السبت، 5 فبراير 2011

الفقيه القانونى نائب رئيس مجلس الدولة د. ماهر أبوالعينين يكتب: حتى لا تُجهَض الثورة.. وحتى لا نقع فى الفراغ الدستورى


١
لاشك أن ما قام به الشباب المصرى من ثورة لتغيير النظام هو أمر حقق آمال وطموحات ملايين من الشعب المصرى من مختلف الطوائف، ومع أن للشباب شرف تنفيذ هذه الثورة على أرض الواقع إلا أنهم بالتأكيد تأثروا بتراكمات ناتجة عن صحافة حرة وكتاب شرفاء ومناضلين وطنيين كافحوا، كل بطريقته، فى محاولة لإصلاح المسار ووقفوا بشجاعة فى وجه بطش وقمع النظام الحاكم وتعرضوا للاعتقال والتشريد بسبب ذلك، فجاء الشباب وتوجوا هذا النضال بالنزول إلى أرض المعركة وكان لهم شرف النصر فيها، فلهم تحية واجبة وفخر بما فعلوه لإحياء الروح المصرية وتصحيح الصورة المغلوطة عن الشعب المصرى، وكان لى شرف الدفاع عن هذه الصورة المغلوطة فى عدة مؤلفات حيث كان تصنيف الشعب المصرى وفق علم الاجتماع السياسى أنه يخضع للنمط الآسيوى للإنتاج وهو ما يعنى أن يخضع خضوعاً تاماً للحاكم صاحب التحكم فى النهر مصدر الحياة إلى حد عبادته ولا يمكن أن يفكر فى الثورة عليه لأنه يعتبر هذا الحاكم هو مصدر الحياة حيث يتحكم فى النهر، ودافعت عن ذلك وقلت إن الشعب المصرى عبر تاريخه قام بعدة ثورات خالصة وإن استمرار القهر يرجع إلى قبضة النظام البوليسى القوية التى حكمت بيد من حديد وأجهضت أى محاولة للحصول على الحق فى الحرية والديمقراطية، وهو أمر تحقق مع شعوب أكثر رقياً وفقاً لتصنيف العلماء كالشعب الألمانى تحت حكم هتلر والشعب اليابانى تحت حكم الديكتاتورية العسكرية التى أدت إلى الحرب العالمية الثانية.
تم تعديل بعض النصوص الدستورية فى دستور جمهورية مصر العربية الحالى لتنطبق على حالة بعينها وهو ما يعرف فى التشريع بالانحراف التشريعى، فانتقل هذا الانحراف إلى التعديلات الدستورية فأصبحت هذه التعديلات مشوبة بالانحراف الدستورى، وقد أشرنا إلى هذا الأمر فى عدة مؤلفات أهمها «الانحراف التشريعى وضوابط الرقابة على السلطة التقديرية للمشرع»، فالمادة ٧٦ من الدستور خصوصاً وضعت بطريقة تجعل انطباقها لا يكون إلا على مرشح الحزب الوطنى فقط، وقيدت سلطة من يحل محل الرئيس فى غيابه ولهذا فإن هناك عدة مواد فى الدستور تتطلب التعديل حتى تكون بداية لنظام دستورى ديمقراطى تليها مرحلة وضع دستور جديد عن طريق هيئة تأسيسية منتخبة أو هيئة تجمع قوى المعارضة والحكومة عليها ثم يطرح ما تضعه للاستفتاء. ولكن ما هى إشكاليات هذه التعديلات من الناحية الإجرائية وما هى النصوص محل التعديلات التى من شأنها فى نظرنا تلافى قصور شديد فى الدستور الحالى؟
أولاً: إشكاليات التعديلات الدستورية تكمن فى السلطة المخولة لوضع هذه التشريعات وقد أوضحت المادة ١٨٩ من الدستور أن سلطة التعديل هى لرئيس الجمهورية ومجلس الشعب بشرط ضرورة موافقة ثلثى المجلس على هذه التعديلات.
ولكن هناك مبدأ مهماً فى هذا الخصوص، هو أن هذه السلطة فى التعديل لا تكون إلا لرئيس الجمهورية دون إمكان استخدام هذه السلطة من قبل من يحل محله فى حال غيابه، ففى حال غياب رئيس الجمهورية المؤقت يحل محله نائبه وفى حالة خلو المنصب لأى سبب يحل محله رئيس مجلس الشعب وفى حالة حل المجلس يحل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، ولكن فى جميع هذه الأحوال السابقة لا يجوز لمن يحل محله أن يحل مجلس الشعب أو طلب تعديل الدستور «م ٨٢، وم٨٣ من الدستور».
وبمعنى آخر أوضح فإن التعديلات الدستورية لن يقوم بها إلا رئيس الجمهورية بنفسه دون من يحل محله، إلا أنه يمكن تفويض رئيس الجمهورية لنائبه فى سلطته المقررة طبقاً للمادة ١٣٩ من الدستور فى اقتراح التعديلات الدستورية.
ثانياً: أنه يجب أن تطرح التعديلات على مجلسى الشعب والشورى وهناك عوار فى تشكيلها نتيجة الطعون على أعضائهما فكيف يمكن تصحيح هذا الأمر؟
إن المشاهد أن الرئيس حسنى مبارك طالب فى خطابه الأول بالتعديلات المزمع إجراؤها أن يتم تنفيذ الأحكام القضائية، وفى نظرنا أنه كان يقصد أحكام مجلس الدولة النهائية ولكن تم تحوير هذا الطلب بعد ذلك وكان هذا التحوير مقصوداً وسوف نشرح مغزى هذا التعديل ذلك أن تنفيذ قرارات محكمة النقض فى خصوص صحة العضوية سيأخذ وقتاً طويلاً جداً، وهناك فارق بين أحكام مجلس الدولة وتقارير محكمة النقض، فأحكام مجلس الدولة تتعلق بصحة دخول العضو للانتخابات أى أنها ترتبط بالمشكلات المثارة قبل العملية الانتخابية، فإذا صدرت الأحكام فهى تعنى بطلان دخول العضو الانتخابات أصلاً أما الطعون أمام محكمة النقض فتكون على صحة العضوية أى أنها تفترض أن دخوله العملية الانتخابية كان صحيحاً.
وهناك عدد كبير من الأحكام الصادرة من مجلس الدولة والنهائية قامت بإلغاء الانتخابات لبطلان استبعاد بعض الأفراد من الترشيح أو تغيير صفتهم «من فئات لعمال والعكس» ولبطلان دخولهم الانتخابات أصلاً لعدم توافر الشروط الصحيحة فيهم كأداء الخدمة العسكرية والجنسية وحسن السمعة ويمكن تصحيح المجلس بتنفيذ هذه الأحكام فوراً وإعادة الانتخابات فى هذه الدوائر، أما انتظار تقارير محكمة النقض فهذا يستغرق شهوراً لإمكان إعادة فرز الأصوات ومراقبة صحة إجراءات العملية الانتخابية ذاتها، فكيف يمكن اتخاذ إجراءات الترشح لرئاسة الجمهورية مع اقتراب موعد الترشح ولم يصحح مجلس الشعب نفسه؟
وهنا يحق لنا التساؤل: هل قُصد من القيد الخاص بالتعديلات الدستورية من ضرورة تطبيق أحكام النقض أن يظل مبدأ التعديل مجمداً وتتم الانتخابات طبقاً للمادة ٧٦ من الدستور التى تم تفصيلها لإمكان أن يستفيد منها مرشح عن الحزب الوطنى، حيث تتوافر له مقومات الفوز بسهولة فى تلك الانتخابات لضعف المنافسة من ممثلى الأحزاب الأخرى؟ إن المنطق يقتضى إما حل مجلسى الشعب والشورى وإجراء انتخابات جديدة لتفرز برلماناً قادراً على وضع تعديلات دستورية تصحح المجلسين بتنفيذ أحكام مجلس الدولة، ولكن سلطة الحل هى لرئيس الجمهورية فقط. هنا يمكن إما تفويض الرئيس لنائبه فى هذا الاختصاص فى حالة وجود الرئيس وتنازل كل من رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية عن شغل منصب الرئيس فى حالة غياب فهنا يرجع الأمر إلى النائب بقوة الواقع ويستطيع حل المجلسين لأن القيد هنا ينصب على كل من رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية فقط ونكون أمام حالة من حالات الحلول مكان الرئيس تجيز له ما كان جائزاً للرئيس. أى أن حل المجلسين هو الأنسب لإمكان وضع التعديلات الدستورية على أسس صحيحة، أما تنفيذ الأحكام القضائية فقط دون تقارير محكمة النقض فسيؤدى إلى ظهور حالات بطلان جديدة بعد ذلك تهدد صحة تشكيل أى من المجلسين وتؤثر على صحة التعديلات الدستورية ولكن ما هى أهم المواد التى يمكن تعديلها؟
فى رأينا أن الاتفاق واضح بين مختلف القوى السياسية على ضرورة تعديل المادة ٧٦ التى تم تفصيلها على مرشح الحزب الوطنى فقط والتعديل يكون بسيطاً بجعل إمكانية الترشح لمنصب رئيس الجمهورية لأى شخص تتوافر فيه شروط شغل هذا المنصب، بالإضافة إلى تزكية عدد لا يتجاوز عشرين أو خمسين عضواً فى مجلسى الشعب والشورى، ولا يشترط الانتماء الحزبى لهذا الشخص حتى لا نحرم المستقلين من هذا الحق وأن يفتح باب الطعن فى الترشيحات لهذا المنصب أمام المحكمة الدستورية العليا ويكون قرارها نهائيا فى هذا الخصوص حيث تنظر المحكمة فى صحة شروط الترشح ومنها مثلاً حسن السمعة.
وكذلك هناك إجماع على المادة ٧٧ التى تجعل هناك إمكانية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية وشغله دون قيد زمنى فيتم تعديلها لتصبح إمكانية شغل هذا المنصب مرتين فقط.
وهناك المادة ٨٨ التى تتعلق بإجراء الانتخابات فى يوم واحد ووجود لجنة أغلب أعضائها من القضاة تشرف على الانتخابات فيجب أن تكون اللجنة المشرفة على الانتخابات قضائية خالصة ومن عدد كبير من الأعضاء من محكمة النقض ومجلس الدولة وأن ينص فى المادة على إشراف القضاة على عملية الاقتراع نفسها، أى نرجع لفكرة قاض لكل صندوق فتكون مراحل العملية الانتخابية كلها قضائية بدءاً من تنقية الجداول الانتخابية ومروراً بتنظيم إجراءات الانتخابات ووضع الأسماء النهائية للمرشحين. وهناك المادة ٩٣ التى تجعل تقرير محكمة النقض حول صحة الانتخابات خاضعاً لتقدير مجلس الشعب بأن يكون التقرير نهائياً غير قابل للطعن فيه إلا أمام المحكمة الدستورية العليا التى يمكن أن تفصل فى رفضه فى غرفة المشورة ونظرا لكثرة الطعون يمكن أن تشكل هيئة موسعة من أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء من المحكمة الإدارية العليا. وهناك المادة ١٧٢ الخاصة بمجلس الدولة، حيث يضاف لها اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بنظر إشكالات تنفيذ الأحكام الصادرة من المجلس على أن ينظم القانون هذا الاختصاص. وهناك المادة ٨٧ الخاصة بنسبة العمال والفلاحين، حيث نرى وجوب إلغائها تماماً مع الإبقاء على سلطة الرئيس فى تعيين عدد عشرة من الأعضاء.
ويمكن تفويض الرئيس لنائبه فى إلغاء حالة الطوارئ أو أن يقوم بذلك من يحل محل الرئيس فى الحالة سالفة البيان.
ويمكن النظر فى تعديل المادة ١٧٦ الخاصة بالمحكمة الدستورية العليا وذلك بتحديد عدد أعضائها بطريق الاقتراع العام بين أعضاء المحكمة الإدارية العليا وأعضاء محكمة النقض مع اختيار رئيسها بالانتخاب من بينهم ويمكن تحويل مجلس الشورى إلى مجلس تشريعى متكامل مع تقييد حق رئيس الجمهورية فى تعيين ثلث الأعضاء بأن يكون تعيين ثلث الأعضاء من بين رؤساء، فأعضاء مجالس إدارات النقابات المهنية والمنظمات المدنية والدينية كالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمجلس الملى أى أن يكونوا معينين بحكم انتخابهم فى هذه الجهات. هذا التصور المثالى للتعديلات الدستورية سيطيل فى عمر الدستور الحالى إلى أن يتم انتخاب هيئة تأسيسة تضع دستوراً جديداً للبلاد، وقد راعينا فى هذه الاقتراحات تداوى العوار الذى أصاب هذه المواد السابقة عند التطبيق على الواقع الذى أثبتته السوابق القضائية والانتخابات السابقة، ويجب أن نطرح تساؤلاً على المتخصصين فى القانون الدستورى عن إمكانية استعمال المادة ٧٤ التى تجيز لرئيس الجمهورية فى حالة وجود خطر جسيم وحال يهدد سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى أن تتخذ إجراءات سريعة لمواجهة هذا الخطر وفقاً لإجراءات معينة، ألا يمكن للرئيس أن يستعمل هذه المادة لإحداث التعديلات الدستورية وهل يمكن لنائبه أو من يحل محله استعمالها فى تقرير التعديلات الدستورية فوراً؟ إن الأمر يحتاج إلى بحث أكبر وتحليل شديد الدقة والخصوصية القانونية ننأى بها عن القارئ العادى وهذا الطرح نتأمله جميعاً كمتخصصين فى القانون الدستورى ونشير بوضوح إلى أن هذه المواد هى فقط أهم ما نراه جديراً بالتعديل ولكن هناك مسائل أخرى تقتضى إجماعاً عليها مثل سلطة فرض حالة الطوارئ وكذلك ضمانات لحرية نشأة الأحزاب السياسية وجعل الفصل فى سائر مشكلاتها للمحكمة الإدارية العليا بتشكيل قضائى كبير ونقل اختصاص لجنة الأحزاب إلى المحكمة المذكورة ووضع تصور للجنة عليا لترسيخ وحماية الممارسة الديمقراطية فى أى من المؤسسات والهيئات المدنية سواء كانت النوادى أو الهيئات أو الاتحادات أو الهيئات الأخرى حيث يجوز لذوى الشأن الطعن أمامها بأن الإجراء المنظم لعملها ينطوى على مخالفة لأسس ومبادئ النظام الديمقراطى.
وهذه مجرد أمانٍ وأحلام ولكن ما فعله الشباب جعل من الأمانى والأحلام أمراً ممكناً.
وأخيراً.. فيجب ألا ننسى مرة أخرى دماء الشهداء، والجرحى الذين سقطوا دفاعاً عن حق الشعب فى الحرية والديمقراطية، فيجب تعويضهم وتعويض ذويهم عن تضحياتهم، وهو أقل واجب إزاء الذين فتحوا أبواب الحرية والديمقراطية أمام هذا الشعب. وصدق أمير الشعراء إذ قال: «وما نيل المطالب بالتمنى.. ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق