الأربعاء، 14 يوليو 2010

نحو التنظير البعد الخامس (في التلقي المسرحي) ج2 تأليـف د. ملحة عبد الله



«اتسعت أبعاد التجربه الإنسانية في عصرنا هذا بحيث أصبح لزامًا على الإنسان أن يري نفسه ليس فقط من خلال المنظور الحضاري أي علاقته مع مجتمعه وحضارته ومعتقداته وإنما أيضًا من خلال منظور الزمان والمكان أي علاقته مع الكون أجمع»([1]).
فنجد الفنان التكعيببي يحاول أن يصل إلي الحقيقة عن طريق إعمال العقل وتحليل التجربه المحسوسة تحليلًا علميًا تجريديًا فقد انصرف التجريديون عن تصوير الواقع المحسوس كما يبدو للإنسان العادي واتجه أصحاب المذهب التكعيببي بوجه خاص إلي الاستعانة بالأشكال الهندسية بالمكعبات والأسطوانات عند تبيانهم لحقيقة العالم الطبيعي كما تمثلوا قيم الجمال في تلك الخطوط والأشكال وعبروا عنها بأشكال هندسية متداخلة تتميز بالمنظور المسطح وهي رؤية تتماس مع التعبيريين في وحدة الموضوع وأن إختلفت عنها في إضافتها إلي تعدد وجهات النظر في الموضوع الواحد وإحتوائه على أكثر من رؤية تفسيرية لأن التعبيريين اهتموا بالبساطة والفطرية، هذه الجوانب التي جعلتهم تواقين للفنون البدائية لاحتوائها على قدرات تعبيرية فائقة فكانت الأقنعه الزنجية ونماذج النحت الزنجي ورسوم الكهوف خير مثال على صدق فكرتهم رغم عدم اهتمام هذه الفنون البدائية بالجوانب البصرية والانسجام ومراعاة النسب فهي تحقق شكلًا جماليًا وتحقق الإحساس بالمتعة فالجمال هو وحدة للعلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا والعنصر الدائم في البشرية الذي يتجاوب مع عنصر الشكل الفني هو حساسية الفنان الجمالية إنها الحساسية الثابتة، أما الشئ المتغير فهو الفهم الذي يقيمه الإنسان عن طريق تجريده لانطباعاته الحسية ولحياته العقلية فالقيم الجمالية توجد فعلًا متميزة عن القيم الوجدانيه اللذية، فالجمال يمكن حقًا أن يكون سببا في الآلام كما هو الحال في المآسي عامة وكما هو الحال في الفن التعبيري.
 «اللذة الأستاطيقية، هي اللذة التي تصحب تذوقنا للعمل الفني تتوفر أيضا في خبرات الحياة العادية ذلك أن الخبره إذ تمضي نحو الإشباع يصحبها الشعور بالرضا، وقد يتضخم هذا الشعور أحيانًا حتي يصل إلي حد النشوة والرضا وما بينهما درجات من اللذة الجمالية الإستاطقية ثم إن الخبرة بمعناها الدقيق تعني أشد درجات الحيوية في الكائن الحي إنها تعني التفاعل التام بين الذات وعالم الأشياء والأحداث»([2]).
ولابد لأي نظرية في الفن من أن تبدأ بهذا الفرض أن الإنسان يستجيب بشكل ما بالأشياء القائمه أمام حواسه وسطحها وكتلتها كما ينتج تناسق معين متعلق بسطح وشكل وكتلة الأشياء وينتج في صورة الإحساس بالمتعه بينما يؤدي الإفتقار إلى مثل هذا التناسق إلي خلق شعور بعدم الارتياح أو اللامبالاة أو حتي عدم الرضا أو النفور إن الإحساس بالتناسق الممتع هو الإحساس بالجمال فهناك شئ يشكل ما أسميناه باسم العامل الجمالي والإدراك وهو استعداد في الإنسان للإحساس بأن الهيئة الكاملة لحدث مخبور صحيحة ولائقة فالوجدانيات التي ترتبط باستعداد طبيعي للاستجابة تعتبر جمالية سواء جاءت أثناء إدراك مفرد أو مجموعة من الإدراكات فالوجدانيات الجمالية هي التي تؤذن بإيقاع الحياة وهو ما يطلق عليه هربرت ريد بالعامل الجمالي في الإدراك.
 «الإنسان هو تحيزه لوجهة نظر معينة، فقد لا يتذوق الإنسان من الفنون إلا ما هو معروف له فتراه لا يعجب إلا بما هو شائع في بيئته فتكون أحكامه محدودة متحيزة، وقد يضلل الذوق أيضًا الجهل بأصول الفنون عدم كفاية الخبرة»([3]). كما أن أداة التسجيل أي العين البشرية والجهاز العصبي الذي تتواصل معه العين تختلف كفاءتها من فرد الي آخر ولا يوجد في الطبيعة شكلًا لا يرجع إلي عمل القوانين الميكانيكية تحت دافع النمو، وربما تغيرت سرعة النمو والمادة الأساسية والوظيفة أو الاستعمال فقوانين الطبيعة لا تتغير بأيه حال ونحن مدينون لهذه القوي الطبيعية لا بما للشكل من أضرب متنوعة فحسب بل وأيضًا بما يمكن تسميته بمنطق الشكل وعن منطق الشكل ينجم انفعال الجمال والفنان في استخدامه للون في رسم شئ من الأشياء أو تقديم محاكاة تصويرية لذلك الشئ سيجد أن للون خواص بصرية معينه يمكن بها الإيحاء بالمسافة والبعد ومن ثم بالشكل ذى الأبعاد الثلاثة.
 «لقد اعتدنا أن نسمي كل الأعمال ذات الأبعاد الثلاثة في الفن التشكيلي " نحتًا " لكن الفترة الحديثة شهدت ابتكار أعمال في الفن لا يمكن أن نعدها "منحوتة" أو حتي مسبوكة إنها مشيدة كالعمارة أو مصنعة كالماكينة»([4]) فالشكل وحده لا يمكن أن يمثل عملًا من أعمال الفن، يمكننا أن نقول مؤقتًا أنه رغم أن العمل الفني يتضمن دائمًا شكلًا من الأشكال، فإن الأشكال جميعا ًليست بالضرورة عملًا من أعمال الفن كما أنه ليس ثمة طراز واحد في الفن ينبغي أن يتسق وإياه جميع طرز الناس بل أن يكون هناك من طرز الفن نفس عدد طرز الناس وإن الفئات التي نقسم إليها الفن ينبغي أن تتلاقي بطبيعة الحال والفئات التي نقسم إليها الناس وهذا القول لا ينفي المسألة الفلسفية للقيمة ولذا جاء تعريف الفن بأنه جهد البشرية للوصول إلي التكامل مع الأشكال الأساسية الموجودة في الكون ومع الإيقاعات العضوية للحياة ولذا كان الحديث عن الأشكال الحديثة في الفن محاولة للوصول إلي هذا التكامل بدأ من البدائية حتي الفنون الحديثة التي تأثرت بها، فلا نستطيع أن نتحدث عن المخترعات الحديثة على أنها صناعات فقط ولكنها تتخذ من الأشكال الفنية متعددة الأبعاد قيمة جمالية تتمايز بين فرد وآخر، والإحساس بالجمال لا يتوقف على إدراك أبعاد أي جسم مرئي ولكنه يبدو منجذبًا تجاهه تدفعه رغبة امتلاكه عبر احاسيس ومشاعر وخبره جمالية وتلك الآثار التي تجمع حضارات الأمم بين طياتها هي وإن بدت متباينة في مبناها متجانسة في معناها هذا لأن الفنون جميعًا تنبع من مصدر واحد، وهو الشعور الإنساني المضطرب في نفس الفنان، وتستهدف كلها شيئًا واحدًا هو نقل هذا الشعور نفسه إلي نفس الآخرين حتي يخرج الفنان عن نطاق ذاته إلي رحاب الآخرين ويفلت من فرديته ليذوب في الجماعة المحيطة به، وهو الإحساس الذي يحقق التوازن الحقيقي في نفس البشرية فلم تكن كل النظريات والأساليب الفنية المتنوعة إلا محاولة للوصول إلي شئ خارج نطاق الأبعاد الهندسية المحددة حتي في الواقعية نفسها والتي تخلو من عنصر الاستعلاء على الإنسان " والباروك " كلمة تشير إلي الأشكال الثقيلة المنتفخة المثقلة التي لابد من حثها على الحركة لكي تنتج تأثيرها وحتي " الركوكو "الذي يعتبر نزعة فنية نحو التجديد ما هو إلا تجسيد للحركه القلقة في الفن إنه يبحث عن الحريه من أجل تحقيق تأثير جمالي بغير ما اعتبارات نفعية، إنه فن مجرد ولكي نعطي اسمًا أكثر تحديدًا للخاصية التي تميز تصوير المناظر الخلوية التي كان (باتينيرا وروبنز وبوسان وكلولدو كورت) يقدمونها كانت تهدف إلي الإيحاء في تصويرهم لحالات معينة من الإحساس، ذلك الإحساس الذي لا يوجد لوصفه كلمة أفضل من الإحساس الشعري أو حتي الرومانسية في أوجها كانت تهدف إلي التخلص من العالم الذي يقيدها بقواعد وأغلال فنية محددة إلى عالم في بعض الأحيان خيالي أشبه بالفنتازيا وفي أحيان أخري في صورة أحلام أشبه بالسريالية فجميعها تدعو إلي شئ خفى شئ مسيطر قوي شئ يتخاطب مع الوجدان ويتخاطب مع العقل والعقيدة جميعهًا كانت تهدف إلي شئ فطري كرسوم الأطفال لم تستطع تسميته أو تحديده شئ خفي لكنه مسيطر وقوي يدفعك إلي تأمل العمل الفني حتي وإن اتسم بالرداءة وضعف القيمة، فرسوم الأطفال تدفعك إلي تأملها والفن الشعبي يملك عليك لبك أنهما يقتربان بعضهما البعض من الأشكال البدائية ويفترقًان في مناطق تتعلق بالوعي والإدراك وفنون الخط العربي لها إمكانات تلفت النظر إليها رغم أنها لا تبدو مجسده بل أقرب إلي التسطيح والتجريد، ففنون الأطفال وإن كانت تنبع من فطرية إلا أنها تلتقي مع المستوي الإدراكي للفن الشعبي وقد يشعر المرء بإرتياح لعمل مجسد ذو أبعاد ثلاثة ليضيف بمعرفته بعدًا رابعًا ولكنه يظل مشدوهًا نحو عمل غير مجسد يعرفه ولكنه يؤثر فيه ويداعب وجدانه.
 «الوجدان Systim Affective استجابة العقل لأي حدث من أحداث الإدراك ليست حادثة منعزلة.. وإنما هي جزء من تطور متسلسل.. فهي تحدث داخل ما يمكن تسميته بالتوزيع والتعاون الأوركسترا لي الكامل للإدراكات الحسية والاحساسات، كما أن الذي يعنيها وقد أعطيت مكانها داخل النمط هو مانسمية الوجدان Feeling ويسمي أيضًا التغاير الحيوي»([5]).
وهذه المشاعر ما هي إلا حالات وجدانية أولية لا يمكن يحيلها إلي مدي أبعد مما هي عليه فقد أتفق علماء النفس.
 «أن المشاعر الأوليه يمكن اختزالها إلي إثنين السرور والكدر أو اللذة والألم ولو أن الألم غالبًا ما يحصر في نوع خاص من الإحساس البغيض»([6]).
وهذا ما يجعل المتلقي يحاول في بعض الأحيان أن يلامس العمل الفني ليحصل على الإثارة من عمل ذى أبعاد مكتمله، وإذا ما قيل أن المشاهد لا يستوعب في العادة النحت بهذه الوسيله إلا أنه يبدو منجذبًا تجاهه لما أثاره فيه من مشاعر وجدانية فالوجدان أضحي في الفن بعدًا خامسًا وأرتبط بالعقيدة فأضفى عليه خاصية جديده وهو ما نطلق عليه البعد العقائدي أو البعد الخامسّ.
 منذ بدايات المسرح العالمي وبعد أن خرج من عباءة الدين أصبح يعالج مشكلاته الاجتماعية والسياسية يشعر القائمون عليه بحالة من النقص أو عدم الاكتمال هذا الشعور هو الذي دفعهم نحو التجديد والابتكار، فهناك حالة دفينة بشيء يحرك الأحاسيس والوجدان، فانتفاء القدر الإغريقي في كتابات الكلاسيكيين الجدد جعلهم يبحثون عن قوى أخرى تحرك الأحداث والشخصيات فجاءت أفكار مسرحياتهم مستمدة من آلهة وأبطال الأساطير الإغريقية ولكن الصراع أخذ فيها بعدًا آخر فأصبح بين العاطفة والواجب بدلًا من التصارع البشرى مع الآلهة، ومثلما حاول كتاب اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد الإيحاء بأن هناك قوى مسيطرة تنظم حركة الصراع وأسموها القوه القدرية أو "الأنا نكى" حاول الكلاسيكيون الجدد الإيحاء بها أيضًا ولكن بشيء من العدالة الشعرية، وجعلوا مصير البشر متعلق بخطاياهم مثلما نرى في كتابات "راسين" و"كورنى" كما أن هذه الفترة شهدت تغييرات جوهرية استمد منها العالم روح التجديد والابتكار، فنرى" كورنى" في مسرحية "السيد" يضرب بالقواعد الكلاسيكية عرض الحائط ليثير الرأى العام في ذلك الوقت ويحدث ضجة فكرية حتى أن الأكاديمية الفرنسية أعدت لجنه بقيادة الأديب الفرنسى "شايلان" لتقد يم تقرير مفصل عن مسرحية "السيد" أدانت فيه "كورنى" بما أ سموه الشطحات الفكرية والتمرد، الأمر الذي دعي "كورنى" لكتابة بعض المقالات دفاعًا عن مسرحيته ويفند فيها رأى الأكاديمية ولقد أصبحت هذه المقالات وهذا التقرير أحد أبرع المراجع النقدية والذي يثير التساؤل. ما الذي أوحي إلي (بييركورني) الخروج عن هذه القواعد الكلاسيكية، أنه ذلك الإحساس بالنقص وعدم الإكتمال، وما الذي يدفع كاتبًا مثل برانديللو أن يحاول جذب المتفرج إلي داخل الواقع من خلال التقاطع مع بعض مستويات الحقيقة ويصبح المتفرج جزءا من تكعيبية الطرح الفكري أنه يجعل المتفرج جزءا من الواقع المسرحي المعاش في لعبة المسرح داخل المسرحية، فلم يكن يشعر برانديللو بهذا الدفء الذي يتواصل من خلاله مع الجمهور، وبعيدًا عن الخواء الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية نجد بر يخت يقدم لنا الملحمية والتي تسعي إلي دمج المبدع والمتلقي في حالة وجدانية واحدة أو في حالة تفاعل جمعي إنهم جميعًا يشعرون بهذا الإحساس بعدم الاكتمال الذي حاول كل رجال المسرح الغربي البحث عنه ومحاولة الوصول إلي حله.
 «ولقد شهد القرن العشرون محاولات عديدة لجعل المتفرج جزءا إيجابيًا في العرض المسرحي وذلك لأغراض متعددة وكانت معظم تلك المحاولات تقليدًا لهذا التكنيك التكعيبي أي تكنيك يحطم الحاجز الوهمي بين العمل الفني وواقعه المباشر دون أن تكون ترجمة لفلسفة التكعيبية»([7]).
ولقد حاول الكاتب الألماني "بر يخت" استثارة فكر المتفرج عن طريق تقنيات المسرح الملحمي الذي ألغي فيه عنصر التعاطف مع الشخصيات المسرحية أي التركيز على العقل مما يشعرنًا بتجاهله للوجدان إلا أن الملكات الوجدانيه كالعواطف والمشاعر والانفعالات فرضت نفسها على هذا المسرح، فالملكات المعرفية كالذكاء والأحاسيس تضافرت مع الإرادة والحوافز والغرائز.
 «فالسكولاستيون*س ليس لديهم تصنيف منفصل للظواهر الوجدانيه لأنهم يعتبرونها مجرد تحويرات للنشاطات المعرفية والنشاطات المثيرة فعلى سبيل المثال نلاحظ بعض الخطر(معرفية) فنحاول تجنبه (شهية)وأثناء إدراكنا لذلك وكفاحنا نصبح متأثرين بالخوف»([8]).
فتجربة مثل مسرحية (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) والتي قدم فيها فلسفة وأسلوب المدرسة التكعيبية ويحاول أن يحطم التصور الفوتوغرافي للواقع ويعمل فيه فكره ليكشف لنا مستوياته المتعددة وعلاقاته المتشابكة مؤكدًا فكرة نسبية كل شئ وفكرة استحالة المعني المطلق لأي شئ فلقد قدمها في صورة كوميديا تثير مشاعر الضحك كما تعمل على صدم المشاهد في واقعه مما يجعله يتعاطف وينفعل، وفى محاولات (الفريد جاري) في البعد عن عرض الأفكار والقضايا الجادة لهدف تفريغ جميع الأفكار والقضايا من جديتها وإظهار عبثيتها، فكان يري عالم ما وراء الطبيعه كعالم مجهول من الظواهر العارضه التي تفتقر إلى المنطق ساخرًا من كل الفلسفات الميتافزيقية وتأثر فيها إلي حد كبير بالرمزيين ولكنه يتميز عن الرمزيين بافتقاده للمعني الكلي خلف ظواهر الطبيعة أي الإيمان بوجود عالم روحي.
 «إنك عندما تقص قصة مفهومة فإنك تلقي عبئا علي العقل المتلقي وتفسد الذاكرة ولكنك عندما تقص قصة لاتخضع لقواعد المنطق المألوفة فإنك تعطي العقل والذاكرة فرصة للتفكير الخلاق»([9]).وهو رأي يدحض فلسفة الباتافيزيقا من حيث بعدها عن هذا العالم الروحي لأنها تقدم مالا يخضع لقواعد المنطق وبالتالي فإنها تعمل على إثارة فكر المتلقي الذي يصل به إلي عالم (الميتافيزيقا) ولقد انتفع يونسكو بالكثير من عناصر (السريالية) وإن كان يدين بالفضل لألفريد جاري والباتافيزيقين فنجده يقول إنني أؤمن بأن الفنان لابد أن يمتلك خليطًا من التلقائية والدوافع اللاواعيه وقدرة على الوصول إلي رؤية واضحه لا تخاف أي شئ.. فيسمح الفنان لطوفان اللاوعي للانطلاق ولكن بعد ذلك يأتي دور الفحص والتنظيم والفهم والاختيار لتحقيق العمل الفني الناجح إنه يخاطب الملكات المعرفية والغرائزية الحسية محاولًا إعادة صياغة الواقع كما حاول الرمزيون أمثال ميترلنك الإيحاء بتوقف وتعطيل الحركة الخارجية ونقل الحدث إلي الداخل إلي الوجدان كما في مسرحياته (الدخيل أو ولياس أو العميان) لقد حاولت كل محاولات المسرح المعاصر من مسرح العبث والغضب والمسرح الحي التأكيد أن النفس البشرية حياة كامنة وثريه مليئة بالمتناقضات ومخاطبة اللاوعي الإنساني الجماعي والتركيز عليه بدلًا من اللاوعي الفردي ورغبتها في التواصل ولذا لجأوا إلي التاريخ والسحر والأسطورة وبكل أشكال التراث لتحدث هذه الحالة من التواصل.
 «يواكب تاريخ الفن-من المرحلة البدائية..الي أكثر منجزاته تحضرًا في الفن القوطي والكلاسيكي - أن هذا التاريخ يواكب ويعتمد على التطور الموازي لموقف الإنسان الوجداني تجاه الكون أي التطور من السحر والنزعة الروحية إلي الإنسان»([10]).
بالإضافة إلي الإدراك الحسي والفكر والذاكرة والتخيل والحركة نجد اللغة والرقابة وبعد النظر وغيرها إذ لابد أن تتوحدالملكات المبدعة في شكل ترابطي يسعي للوحدة المنطقية بعيدًا عن التفكك والتهجين ليتفق الإبداع في شكل إنبثاقي تنفجر كل ذرة فيه فئات الذرات التي تدور حول محورها فلا تبتعد عنه يقول سبيرمان.
 «إن الإدراك الحسي يخضع تجربة الملكات بأكملها، وطرز العقلية المؤسسة على امتلاك الفرد لواحدة أو أكثر من هذه الملكات، لنار نقد قاسية فمن المستحيل عزل أية ملكة معينة من أحد الأفراد، ومن ثم تتضح استحالة تقدير الاعتماد المتبادل لأية واحدة من تلك الملكات على غيرها، فإذا لم يكن هناك ترابط، استحال وجود أي قياس، وبدونه لايقوم أي علم»([11]) فعملية الخلق الفني عملية تخضع لآليات حسية تنبثق من التفكير المنطقي ومخزون اللاشعور وما يحويه الإطار المرجعي من تقاليد وتراث ذلك الخزين الذي يجتمع في مكمنه منذ المراحل الطفولية الأولي فلا تعتق الأشياء أو الأجسام وأقل ما يدرك بجميع الحواس التي تتفاعل في ديناميكية مستمرة وحين النضج تخرج في شكل إبداعي ذى هجين مختلف.
 «الشئ الذي نشير إليه الآن مجموع تقاليد المذاهب المنطقية العقلانية هو أنه توجد طريقة بصرية محسة للتفكير وهي عملية عقلية تبلغ ذرة كفايتها في خلق العمل الفني»([12]).
وكل هذه العمليات لا نعفيها من الوجدان الذي له دوره الفعال في هذه العملية حين يقول (روجرفراي) أعتقد أنه لا توجد في الفن خاصية مؤثرة وهي ليست مجرد اعتراف بالنظام والعلاقات الداخلية، إذ يصبغ كل جزء من أجزاء العمل الفني كما يصبغ العمل الفني ككل بنغمة وجدانية معينة لا ترجع إلى أي نوع من أنواع التذكر المعروفه أو الإيحاء بالتجربة الوجدانية للحياه.بل إنني لأتساءل أحيانًا، إنها رغم ذلك قد لا تكون قد حصلت على قوتها من إثارة بعض الذكريات الواسعة التعميم شديد الغموض كبيرة العمق - إن الأمر ليبدو كما لو كان الفن قد اقترب من الإحساس الذي تقوم عليه كل الوان الحياة الوجدانيه. إنه يشير إلي اقتراب هذا النتاج الإبداعي والذي تسيطر علية الإحساسات الوجدانيه المحدودة والخاصة بالحياة الواقعية، ويبدو أن الفن قد استمد قوة شديدة التأثير والوصول إلي وجدان الآخرين في سهولة ويسر دون عناء من تلك القوة الشديد الوجدانيه التي تنبع من الذات المبدعة من ظروف وجودنا نفسه ولقد قال الإمام الغزالي رضي الله عنه في كتابه (إحياء علوم الدين).
«... ويثمر السماع حاله في القلب تسمي الوجد، ويثمر الوجد تحريك الأطراف إما بحركة غير موزونه فتسمي الاضطراب إما موزونه فتسمي التصفيق والرقص»([13]).
وهذا هو ما نشاهده في حالات الوجد الصوفي الذي يتدرج في حلقات الأذكار من حركات جماعية تبدأ بطيئة ثم تأخذ في الإسراع تبعًا لكافة الجماعة وفي بلاد العرب كانت الطبيعة التي تحيط بالعربي تزجي فيه عنصر الخيال فبدأ يحاكي ما حوله متخذًا لغة تتناسب مع ما يحيط به من مفردات بيئية فأنشد الشعر في الجبال والصحاري والحصان وتمجيد المعارك أو الأيام، ورغم اختلاف مناشط الحياه وتجوال حركة التجارة في ربوع الوطن العربي واختلاف بعض الثقافات المتاخمة للحدود مع الممالك القديمه كالفرس والروم إلا أنهم اتفقوا في شكل عقائدي ووجداني واحد وشكل معيشي واحد وعاشوا في قبائل تتنازع فيما بينها علي حركة التجارة أو منابع الماء إلا أن أشهر القبائل العربية استوطنت الأماكن ذات القدسية أو التي ارتبطت ببعض الأساطير أو القصص الديني فالتفوا حول الكعبة في وسط الجزيرة وبالقرب من مدائن صالح ونزول الملكان في بابل القصص الديني فالتفوا حول الكعبة في وسط الجزيرة وبالقرب من مدائن صالح وهبوط الملكين في بابل وحضارة سبأ في اليمن وأرض كنعان وبيت لحم وطور سيناء مختلفة مع حضارات ذلك العهد كالدولة الرومانية في الغرب والدولة الفارسية في الشمال والشرق التي اتخذت من وجود الأنهار والأرض الزراعية مكانًا لها إنها حالة البحث عن الاستئناس بالأماكن ذات القدسية والبحث عن الاستقرار «إن العرب ككل الساميين يتمتعون بعقلية أدني من عقلية الآريين، لأن العقلية الأولي لا تتوقع غير المعجزات بينما العقلية الآرية موحدة وجامعة»([14]).
وهذا الرأي الذي نتفق معه في مسألة الغيبيات وتختلف معه من حيث ترتيب مستوي التفكير والعقليه فالإيمان بالغيبيات هو حقيقة متأصلة دخل نفسية الإنسان العربي، فالإنسان العربي في جاهليته أي ما قبل ظهور الإسلام كان يؤمن بآلهة يتقرب بها من الله وارتبطت حكاياته وقصصه بعض قصص الأنبياء فتقرش البعض حول بيت الله الحرام الذي بناه أنبياء الله إبراهيم وإسماعيل وحول أماكن نبي الله موسي وسليمان وداود وصالح وآمن ببعض منهم وبرسالتهم واتخذوا من سيرهم مادة لنسج الحكايات ومداعبة لخيالة فنظر الاحتفالات تنظم سنويًا وفي مواعيد محدده فكان العرب يحجون إلي البيت الحرام حتي أن القبائل اتخذت لها بعض التمايثل كرموزًا للآلهة فظهرت أسماء كااللات، والغزى، وهبل، ومناة، وهي تتشابة في وظيفتها مع الآلهة اليونانية المتعددة، إلا إنها تختلف داخل عقلية الإنسان العربي بالالتزام وعدم التصارع فانتفى عنصر الصراع مع الآلهة كما هو عند اليونان فوثنيه العرب لم تكن وثنية بدائيه ضعيفة الصلة بنفوس أصحابها كما أرادت ان تصورة المصادر الإسلامية منذ القرن الثاني الهجري.
 «كانت وثنية معقدة ضربت جذورها في أعماق النفوس واتصلت غاياتها ومظاهرها بدورة الطبيعة ومواسمها، وتمثلت في شعائر إماتت الجسد وقهره ثم شعائر التطهير فالعبث والإخصاب وأخيرًا شعائر البهجة وما يتصل بها من حفلات»([15]).
إي أن الإنسان العربي ربط ما بين الطبيعة وما ورائها من قوي غيبية وبين دورة الجسد في الموت والبعث والإخصاب فهو بتمتع بوجدانيات قوية أطلقت لخياله المحدود العنان فبرزت لدية فنون الكلام وفق حضارته التي اعتمدت على الشفاهية بقدر كبير أي أعتمدت علي حواس السمع وبوسيلة هي اللغة البسيطة التي يفهمها الجميع فظهرت الأصوات الجماعية والمنتديات الشعرية التي برع فيها شعراء الجاهلية بمعلقاتهم وتناقلت قصائدهم وأشعارهم التي اهتمت بموضوعات مثل الحماسة والفجر والمدح والهجاء ووصف بعض الأماكن ولكنها لم تحفل بفكرة الصراع التي من خلالها تولد الدراما على حد تعبير أرسطو (لا صراع لا دراما) «الصراع الداخلي لدي العربي يتجلي بقبول شامل وبالتالي فإن الصراعات النفسية والفردية تتجه نحو الذوبان في بوتقه التصرفات الجماعية، ولو توفرت مثل هذه الحتمية التاريخية لقيام مسرحية عربية لخلقت هذه المسرحية نفسها وخلقت معها التقاليد المسرحية بما فيها تلك المتعلقه باللغة المسرحية»([16]).
فلا توجد حالات إحساس بالفردية في ظل هذا العالم المقفر من حوله وعاش في جماعات أي في اشكال قبليه مترابطه فظهر لديهم الأدب داخل الأسواق والتجمعات وظهر لديهم القصص الشعبي التي تربط الفرد بمجتمعه ليكون المجتمع هو اساس البطوله ولم يجد العرب أمامهم نماذج من الشعر التمثلي ليقتدوابها في فترة قبل الإسلام وعندما دخل العرب بالحضارة إلي بلاد الروم كان الأدب التمثيلي مهجورًا عند أهله.
 «إن الدولة البيزنطية في العصر المسيحي أهملت فن التمثيل وأعدته مخلفات الوثنية، فكان بالنسبة إليهم غير موجود»([17]).
 فوثنية العرب لم تتطور ولم تتمخض عن طقوس ومراسم دينية تؤدي إلي شكل الاحتفالات الجماعية التي كانت لدي اليونان في طقوس عبادة الإله (دبونوسيوس)، إله الخطب والخمر ولعل في حديث الدكتور (زكي نجيب محمود) رأيًا يتناسب مع رأينا فهو يقول:
 «لم يعرف العرب الأدب المسرحي والقصص، لعدم التفاتهم إلي تمييز الشخصيات الفردية بعضها عن بعض ولو نشاء الكاتب في جو ثقافي لا يتعرف لأفراد بوجود، ويطسهم جميعًا في كتلة واحدة من الضباب الأدكن فلا سبيل إلي تصوير هؤلاء الأفراد يصطرعون في مأساة والشرق كله في رأيي قد طمس الفرد طمسًا ولم يترك له مجالًا يتنفس فيه، فهو جزء من القبيلة لاوزن له إلي جانبها ولا قيمة له بالقياس إليها ولاكذلك اليونان، فالفرد عندهم هو محور التفكير لم يعرف الشرق اشخاصًا فلم يعرف الشرق المسرحية»([18]).
 وأخذ العرب عن اليونان فلسفاتهم وآدابهم ولم يأخذ المسرح ورأي بعض المتشددين أن التراث المسرحي اليوناني يقوم علي قصص وأساطير ترتبط ببعض الآلهه الوثنية مما جعل الشعوب العربية في عهد الإسلام المبكر انصرفت عنه ولكن الحقيقة أن مفهوم الدراما كما نظر لها فلاسفة اليونان لم يمكن مفهومًا لدي الشعوب العربية ولقد ذكر أستاذنا إبراهيم حماده في إحدى محاضراته بأكاديمية الفنون أنه في أزهي عصور الترجمة أخطاء (متى بن يونس) في ترجمة لفظي الكوميديا والتراجيديا بأنها المدح والهجاء وهذا يرجع للجهل بفن المسرح.
 «إن التراث اليوناني أدى إلى إيجاد النزعة الإنسانية في أوربا بينما لم يؤد الإسلام إلي نفس النزعة وترتب علي ذلك اختلاف المضمون الفعلي... لم يأخذ العرب من التراث اليوناني إلا ما كان ذا نزعة عقلية منطقية»([19]).
 ورغم أن هذا الرأي مجحفًا بعض الشيء للعقليه الإسلاميه إذ أنه ينفي عنها الأحاسيس والعواطف إلا أن هذه المشاعر موجودة في أي مجتمع كان ولا يستوردها من حضارات أخري بل تنظم أنساقه الداخلية ويختلف رأي "هنرش بيكر" بعض الشيء مع رأي "جوستاف فون" إذا يقول:
 «إن الإسلام لم ينجح في خلق فن مسرحي برغم معرفته بالثقافات اليونانية والهندية وهذا لا يعود إلي سبب تاريخي قدر ما يعود إلي مفهوم الإنسان في الإسلام، والذي يمنع وقوع أي نوع من التحدي للقوي العليا والمؤمن بالقضاء والقدر»([20]).
 وهو رأي أقرب إلي المنطق العقلي الإسلامي الذي يدعو إلي الإيمان المطلق بالله وبالعدالة الإلهية والبعد عن مناقشه الغيبيات حتي لا يقع المسلم في المحذورات. فالتواصل بالذات الإلهية هو الذي يمنع حركة التمرد وليس الخوف وحده كما نعرف، هو إنفصال قبل كل شئ فهل يمكن للمسلم أن يضع حريته الشخصية أمام إرادة الله أو أمام الكيان الإجتماعي لمديه ؟ ويواجه بها منطق التاريخ أو القدر أو أن يكشف خيرًا في أعماقه إنسانًا آخر يضارعه إنها تعتبر مسلمات فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بربه فهو شئ أقرب إلي الجبر القدري، أما يتعلق لعلاقه الإنسان بالمجتمع وبحركة التاريخ فهو يخضع للتسيير العقلي وهو الأقرب لعقلية الإنسان العربي المسلم، فالعربي يتصرف بإدراكه ووعيه ويتحلي بصفات الشجاعة والكرام وقد صور الشعر العربي " ديوان العرب " الإنسان العربي بأسماء ما تتصف به الأخلاق السامية فجمع العربي في شمائله وخلله كل ما في المروءه من معني ومن أخلاق عاليه ووفق التعاليم الدينيه يتحرك في علاقته بالمجتمع وبالسلطة.
«إن الشخصية العربية التقليدية تنتسب لنظام الكون لذلك فهي تهرب من الكثير من العذاب والألم ومن مواجهة الكثير من المشاكل إنها سعيدة سعادة التوافق»([21]).
أي أن الشخصية العربيه تهرب إلي الدين كوسيلة لإعادة التوافق النفسي فلن تكون بحاجة إلي الفنون وما تمثله من قيم جمالية ووجدانية وهو رأي يتشابه إلي حد كبير مع " كارل ماركس " في تعريقه للدين والذي يعد من أساسيات الفكر الاشتراكي الشرقي إلا إنها أراء تختلف عن المفاهيم الدينيه الإسلاميه للفن والجمال، فالإسلام لم يحرم الفنون تحريمًا قاطعًا بل أشار إليها في مواضع كثيره ، فلماذا إذا لم يعرف العرب قي صدر الإسلام المسرح بمفهومه الأرسطي يقول " الدكتور طه حسين ".
 «لو كان المسرح معروفًا حين ترجم العرب ثقافة اليونان لما ترددوا في ترجمته»([22]) ، ويرجع هذا الرأي إلي ما سبق وتحدتنا عنه عن أزهي عصور الترجمة في القرن السابع والثامن الهجري وهي الفتره التي قابلت العصور المظلمة في أوربا حيث كانت السلطات الدينيه في الكنيسة تحرم تداول المسرحيات اليونانيه التي تستلم تراث الآلهه الوثنية والأساطير التي تتحدث عن تعدد الآلهة وهو يتناقص مع الإنطلاق الفكري للمسيحيه والإسلام حيث يدعو كل منها إلي التوحيد للآله الواحد ونبذ العبادات الوثنية وفكرة تعدد الآلهه، ولذا نجد رأي معظم كتاب المسرح ونقاده ليتبنون الرأي القائل بأن الإسلام حرم المسرح التجسيد.
 «ألم ترتبط المسرحيات الإغريقيه بالفلسفه الوثنية والحضارة الإغريقية، كان الدين الإسلامي توحيديًا يجنب الوثينة»([23]).
كما ربط (أحمد أمين) بين منع الدين الإسلامي للتصوير وبالتالي التمثيل لأن الإسلام يمنع التجسيم كما ورد في كتابه (فجر الإسلام) وهو رأي يتعارض مع رأي محمد كمال الدين إذ يقول:
 «نجد أن التجسيد لم يحرم في الإسلام وبذلك لا يمكن أن يكون تصوير الشخصيات التمثيليه تحديًا لقدرة الله ومشاركة له في قدرته علي الخلق إن الأصل الفني والفلسفي لعملية الإبداع التي يتم فيها تصوير الشخصيات هو المحاكاة»([24]).
وتعد التشيهات الدينيه التي أدخلها البويهيون إلي العراق في القرن الرابع الهجري صوره تمثيليه بارزه بين الأفعال التمثيليه العربية في العصور الإسلامية، وقد وضعت نصوص كثيرة للتعازي كما في كتاب (نشيد الشهيد) معتمده علي الحوار والصراع والحركة، كما قدم شعراء القصائد بعض الصور التمثيليه في قصائدهم مثل عمرو بن أبي ربيعه والفرزدق وجرير وذي الرمه وبشار بن برد وأ بو نواس وأبو تمام والمتنبي والمعري وابن زيدون وابن شهيد الأندلسي وغيرهم من الشعراء إلي جانب هذه القصائد ظهرت فنون أدبيه أخري كالمقامة والخطابة والمقامة تستعمل في اللغة بمعني مجلس القبيله أو ناديها على نحو ما نرى عند زهير.
 «وفيهم مقامات حسان وأندية ينئابها القول والفعل وتاره تسعمل بمعني الجماعة التي يضمنها هذا المجلس أو النادي علي نحو ما تري عند لبيد مقامة غلبوا الرقاب كأنهم جن لدي باب الحصير قيام»([25]).
كما تستعمل بمعني المجلس يقوم فيه شخص بين يدي خليفه أو غيره ويتحدث واعظًا وعلي هذه الشاكله تعض الكلمة من معني القيام وتصبح دالة علي حديث الشخص في المجلس سواء أكان قائمًا أو جالسًا وبهذا المعني استعملها بديع الزمان الهمزاتي في المقامه الوعظيه وهو أول من أعطي الكلمة معناها الاصطلاحي وقربها من معني كلمة حديث إنها بالنسبه له حديث قصير جعله بديع الزمان مشوهًا في شكل فصصي وأهم ما يميز هذه المقامات إهمتامه ببلاغه اللفظ وحب اللغة فالجوهر فيها ليس هو الأساس وإنما الأساس هو العرض الخارجي والحليه اللفظية، وقد تغير مفهوم أن الشعر لسان المديح فأصبح المديح يقال بالنثر وانعدمت الحواجز التي كانت تفصل بين عالمي النثر والشعر، أما موضوعات المقامات فتتصل اتصالًا مباشرًا بما في الأماني ونقد الحكم والأمثال والوصايا حتي أن بعض المقامات سميت باسماء موضوعاتها مثل " الوصية " و" الوعظية " و" الشعرية " و" العريضيه " و" العرافيه " وهذه المقامات الثلاث الأخيره يعرض فيها بديع الزمان لأحكام نقديه وأدبيه تتصل بالشعر والشعراء ومن الموضوعات موضوع الوعظ الديني مثل المقامة " الأهوازية " والمقامة " الوعظية " إذ يأخذ جانب أهل السنه , يشن حربًا شعواء على الخصوم من المعتزله فيديع الزمان الهمزاني حمل مقاماته كثيرًا من الجوانب التعليمية مثل المقامة " العلمية " والمقامة " الأسدية " والمقامه " الحمدانية "، وقد جمع في المقامه الأسديه كل ما استطاع من أوصاف الأسد وتناول أحداث في حياة سيف الدوله الحمداني في المقامة " الحمدانية ". لقد كان بديع الزمان الحمداني يقدم بعض الصور الدراميه في مقاماته في شكل أقرب إلي الحوار المسرحي والحبكة المسرحية، ففي المقامه البليسيه يتجيل لقاءً ثم بين عيسي إبن هشام وإبليس في وادي من وديان الجن، كما اهتم برسم الشخصيات فقدم لنا شخصية أبي الفتح السكندي البطل أو الأديب المحتال الذي يعرف كيف يلعب بعقول الناس ويستخرج منهم الدراهم عن طريق فصاحته وحديثه الخلاب ولقد استخدم في مقاماته السجع لصياغة الألفاظ والأساليب وتنعنيم الكلام، وفي مقامات الحريري التي بيدأها يتعريف لبطل بروايته ثم يبني بناء متكاملًا له بدايه وسط ونهاية وقدم فيها شخصية أبازيد شحاذًا ولكنه فيلسوف، وتقف المقامات في مقدمه النصوص الدرامية مثل مقامه حكاية أبي القاسم البغدادي التي وصنعها " محمد ابن أحمد ابن مظهر الأزدي " في القرن الرابع الهجري، ويظهر فيها الفعل الدرامي ظهورًا واضحًا من الصراع والحوار والحركة.


([1]) د. نهاد صليحه - التيارات المسرحية المعاصرة، ص82.
([2]) د. سويف، ص55.
([3]) د. أميره حلمي، فلسفة الجمال، ص32.
([4]) هربرت ريد، النحت الحديث، ص12.
([5]) هربرت ريد، التربية عن طريق الفن، ص54.
([6]) علم النفس الفلسفي، جي. ف. دونسيل ترجمة.
([7]) د. نهاد صليحه، التيارات المسرحية العاصرة، ص86.
([8]) جي. ف. دونسيل، علم  النفس الإجتماعي الفلسفي، ص76.
*السكولاستيون فلاسفة أسبان كان لأعمالهم تأثير على الليبراليين في شمال أوروبا من خلال المفكر الهولندي هوغو غروتيوس والألماني صموئيل بوفيندورف، أكدوا على الحقوق الطبيعية لكل إنسان في نقدهم لاستبعاد الهنود الحمر في العالم الجديد. وخلال اضطرابات الحرب الأهلية الإنكليزية، بدأ المساواتيون بإعلان برنامج ليبرالي واضح للتسامح الديني، والضرائب المنخفضة، وإلغاء الاحتكارات، والسلام، وحرية الصحافة، وكل ذلك على أساس الحقوق الفردية.

([9]) يونسكو. اكتشاف المسرح.
([10]) هربرت ريد، معني الفن، ص49.
([11]) هربرت ريد، التربية عن طريق الفن، ص149.
([12]) هربرت ريد، المرجع السابق، ص96.
([13]) أحمد شوقي قاسم، المسرح الإسلامي روافده ومناهجه، ص40.
([14]) جوبينو ورينان، أضواء الفكر العربي للإسلامي، ص91 92.
([15]) محمد يوسف نجم، صور فن التمثيل في الحضارة العربيه من الكرج حتي المقامات، ص40.
([16]) محمد عزيزه، الإسلام والمسرح ص.
([17]) عمر محمد الطالب، ملامح المسرحية الإسلامية، ص17.
([18]) زكي نجيب محمود، قشور ولباب، ص133 134.
([19]) هنربش بيكر، العرب والمسرح، ص23.
([20]) جوستاف فون جرينو، مجلة ديوجين العدد 48 سنه 1964.
([21]) جاك بيرك، عن ملامح المسرحية الإسلامية، ص22.
([22]) د. طه حسين، المجلة المصرية 111، 1966.
([23]) د. عمر محمد الطالب، ص2.
([24]) محمد كمال الدين - العرب والمسرح ص.
([25]) شوقي ضيف المقامة، ص7.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق