هذه القضية لا تحتمل شرف كتابة المقدمات، وليست في حاجة لتزويق الكلمات والعبارات، فالتفاصيل مرعبة، وكاشفة عن حالة وطن نخر السوس أركان مؤسساته، فصار مجرد اقطاعية يملكها مبارك، ويمرح فيها مماليكه.. وطن كان يتم فيه دهس القانون علنًا تحت الأقدام، وصارت فيه تعليمات المماليك أحكامًا قضائية واجبة النفاذ.
فنحن أمام واقعة تتجاوز حدود ضحيتها، ويمتد أثرها إلي إهانة بلد بأكلمه.. شعبه وتاريخه وتضاريسه الجغرافية، وهو ما يدفع للصراخ، وقطعًا سيلحق بنا كل من سيدرك حجم وبشاعة الفضيحة.. التي لو حدثت مشاهدها في أي بلد آخر، لاهتزت لها جميع السلطات المعنية بحماية القانون، والدفاع عنه.
الأسبوع الماضي تناولنا قصة نفوذ »هامان« الرئاسة »زكريا عزمي« ونشرنا رسالة بعث بها إلينا عماد الجلدة، رجل الأعمال والنائب السابق، وكنا نعتقد أن ما تناولناه هو كل الحكاية.. لكننا اكتشفنا أن اعتقادنا لم يكن في محله، وأننا اقتربنا فقط من قمة جبل الجليد، الذي يغطي بحيرة »عفنة« بالملفات والفضائح وتنامي النفوذ المخيف، للرجل الذي كان يحكم مصر.
هذه الفضائح جاءت من خلال شهادات حية رواها نواب سابقون وقيادات حزبية وصارت طرفًا في بلاغات رسمية أمام مكتب النائب العام.
فقبل يومين جرت في نقابة الصحفيين وقائع مؤتمر لمناصرة ضحايا عهد مبارك.
المثير أن الضحايا الذين حضروا لفضح ممارسات نظام مبارك ضدهم لم يكن لهم حديث سوي اضطهاد زكريا عزمي للجلدة داخل مجلس الشعب، وهو ما شجع شقيقه حسين الجلدة، لأن يشكف عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك وربما تكون هذه الأسباب هي الأسرار الكامنة وراء القصة برمتها، إلي جانب أشياء أخري. فأثناء وجود الجلدة في مجلس الشعب تقدم بطلب إحاطة لفتحي سرور حول توزيع بسكويت لتلاميذ المدارس. وأن عبوات البسكويت كانت تحتوي علي عملات إسرائيلية »شيكلات« فما كان من زكريا عزمي إلا انتظار عماد الجلدة خارج القاعة طالبا منه الابتعاد عن هذا الأمر لأنه يخص رجل أعمال صديق له، فاعتبر الجلدة أن ما يقوله زكريا عزمي ليس سوي مزاح، وأصر علي مناقشة طلبه، بالاضافة إلي موقف آخر، اعتبره عزمي تحديا شخصيا له. وهو وقوف عماد الجلدة إلي جانب المعارضة في مطالبة الحكومة فتح المعابر بين الحدود الفلسطينية والمصرية. فثار عليه زكريا عزمي قائلا كيف تتحدث في مثل هذه الموضوعات دون إذن.
ربما يكون ذلك هو السر الكامن في قضة عزمي مع الجلدة حسب شقيق الأخير، إلا أن حدة المناقشات بلغت ذورتها في مؤتمر نقابة الصحفيين عن معرفة غضب حسني مبارك من عماد الجلدة، أثناء الانتخابات الرئاسية، وهو ما جاء في البلاغ الذي تقدم به سعد عبود المحامي والنائب السابق وكيلاً عند الجلدة.
الواقعة يعود تاريخها وفق البلاغ إلي 2005/8/22 أثناء استقبال الرئيس السابق في مزارع أحمد المغربي بالنوبارية لحضور المؤتمر الشعبي بمناسبة ترشيحه للرئاسة استفسر مبارك من عماد الجلدة في حضور زكريا عزمي عن تمويل الجلدة للمرشح أيمن نور، فنفي عماد الجلدة وجود أية علاقة بأيمن سوي أنه محاميه، فقال له الرئيس السابق »مستنكرًا« يعني بيفهم في المحاماة،
لم تتوقف محتويات البلاغ عند تلك الحدود التي ذكرها الجلدة في رسالته، والواقعة التي أفردها سعد عبود عن المقابلة مع مبارك واستفساره، لكنها امتدت إلا تضمين اعترافات مثيرة وردت علي لسان وزير العدل الأسبق المستشار »محمود أبوالليل« في أحد الحوارات والذي تشير إلي وجود تعليمات خاصة بإصدار أحكام، وتعليمات أخري بمعاقبة قضاة وإحالتهم للتأديب، وأن الذي كان يقوم بهذا الدور، هو زكريا عزمي.
البلاغ الذي تقدم به سعد عبود وكيلاً عن عماد الجلدة، للنائب العام، اختصم فيه مبارك الرئيس السابق، وزكريا عزمي، وأحمد عز، أحمد حسين عثمان أمين الحزب الوطني المنهار بمحافظة البحيرة وعرض فيه التدخل السافر من قبل رموز النظام السابق. وأسلوب التهديد الذي استخدمه زكريا عزمي ضد الجلدة في الوشاية به علي غير سند من الحقيقة لدي صاحب الاقطاعية »مبارك« فكانت هذه الوشاية بداية لعمليات الانتقام، فهي فتحت الطريق لزبانية النظام بإعطاء الضوء الأخضر لرئيس الديوان لابتزاز عماد الجلدة. واستدعائه لمكتبه مستغلا غضب مبارك، وطلب مليون دولار بادعاء أنها مساهمة في الحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية.
الأمر الذي رفضه الجلدة. بالإضافة إلي تدخل أحمد عز لدي مباحث أمن الدولة للحيلولة دون قبول ترشيح والد عماد الجلدة في الانتخابات الأخيرة، وبالفعل تم إجباره علي التراجع عن الترشح، هذا البلاغ المقدم للنائب العام، ربما يكون الأحدث في البلاغات الخاصة بقصة عماد الجلدة مع زكريا عزمي، فقد سبقته بلاغات أخري تقدم بها الدكتور إبراهيم صالح ضد زكريا عزمي، وأحمد عز، وأحمد حسين وأيضاً أمين الوطني في البحيرة،. وذلك حول وقائع تفضح مدي نفوذ زكريا عزمي وتأثيره في مصائر العباد.
الأمر يخص القضية رقم »16« لسنة 2007 جنح أمن دولة طوارئ، والتي جري فيها اتهام عددا من أنصار عماد الجلدة في القضية، التي يحاكم فيها بتدبير من زبانية النظام، وعلي رأسهم عزمي، وعلي خلفية الأحكام الصادرة، جرت عمليات تظلمات كثيرة لإلغاء الأحكام.
وبتاريخ 2009/7/29، انتهي مكتب شئون أمن الدولة بمذكرة التظلمات، ورأي فيها الرجوع عن التصديق وإقرار الحكم مع وقف تنفيذ عقوبة الحبس القضي بها علي جميع المتهمين، إلا أن هذا الرأي لم يتم التصديق عليه لأن مكتب أمن الدولة في رئاسة الجمهورية، والتصديق يحتاج تدخل زكريا عزمي، والأخير يرفض، لأن أختام الحاكم العسكري »رئيس الجمهورية« لديه.
هذه البلاغات وغيرها، تفضح كيف كانت تدار البلاد علي أيدي مبارك ومماليكه، نائب استخدم حقه الدستوري في تقديم طلب احاطة عن البسكويت، اعتبره عزمي تحدياً ورفضه لدفع مليون دولار، يلقي به وراء السجون هذه الفضيحة، كافية لأن يفتح بشأنها تحقيق وإعادة محاكمة لأن رأي محكمة النقض في حكمها فيه ما يكفي لأن يحاكم آخرين، زجوا به إلي السجن، ونحن في الانتظار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق