الجمعة، 28 أكتوبر 2011

الطاحونة ج2 تأليف د.ملحه عبد الله







المشهد الرابع
[ الوادى .. وقد غمر اللون الأبيض المكان كله الأحجار .. والأشجار والأمتعة ، مجموعة من الناس يؤدون رقصه إحتفال خاصة، الدقيق يغطى وجوههم وشواربهم وحواجبهم وأنوفهم .. بطونهم تمتد إلى الأمام في حجم كبير بينما تبدو أرجلهم قصيرة جداً ،واستطالت أنوفهم أيضاً. يدخل الفلاح ]
الفلاح : كفوا عن الرقص والغناء هذا هراء [ تتعالى ضحكاتهم ]
رجل(1): إنه متهم لم تثبت براءته بعد .. ها .. ها .. [يضحكون ]
رجل(2) : بطنه غير منتفخة ألا ترون ؟
الجماعة : ياللعار !
رجل(1) : لقد أكلها أليس كذلك كما أن أنفه أفطس انظروا تقلص حتى أصبح كحبة الكرز .
رجل (2) : لانكاد نراها - ها .. ها إنها تبدو كحبة قمح.
الفلاح : كانت شريفة أتنكرون
[ همهمات ثم صمت ]
رجل(1) : قلت لكم أكملوا سهرتكم فالليلة عيد
الفلاح : عيد ماذا ؟
رجل(2) : عيد القمح
الفلاح : أى قمح، إن حبوب القمح لاتلبث أن تبزغ من سنابلها حتى تموت وتنتحر على أطراف أوراقها .
رجل(2) : هذا أمر طبيعى ، فالرياح توقفت فمن أين تتنفس الحبوب، ثم أين هي حبوب اللقاح أجب إن كنت برئ ، هيه أجب .
الجميع : نعم حبوب اللقاح ... [ يجتمعون حوله فى رقصه ]
الفلاح : [ يصرخ ] الرياح لم تتوقف فهي تعم أرجاء القرية حتى أسمعوا [ صوت ريح شديدة ] .
الجميع : لانسمع شيئاً هذا وهم صرف ، ثم ماذا أتى بك إلى هنا قل لنا هيه .
الفلاح : أنا واحداً منكم ومن حقى أن أشارككم ..
رجل (1): لكنك رجل مذنب .
رجل(2) : أين بطنك المنتفخه هه ! أين ؟؟
[ يترنح ويدور حوله .. فيمسكه الفلاح ]
رجل(1) : إذهب .. إذهب .. فلاتستطيع مواجهتنا حتى نرى بطنك ، فهمت .
الفلاح : صمتاً أيها المساخيط هل أنتم بشر؟ انظروا إلى سيقانكم وبطونكم إنظروا إلى أنوفكم التى استطالت ، لقد تحورت أجسامكم من جراء هذا البلاء لقد عم النتن . إستنشقوا ، أستنشقوا وأجيبوا .
رجل (1) : لقد زكمت ذرات القمح الممتلئة بحبوب اللقاح أنوفنا فلانشم سوى رائحة الخمر المعتق .
صوت دقات الطاحونة ]
رجل(2) : إنها تدق فلترقصوا رقصتكم الخاصة بها فلربما ضربات ارجلكم بالأرض تساعد على دورانها .
[ يرقصون رقصة دائرية بينما الفلاح يجلس فى الوسط ويضربون الأرض بأرجلهم فتزداد دقات الطاحونة ]
الفلاح : إنها نصف دائرة فقط .. فيديه المرتعشتان لاتقويان على أكثر من ذلك .
رجل(1) : أرقصوا طربا إنها تدق . إنها تدق .
[ يستمرون فى الرقص والغناء ]
رجل(2) : إنها هي .. إنها هي .
[ يتوقف صوت دقات الطاحونة ]
الفلاح : ألم اقل لكم إنها هي ..نسمة تهب فى ناى كل راع وفقير فتتصاعد موسيقى الرعاه ويتعالى ثغاء الأغنام وترتع سخلات الماعز فى المراعى الخضراء لماذا لاتدركون ؟
              [ يدخل العجوز يحمل جرابا مليئاً بزجاجات الخمر ]
العجوز    : جئت إليكم بشراب البهجة ياهُزالي الضِعاف .
رجل (1) : أين أنت لقد طال غيابك أيها الصنبور العجوز
رجل (2) : لقد كان ينظف نفسه من الصدأ
الفلاح    : أنا مضطر للإنصراف فلا يمكن أن يجمعني مكان مع هذا الصنبور .
رجل (1) : إنتظر واسهر معنا لتسمع حكاياته الممتعة .
الفلاح    : أتسامر بماذا ؟ بسمعة السيدة الفاضلة التي تمتد يدها بالخير إلى كل بيت     
             حتى إلى هذا العجوز الخرف .
العجوز   : فاضلة .. إن الفاضلة لدى زجاجة زجاجه من الخمر أتتناولها .
[ يمد يده بالزجاجة إليه الجميع يضحكون ]
الفلاح   [ يدفعها بيده فتنكسر ] أنا لا أشرب هذا المزيج فتضيع منى الحقيقة
            التي تحاول هذه القطرات الحمراء طمسها .
العجوز   : أي حقيقة ؟
الفلاح   : أو نسيت أنها هي المالك الحقيقي لهذه الطاحونة كما أنها هي الوحيدة                 
            القادرة على تحريكها حتى لو ركد الهواء .
العجوز  : أنظروا إليه وهو يتحدث بهذه البلاهة ، هل سمع أحدكم هذا الكلام من   
            قبل؟
الجميع  : [ يتهاتفون فى حماس ] لا .. لا
الفلاح  : دافعوا عن قطراتكم الحمراء اللعينة ، تنكرون الحقيقة وأنتم تعلمونها جيداً
[ يدخل الضابط دون أن يرى الفلاح ]
الضابط : تأخرت عليكم ريثما تخلصت من برغوثة الوادى [ يضحكون ] آه ذلك الهزيل الممصوص الذى يتباهي ببطنه المشفوطه .
الفلاح : كنت سأنصرف الآن ياسيدى ، معذرة إذ عكرت عليكم صفو الليلة [ ويخرج ]
الضابط : [ يحاول إخفاء خجله ] لماذا لم تخبروننى أنه هنا .
رجل (1) : لا .. لا تخجل فقد ذهب .
رجل (2) : إن بطنه تبدو ككهف فى بطن جبل فلماذا يتباهي بها .
رجل (1) : يا عزيزي إن كلبه الوحيد ينام بها كل ليلة فماذا يخجلك منه .
الضابط   : لماذا توقفتم عن الرقص هل قدومى أثقل خطواتكم .
رجل(1) : لقد رقصنا لها قليلاً حينما دارت [ يتجرعون الخمر ]
رجل (2): هيا ياصنبور القرية ، أسمعنا حكاياتك الممتعة.
رجل (1): هيه  كانت بضه .
العجوز   : حينما تصعد لأعلى الطاحونة تطاردها العيون الولهة التى ريثما تستجيب      
             لها ، أتنكر [ لرجل 2]
رجل (2) [ يميل على الضابط جانباً ] هاهو ذا بدأ يجتر ذكرياته .
الضابط   : وهل كانت تنظر لك بالفعل ؟
رجل (2) : يا سيدى لا تقطع الحديث فما من أحد منا رآها عن قرب لكنه لابد  
            أن يعش معها كل ليلة هكذا ولانملك نحن أن نقاطعه فنفقد مشروبنا  
            اللذيذ اليومى ويفقد هو وعيه .
العجوز : وحين تميل الشمس إلى الغروب كانت تهتز أردافها فرحة بنور الغسق تشاهدها عيون القرية كلها فى قرص الشمس .
            [الجميع يضحكون ]
          و إذا مازادت نشوتها خلعت تلك الأبقار رداءها حتى تتشبع مؤخرتها بضوء الشمس الوردى ، فتلملم أذيال ثوبها مع آخر أشعة الضوء .
الجميع : [ يضحكون ]
العجوز : حتي يسكن هذا الوادى فى الظلام وتسمع أنين الأبقار في زرائبها .. إذ أن ضوء الشمس يشعرها بحاجتها لثيران هائجه .
الجميع : [ يضحكون ]
العجوز : إلا من بقرة واحدة كان خوار ثورها الخائر بجانبها لايشبع رغبتها فتطيح في العراء لتبحث عن وليف آخر .
الضابط : إن المشروب المعتق يساعده على الإسترسال ، بل لديه بلاغه شعريه رائعة إذ إنى رأيت في أبقاره صورة زوجته الوفيه .
[ الجميع يتضاحكون ]
رجل (2) : نعم .. نعم .. كانت بضه
العجوز : بضه راوية حينما تميل الريح يميناً أو شمالاً تتمايل معها كعود ريحان أخضر
رجل(1):كانت رائحتها تعم القرية فتحيل كل شبابها إلى سكارى متيمين .
العجوز  : وهذا هو مربط الفرس .
الضابط : ياعزيزى لك أكثر من ساعه وأنت تهذى بإسمها، أليس لديك حديث آخر
رجل (2) : [ يميل عليه ] قلت لك لاتقطع حديثه فيعم علينا البلاء .
الضابط : بلاء ؟ ماذا تقصد ؟ لنا أشهر وأعوام على هذا الحال .. حديث وسمر بإسمها دون انقطاع، أين المفيد ؟
رجل(1): إن توقف عن اسمها فسيتوقف صنبور الخمر أفهمت .
رجل(2): إنه أصبح طعامنا الوحيد .. ثم إنه هو المتصرف في هذا المصدر .
العجوز : وحينذاك وضعتها داخل أسواراً مغلقه حتى لاينتشر عبيرها الفواح في القرية .
الضابط : سجنتها ؟
العجوز : بل حاولت صيانتها فبنيت أسوار للحديقة كحصون الرومان .. حتى أمنع عنها نظراتهم الملتهبة .
الضابط : تقصد زوجتك ؟؟
العجوز : لا .. لا تفهمنى خطأ ، فأنا أقصد الطاحونة ذلك الفم الذى كان يطحن بين اسنانه كل يوم شدائد الزمن لتحيا القرية .
الضابط : [ يهمس لرجل(1) ] يقول إنه سجنها أفهمت ؟
رجل(1): يقصد الطاحونة ياسيدى الضابط
[ يتجرع الخمر ثم يتجشأ ]
رجل(2): فليسعفه أحدكم لأنه بدأ يهذى بجنون ،إنه يكاد أن يغب عن الوعى .
الضابط : بل هو في حالة صفاء وتوقد .
رجل(1): إن هذا النبيذ جيد  لكنه لايخلو من بعض الشوائب أحياناً
العجوز : خصلات شعرها تنساب كشلال يغرق كل من يقترب منه .. أكثر سواداً من عينيها الواسعتين.
الضابط : ألم أقل لكم أنه في حالة توقد .
العجوز : [ يتجرع الخمر ] لكنها كانت منتفخة مثل إبنتها. فكلما  رأيت تلك الإبنه ذكرتنى بمن تحاكيها تماماً .
رجل(1): آه بطنها منتفخه.!! مثلنا إذن فإنها بريئه [يضحكون ]
العجوز : لاتقل بريئه بل كانت مذنبه و .. و .. ولهذا انتفخت بطنها
الضابط : بطنها ؟ لم نكن بدأنا في إبتلاع حبات القمح بعد ولم تكن هناك جريمة قط .
العجوز : وحينما تغرب الشمس ويعم الظلام الدامس وأشعل موقدى يتفتق الظلام ويخرج منه ضوء وجههااللامع .
رجل(2): كل من لديه إناءٌ فارغ فلتتقدم .. إليه بكأسك سيدى الضابط .
الضابط : لا .. لا فقد ارتويت هذه الليله .. المهم هو
العجوز : كنت أعشقها
[ دقات الطاحونة تسمع متلاحقه ]
الضابط : ماهذا الصوت .
العجوز : كيف .. لا .. [ بفزع ]  لا .
رجل(2): إنها الطاحونة تدق .
الضابط : إذن هناك رياح .
العجوز : لايمكن للرياح بمفردها أن تحركها .
الضابط : ولِمَ ؟
العجوز : نعم ، لأن تروسها صدأت .
رجل   : تعالوا لنراها
العجوز : ولماذا ؟ سأذهب أنا بمفردى لأراها وأعود إليكم بالخبر اليقين .
رجل(2): ولم تذهب أنت وحدك ، نذهب معك ونرقص لها رقصتها وهي تدور .
العجوز : [ يضحك ]
الضابط : لقد توقفت .
العجوز : هيا نكمل الزجاجات معاً .
الضابط : قلت لك كف عن الشراب فلقد انتفخت بطنى حتى تكاد أن تنفجر .
رجل(1): إذاً أنت برئ .
الضابط : هيا نذهب إلى الطاحونة .
العجوز : أتعتقدون أنى خائف .
الضابط : وماهو سر الخوف هنا ، هل اتهمك أحد بأنك خائف .
العجوز : هيا نذهب إلى الطاحونة معاً
[ الطاحونة تدق ]
الضابط : هيا معاً بسرعه قبل أن تتوقف فلنشاهدها جميعاً.
العجوز : إنتظروا لحظات .
الضابط : فيم الإنتظار . ماذا ألم بك أيها العجوز ، هيا أمامنا قلت لك [ يزجره ]
العجوز : هل الرياح قوية بالخارج .
الضابط : بالخارج ؟! يارجل نحن في بطن الوادي
إظـــــــــلام















المشهد الخامس
الإبن : [ وهو يقف في منتصف الغرفه وقد جلست الإبنه على المنضده وهي في حالة إعياء من القيئ ] ألا تسمعين الطاحونة تدق ؟!
الإبنه : ستتوقف سريعاً كما هي العاده
[ الطاحونة تتوقف ]
الإبن : ألم أقل لك يداه لاتقويان على إدارتها .
الإبنه : هل عاد سريعاً من سهرته في بطن الوادى ؟
الإبن : منذ أن جئنا إلى هنا وهو لايتوقف عن السهر يوماً بعد يوم ، لكن ماذا أتى به مبكراً هذه الليلة ..
الإبنه : كما أن من غير عادته أن يدير الطاحونة ليلاً فماذا في الأمر ؟ إنه شئ يدعو للتساؤل أليس كذلك ؟!
الإبن : إنه أمر عادى ألم أقل لك إنه رجل غريب الطباع سأخرج
       لأراه فربما يصيبه مكروه وخصوصاً أن الوقت ليلاً [ يخرج ]
الإبنه : الوقت ليل ؟! [ لنفسها ]
قل أوشكت الشمس أن تبزغ . [ تتحامل على نفسها وتقف ] إن بطنى تنتفخ يوماً بعد يوم كحقيبة الخطابات التى طالما وضعت فيها الرسائل أنا وأمى .. آه إنها لفكرة أين حقيبة الخطابات هذه ؟ لعل أبى خبأها ..

 [ تجول بنظرها في أرجاء المكان ] أين .. أين ..القبو.  
             إظـــــــــلام
















المشهد السادس
[ خارج المنزل وأمام مروحة الطاحونة المروحه وهي تدار بفعل رجل  لاتظهر ملامحه واضحه . وقد وقف أهل القرية والضابط والعجوز وهو ينظرون إليها عالياً ]
العجوز : لم تكن الريح بل هي أيدى آثمة إمتدت إلى طاحونتى .
الضابط : وماوجه الإثم إنه يساعدك .. لكن من هو ؟
العجوز : إنه الأبله .. إبنى ... دائماً يضع أنفه في كل شئ بدون وجه حق فلتقبض عليه ياسيدى.. إقبض عليه .
الضابط : وماوجه الجريمه لقد رأى أن يديك لاتقويان على إدارة الطاحونة وهو فتى يافع يحاول مساعدتك .
العجوز : لقد كان مسجوناً وأخلاقه سيئة .
الضابط : بل كان مثالياً في السجن وهذا ماجعله يخرج بشهادة حسن سير وسلوك 
[ يدخل الإبن ]
الإبن   : ماذا .. ألم تكن أنت الذى يدير الطاحونة ياأبى .
الجميع  [ يندهشون ] ماذا ؟ من ؟ ومن الذى بأعلى الطاحونة إذاً.
العجوز  : لست أنا .
الضابط  : إذن من ؟
الإبن    : لم أخرج من المنزل إلا على صوت الطاحونة .
الضابط : [ منادياً ] أنت يامن تدير الطاحونة  ، يامن هو بأعلى الطاحونة أهبط .
العجوز : فلتقبض على من يتعدى على ممتلكاتي
[ الطاحونة تدق مرة أخرى وتتوقف ]
العجوز : قلت أنزلوه سأقتله إذا لم يهبط .
الضابط : ومالذى يخيفك . إهبط أيها الشخص الكائن بأعلى الطاحونة .
[ الفلاح وهو يهبط ]
الفلاح  : الحمد لله أنكم حضرتم إلى هنا .
العجوز : [ يمسك بالفلاح ] من أعطاك الإذن بدخول حديقتى والعبث بطاحونتى
الفلاح  : مللت من جرشكم القمح ..حاولت إدارة الطاحونة حتى أبرهن لكم أنها ليست الريح .
الضابط : وفلحت فى إدارتها .
الفلاح  : شيئاً ما يعوق تروس الطاحونة .
العجوز  : ألم أقل لكم أنه الصدأ
الفلاح  : لوكان الصدأ فلماذا تدور دورة أو دورتين .
الضابط : ربما كان ترساً من التروس قد تكسر وانحشر وسط التروس فمنعها من الدوران
العجوز : لن يقترب أحد من طاحونتى قلت لكم .
الفلاح  : سيدى الضابط أرجو أن تذكره بأن قمحنا تلف من الإنتظار
الضابط : أنا أذكر وهو يذكر ولكن ليس من حقك أن تتعدى على ممتلكاته
الفلاح  : طالما أنه يؤدى عمله لخدمة الجميع فتصبح الطاحونة من حقنا كلنا فهي تعطل مصالحنا .
العجوز : فلتأخذوا قمحكم ولترحلوا عنى
الفلاح : إن الرائحة المنبعثة من أجولة القمح المعطنة أزكمت أنوف القرية كلها .
الإبن   : نعم فلقد زكمت أنوفنا أيضاً ونحن نحيا فى هذا المنزل مثل تلك الرائحة المنبعثة من جثة زميلنا داخل الزنزانة .
[ صرخة الإبنة من الداخل ]
الضابط : من أين أتى هذا الصوت ؟
الإبن   : إنه صوت شقيقتى
[الجميع يسرعون نحو المنزل]
الإبنه   : خارجه من القبو وتحمل فى يدها مجموعة خطابات 
الإبن   : ماذا فى الأمر؟
الإبنه   [ تعطيه الخطاب الإبن يمسك الخطاب والإبنه تبكى والإبن يحملق فى الأب ].
العجوز : لماذا تحملقون فىّ
الضابط : ماذا يوجد فى هذه الخطابات
العجوز : إنها أمور شخصية .. فلا دخل لك فيها
الإبن   : ليست القضية بهذه السهولة
الضابط : إقرأ الخطاب بصوت مسموع
الإبن   [ يقرأ ] لقد خلا المنزل منذ رحيلك ياإبنتى ، يذكرنى بجريمتك .. التى هربت من أجلها .. إنه ينظر إلىّ بكره شديد يشعرنى وكأننى ألقيت بك فى إثم الجريمه .
الإبنه  [ تبكى بصوت مسموع ]
الضابط : لمن هذا الخطاب
الإبن   : كانت أمى تضع الخطابات لشقيقتى منذ رحلت عساها ترجع أو أنها تطمئن نفسها فى وحدتها وكنت أضحك منها وحيث لاأمل فى عودتها .
العجوز : هراء ماتقولون
الضابط : فلتقرأ باقى الخطابات
الإبن   :  [ يقرأ خطاباً آخر ]  ومنذ دخل أخوك السجن وأنا أشعر بأنى مسجونه فى أحلام ذلك العجوز .. إن عجزه يشعره بأننى مستهدفه من الجميع فسجننى داخل أسوار المنزل .
رجل(2): إنه شك تقليدى
العجوز  : لم أكن عاجزاً يوماً ما .. بل أنا أستطيع أن أتزوج من عشر بنات 
            صغيرات السن .. دفعة واحدة .
رجل(1): ومن منا سيزوج إبنته لك وأنت تهذى هكذا
الضابط : صمتاً فلنقرأ هذه الخطابات فقد تدلنا بمكان هروب الأم .
الفلاح  : إنها لم تهرب وأنا متأكد من عدم هروبها .
العجوز : إن ذلك الفلاح كان يعلم كل شئ عن أمورها فما كانت تخفى عنه شيئاً وكثيراً مالمحته يبتسم لها ويمسك بيدها .
الفلاح : لم يحدث يوماً ما أن أمسكت يدها إلاّ فى ذلك اليوم الذى كانت تبكى فيه وأخذت أشد على يدها كى تصبر
الإبن  [ يقرأ خطاباً ثالثاً ]  اليوم زرت أخاك فى السجن عيناه تلمع ببريق غريب .. كان دائم السؤال عنك ولقد طحنا اليوم مايقرب من أربعين جوالاً .. أبوك إخترع آلة لصنع الخمر من القمح .
الضابط  : من القمح ..‍؟
رجل(2): إنه شديد الإحمرار .. آه هذا النبيذ له مذاق لم أذق مثله من قبل
الضابط : إن هذه الخطابات أشبه بالمذكرات .
العجوز : إنكم تسطون على خصوصيات منزل ، من أذن لكم بذلك ؟
[ الإبنه تبكى ]
الضابط : هذا هو الإذن .. بكاء هذه الإبنه يدعونا للتساؤل عن محتوى هذه الخطابات .
الإبن   [ يقرأ ]  إنه يعيرنى بك .. اليوم وقد زاد الألم فى بطنى أشعر بالمغص يتزايد  إنه يرفض أن يعرضنى على طبيب 
الإبنه   [ تبكى وتصرخ ] كفى .. كفى أرجوكم .
الإبن   [ يقرأ ]  لقد طحنا أربعين جوالاً من القمح .. أبوك يرغب فى الزيادة فيصنع زجاجات أكثر من الخمر يهديها لرجال الشرطة وأهل القرية .
العجوز : هل رأيتم ؟ أننى لم أضع الخمر لى وحدى بل لنا جميعاً .. سنكتفى بهذا .
الضابط : مازالت هناك خطابات
الإبن   : خطاب واحد
العجوز : لسنا فى حاجة له لقد أمقتنا بخطاباتك .. ارجوك ياحضرة الضابط أن                                                                  تجعله يكف ، فذكريات زوجتى تجعلنى أتألم إذا تذكرت ذلك الوجه وتلك اليدان .
الإبن      :  يقرأ ] فى هذا اليوم أشعر بأن نظرات أبيك تطارد بطنى المنتفخة  
               سأكتب لك فيمـــــــــا بعد يصمت ]
الضابط    : أكمل
الإبن      : إنتهي الخطاب
الضابط   : أرنى ماتاريخ هذا الخطاب
الإبن     : إنه قبل عشرة أعوام
الضابط   : هل سمع أحد منكم أن السيدة حامل ؟
رجل (2) : حامل ؟‍!!
رجل (1) : مِنْ مَنْ ؟ وهذا عجوز عاجز قد تعدى التسعين
الإبنه     :  [ تبكى ] شبيهة أمك دائماً يرددها .. سأقتلك .
العجوز   : أنا لست عاجزاً .. تلك الشيطانه لا أستبعد إنها تجرى وراء كل رجال
            القريه
الضابط : وهل لاحقت هذه المرأة أحداً ما ؟
الفلاح  : أقسم أنى لم أرى منها إلا كف يدها عندما كانت تدير الطاحونة .
رجل(2): لم نسمع عن ذلك إلا منه
رجل(1): كانت نساؤنا يأتين لها لتدبر لهن أمورهن !!
 الضابط : أيها العجوز إنى أسألك سؤالاً صريحاً هل رأيت من امرأتك خيانة
العجوز  : نعم .. فمن أين أتت بالجنين الرابض بين أضلعها
الفلاح  : لقد تكشفت القضية .. مامن أحد منا شاهد عليها الخيانة
الإبن   : من أين لنا بأنها خائنه ولم لايكون إبنك أنت
العجوز : أنا ...؟ ‍! مستحيل
الضابط : مستحيل ! لم ؟ إقرأ الفقرة الأخيرة من الخطاب الأخير [ للإبن ]
الإبن   : [ يقرأ ]  سأكتب لك فيما بعد
الضابط : أين الخطاب الأخير ؟
الإبن   : لعله فى حصالة الخطابات
[ الإبنه  تبكى]
الضابط : فيم بكاء تلك الإبنه يقترب منها ] هل وجدت خطاباً آخر؟ تكلمى .. 
          إنى أشعر بأن الحقيقة فى الخطاب الأخير
الإبنه   : ليس هناك أخير فلقد ماتت قبل أن تكتبه
الضابط : أين وجدت هذه الخطابات ؟
الإبنه   : فى القبو
الضابط : إذاً نفتش ذلك القبو
العجوز : [ يسرع نحو باب القبو ويقف أمامه ] لن يدخل أحد منكم إلى قبوى
[الفلاح  يسرع نحوه ويمسك به ويتشاجر الإثنان ]
الإبنه    [تجرى نحوهما فيسقط الخطاب على الأرض بينماالضابط  يلتقط الخطاب ويقرؤه  .. يسرع العجوز نحو الضابط ويدفعه ليسقط على الأرض .. والعجوز يمسك زجاجة خمر يشهرها فى وجه القوم ..   الضابط  يقع على الأرض ويرتطم بأحد المقاعد ، أهل القرية يقيدون  
          العجوز ] .
الإبن : [ يقرأ ] فى هذا اليوم أصابنى القئ .. أشعر بآلام الوضع أبوك يركلنى بشدة أخشى على الحمل .. أقسم لك ياإبنتى  أنه لم يمسسنى غير أبيك رغم عجزه إلا أنه ابنه .. أشعر به وهو يختبئ فى قبوه بعيداً عن نظرات الناس وهو لايصدق الحقيقة ياإبنتى .. آه إننى أشعر الآن بدقات قلب أخيك الشقى ، إنه يرتع في بطنى كل ليلة فلايدعنى أنام ..ربما كان ذلك احتجاجا على غيابك .
العجوز : أتركونى ياسفله يامجرمين
الفلاح : سنبحث فى القبو رغماً عنك
العجوز : لن تجدوا شيئاً أينما اتجهتم
الضابط : إن الشمس أوشكت على الشروق فلننته من هذا الموضوع
الإبن   : لن نترك " سنتيمتراً " واحداً إلا ونبحث فيه حتى لو تحتم الأمر أن نبحث فى صندوق خمرته
العجوز : [ ينهار ] لن يقترب منها أحد ، فهي من حقى أنا
الضابط : [ يبدأ يفيق ببطئ ]
الإبن   : سأدخل حتى لو اضطرنى الأمر إلى قتلك
العجوز : حسناً ، حسناً ، سأساعدكم سأفتش أنا معكم
          [الجميع : يسرعون ويهبطون نحو القبو ووراءهم الضابط ]
العجوز : هذا هو صندوق الخمر .. [ يكشف الصندوق ]
الضابط : لا..لا لن أتحمل هذه الرائحه إنها أكثر بكثير مما أحتمل  . ستدفع ثمن   
          دفعك لى وجرئتك علىّ
الفلاح : صندوق التروس
العجوز : لن يفتح أحد هذا الصندوق
الضابط : فلتفتحه أنت بيديك
العجوز : [ يسرع نحو صندوق التروس ] إبتعدوا قليلاً ، عودوا للوراء يفتح الصندوق ويدخل فيه ويغلقه على نفسه بينما يسرع الجميع نحو الصندوق ويحاولون فتحه]
ص العجوز : سأدفن نفسى معها لن يشاركنى أحداً فى النظر إليها
الضابط     : إنها فى الداخل . إننى أشم رائحة جسدها المتعفن
ص العجوز : سأحتضن هذه العظام وأموت معها ..  إننى أخلص رفاتها من بين  
              التروس بيدى هاتين.
            [ صوت الريح فى الخارج مع دقات الطاحونة .. صرخة العجوز من
            الداخل ] يدى ..
          [ الإبن يسرع نحو الصندوق يحاول فتحه فيفشل دقات الطاحونة مع صوت الريح . صرخة العجوز ] قدمي 
الضابط  : يبدو أن التروس بدأت تدور
رجل(1): إنها تلتهمه
العجوز  :  فلنمت سوياً ياحبيبتى
الفلاح  : ألم أقل لكم أن بين التروس شياءً يعوق الحركة لقد وضعها بين التروس ليقطعها يوما بعد يوم
[ صوت الرياح ]
العجوز : [ يصرخ ]  رأسى .. [تخمد أنفاسه ]
الضابط : لقد مات
الإبن   : البرميل يمتلئ بالدم
رجل(1): لكن كيف إحتفظ بأشلائها ودمها يسقيه لنا مدة عشرة أعوام .
الفلاح  : انظروا إن هناك أنابيب زجاجيه تحت صندوق التروس ليحتفظ بالدم
          والأشلاء . اشربوا حتى تنتفخ بطونكم طوال عشرة أعوام وأنت تشربون
           دماً معتقاً . فاشربوا اليوم من دمائه الطازجه  
            [ الخمر المختلط بالدم ينسكب على الأرض باستمرار مع سرعة دقات
             الطاحونة صوت الريح ،الإبن يفتح النافذة فيظهر ضوء الفجر ]
                           ســـــــتار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق