شخصيات المسرحية
الجرسون : رجل عجوز في سن الثمانين وهو صديق ادم ويحبه الي درجة كبيرة منذ لقائهم الأول وهو مالك الحانة
آدم : عازف شهير اصبح عجوزا في سن الثمانين وهو يحب الجرسون صديق عمره
الفتاة : فتاة ليل في العشرين من عمرها
المكان :
حانة قديمة جدا كما يبدو من طرازها القديم جدا، تتأثر في أرجائه بعض الأيقونات القديمة ، و في أحد الأركان توجد المدفأة المشتعلة ، زجاج النوافذ معتم بما يخفي ورائه بعض بصيص الضوء الخافت ، جميع الأثاث في المكان غلب عليه اللون القاتم كما يوجد بار في خلفية الحانة .
علقت في الخلفية صورة كبيرة لهذة الحانة من الخارج إذ تبدو قلعة القديمة.
تراصت على الطاولات بعض الزجاجات و المناديل القديمة جدا ...
تتساقط على زجاج النوافذ بعض قطرات المطر . صوت نقر المطر على الزجاج يختلط بصوت الرياح الشديدة و صوت أمواج البحر الهادرة . يوجد في أحد الأركان معطف رجالي معلق . يجلس آدم على الطاولة يعزف على آلته و يغنى بينما يقف الجرسون على يمينه .
الجرسون : أغنية مناسبة لمن هم في مثل سنك آه كم أعشق هذه
الأغاني القديمة
آدم : ليتك سمعت أغاني و أنا في ريعان الشباب ربما أعجبك
ذلك كثيرا ألم تر خطابات الكونت ، حينما كان
يرسلها لي شكرا و تشجيعا .
الجرسون : حينما تدق أجراس الكنائس و يتوافد الناس في
ملابسهم البيضاء يعود السرور إلى قلبي ... أتذكر .
آدم : عرس جميل أليس كذلك ؟!!
الجرسون : كانت جميلة
آدم : هكذا كان يراها جميع الباريسيون
الجرسون : في حين أن حبيبها كان يرتدى ثيابا ممزقة ، رثه ،
مهلهلة
آدم : لا ... متأسف ، لا أحتمل ( يقف )
الجرسون : ( يمسك بيده ) دعك من هذا يا صديقي الحبيب ،
آسف لإثارة مشاعرك ان أعود لهذا مرة أخرى . اجلس
و احتسي المشروب
( آدم يمد يده و يحتسي المشروب و يغني مرة أخرى )
الجرسون : آه كانت الحقيقة تلمع في عينيها . ذلك ما جعلك
تذوب عشقا في دورا
آدم : دورا مرة أخرى
الجرسون : ( يتدارك الموقف ) هذه الحانة تسمي حانة الربيع أليس
كذلك؟
آدم : هكذا يسميها معظم الرواد فيما يبدو أليس كذلك
الجرسون : ( بحسرة ) أعتقد ذلك ربما أن ذلك بسبب عدم دخول
أحدا إلى هنا . ثم ماذا تعني إن لدى أحسن أنواع البيرة
ولكنك لا تستطيع أن تعرف الفرق ... على كل حال
آدم : في صحتك
الجرسون : في صحة دورا ،لأحد يأتي إلى حانتي رغم أ ن لي
أصدقاء كثيرين هل تعرف لماذا .رغم تاريخها العريق؟
آدم : أعرف ..أعرف هذا جيد وأنا أدين لك بهذا ..
(يمد يده ويحتسي المشروب )
الجرسون : إنني أقوم بواجبي على أكمل وجه
آدم : و كذلك أنا
الجرسون : هل تذكر حينما كنت تتجول في الطرقات لتغنى أغنيات
التانجو ،ويتجمع من حولكم المارة ،وأنت ترفع عقيرتك
بالغناء مرة تلو أخرى تلو الأخرى. ليس لشئ سوى
بعض النقود التي يلقيها إليكم المارة
آدم : دورا مره أخرى إني لن أتشاجر معك
الجرسون : هذا أحسن ضع رأسك على طرف آلتك و إعزف لنا
اللحن الذي قمت بتأليفه
( آدم يتردد )
الجرسون : ابدأ فهو لحن جميل و عظيم عليك أن تفخر به ..
إعزف يا رجل
آدم : بالتأكيد هذا صحيح
( يعزف لحنا قصيرا ثم يتوقف )
الجرسون : لعل المطر توقف
آدم : أ تنتظر بعض الرواد ... و هذا مستحيل
الجرسون : حين تدق حبات الثلج نوافذى أعلم أن هناك الكثير من
الزبائن قادمون ( يضحكان )
(آدم يبدأ بالغناء بينما تدخل فتاه جميلة في العشرينات
من عمرها ترتدى معطفا مبللا و تتجه إلى أحد
المقاعد )
الجرسون : طابت ليلتك ، ماذا تأمرين ؟
الفتاة : كوبا من الماء الساخن
الجرسون : ثم ماذا ؟
الفتاة : ليس إلا
آدم : ( يتوقف عن الغناء و يخرج الجرسون ، تبدأ الفتاة في خلع معطفها و تفرك يديها ثم تتجه نحو المدفأة لآدم )
الفتاة : ألا يوجد سواكم في هذه الحانة ؟!!
آدم : ( يجفل من مكانه ) الكثير من الزبائن قادمون
الفتاة : لكن المكان معتم و الطريق إلى هنا وعرا جدا
آدم : لم أخرج أنا و صديقي هذا منذ ما يقرب من ثلاثون
عاما
الفتاة : ثلاثون عاما ؟!!
آدم : كيف قدمت إلى هنا ؟
الفتاة : جماعة من اللصوص قذفوا بي على مقربة من الطريق و
هربوا و لم أجد سوى وميض هذه الأضواء الباهتة ..
كنت أظنها ومضات خادعة في بادئ الأمر و لكني
كلما اقتربت منها أحسست بالأمان و لا أخفى عليك
و بالخوف أيضا
الجرسون : ( داخلا ) خوف ماذا ؟ و جزع ماذا ؟ أنت أتيت إلى
أعرق حانة في التاريخ ، انظري
( يشير إلى الصور المعلقة على الحائط )
إنظري إلى هذه القلعة حيث يمتد تاريخها إلى القرن
الثاني عشر وقد وفد إليها العديد من الفرسان و منها
سطعت شمس الحريات . كلها من هذه الحانة
الفتاة : أهذه الحانة تحتوى على كل هذه الأهمية ؟!
لماذا إذا لم تحولونها إلى متحف سياحي
آدم : دعيه يعيش في غياهب الماضي . إنما على كل حال ..
هذا المكان عريق جدا لما قال
الفتاة : ألديكم زبائن ؟
آدم : ( بسخرية ) عندما تقرع حبات الثلج أطراف نوافذى .
الجرسون : ( يقاطعه ) الكثير ... الكثير ، فأنا أمتلك أندر و أغلى
بيرة في الوجود و الخدمة هنا كما ترين مستحيل
الإخفاق في العمل
الفتاة : معذرة هل توجد غرفة لإصلاح ملابسي و ترتيب بعض
أشيائي ؟
الجرسون : نعم .. نعم .. و بكل سرور
( يأخذ يدها و يخرجان )
آدم : كم هي جميلة ، حين تلف جسدها بهذا المعطف
المخملي في ليلة شتاء كهذه
( يدخل الجرسون )
الجرسون : قلت لك أن السماء سوف ترسل لك هديتها حين
يدق رسولها نافذتك
آدم : رقيقة أليس كذلك ؟ .. ستقول دورا مرة أخرى
الجرسون : قد تروق لك ، و ليس شريطة أن كل ما يروق لك
يروق لي أيضا
آدم : دورا ... كانت فتاه رقيقة . حين ترسل سدائل شعرها
الذهبي على خصرها النحيل و ينثني عودها يمينا و شمالا
تعتقد أن السماء قد أطفأت نورها ليشرق من بين
عينيها
الجرسون : إلى متى و أنت تهذي بإسمها النساء كثيرات و حبات
الثلج تدق نافذتك . ثم أن كل منا تجاوز السبعين من
عمره أين نحن ذاهبون
آدم : منذ متى تعارفنا ؟!!
الجرسون : منذ أن إلتقطت أصابعي تلك الحجارة الملساء لتهوى
على مارة الشارع و أنت تلاحقني بثأرك حين أصابك
بعضها و أنت تعزف وسط حشد من المارة و
المشاهدين
آدم : آه كان عمري حينها عشرون عاما
الجرسون : ثلاثون فهل تختصر الزمن يا لص ( يضحكان ) أما أنا
فأزيد سبعا . لكنك كنت أشعث الشعر ، حافي
القدمين أما أنا فمن أثرياء القوم كان والدي يهوى
الموسيقى ، و يفد إليه أثرياء القوم في هذه الحانة
آدم : ألا تعلم أن هذا حال الشعراء و العباقرة فهم يرون عالما
أجمل و أنصع من الملابس البراقة التي تعجبك
الجرسون : كم كنت تحبها!
آدم : كانت حينما تطل بخصرها من النافذة تنير طرقات
القرية
الجرسون : أذكر أنك حين تراها و أنت في ضفة النهر و هي في
الضفة الأخرى تعبر النهر غوصا بملابسك لتحتضنها و
تبللها بالماء دون أن تسلك الطريق المؤدى إليها . و هو
معبد
آدم : أوه .. لقد كان بعيدا جدا . فأره طويلا وأنأ لا أتحمل
الشوق
الجرسون : لكنك كنت محقا حين سحبتها الي قاع النهر لتغرق .
آدم : هس .. الجدران لها آذان
الجرسون : إذا عليك أن تعزف لي المقطوعة التي أحبها
آدم : يا لسخفك يا أخي
الجرسون : قلت أعزف
(آدم يبدأ بالعزف .. بينما تدخل الفتاة )
الفتاة : لحن جميل .. لكنه قديم جدا كنت أسمعه وأنا طفلة وكنا
نرقص عليه في الاحتفالات المدرسية
الجرسون : أتجيدين القراءة والكتابة .
الفتاة : نعم .. ولهذا السبب أتيت
آدم : أتيت ؟
الفتاة : نعم قيل لي أن في هذه الحانة رجل يعزف الموسيقي
وعندما يعزف يعيد الذاكرة لفاقديها
الجرسون : أتعنين أنك كنت تجيدين القراءة والكتابة ونسيتيها ؟
الفتاة : وأبحث عن العازف المشهور .
الجرسون : ( لآدم في أذنه ) أعد لها ذاكرتها .
آدم : هذا عمل جيد
الفتاة : كانت أمي تحدثني عن الموسيقي وقدرتها علي إستعادة
القدرات المفقودة .
الجرسون : الا زالت تحيا ؟
الفتاة : غرقت في ماء النهر
آدم : غرقت ؟ ( بجفل )
الجرسون : لا .. لا عليك .. أتعرفين كيف عزفت ؟
الفتاة : قيل أنها .. آه لحظة ( تمسك برأسها ) أحس بدوار
شديد لا.. لا أتذكر شيئا .
آدم : حسنا ..حسنا سنعد لك كوبا من حساء الضفادع
والأفاعي الملساء لتسد رمقك .. يبدو أنك جائعة الا
تعلمين إن كان العام قد إقترب علي الأنتهاء ؟
الفتاة : نحن في شهر ديسمبر .
الجرسون : عظيم .. عظيم جدا .
آدم : وما عظمة ذلك
الجرسون : حينما تغطي الثلوج هذه الحانة نكون أكثر أمانا
الفتاة : أمانا .. وثلوج إنني أريد الرحيل
آدم : أليس القراصنة ينتظرونك بالخارج ريثما تخرجين ؟
الفتاة : نعم ولكن ..
الجرسون : إذا كلنا تحتاج الي الثلج .
الفتاة : وحينها نشعل المدافئ .. أليس كذلك ؟
الجرسون : لا تقلقي يا عزيزتي فقد جمعت أكبر قدر من أعواد
الحطب
آدم : وكذلك الغذاء
الفتاة : إن كل ما يهمني حريتي .
الجرسون : حين يهبط المساء أتجول في الغابة القريبة أجمع منها
الحطب وأصطاد ما يقابلني مما يسد رمقنا أما هذا
الخنزير فمهمته العزف والغناء
الفتاة : قلت أريد حريتي
الجرسون : أنت حرة .. أذهبي أني شئت
آدم : لا...لا ليس بهذه السهوله
الفتاة : هؤلاء الخنازير المقيمين بالخارج كيف أ نجو من هم !!
آدم : الله ..!! لقد اكتملت الحلقه
الفتاة : ماذا تقول ؟
آدم : لا..لا شئ أكملي حديثك
الفتاة : بعد أن ماتت أمي ، أقصد غرقت لم أجد من يعولني
فقد كانت هي كل حياتي وكنا نحن الاثنتان
متلازمتين في كل شئ
الجرسون : ماذا بعد ؟
الفتاة : خرجت إلى العالم ليتلقفني جماعة من بائعي الهوى
واستحسنت الأمر في بدايته .. الا أن أحد الزبائن دفع
مبلغا من المال كبيرا جدا فأخذته وهربت .
آدم : ولهذا الأمر فهم يلاحقونك ؟
الفتاة : نعم .. لولا .. وميض هذا الكوخ
الجرسون : إذا عليكم سماع وطاعة أوامري فأنا السيد في هذا
المكان .
آدم : كل ما تأمر به فهو لك
الجرسون : إذا عليك عزف المقطوعة التي أحبها .من تأليفك حين
ذلك أتذكر .؟
آدم : أذكر .. أذكر أنتهي الأمر
الجرسون : أما أنت فعليك الرقص والغناء
آدم : وأنت ؟
الجرسون : ألم أقم بجمع أعواد الحطب واصطياد الأفاعي
آدم : حسنا .. حسنا
( يبدأ بالعزف والفتاة ترقص والجرسون يصفق ويتمايل طربا ) إظلام
المشهد الثاني
( تبدو الحانة أكثر ترهلا وفوضي ، حيث تناثرت بعض الأدوات في أرجاء المكان ، ويجلس الجرسون وقد أزداد وزنه بشكل كبير ، بينما جلس آدم خلف المنضدة ويحتسي بعض الشراب وقد بدا عليه بعض التأنق )
آدم : الا تستحم ؟
الجرسون : أنت كذلك في كل مرة ، كلما تراءت لك إحدى
النساء تلتصق بها كالخفاش .
آدم : ليس كل النساء .
الجرسون : بل كلهن لديك سواء ، فرقة أحساسك المتواضع تضع
رقبتك تحت أقدام كل من كسرت لك طرف بصرها
آدم : ليس بهذه الصورة ، إنها تشبه أمها في كل شئ
الجرسون : الا تعلم إنك من قتل أمها ؟
آدم : كانت خائنة .
الجرسون : وهذه فتاة ليل .
آدم : كانت .
الجرسون : أتستطيع أن تخلق منها إنسانا منافيا لطباعه .
آدم : قل ما شئت فلن أتخلى عنها .
الجرسون : فليكن هذا فراق بيني وبينك .
آدم : حتى وأنت مطلوب لرجال الأمن ؟
الجرسون : ألم يكن بسببك ؟
آدم : نعم أنا وأنت مربوطين بحبل وثيق . دم دورا. أفهمت .
الجرسون : لا تستغل ذلك في. فأنا صديق شبابك ومن وهب نفسه
وماله وحريته للحفاظ عليك ولإنقاذك
آدم : أتعايرني بذلك ؟
الجرسون : معاذ الله .. ولكن
آدم : ولكن ماذا .. قلت لك إنني أحببتها
الجرسون : لم تحبها بل أحببت صورة أمها فيها
آدم : هس .. إنها قادمة .
الجرسون : عن إذنكما
( تدخل الفتاة ويخرج الجرسون )
آدم : كانت دقائق ولكنها ساعات يا حبيبتي
الفتاة : لم أري مثل رقتك يا حبيبي .. إن الزمن يتلاشى حين
أراك ، بلورة تضيء بداخلي لأري أحلاما
وورود و أزهار .
آدم : دعك من هذا الا ترين الشيب وقد خط هامتي ؟
الفتاة : تاج يعلو رأسك لتضيء . إنه الشعاع المضيء للأيام
القادمة والذي نتخذه كلنا دليلا في هذه الليالي القاحلة
آدم : أي قاحلة يا حبيبتي
( يأخذ يدها ويقبلها )
الفتاة : في جوف هذا الكوخ يتسرب الصقيع الي عظامي ،
مهما تدثرت بالأغطية أشعر بالبرد القارس ، أبحث عن
معطف ، فمهما تنوعت المعاطف إلا أنني لا أجد
الدفء ،سيقضي على البرد
آدم : ( يذهب إلى المعطف المعلق على الحامل في جانب
المكان و يغطيها به )
قلت اهدئي فتراكم الثلوج فوق هذا المكان يخفينا عن
الأعين و هذا في صالحنا
الفتاة : كم تراكم الثلوج ؟
الجرسون : يبقي شيئا بسيطا و تختفي الحانة
الفتاة : آه و نخرج في الصيف القادم
آدم : ألست أنا معك ، ماذا يهمك ثم أنى سأغنى لك
مقطوعاتي المفضلة ، لكم خلقت أنواعا من الحب ، و
غيرت مشاعر كثير من قساة القلوب. يأتون الي من كل
الأصقاع لتشفى وجداناتهم
( يدق على آلته )
الفتاة : غنى لي يا حبيبي
آدم : حين تظهر سحب السماء القرمزية
تتساقط حبات لؤلؤ مضيئة
ألقفها .. أجمعها .. أصيغها جميعا
عنا قيد .... عناقيد تطوق جيدك يا حبيبي
عيناك تسبحان في غدق الدموع
و غابات رمشك تحمى من الضباع
أغوص أنا داخل الأعماق فأختبئ بها
من الهموم و الأوهام .. و الضياع
الفتاة : برافو استحممت بحمام دافئ انتشيت . صور الماضي و
الحاضر عالم زخم ، ملئ بالصور و الملامح ، أوه تبا ..
يبدو علي أنني أصبحت شاعرة أقول كلام لم أعهده من
قبل أين الجرسون ؟
آدم : لم تسألين . ألسنا في نشوة معا؟
( يدخل الجرسون يحمل بعض أنواع الحطب و يضعها في
المدفأة فتزيد اشتعالا )
الجرسون : ربما تحتاجون لشيء من الوقود
الفتاة : قليل، فقط أحسست بالدفء منذ أن دخلت يا عزيزي
الجرسون : عزيزي !! لقب جديد أحب أن أسمعه دائما
الفتاة :( تتجه نحوه ) الا تعلم انك مصدر الطاقة لنا فأنت باعث
النار و النور معا
آدم : آوه ... كلام معسول . لا يروق لي
الفتاة : دعك من هذا .. أليست هذه هي الحقيقة ؟
الجرسون : الحقيقة تقول أنها لا توجد حقيقة .حقا إنها حقائق مختلطة
الفتاة : آه أشعر بالصداع يا حبيبي ألا تحضر لي قرصا مهدئا يا آدم
آدم : ( بامتعاض ) أوه.. حسنا ... حسنا
( يخرج )
الفتاة : ( تنهض من مكانها لتطوق عنق الجرسون بذراعيها )
تقول الحقيقة أنها لا توجد حقيقة ... الحقيقة أنك أنت
من يوقد النار في المدفأة و كذلك وجداني
الجرسون : اهدئي قد يعلم بذلك آدم فينهار. ربما يموت . و أنا أحب
صديقي و لا أحب أن أخونه
الفتاة : و ما ذنبي أنا .. أنت لا تريد خيانة صديقك . و أهلك
أنا ..قلت لك أني أحبك .. ألا تفهم
الجرسون : و صديق عمري الذى وهبت عمري له ...
الفتاة : صديقك .. صديقك .. إن صديقك هذا لا عمل له
سوى العزف على آلته أما أنت .. فأنت من تدين له
خلايا أجسادنا بما جمعته من غذاء في ظلمات الليل ،
بالإضافة إلى هذه العضلات وهذا الجسد وهذه
الأكتاف
( تتحسس جسده فيبدو في وضع استرخاء)
الجرسون : ( يتنبه ثم ينهض)آدم إنه قادم (يدخل آدم)
آدم : هذا هو الدواء يا حبيبتي
(يناولها أياه )
الفتاة : إن جئت للحقيقة فهو الدواء فعلا
آدم : تعالي يا حبيبتي بين ذراعي و أنعمي بشيء من الهدوء
( يأخذها في يده ويخرج )
الجرسون : يا لهذه الأفعى .. من أين أتت لنا .لم تكن أمها بهذه
الصورة يبدو أن السلالة كلها امتدت ازدادت عنفا و
شراهة .ثم ماذا أفعل ... أحببتها فعلا أريدها .. تبا لك
يا هذا .. ألا تحترم سنك المشارف على الثمانين ..
رجولتك ... و خبراتك .. أم أترك نفسي لتلهو بها ...
ماذا أفعل مع آدم المتيم بها ، كيف لو عرف أو إكتشف
ذلك .. يالله .. إن نيران هذه المدفأه تتقد في عروقي
.أعليك أن تضحى بحبك كما ضحيت بحياتك لهذا الآدم
... لا ... لا .. لا ينبغي أن يأخذ هذا الآدم أكثر من
حقه
( يدخل آدم )
الجرسون : ها قد عدت !
آدم : لقد نامت
الجرسون : نامت هي و استراحت أما نحن فعلينا أن نتيقظ
آدم : نتيقظ ؟!
الجرسون :أيها الأبله ألا تعلم إننا مطاردون .علينا أن نتيقظ لذلك
قبل أن يداهمنا أحد
آدم : الثلج قادم و لم يبقى من الكوخ إلا قليلا و نختفى
الجرسون : و هل هذا كل ما عندك ؟!
آدم : ألم نخلد في هذه الحانة عشرون أو ثلاثون عاما و الآن
علينا أن نتيقظ !!
الجرسون : نعم فنحن كنا في وحدتنا لا يدري عنا أحد أنت تعزف
الموسيقى و أنا أجمع الطعام كل مساء . أما الآن فهناك
خطرا داهم
آدم : و ما هذا الخطر يا فصيح القرية ؟
الجرسون : دخول هذه الفتاة
آدم : دخول هذه الفتاة خطرا داهم ! إنها من جاءت بالحياة
إلينا و بعثت الدفء فينا أقصد في . أما أنت فآنست
وحدتك
الجرسون : الجماعة التي بالخارج تقوم بالتخطيط للقبض علينا . ألا
تلاحقنا العيون فيهتدون إلينا و إلى هذا المكان و يفتضح
أمرنا !!
آدم : قل ما شئت .. فأنا أحبها .. قات لك أحبها .. خذ ما
شئت ودعني و شأني .. خذ أطعمتك .. خذ حانتك ..
ودعني و شأني .. خذ كل شئ .. خذ كل شئ أعطيتني
إياه
الجرسون : وحريتي ...وعمري...ودم دورا الذي حملناه
سويا...إنني أعطيتك أشياء لا تقدر
آدم : خذ دمي .إقتلني وأرحني من هذه الحياة التعسة
الجرسون : إنها لا تحبك .
آدم : كاذب ... كاذب أنت ...لقد تركت حياتها لتحيا معي
في هذا المكان البائس
الجرسون : إنها تحب شخصا آخر
آدم : ماذا تريد مني قلت أقتلني وأرحني منك ومنها فبدونها لن
أعيش
(تدخل الفتاة )
الفتاة : ما هذا الصراخ .لماذا تتنازعان وأنتما صديقان
الجرسون : حددي من تحبين ؟ أتحبينه ؟
الفتاة : أحبكما أنتما الإثنان
الجرسون : حددي من تحبين ؟
الفتاة : أوه لن أستطيع البقاء في هذا الصراخ وإن لم تهدآن
سأرحل وسط الصقيع ، ولتأكلني ضباع الوادي
آدم : لا ..لا يا حبيبتي إهدئي وسأسكت نهائيا , لا تعيرنه
إهتماما ، هذا الأخرق ، دعيه يهذي أما انت فلا تتلفين
أعصابك
( يأخذ يدها ويخرجان)
الجرسون : نعم يجب الا أتلف أعصابي بهذا الهذيان فأنت لا تستحق
أذهب الي الجحيم .
إظلام
المنظر الثالث
المكان يقترب من شكل بيت العنكبوت إذ نسجت الفتاة الكثير من خيوط الصوف بين الجدران وكأنها تجهز للغزل بينما تراصت بعض الأواني علي الأرض لالتقاط قطرات الماء المتساقطة من السقف يسمع صوت الرعد وملاحظة وميض البرق من خلف النوافذ بشكل متلاحق .. تظهر الفتاة وهي تشد خيطان الصوف بين الجدران في حركة ذهاب وأياب كراقصة الباليه كالعنكبوت حين تصنع عشها .. صوت هدير مياه البحر يتداخل مع صوت إضطرام النار في المدفأة يعلو صوت الفتاة وهي تغني إحدي الأغنيات الرومانسية فتبدو كفراشة راقصة من جانب الي أخر بينما يقف الجرسون يرمقها بلهف وولع شديد دون أن تراه )
الجرسون : يا لفراشتي الجميلة .
الفتاة : أعجبتك ؟
الجرسون : أجمل فراشة تنتقل بين الأزهار فألوان هذه الخيطان
الزاهية تزيد من جمالك
( يقترب منها ويطوق خصرها بذراعيه ويتمايلان)
غسلت بنظراتك هذه هموم الزمن العالقة بهذا المكان
لكن هناك عبرة حائرة بعينيك
( يزداد تساقط الماء في الأواني المعدنية في إيقاع
متسارع يعلو علي صوت البحر )
إنها تنذر عن شئ ما رغم إنها تزيد عينيك بريقا
الفتاة : أيامي الماضية والأتية جميعها لك فأنت من طوقني بعنايته
وحبه
(تنصت قليلا )
تبا لا أجد كلمات نسيتها جميعها بين يديك
( تنظر الي السقف )
إن سقف هذا المكان بدأ يتأكل .. ربما يسقط علينا .
الجرسون : نعم .. معك حق .. فالثلوج تراكمت كثيرا، دعائم
هذه الحانة تأكلت . قديمة جدا
الفتاة : حين يقع أختبئ بين ذراعيك ..
( تضحك بينما يسمع صوت آدم من الخارج )
آدم : ملعونة تلك البيرة كلما أزدرتها كلما إنتفخت بطني
كثيرا.
الفتاة : أتخلطها بدماء الضفادع ؟
آدم : لآ ..لآ تقلقني إنها بيرة معتقة .ولكن سنه إنتهي .. لا
يحتمل مشروب كهذا
الفتاة : رقيع ..لا أعرف كيف إستحملته طيلة هذه السنوات
الجرسون : صديقي يا عزيزتي ..أحبه قلت لك أحبه وأحيا من أجله
أفهمت؟
الفتاة : ( بدلع ) أغار
الجرسون : أنت أيها الخرف المخمور
( يدخل آدم )
آدم : أنت من صنع لنا هذه البيرة اللعينة
الفتاة : ( تسحبه من يده وتناوله آلته )
دق علي آلتك وأنا أرقص
الجرسون : والسقف .. سينهار علي أكتافنا
الفتاة : لا عليك لقد تحمل الزمن عدة قرون أفي هذه اللحظة
سينهار علينا
(آدم يبدأ بالعزف والفتاة ترقص يظهر شبح إنسان
خلف النافذة يتوقف آدم والفتاة )
الجرسون : هل ترون ما أري .. شبح شخص أو شخصين
الفتاة : لعلهم هم .. قادمون لا محالة
الجرسون : كم نبهتك يا آدم .
آدم : ومالي أنا بهذه الأمور
الجرسون : الخطر يحاصرنا ونحن مشغولين بشئ أخر .. قلت لك
العالم كله يتربص بنا ، وأصبح لديه من الوعي
والمعلومات ما يجعله ينجح في إختراق عالمنا.. إختراق
هذا المكان العريق .. هذه الحانة التي سطعت منها
شمس الحضارة والحريات . أتدمر كل ذلك يا أخرق
بأهوائك
آدم : بيرتك اللعينة أضاعت مني صوابي .
الجرسون : بل نوازعك الشيطانية
الفتاة : أنا لا أفهم شيئا
الجرسون : من هم كلمينا عنهم ؟
الفتاة : إنهم جماعة من اللصوص ..أفلسوا جميعهم يبحثون عن
التعويض والمال والبقاء في القمة الزائفة ، يحكمون العالم
جميعه بالسيف والقوة كقطاع الطرق ، بحجة حماية
الانسان الواهن الضعيف .. جماعة يجتمعون كل ليلة في
ردهة منزلهم الحقيرة منهم الأكثر طولا ثم الأقصر قامة ثم
القزم الذي لا يرى شيئا حتى يقف علي أكتافهم . ولا
تنسوا ذلك العجوز الخرف الذي أكل الدهر مفاصله
كل همه أن يتسامر الجماعة علي حكاية ليس لديه غيرها
آدم : وما تلك الحكاية ؟
الفتاة : دورا فتاة القرية الجميلة والموسيقي الشهير الذي أغرقها
في ماء النهر .
الجرسون : وهل تجد هذه الحكاية صدي في نفوسهم ؟
الفتاة : إنها همهم الوحيد .. إذ أقسموا جميعا أن يطهروا نهر
القرية من دمائها بإغراقه ومن معه في النهر كما فعل هو
وحينها تعود للقرية بهجتها .
آدم : ألم تقولين إنهم جماعة من اللصوص .
الفتاة : نعم .. لصوص مأجورين ، إن والد الفتاة التي هي أمي
وعدهم بأرض زراعية ومجموعة آبار لريها ومبلغ من
المال في حين تحقيق الأرب ناهيك عن وجودهم في
أراضينا وعربدتهم فيها .
آدم : والدها .. الكونت وعدهم بهذا الا زال يحيا ؟
الجرسون :( يتنحنح )دعك من هذا وأترك الموضوع لا شأن لك
به
الفتاة : كيف عرفت اسمه إن جدي قد مات منذ سنين ولم يترك
لنا شيئا سوي الاحتياج .
آدم : وجعلوك فتاة ليل ؟
الفتاة : لأن جدي لم يترك لهم شيئا فأرادوا أن يضمنوا شيئا من
حقوقهم إذا ما عثروا علي القاتل .
الجرسون : وهل عثروا عليه ؟
الفتاة : يتظاهرون بهذا الجهد ، لكنهم في حقيقتهم لا يريدون
أن يعثروا عليه فلا مأوي لهم .
( يظهر الشبح مرة أخري مع صوت إرتطام كبير )
آدم : لا .. هذا أمر لا يجب السكوت عليه .
إظلام
المشهد الأخير
( الفتاة تقف علي البار وآدم والجرسون يضعون دعامة كبيرة
للسقف والذي بدأ كأنه يتهاوي )
الفتاة : ( لنفسها ) حينما يتجرعه ذلك الخرف ينتهي كل شئ
(تقدم المشروب لآدم ) المشروب جاهز
الجرسون : أشرب وأنتشي فلا هم لك سوي الشرب والنساء
آدم : دعك من هذا يا صديقي إن كل ما تقدمه لي فتاتي فهو
رائع
( يأخذ الشراب ويخرج )
الجرسون : حساء الضفادع .. لا شئ سواه
الفتاة : ماذا قلت يا حبيبي ؟
الجرسون : لا لا شئ لم أقل شيئا الا تحتسين بعض الحساء الساخن
الفتاة : بالطبع وخصوصا بعد أن ذهب عنا قمع الغباء هذا
الجرسون : ( وهو يصنع الحساء ) لا تقولين عنه هذا كم نبهتك
الفتاة : صديقك صديقك سئمت هذه الكلمة .
الجرسون : إذا قولي الموسيقار والعالم الشهير لقد كان كنز العالم في
الموسيقي
الفتاة : سيموت
الجرسون : بل سيحيا لتطرب آذاننا ونشفي من أسقامنا إشربي هذا
حساء فاخر وساخن جدا
( يناولها الحساء )
الفتاة : ( تتناول الحساء وتبدأ في تناوله ) طعمه غريب .. هل
تشرب معي ؟
الجرسون : إشربي وأنعمي فلربما تدخلين عالما أخر
الفتاة : عالما أخر .. ماذا تقصد ؟
الجرسون : لا أقصد سوي عالما ملئ بالأحلام السعيدة ( في نفسه )
الي الجحيم
(صوت صراخ آدم من الداخل )
آدم : آه .. ماذا فعلتم بي أيها الخونه ..
( يدخل مترنحا ويسقط علي الأرض دون حراك يحمله
الجرسون الي الأعلي دون فائدة )
الجرسون : ( للفتاة) أقتلته هل وضعت له سما ؟
الفتاة : من أجل أن أنعم أنا وأنت سويا يا حبيبي ، أليست هذه
فكرة صائبة .. لا هم له سوي العزف والغناء
الجرسون : حقيرة أنت .. قتلت من أحيا بداخله .. قتلتني ..
قضيت على كل قطرة دم من دمي تجري في عروقه
أنتهت نسمة الحياة التي أحياها .
الفتاة : حقيرا أنت .. أتحقرني من أجل فأرا كبيرا كهذا ؟
أنسيت حبي لك ؟ ألم تخبرني أنني من وهبت الحياة الي
هذا القبو الشبيه بالقبر الم تدفن حياتك معه؟
الجرسون : أتسمين حانة الربيع قبرا يا عاهرة .
الفتاة : جرذ.. حقير .. أه فعلتها بي يا قذر
الجرسون : إذا فلتموتي ويموت حقدك معك أيتها الحية الرقطاء
( تسقط علي الأرض وتصرخ بينما يجثو الجرسون
علي ركبتيه يحمل رأسها فتسقط علي الأرض مرة
أخري يلتفت يمينه فيري آدم ممددا يقف )
هل أنتهت سيمفونية الحياة يا آدم هل أواجه العالم
وحيدا أحمل دم دورا الثقيل .. أم أكمل باقي
عمري علي ذكراك .. كنت أريد أن أخلصك
من هذه الحية التي لا تحبك ، فأصبحت وحيدا
( يضع يده علي بطنه .. يتحسس معدته .. يصرخ )
آه .. أمعائي تتقطع أوضعت لي السم يا آدم في القهوة
التي قدمتها لي .. حقا قضيت علي هذه الحية قضت
علينا جميعا
( يقع علي الأرض )
لقد أرحتني يا آدم من هذه الحياة وسأموت وأنا أحبك
أيضا .
( يسقط دون حراك مع سماع صوت طرقات علي
الباب والنوافذ وطلقات رصاص من الخارج مع
وجود حركة كثيرة للأشباح خلف النوافذ )
ستار