السبت، 20 نوفمبر 2010

من الذكرى د/ ملحة عبدالله



 دعوني أنشد الماضي ..
 دعوني أنشد الماضي الذي أضحى من الذكرى !!
 وخلَّف حاضرا ما زال يصخب لم ترسُ مراكبه على شاطيء
 لقد كانت لنا ذكرى بذاك الربع ... نحيا في خمائله ،
 نعايش نوءه الماطر
ونرشف زهره العاطر ،
 ونلثم تبر أحجاره ،
ويؤنسنا بِواديه رفيف الطير حين يطوف مسرورا برؤيانا ..
 ويشمخ أن بدا في عدونا النشوان مرأى يمتع القطَّان والعمار والأهلين شيبانا وشبانا
 دعوني أستعيد خطا فتاة كحَّـلتْ بالعين بارقة تراودها أمانٍ لم تزل تحبو ..
 بأفق آهل باسق
وجوٍّ حافلٍ رائق
 ورؤيا تستشف الغيب ، تنشر بعض صفحاته ..
 وتستجلي بياناته !!
                             ************
 وهذا مشهد آخر !
 أعاد خيوط ملمحه ضياءُ في ربى الوادي ..
 قُميرُ كان مؤنسَنا ، وكان سمير نجوانا ..
 وحاكينا ، وحامينا ، ومانح ليلنا أنسا وأشجانا !!
 وهذي الطفلة النعسى ، يداعب جفنها الحاكي بقصته التي تحكي فضائل قد توارثها أحبَّانا
 وأدَّوْها لمن جاءوا على الأعقاب نبراسا وأخلاقا وأحلاما وأعلاما ...!!!
                      ********************
 ألا يا عاذلي دعني !!
 ولا تسرف بتعنيفي وتفنيدي وتلويمي ...
 فقد كانت مجالسنا بذاك الشعب تغذية سرت في عمق تكويني
 نمتْ منها مداركنا ،
 صفتْ فيها مشاربنا ،
  غدتْ تعلو على أجواء مجمعها أمانينا ، ويكبر عبر ألفتها لنا حلم رسمناه لأيام ستغدو واقعا فينا !!
                         *************
 وكم كانت لنا متع ! بجانب ذلك الوادي المطير الغض عشناها ...
 نشيدُ ننتشي منه ، وتسحرنا ربابته وفحواها ..
 وشادٍ مطرب حذق يردد لحنه شكوى سمعناها ..
 ومعمود ومحروم ومشغوف بليلاه !!
 وآمر قرية يزهو برتبته وديوانه
 وشيب زاد لحيته جلالا شاهدا آثار تقواه
 تحيط بساح مجلسه جموع ترتضي للشيخ مقداره
 وتعطيه فروض السمع والطاعه
********************
 وتأتي لمحة أخرى من الذكرى ..
 نطالع صفحة فيها ونطوي صفحة سبقت ..
 فيلقانا أبُ حان عطوف يسرع الخطوات مسرورا
 يعود محملا بالخير ألوانا ، يغالب زمهرير البرد والأنواء والأمطار ..
 يوزع ما حوته يداه للسمَّـار محبورا !!
                        **************
 وتبزغ شمس موطننا ، تعانق هامة الأشجار تتويجا وتلوينا
 ترينا الضوء أحيانا ، وتلفح صفحة الهامات والأعناق وقْـداً حارقا فينا
 فنغدو صوب غدرانٍ ألفنا بَرْد لُجَّـتها ، وتأسرنا ينابيع روينا من مناهلها ، ونسبح في عبابتها ، وتسترنا جوانبها وآكام عهدناها تغالب أعين الواشين عن حُرَمٍ حرصنا أن نبالغ في تسترنا ،
 ونأبى أن تطالع أعين الرقباء شيئاً فاتنا فينا !!
 وتفجأنا بذاك المحفل العذريِّ عدوة قانص عابث ..
 يريد ليكشف المحظور من ستر بوادينا !!
 فنغدو خلفه ركضاً ، نلاحقه بحصباء وأحجار .. بما طالته أيدينا ..
 فيهزم ذلك العربيد منسحبا .. يولِّي تاركا ما كان ينوي قنصه من ملبس نضَّته عن أجسامنا ثقة بالأمن لم نعهد له خللا بوادينا !!!
****************
 وساهرةٍ تسبح في دجى ليل تناجي ربَّها ترجو عطاياه ..
 تسائله لأهليها وإخوتها وأبناءٍ لها هجعوا صغار لم يزل لها أمل برحماه !
 وأصوات لذؤبان تجاوب بعضها بعضا .. وتشكو الجوع من يسمع لشكواها
 وهل ترجو  ذئاب مسها ضر من الإنسان إنصافا وقد عادى أخيَّاه ؟!  
                    *****************
  هنالك لوحة أخرى من العش الذي درجت بنيَّتنا بساحته ، وجاست في حناياه
 نرى فيها صنوفا من معاناة وكدح دائب لم تفتر حمياه ..
 فهذا عامل يسقي بسانيته وينشد بين ثوريه غناء مشجيا آسر
 تجمع في روافده وحول البئر ماء حافل غامر
 وكنز من معين الخير ، ساقته الغيوم الغر ، تمريه يد الأنواء ، تجمعه بجوف البئر ذخرا حافلا مائر
 فتنثر من رحيق الطهر زرعا ممرعا وافر
 وزهرا ذا شذا عاطر
ويضفي العطر والأنغام والأصداء دوما في ربى الوادي الأثير الحلو طابع فتنة ساحر !!
                        ******************
 وما تفتا تعاودها حكايا الأمس والذكرى
 تسائل خالة شهدت تدللها وصبوتها ، وكم كانت تخاصمها بذاك العهد أُمُّ ترتجي سترا وتأديبا ، وكبْح جماح صبوتها وجرأتها ، وتنهرها ؛ مخافة أن يضيع الأمر من يدها ، وتفلت في أوار الطيش هيبتها ، ويفتنها تمام الردف والنهدين ، ويغويها ويصبيها فتعدو دون غايتها ..
                        *********************
 وفي حين تفاجئنا ، وتهطل خلف وادينا غيوث سال منه الشِّعب والآكام والدنيا حوالينا ، فيفزعنا ، وينزع قلبنا منا
 فيعدو صائح من جانب الوادي ينادينا
 تهرول في نواحي الربع أفواج من الفتيان والأشياخ ، كل يسرع الخطوات لايلوي على شيء ولا يخشى مخاطر قد تداهمنا وتردينا
 فهذا يحمل الفأس وذلك يدفع الأحجار والأحراش كل يدرأ الهول الذي يجتاح قريتنا ويوشك أن يوارينا ..
 وتجثو خلف ذاك الهول طفلتنا تغالب خوفها العاتي ورعش البرد يرعد جسمها المضنى وتزعجها أفانينا
 وتدنو رحمة المولى فتكشف كرب هذي القرية الموعود أهلوها بألوان من التمحيص والأخطار والحرمان والبلوى .. فتدنو رحمة الجبار تحمينا

                     *******************
هنالك ملمح آخر..
نهرول في غمام الغيم والقطعان نلحقها، ندق الدف نرقص، تعلو الصرخات  أفنانا تفانينا
لان الله قد مَنَّ على القيعان، برخ من جراد القيض يدق بجنحان لها رف،
ونرجف من حمام الخوف ومن فرط افراح ستشجينا
كأن الوادي الثملان فتى يرقص، تميل به الأحجار من ثقل به لون،
به صيد
به عصفورة راحت تزاحنا
به ضي تضبضب من جناحاته
جراد راح يدق في نوافذنا، فلا نرتاح حتى نملأ الخزنات من صيد تهاوى في  فآقينا،
وذاك الجسم قد مال على الجرف، يودع ليله الحافل، فثعبان المسا هجع على عرقوبه المشقوق ..لا لينا
لأن الناس بقريتنا، وفي ظلمة لياليها، تزاحم ذلك الطير، وذاك الوحش، وذاك العقرب الساجي، وزحف  من ثعابينا
ولا تستثني والوطواط، والخفاش، ونسمع أز جرذانا، وشهوة فوزنا بالصيد،
ينسينا
تقافزنا
تراقصنا
فلا ندري بأن بين أيدينا، هوام الوادي تؤَّذينا
فصيد القيض قد هل، على الوديان أطيافا، والوانا، نزمزمه بأيدينا
فكل الوجد قد نبض بفيض هامل حان، وجو عاصف غائم، وسحب من جناحاته، تغطي الشمس...
يعود الربع مهجعهم بصيد وافر زاخر
 وطبل صاهل سامر
وخصر مائل ضامر
وهمس الريح في نشوٍ يدندن في أذانينا
وفي عمق الدجى اختلطت، مشاعر من أسى همجي، ووحش ويلوي الوجد، أن هناك مسموما تركناه .. تلقب بين أيدينا
تهلل فرحة ذاك الذي اكتضت خزانته، بصيد كان يجمعه، ويجعلة، على الجوع، إنسانا وإنسانا..
تناسى أن شمس الصبح ستشرق في محياه وينقص واحدا فينا
                          *****
وذاك ملمح آخر، يطوف بجفن ناظرة، كأن الروم قد دست رماح الغُز لهيلانا،
وفي طروادة الوادي، لوى باريس لجام الريح، كي يهرب بمن في عشقها ذاب
كذاك الأب
ذا المحبور
فاق جماعة الوادي
بما يحمله بين اذنيه، فكان عالم كانا.
يطوف ببنته الغضة، على كتفه، يجول بها، فلا يترك بها سوق، ولا مجلس، ولا يستني بستانا
ولاتهزم مناقبه، برغم اللوم لفعلته، لأن الإبنة الغضة، تسابق عامها السادس، ولا تلبس ثياب قد عهدناها،
بتؤد كم عهدناه، يحدثهم ويثني عزمهم لينا
                  *********
أيا عاذلي مهلا فلا  تفرط بتعنيفي
ولا تقسم عليَّ الآن.. فسوف أسوق آياتي
وأنشر فوق صفح الدهر كلماتي
وأروي ما نراه الآن فلا أدري ..
لأن قلمي يبول على القرطاس.. يسود بيض صفحاتي
فالغواني والخمر،
وكشف خصر مختمر،
والتثني والسكع
والشوارع تزدحم باللقائط والعهر
وكل لهثة بها خبر ، يرسم الفنان نحن ، من مآسي من رصاص راح ينسف هدب رضَّع ضغر، لبيعه بالدولر ، نمسك الفرشاة نمحي  حضارنتا بأيدينا
           **********
لذلك عربد الجني واستدعى ليال غر
وما تفتا تعاودها حكايا الأمس والذكرى
ونلمح ذاك دخانا، تعجعج قبل مغربنا، فيمرح جل أطفال، تنامت بينهم بشرى، فجارتنا، ستطهو اللحم ، ستهدي سليل  هامته، لجيران بهم عسرى،  ستأخذ كل واحدة، كؤس المن والسلوى، سنمسي في مفارشنا، نسبح شكر بارئنا ، ونسرح في شروق الشمس نشطانا تهنينا، وريقات لها شجر يرف، يزف لنا أمانينا.  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق