله تابعا لهذين السببين فاتسم سلوكهم بالهمجية والسوء، لأنهم كانوا يسعون إلى اللذة دون غيرها أعاذنا الله من ذلك، ثم امتدت إلى مناهج عديدة ومنها المدرسة الرواقية ثم الفترة الحديثة لكي تنفذ إلى مذاهب جيفي بنتام وجون ستيوارت مل وسيد جويك حول الانسياق وراء اللذة.
هذا وقد نظر للأخلاق العديد، ومنهم بوزانكيث في نظريته الأخلاقية المثالية التي ردها من وجهة نظره إلى:
1- مرحلة الغريزة: حيث يكون الفعل صائباً متى كان متوافقاً مع الحاجات والميول الفطرية والغرائزية التي عرض لها ماكدونالد.
2- مرحلة العادة: حيث يكون السلوك صائبا متى كان متوافقاً مع عادات وتقاليد الجماعة التي ينتمي إليها والمجتمع الذي يعيش فيه.
3- مرحلة الضمير: ويكون السلوك صائباً متى كان مثار استحسان وقبول الضمير، ويكون غير ذلك إذا استهجنة الضمير وثار ضده..
ولا أريد أن أستطرد في كلام علمي قد يثقل على القارئ، ولكني أردت أن أنوه إلى خطورة هذه الآراء على مجتمعاتنا التي حباها الله دستورا جامعا مانعا للأخلاق وهو "القرآن الكريم وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم" كما قالت عائشة رضي الله عنها عن أخلاق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: "كان خلقه القرآن"، ولقد شرعت في تأليف كتاب عما أسماه العالم بعلم "الإتكيت" - أي علم الأخلاق - مرتكزة على الكتاب والسنة، لكي يعرف العالم أخلاق الإسلام، لأنني بحثت في هذا العلم الذي يدرسه العالم في كلياته وجامعاته فوجدته برمته في كتاب الله سنة رسوله الكريم، بل يفوق علوم هؤلاء بجميع معاييرها وقوانينها في شتى السلوك البشري، وإذا كانت الأخلاق مكتسبة فهي تتطور حسب تطور الزمان والمكان، فإذا ما دأب العلماء على البحث في هذا المجال فإنهم يلجؤون إلى التطور التاريخي أو المتعاقب الزماني لما له من تأثير وتأثر على ميزته في كيفية التأثير والتأثر في النظريات الأخلاقية في بعضها البعض، ولهذا فإذا ما رجعنا إلى الزمان والمكان فسنجد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وأشمل وأدق وأكثر حرصا على الأخلاق المثالية الفاضلة، وكلما امتد الزمان والمكان كانت الأعداد تنازلية في هذا الحرص، مما يهدد أمتنا وديننا الحنيف، يقول الدكتور خالد حامد الخازمي في كتابه مساوئ الأخلاق: "حينما سادت الأخلاق وعلا شأن الفضيلة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تألق أؤلئك الصحب الكرام في أخلاقهم إلى درجة أن المذنب لا يراه أحد إلا الله تعالى، فيأتي مستشعرا بعظم ذنبه فيقول: يارسول الله زنيت.. وتقول أخرى: زنيت.. فطهرني، ويقول آخر: يا رسول الله سرقت.. وبهذا الالتزام الديني سادوا العالم، وفتحو بلادا مغلقة، كانوا بها جاهلين، وحطموا قياصرة كانوا منها وجلين خائفين، فأصبحت راياتهم خفاقة عالية". 
فهل نعاند تطور الزمان وانفتاح المكان بالرجوع إلى الأخلاق الحقة وأصولها لكي ترف الرايات خفاقة كما كانت؟ هل سأل أحد منا نفسه قبل أي تصرف أو سلوك يسلكه: هل هذا من الأخلاق في شيء؟ ليس من أجل مصلحة أو نفع مادي أو معنوي ذاتي، وإنما من أجل أن تظل راية مجتمع بأسره خفاقة، هل يقف الفرد منا يتأمل ما آلت إليه المجتعمات العربية من كذب ورياء ومصالح فردية على حساب نهضة الأمة؟ أشك في ذلك. 
فالإنسان الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، ومن هنا الأمة ثم مصلحته هو وذريته في آخر المطاف، فتدور الدائرة إليه هو، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ويحصد ما زرعته يداه دون غيره في مناخ عربي وعالمي تسوده النوازع والأهواء، ومفاسد وصراعات ومظالم تدفع إليها الضغائن والأحقاد أو المطامع والأهواء أو الرغبة في التسلط والاستعلاء، فليس لنا من درع في هذا الزمان سوى الأخلاق.. يقول الشاعر:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ما فوق البنيوية.pdf