السبت، 24 يوليو 2010
الجمعة، 23 يوليو 2010
الخميس، 15 يوليو 2010
مسرحية ليله في فرانكفورت د/ ملحة عبد الله
الشخصيات
المرأة : في الثلاثين من عمرها وأحيانا صبية وهي أحياناً تبدو عجوز
الجرسون : متغير العمر فهو في الثمانين وأحياناً يبدو كشاب
مجموعة العجائز : يتحدثن بلغة النساء وأحياناً رجال
الفتاة :جميلة في العشرين من عمرها
المنظر :
كازينو قديم يبدو عليه أنه أثر قديم حيث تعلقت على جدرانه العديد من الأيقونات القديمة الشموع تنتشر فوق المناضد وتعكس ضوئها الشاحب على وجوه معمره تتعدى أعمارها التسعين سنه .بينما تستغرق هذه الوجوه في التركيز في ضوء الشموع دون حراك . الموسيقى الهادئة تعم المكان . يعبر المكان العديد من العجزة نساء ورجال دون أن تعيرهم تلك الوجوه الشاحبة أي انتباه . تدخل امرأة في الثلاثين من عمرها جميلة متأنقة بشعرها الأسود الطويل ومعطفها الفراء الداكن . تعلق الفراء على الشماعة وتخلع قبعتها التى تراكم عليها الثلج كما تراكم على معطفها. تجلس على مقعد . تلتفت للشخصيات التى دأبت على الخروج والدخول دون توقف
المرأة : كفاية ... أصابني الدوار
[مستمرون في حركتهم ]
وجوه شاحبة وشموع تستمد ضعفها ووهنهـا من اصفرار
وجوهكم الشاحبة، فليتحرك أحداً ليوقف هذه المهزلة
[لا يجيبها أحد يستمرون ]
يا إلهي ماذا أتى بي إلى هذا المكان..ألا يوجد جرسون هنا؟
[تصفق بيديها فلا يأتيها أحد]
أيها الجرسون اللعين..أنت أيها الجرسون المتكاسل
[يدخل جرسون عجوز تطل من جمجمته عينان زائغتان]
المرأة : ألا يوجد لديك حساء ساخنا ...ثم أنتظر. ألا توقف هذه المهزلة؟
الجرسون : حينما يصبح هاجس الحياة هو النجاة من الموت
فلا تستحق الحياة أن تعاش
المرأة : أجرسون أنت أم فيلسوف
الجرسون : الاستعجال هو سمة العصر ... الناس مستعجلون على الموت
المرأة : مشروب ساخن من فضلك
الجرسون : العشق للجمال هو ديمومة الحياة
المرأة : قلت لك مشروب ساخن ..سأموت من البرد
الجرسون : حينما أدارت لي كتفيها كادت أشعة الشمس أن نطفئ ، البرد
أكل مفاصلي
المرأة : من تلك الساخنة التي غمرك صقيع هروبها
الجرسون : المدفأة....المدفأة أوشكت أن تنطفئ ..
المرأة : أي مهووس أنت ؟
الجرسون : مروج ذابت بين أوراق الزيزفون تبتلعها أفواه أبقار عجفاء لا تقوى
على مضغ لقيماتها ..تهاوت في بريق ضوء القمر
المرأة : لا..الأمر لا يطاق .. يبدو أنني أتيت إلى مكان في سحيق التاريخ ...
لابد أن أنصرف
الجرسون : الأمواج عاتية والأشرعة لابد أن تنشر وإلا سنهلك
[صوت تحطيم أخشاب ..يهتز المكان بشده تقع
الأكواب والأشياء من فوق المناضد ]
سأذهب لأنقذكم
[ تذهب المرأة وتجلس على منضدة أحد العجائز ]
المرأة : كم من الوقت استغرقت هذه الجلسة
العجوز : [ لا ترد]
المرأة : ألا تشربين معي كوبا من الحساء الساخن؟
العجوز : [لا تعيرها انتباها وتستغرق في ضوء الشموع]
المرأة : كم هو جميل شعرك الفضي
العجوز : صحيحاً ما تقولينه
المرأة : طبعا..بالطبع أنتي جميلة حقاً
العجوز : تركني وهرب ..منذ أن كان لون شعري بلون الليل الداكن
وأنا أمام هذه الشموع أنتظر عودته... سيعود ..أخبريني ..هل
سيعود...نعم نعم ..سيعود
المرأة : من هو ؟
العجوز : كلما همس الليل في أذن النجوم أسمع دقات قدميه
المرأة : من ذاك المأفون ؟
العجوز : همس القواقع في جوف الشاطئ ينبئ بعودته كل يوم ..أسمعها
..نعم أسمعها حبلى بمرجان البحر
المرأة : همسات ماذا... القارب سيغرق
العجوز : قارب ماذا ؟ نحن في جوف كازينو المارنيخ بفرانكفورت
المرأة : لكن الجرسون أخبرني أننا على ظهر قارب شراعي قارب على الغرق
العجوز : لا يوجد جرسون هنا منذ أعوم ونحن نحضر أشياؤنا بأنفسنا
المرأة : كان أمامي منذ دقائق وذهب لينقذ القارب
العجوز : أي قارب ذاك؟
المرأة : الذي نحن على ظهره
العجوز : قلت لك نحن في كازينو
المرأة : وذاك الرجل
العجوز : أي رجال تقصدين ..نحن هنا نساء فقط
المرأة : وهؤلاء الرجال القابعين أمام الشموع أليسوا رجالا أيضاً؟
العجوز : لا يوجد أي رجال هنا
المرأة : ها هم أمامك
العجوز : قلت لك لا يوجد رجال هنا الا تفهمين !
[يهتز المكان بعنف ]
العجوز : خذي حذرك واجلسي على منضدتك قبل أن يغرق القارب
المرأة : أتخافين على؟
العجوز : ألم تقولي أنني جميلة .. لابد أن تسري الحياة في عيون الحب والجمال
المرأة : إذاً تعشقين الجمال؟
العجوز : العشق للجمال هو ديمومة الحياة
المرأة : كأنك هو.... أين ذهب ؟
العجوز : ذلك العجوز الخرف .. لا يرى بريق عيني
المرأة : أذا هو موجود ؟
العجوز : من هو
المرأة : الجرسون
العجوز : الحرباء الملونة تبحر نحو الشاطئ أحياناً ليس إلا
المرأة : لم أعد أفهم شيئا
[تقاوم اهتزاز المكان و تتجه لمقعدها تمسك بأطراف
المنضدة تتشبث بها وتجلس]
الليل يجر أذياله الثقيلة وأمواج البحر قد لا تبقي علي شئ
العجوز : الليل يخيم بردائه الثقيل على نساء عجزه لا يقوين على الفعل
عجوز2 : [ تترك ضوء الشموع وترفع رأسها ] من تقصدين؟
العجوز : نحن جميعاً دون تحديد...سكون مميت دون حركه
عجوز3 : ألا ترين أن الذرة هي سر الوجود
العجوز : وما شأن الذرة بما نحن فيه
عجوز3 : قد تبدو ساكنة رغم حركتها المكسبة للحياة
العجوز : أهلا بك يا سيده ذرة
عجوز3 : أتسخرين مما أقول . إن الحركة الدائمة بين الإلكترونات
والنيترونات تشكل..
المرأة : في ماذا تتهامسان
عجوز 3 : نبات أحمق يعلق بأقدام السيدات
المرأة : أنت أيها الجرسون الخرف.. لا أريد أن أجن
[يدخل شاب نحيل ]
الشاب : نعم سيدتي
المرأة : أريد الجرسون
الشاب : أنا السيد.. الجرسون
المرأة : الجرسون كان رجل عجوز
الشاب : لا يوجد جرسون سواي وأنا من أمتلك هذا الكازينو
المرأة : أليس هذا قارباً أوشك على الغرق
الشاب : كلها لحظات وأحضر لك الطبيب
المرأة : أخبرني ..أين نحن الآن ؟
الشاب : أنتي في أحد الكازينوهات السياحية القديمة .. بني هذا الكازينو في عهد
فريدريش وليم عام 1630 وهو يقع في غرب مدينة فرانكفورت
ويطل على الضفة الغربية من نهر الراين وتبلغ مساحته حوالى..
المرأة : كفى معلومات تحشو بها رأسي لتنسني الهم الرئيسي
الشاب : أنت هنا في ضيافتنا جميعاً نسعد دوما بلقائك ونجيب كل طلباتك
المرأة : إذاً من أنت وللمرة الأخيرة أسألك؟
الشاب : أنا السيد الجرسون
المرأة : وأين نحن
الشاب : في كازينو المارنيخ بفرانكفورت على ضفاف نهر الراين
المرأة :هذا ما عندك؟
الشاب : هذا ما عندي
المرأة : إذاً عليك بإحضار طبقاً من الحساء الساخن
الشاب : إذاً عليك بالانتظار قليلاً ريثما يهدأ القارب فالأمواج عاتية والقارب
أوشك على الغرق
المرأة : [تصرخ ] لا أريد عالم الجنون هذا
[ يختفى الشاب ويظهر الجرسون العجوز ]
الجرسون : أي عالم تقصدين؟
المرأة : أنت مرة أخري
الجرسون : أنا أقف أمامك منذ نصف ساعة أكلمك عن الكازينو والحضارة وعصر
فريدريش وليم وهتلر والرايخ ..هل شردت مرة أخرى..سأحضر لك
الطبيب [يخرج]
العجوز : معه حق ..ما يقوله هو الصحيح
المرأة : أنا أتيت إلى هنا...
عجوز2 : نعلم عنك كل شئ
المرأة : ماذا تعرفون ؟
العجوز : أنك أتيت إلى هنا لتحضري معرض فرانكفورت الدولي لتشاركين
بأوراقك المهترئه
المرأة : أوراقي؟
عجوز2 :تلك الرمال الصفراء تذرها الرياح في أعيننا في ليالي الخريف
المرأة : لا توجد لدي أوراق ولا أعرف شيئا عما تقولين
العجوز : ونحن أيضاً أتينا معك ..كانت أيام تعسة منذ مائة عام مضت ..
لم نستطع العودة لبلادنا فقدنا الطريق وضاعت الخطي
المرأة : أنتم من أتي إلى ذاك المعرض ؟ كلمتني عنه جدتي
العجوز : وهانحن نحملق في هذه الشموع لعلها تأتينا بجديد
عجوز2 : كان لبقاً رقيقاً حينما ربت على يدي وقبلها
عجوز3 : في شمال الوادي تتراكم الثلوج
المرأة : كلميني عن ذاك المعرض كانت جدتى تكلمني عنه
[ صوت دفوف الزفة يدخل مجموعه من الرجال يحملون امرأة
شابة ترتدي زي العروس وبيدها كتاب يضعونها على كرسى
ويخرجون تستمر طبول الزفة بينما الفتاة تقرأ في الكتاب]
المرأة : أهلاً بك أضأت جوانب منزلك
[العروس تستمر في قراءة الكتاب]
المرأة : ألهذا الحد تعشقين القراءة ؟
[لا ترد وتستمر في القراءة ]
المرأة : حينما تميل الشمس نحو الغروب وتنقر الحمائم أرداف أبوابها
وتطلق الديوك حناجرها لتلبي رغبات دجاجاتها الهائجة كل مساء...
ذات مساء ...ماذا دهاني. . يبدو أنني جننت أو أكاد أجن..
سيدتي العروس أخبريني عن ذكرياتك في فرانكفورت
[ تنظر فلا تجد أحدا سوى الرجال العجائز]
المرأة : كانت هنا
الرجل العجوز : من هي ؟
المرأة : العروس
الرجل عجوز2: لا توجد عرائس هنا
المرأة : والعروس ..والزفة والعرس..
الرجل عجوز3: جميلة أليس كذلك ؟
المرأة : جميلة جداً
الرجل عجوز3: أقصدك أنت .. جميلة حقاً
الرجل العجوز : لم أرى قط في جمالها
المرأة : أين الجرسون الشاب ؟ ثم الحمد لله أتضح أن هناك رجال ..
العجائز أنكرن ذلك
[تظهر الفتاة العروس تقرأ في الكتاب ]
الفتاة : حينما يكون هاجس الحياة هو النجاة من الموت لا تستحق الحياة أن
تعاش .
المرأة : أه .. سمعت ذلك من قبل
الفتاة : [تستمر في القراءة] جدران منيعة تتهاوى أو تكاد .تتراص أحيانا
وتتناثر أحياناً أخرى . ترغب في الاتصال وتنفصل حين فجأة .
لا تقتات إلا على حجارتها . مسكينة تلك الحجارة تنضغظ حتى
الموت لترفع تيجان معمارها لكن التيجان ثقيلة ثقيلة تسحق حتى
فتات الحجارة
المرأة : حجارة ماذا وفتات ماذا ؟
الفتاة : حينما ترتفع تيجان القبور نعلم أن هناك أموات
المرأة : لكن القبور تقتات على عظام الموتى
الفتاة : بل تيجان قبورهم تقتات عليهم
المرأة العجوز : كفي عن هذا الهذيان منذ ساعة أو ساعتين وأنتي تحدثين أروقة
هذا المكان
المرأة : فتاة في عمر الزهور تنساب الشمس من بين عينيها .تتحدث بطلاقه
لم أعهدها من قبل
عجوز2 : غبية هي من أضاع خطواتنا
المرأة : أي خطوات
المرأة العجوز : حين أتينا إلى هنا فقدنا الطريق ولم نستطع العودة .. وحين لجأنا إلى
تلك الفتاة الشقراء اصطحبتنا إلى هنا إلى هذا المطعم القديم في هذا
المكان المهجور وتركتنا وهربت
الرجل العجوز : في ليلة عرسك ..كم كنت جميلة
الرجل ع2 : كنت حين أجدل ضفائر شعرك تبدو كالسحالى الملساء ...
كم اشتقت إليك..إلى ابتسامتك الرقيقة
المرأة : أتعرفني ؟
الرجل ع2 : بالطبع... أنت ابنتي
المرأة : أنت والدي ؟
الرجل ع2 : حين كنت أحكي لك حكايات المساء ينساب النوم إلى عينيك
الناعستين الجميلتين كجمجمتين في ضوء القمر
المرأة : لكن والدي توفي منذ أعوام
الرجل ع3 : ابنتي الحبيبة
المرأة : أنت أيضا ؟
الرجل ع3 : تعالى واستريحي على كتفي مثلما كنت تنامين
المرأة : لم أرك من قبل
الرجل ع 2 : هو أبوك بالفعل
المرأة : تعال إلى حضن ابنتك واسترخي على كتفي لأقص عليك
حكايات المساء
[العجوز يسترخي على كتفيها وتبدأ في سرد حكايتها ]
حين يذوب الجليد وينساب خرير المياه في جداول رقراقة وتبث
الشمس شعرها الذهبي ينشق الجليد صفائح صفائح لتظهر من تحته
بنت الشمس ذات الشعر الأسود الداكن كشلال المساء ...
مسكينة بنت الشمس تحجبها السحب تتناثر ضفائرها لتعم الكون
من أرض الشمس حتى هنا في فرانكفورت
[يدخل الجرسون العجوز بينما يرى على كتفها المرأة العجوز تسترخي على كتفها وتستمع لها]
الجرسون ع : العجوز تكاد أن تتقيأ على كتفك
المرأة : هذا والدي
الجرسون : هذه السيدة المسنه والدك ؟
المرأة : كانت رجلا عجوزاً منذ دقائق
الجرسون : منذ أن أتيت إلى هنا لم ألمح رجلاً واحدا أن هذا المكان هو دار المسنات
منذ القرن الثامن عشر
المرأة : من أنت أيها العجوز ..وماذا تريد ؟
الجرسون : أنا السيد الجرسون ..أما ماذا أريد فأنا والدك
المرأة العجوز : أشرقت دهليز السماء .. فلترقص عرائس البحور ..ولتغرد أبواب
السماء ..ولتسكن أرواح محبينا المزمجرة في ظلمات الليل ... أبوك
يعترف بك...أرقصي أيتها الفتاة الحسناء . أرقصي رقصة التانجو
ورقصة الزوربا ورقصة الروك وكل رقصات العالم ..أبوك يعترف
بك ببنوتك بأبوتك...بوجودك كامرأة
المرأة : هذا العجوز هو والدي؟
عجوز2 : أياً كان المهم أنه أعترف بك
المرأة : ومن قال لك أنني أبحث عن الاعتراف
العجوز : يالك من مكابرة ..تشبهين أمك في كل شيء
المرأة : رحمها الله
عجوز2 : كانت حين تشد وتد الخيمة لا تزحزحه الرياح وعندما تشتد الأمطار
تخرج مع باقي النسوة في ضرب الخيام قلا ينتح المطر أبداً في حين أن
الرجال يشربون القهوة
العجوز : كنت تغارين منها
عجوز2 : يا لك من تعسة...الا تنسين أبداً
الرجل العجوز : لكنك كنت تصعدين حتى قمم الألب لتدفنين به مخلفاتك القذرة
العجوز : صخور ملساء لا تساعد إلا على الانزلاق
عجوز3 : فان جوخ كان يخرج حينها إلى سفح الجبل يبحث عن الشمس
عجوز2 : فان جوخ يبحث عن الشمس ؟!
المرأة : الشمس هي من أعطاه مجده وخلده.. لولا الشمس لما كان فان جوخ
المرأة العجوز :كل فئران العالم أكلت غطاء المساء والثلج يتراكم
المرأة : أريد طبقا من الحساء الساخن [يظهر الشاب ]
الشاب : [يقدم الحساء] حساءك المفضل
المرأة : حساء نبات البحر الساخن ؟
الشاب : يقاوم البرد
[النساء يبدين وكأنهن يحاولن فكاك أرحلهن من شىء ما]
العجوز : اعتدنا على ذلك من قبل ...آه
عجوز2 : مستحيل ..أيها النبات الأحمق..آه
عجوز 3 : كل ليله يظهر في الظلام
العجوز : وفي النور أيضاً
المرأة : ماذا دهاكم تتألمون ...ما هذه القيود ؟
العجوز : نبات البحر الأحمق يخرج من فوهات القارب ويصطاد أقدامهن كل مساء
عجوز2 : يمتص دمائنا
المرأة : [تترك طبق الحساء وتتجه لتساعدهن في فك القيود فلا تجد سوى
الفتاة الشقراء ]
المرأة : أنت مرة أخرى .. أيتها اللعينة
الفتاة : لا يوجد سوانا ..أنا وأنت في هذا الكهف
المرأة : تقصدين ..كازينو المارنيخ ..مخلفات القرن الخامس عشر
الفتاة : رغم أن عينيك جميلتين ورغم أن شعرك الداكن هذا يكاد أن يغزو القمر
إلا أن الليل طويل طويل جداً
المرأة : أنت من أفقدهن حريتهن وأضاع خطاهن
الفتاة : بل هو
المرأة : من ؟
الفتاة : لا يستطيع الحراك
المرأة : من هو؟
الفتاة : وليم الثالث وامرئ القيس وهتلر والحجاج بن يوسف والعمدة أيضاً
المرأة : كل هؤلاء
الفتاه : أشربي حساءك المفضل...كلهن رجلاً واحد
المرأة : هذا لا يهم
الفتاة : وما المهم إذاً ؟
المرأة : أن نطلق أقدام النساء النبات الأحمق يمتص دماءهن حتى العصب
الفتاة : أي نبات
المرأة : نبات البحر الأحمق
الفتاة : هو ما يكسبهن الحياة والمتعة .. أنهن يعشقن لسعاته
المرأة : سأحضر سكيناً
الفتاة : إنهن يتلذذن بلسعاته..أيتها المسكينة..لا تفقهين أي شي
الرجل العجوز : أي ابنتي الحبيبة أشربي حسائك ولا تشردين مرة أخري
المرأة : من أين دخلت
الرجل العجوز : أنا هنا منذ أن أحضر لك السيد الجرسون حساءك
المرأة : والنساء المسكينات أقدامهن نبات البحر يمتص دماءهن
الرجل العجوز : أشربي مرق نبات البحر
المرأة : [تشرب ] طعمه غريب جداً
العجوز : لا ريب ...لا عليك ستتذوقينه مع الوقت
المرأة : لكنه نبات أحمق وطعمه سيئ للغاية
العجوز : هو ما يحد من انطلاقة هذا القارب [يختفي ]
الفتاة : [تظهر من تحت الطاولة ] ازدرديه ولا وقت للازدراء
المرأة : أنت ... تتكلمين ..أين ذهبت منذ دقائق ؟
الفتاة : أنا لم أبرح هذا المكان منذ مائة سنه
المرأة : ولا تزالين شابه ؟
الفتاة : العمر يقاس بثلاثة أشياء . السن الزمني ، والسن الذي يراك به العامة ،
والسن الذي تحسينه أنتي في قرارة نفسك، وهو السن الحقيقي من
وجهه نظري
المرأة : أفلاسفة أنتم ؟
الفتاة : هذه العزلة والجدران المغلقة تبعثك على التأمل والتفكير
المرأة : أيا جدران قلعة المارنيخ إبعثي لفهامتي أفكارك النيرة كي أنقذ أقدامي
وأقدام هؤلاء النساء من هذا النبات اللعين
الرجل العجوز : أتحدثين نفسك وأنت من جاءت لنجدتهن
المرأة : بل أحدث هذه الفتاة الحسناء
الرجل العجوز : يالك من مسكينه
المرأة : سمعتك تهمس ؟
الرجل العجوز : بل أترحم على عمرك
المرأة : لم أزل في عز شبابي
الرجل العجوز : لم أرى سوى الشعر الأبيض يغطي هامتك
المرأة : [تتحسس شعر رأسها] ألهذا الحد ينزلق الزمن
الرجل العجوز : في لحظات
المرأة : [تحاول التخلص من النبات العالق بأقدامها فلا تستطيع]
ساعدني في الخلاص
الرجل العجوز : هذه مهمتك فقط [يخرج ]
المرأة : لابد أن أشرب أكبر كماً من حساء هذا النبات عله ينتهي من الوجود
وينقرض [تشرب .. تتقيأ ]
المرأة العجوز : كفى فالجنين الذي بأحشائك لن يحتمل
المرأة : لا . لن يرى النور في هذا المكان الموبوء
المرأة العجوز : البحر يزمجر ويطرح من أعماقه أطناناً من هذا النبات فلتهدئي لحينما
يهدئ ويكف عن طرح أمعائه
المرأة : وإذا هدأت ستحل الأمور ؟
المرأة العجوز : لا ..بل سأقص عليك بعض الحكايات
المرأة : حسناً .. [تأخذان جانبا ً]
المرأة العجوز : حينما أرتقى أعلى التل .. أتنفس بعمق تجول ذرات الهواء العذب
عبر خلايا جسدي وحين تتم دورتها عبر مسامات قدمي تصعد
أعلى الرأس فتصيبني بشئ من الدوار لكنه دوار يمتزج بالنشوة .
أتذكر حينها وطني .الحارات الضيقة تفوح بالضجيج الصبياني
تعطره أنفاس العجائز القابعات على أبواب دورهن . العمة علية
نحيلة ضيقة العينين تتحسس بين الحين والحين أخاديد الزمن على
قسمات وجهها. أمية لم تقرأ ولم تكتب ولكن دهاؤها يسير الرجال .
كانت تحتضنني بحنان وهي تحكي لي ما تبقى في ذاكرتها من أهوال
الغزاة .بقر بطن ابنتها لأنها تحمل جنين ربما يكون ولداً.
العمة صفية ترقد على فراش قلبه الأعداء وأخرجوا من تحته زوجها
وأبناءها الذكور وذبحوا جميعاً لم يعد لها سوى عطف المارة .لا
تزال هناك زهوة حفيدتهم الجميلة ذات الست سنوات تلعب فوق
التل تقطف الزهرات وتداعب الفراشات لكن دخان الرصاص
يفوح حولها
[تختفي وتظهر المرأة العجوز 2 ]
المرأة عجوز2 : عشنا في الدنيا صغار الخطوات قصار الوثبات واسعات الأفق والذكريات
تتحرك مشاعرنا لرؤية نملة دأبت على إفاقة أخرى أصابها الدوار إثر
طوفان خيول سليمان وجيوشه لم يسعفها الزمن ليدخلوا مساكنهم
[ تختفي ]
المرأة العجوز : أترين جبل الثلج هذا ؟
المرأة ع2 : نعم
المرأة العجوز : هذا هو الحل
المرأة : كيف ؟
المرأة العجوز : نزحزحه قليلاً وسط البحر وحينها يتجمد البحر وحينها نقضي على
النبات وتزول العواصف الدافعة للأمواج ونخرج نحن
المرأة : [تنتفض ] بما تهذين أيتها العجوز الخرفه
العجوز : أفتية أنت ؟.... فلتهدئي
المرأة : أين الشمس لتذيب جبال الجليد تلك أين أنت أيها العجوز الخرف ؟
[يدخل الرجل العجوز ]
الرجل ع : خبر سار ... افتحوا النوافذ .. أطلقوا الصرخات
الجميع : قل ما عندك
الرجل ع : الشمس تشرق
المرأة : [تصرخ] يا إلهي الشمس التي طال انتظارها[تنظر من النافذة]
الشمس تغطي كل الأنحاء
[يتجمع الجميع في رقصة واحدة يغنون للشمس ]
الشمس بنت السما ترسل لنا الضي
والنور شقشق وانتشر نور لنا الحي
يا شمعة يا منورة طوفي ولا تخافي
اللي يخاف الظلام عمره ما يلقاكي
[ تتكسر النوافذ وتتحطم الحوائط وتندفع المياه ويتحول المكان إلى قارب
صغير تعتليه النساء العجائز الثلاث والمرأة والفتاة الشقراء يصارعون
الأمواج ]
المرأة : الحمد لله نجونا من هذا الكابوس
ع 1 : إنه طوفان العصر لم يدع على الأرض شئ إلا ودمره
ع3 : نجونا وضاع الشاطئ
المرأة : الرجل العجوز... إنه هناك .. على الشاطئ
ع2 : وأين الشاطئ ذاك ؟
المرأة : حيث الرجل العجوز
ع 1 : أتعرفينه ؟
المرأة : لم أره من قبل ...يقول إنه أبي
ع2 : أتصدقينه ؟
المرأة : لم أره من قبل..ثم إن أبي قد مات
ع3 : لعله مات بين الأمواج
المرأة : وتركنا لا نعرف للشاطئ طريق
عجوز1 : احكمي المجداف الأمواج عالية
ع2 : قاربنا على الهلاك الرياح شديدة والليل يخيم
ع3 : وهذه المنطقة مليئة بالحيتان [يهتز القارب بعنف]
ع 1 : قلت احكمي المجداف وألا سألقي بكن في الماء
المرأة : الحساء الساخن...سيدي الجرسون حساء ساخن من فضلك
الرجل العجوز : أشعلي المدافئ ريثما أحضر الحساء
المرأة : سألتهم الحساء دون رحمة
المرأة العجوز : قلت لك احكمي المجداف
المرأة : دون حساء
المرأة العجوز : كان رجلاً خرفاً ليتني أمسك برقبته
ع2 : الأمواج عاتية سوف نغرق
ع3 : اجلسي على الأريكة قد تكون مريحة
المرأة : أي رائحة عطنة في أرجاء هذا الكازينو
المرأة العجوز : عطن التاريخ...لابد أن يفوح
المرأة : كلما سألت عليه لم أجده
ع2 : من ؟
المرأة : الرجل العجوز
ع3 : تكلمي عنه كأنه هنا فبذكره نأتنس
المرأة العجوز : كنت أرى الشمس تشرق من بين عينيه
ع 2 : يناديني بأسماء لا أعرفها وحين أغضب يمسح على رأسي
فأعود وأهدأ
ع3 : عله يحضر
المرأة : سنغرق جميعاً ..الماء يغزو المكان
[ يبدأ الماء يتدفق من النوافذ ]
المرأة العجوز : قلت إحكمي المجداف
الفتاة : كان ورعاً يخاف الله
المرأة : هكذا كان يبدو
الفتاة : فلتنادونه ربما يحضر ربما تكون ساعداه أكثر قوه
الجميع : أيها الجرسون ... أين أنت .. نحن نغرق
[لا أحد يرد ]
المرأة : أتركنا وهرب ؟
الفتاة : ربما ذهب ليبحث عن المتعه في مكان آخر
المرأة العجوز : كان في ما مضى يربت على كتفي كنت أظن أنه يحن
علي لكنها كانت ضربة موجعة
المرأة : ولم لا تصرخين
المرأة العجوز : كانت لذيذة
عجوز2 : نبات البحر الأحمق يعوق مسيرتنا
عجوز3 : لم يعد هناك شطآن البحر أبتلع اليابسة
المرأة العجوز : يا لها من كارثة المجداف تكسر
الجميع : لدينا سواعد [ يبدأن في التجديف بأيديهن ]
المرأة : إن كل ما قيل لي أن هذه الأرض أرض الحرية والنور، لم
أكن أعلم أن كل هذه الأهوال تنتظرني
الفتاة : اهدئي يا عزيزتي فالزفاف بعد ساعات ويأتي والدي
ومعه ذاك الشاب الأنيق
[يظهر في الجانب الآخر من الكازينو الجرسون العجوز
وقد أمسك ببعض الأدوات ليعيد ترتيبها دون أن يشعر بوجودهم ]
الجرسون العجوز : كلها لحظات وتدق الساعة الثانية عشر سأشعل ثمانين شمعة ثم أطفئها
نعم سأطفئها بمفردي دون صراخ هؤلاء العجائز سأرقص وأمرح ..
لا .. لن أطفئ ثمانين شمعة بل سأشعلها وحين تنطفئ سأشعل
ثمانين أخرى لن أطفئ شموع عمري إنها أيامي ..تاريخي سألت
إحداهن لما تطفئين شموع عمرك بأنفاسك الملتهبة لكنها أجابت
[يضحك حتى يستلقي على الأرض ]
حتى لا يرون تجاعيد وجهي في النور مساكين هولاء النساء
لا هم لهن سوى أدوات الزينه
المرأة : [تتجه نحوه ] أنت ...أيها الجرسون
[ لا يرد ويستمر في ترتيب المقاعد ]
المرأة : آلا تعلم أن هذا المكان قارب على الغرق ؟
[ يستمر في عملة دون إنتباه لها ]
المرأة : أنت يا هذا أتشتغل برص الأكواب دونما تستمع لنا .أشرقت الشمس
فأذابت الجليد ففرحنا ورقصنا لها لكن أذابت الجليد والطوفان يأخذ كل
شئ
[ لا يرد تنشغل الفتاة بورقات تقرأ فيها بينما النساء يحاولن
فرد شراع على سارى خشبي ]
المرأة : على كل واحدة منكن أن تصعد إلى أعلى وأنا أناولها أطراف الشراع
... سنبحر وسنصل للشاطئ
الفتاة : الحرية هي من ستطلق الشراع
العجوز : وما هي الحرية تلك ؟
الفتاة : القدرة على الفعل.. لا..لا..القدرة على التفكير ..انتظرن لحظه مفهومها
في هذه الورقات
[تبعثر أوراقها وكأنها تبحث عن شئ يصعب عليها وجوده ثم تقرأ
بورقة صغيره ]
الحرية تتضخم في الفكر وتضمر في الواقع وهي خاصة بالإيمان لا
بالمعرفة وكلما زاد الواقع غنى بحضورها عبر تفتح الفرد وثراء
شخصيته تفتح الشوق الإنساني لمزيد من المماهاة في صورتها اللا
متناهية ونقيضها السلطة . سلطة الدولة عند هيجل وسلطة المال
عند ماركس وسلطة الوجود عند سار تر
[ يحملقن فيها بامتعاض ثم يهجمن عليها بالعصي إمعاناً في ضربها]
لا .. لأ.. هذا ليس رأيي إنه رأي بعض الفلاسفة
المرأة : [ تضربها ] دعك من هذا السفه
الرجل العجوز : الحساء جاهر والمدافئ سوف تشعل والمكان جاهز لاستقبال الضيوف .
سيحضر سيدى الدوق ومعه الضيوف حالا
المرأة ع : منذ أن تزوجته وهو كما هو ينشغل بأشيائه دونما يلتفت إلى تعاقب
ألوان الطيف على لون ضفائري وحين أفك ضفائري يناديني بأسماء لا
أفهمها ثم يجتر ذكرياته كل مساء
الفتاة : كنت أراكما تتهامسان لا أفهم ما تنطقان كلمات خافتة ملساء . أبي
كان يحاول أن يفهمك ولكن كلماتك كلها كانت خافته
المرأة العجوز : أباك ما كان يعجبه إلا الهمس كان يكره الصراخ
المرأة ع2 : همسات الشيطان هي من كبلت خطواتنا وعطلت الأشرعة
الرجل العجوز : نسمات الربيع تنبئ عن شئ .عن نسيم ينعش أعصابي أيها الربيع مزيداً
من الأيام مزيداً من العمر مزيداً من الأيام النضرة . فتاة شقرا ذات
عيون واسعة يتثنى عودها يميناً وشمالاً كلما هبت نسماتك
المرأة ع2 : هكذا هو طبع أخي منذ أن كنا أطفالاً
المرأة : هذا الرجل العجوز الخرف أخوك ؟
المرأة ع2 : نعم أخي وزوج هذه [تشير للمرأة العجوز ] ووالد تلك [تشير للفتاة ]
المرأة : إنه يقول إنه والدي !
المرأة العجوز : كل من يقابلها يدعي إنها أبنته بينما هو يغمز بعينيه لكل ذاهبة وآيبة ،
قناع من الورع لا يسقط سوى في غرف النوم والأماكن المغلقة
[ يدخل مجموعة الرجال العجائز يحملون حزم أعواد الحطب ]
الرجل العجوز : أوه أهلا .. أهلا سيدي الدوق مساءً سعيداً دافئاً
[ يأخذ الرجل العجوز الحزم ويضعها في المدفأة ويشعل الحطب يداهم
الطوفان المكان وتصرخ النساء يصارعن الأمواج دون جدوى]
المرأة : ناولنا القارب أيها الرجل
الفتاة : أبي ألا تسمعني ..أنا أبنتك أرجوك أفرد الشراع
المرأة العجوز : ألا تذكر لي كلمة طيبة تسعفنا بها
الرجل العجوز : [يحرك أعواد الحطب فيزداد اشتعال النار ] اشتعلي وأضيئي ظلام هذا
المكان البارد ، زيدي في لهبك وأضيئي
..[تصرخ النساء وهو يقلب الحطب] .. هيه إنه شعر حريري وناعم
ولكن لا بأس سيساعد على الاشتعال
[يستمر في التقليب ]
ستار
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)