الملاحظات
1- أين المقدمة
2- أعتقد أن البنط صغير
3- 3الرجوع إلى اللون المضلل ومقارنته لأنه تم تصليحة 4
4- تم أضافة بعض المقاطع أو حذف البعض الرجاء الرجوع إلى ماهو مظلل . متأسفة عن التأخير د. ملحة
5- إن الحكايات والأساطير البديعة ستبقى آثارًا خالدة وفريدة وتشهد على ذاك العصر، يوم كان الوعي البشري يشعر أنه في تداخل سيال وفى وحده بهيجة مع الطبيعة، فوقتذاك، ببساطه ودون عناء أو عذاب كان الوعي يخضع العالم لروحيته المستفيضة التي لم تستطع في البدايات أن تكون محدده ومحدودة، بل كانت كأنها تلعب وتتمتع ببراءتها بسلطة على الأشياء غير مثقلة نفسها بردود الفعل حول مدي التوافق بين تصوراتها والأشياء الحقيقية فكل الأفعال التي تتم بصورة تلقائية عفوية وفطرية ليست إلا بحثًا غير مقصود عن كمال الصورة واتساق النسق الداخلي للإنسان وإيقاعه مع الحياة مما يحدث المتعة.
«إن رقصة الصيد هي في مكان يتوسط المعرفة والنشاط المادي العلمي، فهو يتعزز بينهما، إنه رمز وتجسيد لوحدتها، ويختلف عن الحدث الواقعي في غياب المادة الحقيقة أي غياب المضمون، بل غياب النتيجة الفعلية»([1]).
فالعمل أو النشاط في الفعل التركيبي يغدو متعه ومصدر هذه المتعة يكمن في حرية التحكم في مادة العمل وفى ظروفه. وفى مادة العمل وتظهر المعرفة.
«إن المعرفة وما في وعينا من معتقدات وأفكار وتصورات ليست غاية وإنما هي وسيله، مادة يتكون بواسطتها الفعل بوصفه بنيه نموذجيه محددة. بالتالي فالإنسان هنا يتلقي المتعه في النشاط التشكيلي هذا النشاط الذي يكمن مضمونه في ذاته»([2]).
وقد مارس الإنسان القديم طقوسه وفنونه وأعماله بمتعه فائقة رغبه داخليه منه في التواصل مع العالم وإرساء جسر المعرفة ثم المتعة بينه وبين العالم بغرائزه الفطرية التي صنفها أدموند هولمز بغرائز ست قابلة للتعليم.
1- غريزة التواصل، الرغبة في التكلم والإصغاء.
2- الغريزة الدرامية، وهي الرغبه في التمثيل «غرائز وجدانية وعاطفية».
3- الغريزة الفنية، الرغبة في الرسم والتصوير (الدهان) والتشكيل.
4- الغريزة الموسيقية، الرغبة في الرقص والغناء (الغرائز الجمالية).
5 – غريزة الاستطلاع، الرغبة في معرفة سبب الأشياء.
6- الغريزة الإنسانية، الرغبة في صنع الأشياء غرائز علمية.
وبهذه الغرائز الستة التي ذكرها هولمز استطاع الإنسان أن يحاول صياغة عالمه ولكن الدعامه الكبرى التي كان يعتمد عليها كان الإحساس فبالإحساس والتعاطف والانفعال صاغ تاريخه الذي ورثته البشرية من بعده.
«إن كلمة التعاطف تعني الإحساس فإننا حين نشعر بالتعاطف مع الإنسان المخزون فينا فأننا نزج بأنفسنا، داخل إطار هذا العمل الفني وستحدد مشاعرنا تبعًا لما سنجده هناك وتبعًا للمكان الذي نحتله، وليس من الضروري أن تكون هذه التجربه مرتبطة بملاحظتنا للأعمال الفنية فمن الطبيعي أننا نستطيع أن نزج إحساسنا في أي شئ نلاحظه ولكننا حينما نعمم القضية بهذا الشكل لا يكون هناك سوي تمييز ضئيل بين تسرب الانفعال والتعاطف»([3]).
من هذه الإحلاليه والاندماج الذي يسلكه الفنان الإنسان ما هي إلا ذوبان في ذوات الأشياء للخروج منها بما يسميه علماء النفس بالمتعة والتي قد تحدث صدي في نفس هذا الإنسان للتجسيد والوصول إلي محسوسات بدلًا من الملموسات.
«في الإمكان أيضًا امتصاص الذوات الأجنبية امتصاصًا جماليًا ومع ذلك لا يقوم التوكيد عندئذ على فهم أو توكيد تلك الذوات وسلوكها الفردي وإنما يقوم على تقمص وجداني نفساني لناحيتنا الذاتية يمتد بواسطتها الشيء كما يمتد فيه مخترقًا له»([4]).
فالتقمص الوجداني ما هو إلا انزلاق الشخص بوجدانه في التركيب الديناميكي لأي شئ، مثل عمود أو صورة أو بلوره أو غصن شجرة، بل حتي في تركيب إنسان أو حيوان بل أن معناه كما قد يقال ترسمه من الداخل مع فهم تكوين بواسطة إلادراك بالعضلات والجوارح أن معناه هو تفسير المرء موضع نفسه حتي يصبح فوق الشيء وفي دخيلة الشيء والإحساس به فالسعي وراء الإحساس بشتي صوره هو لذة الإنسان وألمه، والفن في الدرجة الأولي يرتكز على هذه الدرجة العالية من الأحاسيس.
«يعرف الفن تعريفًا أكثر بساطة وأكثر دعابة بأنه محاولة لخلق اشكال ممتعة ومثل هذه الأشكال تشيع إحساسًا من الجمال وإحساسنا بالفن والجمال إنما يشبع حينما نكون قادرين على تذوق الوحدة والتناغم بين مجموعة من العلاقات الشكلية من بين الأشياء التي تدركها حواسنا»([5]).
إن هذا السعي من الإنسان وراء إلادراك بالأبعاد المختلفة ابتداء من الخط الأول ومرورًا بالتجسيم والتحجيم ما هو إلا سعيًا للخلاص من المحسوس إلي الملموس.
«فالعمل الفني هو بمعني تحرير الشخصيه إذ تكون مشاعرنا بصورة طبيعية مكبوتة مضغوطة.
إننا نتأمل عملًا فنيًا فنشعر بشيء من التنفيس عن المشاعر ولكننا نشعر أيضًا بنوع من الإعلاء والعظمة والتسامي. وهنا يكمن الاختلاف الأساسي بين الفن والإحساس العاطفي، فالإحساس العاطفي تنفيس عن المشاعر، ولكنه أيضًا نوع من الارتياح وإرتخاء الوجدان. والفن أيضًا تنفيس عن المشاعر، ولكنه تنفيس منشط مثير، فالفن هو علم اقتصاد الوجدان إنه الوجدان متخذا شكلًا جميلًا»([6]).
إن حقبًا تاريخية بأكملها كعصر النهضة مثلًا ربما ظهرت تفضيلًا لطراز معين من الفن ولكن لو أننا وضعنا مجموع تاريخ الفن بأكمله موضع التأمل منذ فن ما قبل التاريخ والفن البدائي حتى الزمن الحاضر لا يمكن تفسير كل ما فيه من تنوع بل لا يمكن تنظيمه إلي درجة كبيره دون الرجوع إلي الطرز السيكولوجية والبحث عن الإحساس بما يمكن أن نسميه بالبحث في الوجدانيات.
«فقد تفرع عن الطراز الوجداني المنطوي أحد أعاظم الفنون المعروفة لعالمنا. وذلك لأن هذا هو الطراز الذي يضفي القيم الوجدانيه على المثل العليا المتنامية مثل الإله والحرية والخلود ويصبح قادرًا على التعبير عن تلك المثل العليا، وفى صورة المفاهيم المنطقية بل في اشكال صور تشكيلية، ومن هذا الطراز لا ينحصرون فقط في عظماء المتصوفين والمتدينين بل أيضًا في عظماء قيادة الكاتدرائية القوطية ويعتبر وليم بليك واديلون ريدون من الفنانين الفرادى في الطراز نفسه»([7]).
فأساس الفنون تم بوازع ديني مقصود أو غير مقصود والتخلص من هلع المحسوس هو ما دفع فناني الإنسان البدائي إلي التجسيد للوصول إلي الملموسات.
«طريقه الإدراك الجمالي يكتشف فيها المشاهد بعض عناصر الوجدان في العمل الفني ويوحد بالتقمص بين هذه العناصر وبين عواطفه كأن يكتشف مثلًا شيئًا من الروحانية والتطلع بالأمل إلى غير ذلك من الأقواس (البواكي) المدببة والأبراج والمنارات التي تزدان بها كنيسة على الطراز القوطي، عندئذ يستطيع التأمل في تلك الصفات بشكل موضوعي أو محسوس ولا يكون ذلك في صورة وجدانات ذاتية مفهومة فهمًا مبهمًا بل في صوره كتل وألوان قاطعه»([8]).
وكذلك ارتبط الفن بالعقيدة منذ نشأته الأولي.
الفن والعقيدة: منذ أن وعي الإنسان بما حوله وبدأت أنامله تداعب الحجر لتشكل منه أدوات بدائية أو قطع فنية، ومنذ أن وقف في الماء ولامس أحياءه تسبح بين قدميه ودخل الكهوف واتخذها مساكن كان هناك شيء خفي يشعر به بداخله ويعطيه القوة في مواجهة العالم الملئ بالوحوش وأوجد الفكر الإنساني شكلًا راقيًا من اشكال الفكر حتي ما قبل عصر الأنبياء بأن هناك قوي خفية تسيطر على هذا العالم تعمل دومًا على تحقيق التوازن، هذه القوه وأن كانت غير ظاهرة إلا أن أفعالها تدل عليها فحاول دومًا التودد إليها خوفًا من بطشها فحاكاها في أفعالهًا إذ إن تكوينات الصخور وهطول الأمطار عليها تشكل قطعًا فنية منحوتة إذ تترك أشكالًا تبث الرهبة داخل نفس هذا الإنسان فرأي الإنسان تما ثيل نحتتها الطبيعه، ولأن الإنسان بطبيعته يحاكي ما يراه فصنع لآلهته أو هذه القوي الخفية أشكالًا ليتقرب إليها ويعبدها ويأنس بها في هذا العالم الموحش، إن الإنسان الذي عاش في ظروف المجتمع البدائي لم يكن يفهم إلا الصلات القريبه منه كعلاقات القربي.
«كان التفسير بواسطة علاقات القربي أكثر تفسيرات الطبيعه إقناعًا له، فالسماء والهواء والأرض والبحر والعالم السفلي، أي الطبيعة برمتها كل ذلك لم يكن يبدو له أكثر من مشاعة قبلية ضخمة واحده»([9]).
وهذه الطبيعه من حوله هي ما حرك الإنسان لمحاوله مساير الأوضاع من حوله فنشأ داخله اعتقاد سحري بقدرته على التغلب والانتصار ومانراه من صور الحيوان في العصر الجليدي على الجدران وعلى أسقف الكهوف ولاسيما قدامي السكان في أسبانيا وجنوب فرنسا فقد صوروا في كهوفهم صورًا للوعل والجاموس البري والخيول وأغلب الظن أنهم لم يفعلوا ذلك للمتعة والجمال فلقد كانت الكهوف من الظلمه بحيث لا تتيح الرؤيا وبالتالي لا تصلح أن تتخذ سكنًا ولكن أغلب الظن أنهم رسموا هذه الصور اعتقادًا منهم بأنها ستقع بين أيديهم إذا رسموها وهذا هو البعد السحري.
«لاتزال بعض القبائل البدائيه في أفريقيا إلي اليوم تربط بين الصورة والحقيقة.. فنراهم يحزنون إذا مامر بهم سائح وألتقط صورًا لهم ولماشيتهم فهم يعتقدون أن ذهابه بصور الماشية سيجعلهم يفتقدونها فسترحل عنهم مثلما رحلت الصورة»([10]).
ولازالت هذه المعتقدات الموجودة في بعض القبائل التي تسمي أبناءها بأسماء الحيوان بل وفي رقصاتها ترتدي جلود الحيوانات فرغم أن الإنسان الأول توصل إلي آلية الفكر إلا أنه لم يستطع أن ينسحب من الحقائق المحسوسة ليحولها إلي أشياء ملموسة تستطيع تجسيدها فلقد أدرك في الفكر البدائي العلاقة بين السبب والنتيجة ولكنة لا يدرك ما يراه من سببية تعمل كالقانون أليًا وبدون أي هوي شخصي.
«إن الإنسان المبكر ينظر إلي الوقائع كحوادث فردية، ولم يدرك هذه الحوادث أو يفسرها إلا كحركة، فلا يضعها بالضرورة إلا في قالب قصة وبعبارة أخري كان الأقدمون يقصون الأساطير عوضًا عن القيام بالتحليل والاستنتاج»([11]).
فكانت هذه الأساطير هي محاولة من هذا الإنسان البدائي لتفسير بعض الظواهر التي بدت غامضة على فهمه وفى نفس الوقت تشعره بنوع من الأمان من الغموض المحيط به فالإحساس بالقصور إزاء المعنويات التي بدت غامضة هو الذي حرك العقل لاستجلابها فإذا هو بذلك يضع الأساس الأول لنشأة الفنون والعلوم وحملت أساطيره بعضًا من الصفات الخارقة للقوي الغيبية التي تطور الفكر اتجاهها ووضعها في مصاف الآلهة فنشأ ما يسمي بتعدد الآلهة في الفكر اليوناني القديم وأيضًا في الشرق الأدني والأوسط، وارتبطت هذه الأنشطة اليومية بالفن، ففنون الغناء والرقص قد تطورت من الأعمال الجماعية ومن الطقوس الدينية.
«يخضع الفن البدائي بوجه عام لمؤثرات دينية قوية... وتؤلف الفنون من حيث هي أساليب ووسائل عند الإنسان متصلًا واحدًا تتداخل عناصره ومفرداته»([12]).
هذا الإحساس الديني هو ما جعلهم يعيشون في جماعات وفق منطق نفعي، الغرض منه الإحساس بالدفئ والأمان فالإنسان البدائي حين يحاول تفسير الظواهر الطبيعية يغدق على الجماد صفات إنسانية.
«إن الإنسان البدائي لا يعرف عالمًا جامدًا أبدًا لهذا السبب عينه، لا(يشخص) ظواهر الجماد ولا يملأ عالمًا فارغًا بأشباح الموتي كما تريننا الروحية»([13]).
فالعالم لا يبدو للإنسان البدائي جمادًا أو فارغًا بل زاخرًا بالحياة حتى وإن كان جمادًا أو تمثالاَ فهو يحمل بداخله حياة محسوسة أو ما يسمي بقوة التأثير أو بالبعد السحري للفنون «فالأشياء يصبح لها، لا بذاتها ولكن بوصفها قوي، إمكانات خفية تستطيع أن تؤثر على الإنسان، لذلك لا تكتسب الأشياء تحديداتها الخاصة وتتحول إلي فتشات، أي تصبح الأشياء حوامل لقوي سرية»([14]).
والفتش هو الجزء الذي يحمل ويجسد قوة الحياة والموت عمومًا، أي أنه كيان متميز يتكون من جسم مادي واحد ومن مغزي كلي يختفى وراءه، هو المضمون الروحي والاجتماعي ولذلك فهو ليس مادة جامدة بل فعل سحري، إنه يعيش بفضل عملية تقديسه والخضوع له. وهو شئ جاهز في الطبيعه أصبغ عليه الفكر الإنساني قوة سحرية وحينما تنفصل هذه القوي السحرية عن هذا الشيء تصبح كالغيلان الخرافية المرعبة التي لا تخضع لقياس أو معيار سواء في ضخامتها أو ضآلتها على السواء.
«الوظيفة الأولية للفنون السحرية كافة هي إذكاء عواطف معينة في المرء أو في الأشخاص والتي تعد ضرورية ونافعة في سياق العمل المعيشي، فالنشاط السحري نوع من المحرك الذي يزود ميكانيكيه الحياة العملية بتيار عاطفى ليسيرها، لذلك فالسحر ضرورة في أي مجتمع صحي»([15]).
فالإنسان حين يملك أن ينظر إلي المظاهر جميعهًا متصلة سوف يدرك أن ثمة تيارًا خفيًا يسيطر عليها جميعًا ويضفى عليها جمالًا متميزًا ويجعل الإنسان يخشي من هذه القوي الخفية ويحاول إسترضاءها، ولذا أقام الشعائر والممارسات الدينية ليعبر عن حاجاته ودوافعه إزاء الآلهة لينشأ بذلك ما يسمي بالعقيدة.
«وكان الإنسان يعبرعن تقديسه لتلك الآلهه بما تهديه إليه الفطرة من وسائل التعبير التي يحي بها الطقوس العبوديه في دفء جماعي»([16]) وهو ما نجده عند الشعوب البدائية وفى القبائل الأفريقية كما نجده أيضًا في بدايات الدراما اليونانيه فيما يسمي مرحلة الاستعراضات الدثرامبية والتي تتم بشكل جماعي بغرض التأثير على جمهور المشاهدين بما تثيره هذه الإستعراضات من انفعالات داخل نفسية المتلقي.
«ينتقل الإنفعال الشديد ذاتيا، بواسطة نوع من العدوي النفسية من أحد أفراد القطيع إلي آخر، حيث يحتاج الأمر إلي لغة مشتركة تصبح هذه النوبات الانفعالية وسيلة لتوحيد المجموع، وبالطريقة نفسها تتوحد الجماهير التي فقدت السيطرة العقلية على أفعالها»([17]) ويصل جمهور المشاهدين إلي حالة من حالات الوجد متناسين الهموم الحياتية في شكل أقرب للعبادة، ومثلما يعتقد الرجل البدائي أنه يستطيع أن يضمن وقوع الحدث الفعلى عن طريق التمثيل الرمزي لهذا الحدث إيمانًا منه بما يسمي البعد السحري، فهو حينما يمثل في رقصة الصيد أنه يقتل حيوانًا فإنه يعتقد اعتقادًا راسخًا أنه سوف يفلح في صيده، لذا كان يحاكي الأشياء من حوله حتى تبدو طبيعية ويحدث التأثير في الراقصين الصيادين يحدث التأثير أيضًا في جمهور المشاهدين أو ما يسمي بنظرية التفاعل.
«الجماعة من وجهة نظر هذه النظرية عبارة عن نسق من الأفراد يتفاعل بعضهم مع البعض الآخر ويتحد لها عناصر ثلاثة:
1- النشاط.
2- التفاعل.
3- العاطفة، والتفاعل في اساسه هنا تفاعل وجداني أقرب إلي مبدأ تلقائي للتنبيهات أكثر منه تبادل قهري إرادي»([18]). أي أن هذا التفاعل يأتى من داخل الفرد نفسه وبفطرية وتلقائية ناتج عن إحساسه الدائم بالاعتقاد أو العقيدة، ولقد بنيت الثقافة الشرقية على الغريزة إذ أصبح يحس أنه أمام قدر مقدر عليه ومن ثم يتواضع في صمت ودون أدني رغبة منه أمام سر الوجود الأعظم الذي لا سبيل إلي اختراقه ولقد يظهر خوفه فإذا هو عبادة وأصبح استسلامه دينيًا.
«إن العلاقة بين الفن والدين علاقة حتمية وضرورية فذلك بالطبع يعتمد على ما نعنيه بالفن وما نعنيه بالدين أن العنصر الأساسي في الفنان أو العنصر الوحيد الذي لا يمكننا أن نستغني عنه هو ذلك القدر اليسير من الحساسية، وما بنا من حاجة أن نخشي من تسميته بالحس الجنسي فهذا هو العنصر الذي يعمل عمله في فن الإنسان البدائي كما في دينه والصعوبة في هذه المرحلة هي محاولة أي فصل بين الفن والدين فإن تعاليم أحدهما تحدد بالضبط اختراعات الآخر فالسحرة وكهنة الدين يشابهون تمام الشبه الفنانين المبدعين ولا يوجد الفن إلا كوظيفة من وظائف العبادة أو التكفير عن الذنوب»([19]).
فالمسرح والدين عنصران لهما قصة درامية على مدي تاريخ الحضارة الإنسانية فيها التفاعل والتضارب والتقارب والتنافر ما يمثل مشاهد ومواقف وفصولًا تجمع بين الإثارة والثورة، بين الإحتضان والإحتصار ويذهب مكسيم جوركي الكاتب المسرحي الشهير.
«إن العقائد الدينية من صنع الإنسان أو بالأحري من ابتداع ذهنة لأن الإنسان يعجز أن يعيش بغير عقيدة يحيا بها في الدنيا ويأمل من ورائها نعيمًا في الآخرة»([20]). فما من مجتمع من المجتمعات القديمه إلا كان الفن فيه ظلًا للدين ويختلف ذلك في مجتمع عنه في مجتمع آخر باختلاف الدين تشكيلًا وتوجيهًا وعلى هذا كان الحال في مصر وبلاد ما بين النهرين يستوحي الفن في كل منهما تلك العقيدة السائدة فيذهب علماء المصريات إلي أن هذه المشاهد الدنيوية التي على جدران تلك المقابر لا يخلو من مغزي ديني فهم يرون أن الهدف من زخرفة جدران المقابر لم تكن للتجميل كي يأنس الزائر بها بل كان شيئًا أسمي من ذلك هو أن يجد الميت من حوله ما يسكن إليه، وإذا حاولنا أن نتتبع عملية النمو الذاتي لفن المسرح في بلد كمصر أو بلد كاليونان فإن أول شئ يسترعي أنظارنا أن المسرح يولد في جو طقسي داخل إطار الشعيره الدينية وينمو داخل جدران الأسطورة وهو في الحقيقة عملية معقدة تحتاج إلي تفسير، فالمسرح ولد في إطار الشعيرة حينما كان الكهنة يصورون أن لبعض الألفاظ قوة خاصة في التأثير على قوي الطبيعه سواء كانت هذه الألفاظ ذات دلالات لغوية أم كانت مجرد أصوات تقلد أصوات للطبيعة تصوروا فيها القدرة على إسقاط المطر وإنبات القمح وطرد الأرواح الشريرة وجلب الحظ وحماية الفرد والجماعة من أعدائها.
«في مصر نشأ فنها المسرحي حول اسطورة إيزيس وأوزوريس وقد بدأ أداء هذه المسرحية بواسطة طائفة العبدة ثم انتهي الأمر إلي أن تحترفه هيئة خاصة من خدام المعبد، ولم يمنع هذا من اشتراك بعض من جمهور المعبد في الأداء، ذلك كنوع من التبرك عن طريق أداء قصة هذا الإله الشهيرة»([21]) وقد تتخذ التصورات الأسطورية المصريه لها شكلًا في كلمات (مثل الترانيم والصلوات والقصص والشعائر وأفعال الأداء التمثيلي وغير ذلك من المناسك)، وفى الأشياء والصور مثلًا في الأشكال والرموز للنباتات والأجرام السماوية، وواقع الأمر أن كل مظهر من هذه التعبيرات إنما ينم عن تجربة أو يذكر بتجربة روحية، نضرب مثلًا بأسطورة إيزيس وأوزوريس وحورس فهي بجانب كونها جزءًا من شعائر الملك الجنائزية فهي أيضًا تحفظ، وفى نفس الوقت عن ظهر قلب كأسطورة من الماضي الغابر من الألف الثالث قبل الميلاد.
«ويشير استعمال القصة لغرض سحري إلي أن القصة الأسطورية من ناحية قد تؤلف كذلك لهذا الغرض أو لمجرد التسلية ويبدو من ناحية أخري أن سياق المناسك والترانيم التي يستخدم فيها تعبيرًا اسطوريًا قد يخلق روايه أخري … بأن الأسطورة المصريه إنما كانت تأملية أكثر منها تخيلية شاعرية»([22]).
ونصوص الأهرام تتآلف من شعائر وتعاويذ وترانيم تتعلق بمراسم الدفن للملك المصري على حين تبدو نصوص التوابيت كأنها علاج أدبي للتصورات الأسطورية التي صيغت من أجل الحياة الأبدية وتأليه هؤلاء العامة ممن كان في خدمة تسجيلها نقشًا , أوكتابة على التوابيت.
«إن التحول من نصوص الأهرام إلي نصوص التوابيت إنما يتفق مع تأكيد قوة التصور الأسطوري للملك الآلهي، وكان هذا التصور ذاته هو الذي ثبتت فيه جذور الأساطير المصريه»([23]).
وقد خلفت لنا الحضارة المصريه القديمة بعض الآثار التي تدلنا على اقتران الفن بالعقيدة فتلك الأقداح الفخاريه التى نقش عليها ملوك المملكه الوسطي أسماء القبائل المعادية لهم في فلسطين وليبيا والنوبة وأسماء حكامها وأسماء بعض المتمردين المصريين، كانت هذه الأقداح تحطم في إحتفال ديني مهيب والغرض من هذا الطقس الدعوة على هؤلاء الأعداء بالموت لأنهم يبعدون عن عبادة الفرعون ولقد ارتبطت بعض العناصر في الطبيعه بالعقيدة الفرعونية مثل الشمس والغروب والنيل، فالشمس والنيل يتضافران بولادة حياة مجددة غير إنهما لا يفعلان ذلك إلا بعد صراع مع الموت أو الليل والذي يتساوي مع الجفاف، والشمس تدفئ ولكنها مع الصيف تحرق، كما أن النيل يأتى بالمياه والترية الخصبه غير أن فيضانه السنوي لا يمكن التنبؤ به ولذا اتجه المصريون القدماء لعبادة النيل والشمس بل وبعض الحيوانات واستمد المصريون الإيمان بأن مصر مركز الكون وأن الحياة المجدده تنتصر دومًا على الموت.
«وفي الشعائر التي نشأت حول تمجيد الشمس المشرقة، تتكرر الإشارة إلي فرح الخليقه بأجمعها وشكرها لطلوع الشمس كل صباح والمقابلة بين المساء والصباح هي بين الموت والحياة عندما تغيبين في الأفق الغربي، تظلم الأرض كما في الموت»([24]).
وكان المصريون القدماء يضعون في قبورهم نموذجين لقاربين يمكن اقحامهما بالسحر في العالم الآخر للإقلاع بهما هناك كان الشراع في أحد القاربين مطويًا للإقلاع شمالًا مع التيار في مياه العالم الآخر وفى القارب الآخر منشورًا للإقلاع جنوبًا بتلك الرياح الشماليه التي لابد أن تكون مألوفة في أي وجود في الدنيا أو في الآخرة كما أن المصريين القدماء نظروا إلي النهر نظره تقديس وخوف فأنشدوا الأناشيد والأغاني وقدموا له القرابين بل وصل بهم الاعتقاد بأن الناحيه التي تشرق فيها الشمس هي الحياة فبنوا فيها المعابد ودورهم وقصورهم بينما الجانب الآخر حيث تغرب الشمس هو العالم الآخر { هاديس} حيث الموت فبنوا فيها المقابر والأهرام وأشهر أساطيرهم أسطوره "إيزيس وأوزوريس" والتي تعني بالحياة بعد الموت والبعث وانتصار الخير على الشر أو انتصار حورس بن أوزوريس آله الخصب والنماء على ست إله الشر وتنقسم الأساطير إلي ثلاثة موضوعات.
«أولًا أساطير الأصل وهي التي تتساءل عن أصل بعض الكائنات، أو الفئات من الكائنات في الكون آلهة أو نبات أو بشر. والجواب المعطي عادة هو الميلاد أو يكون في أحيان نادرة الخلق أو الصنع. المجموعة الثانية هي " أساطير التنظيم وهي التي تتساءل عن كيفية نشوء بعض أنظمة الدنيا أو تبلور بعض تقاطيعها كيف حصل هذا الآله أو ذاك على منصبه، أو كيف انتظمت الزراعة، أو كيف ظهرت غرائب البشر وأعطيت مكانها في المجتمع. جواب الأساطير يقول (بقرار النهي) والمجموعة الثالثه قد نجعلها جزءًا ثانويًا من أساطير التنظيم وهي (أساطير التقييم). وأساطير هذه المجموعة تتساءل متي هذا أو ذاك أمسك منصبه في دوله الدنيا»([25]).
ولقد استخدم المصريون الأقدمون المنطق بأعلى درجة حين استدعي ذلك كما أنهم قدسوا ما كان بعيدا عن فهمهم من الحقائق المعروفة أن الحضاره الواحدة إذ تطعن في السن تتعرض قيمها الأساسية لخطر فقدان أثرها في نفوس الأفراد ويأخذ التشكك واللامبالاة بتقويض البنيان الروحي الذي يحتوي تلك الحضارة. وكما اهتمت الحضارة الفرعونيه بالأساطير قامت الحضارة اليونانية على هذه الأساطير فنمت حول أسطورة (ديونزيوس) آله الخصب اليوناني أولي المحاولات التمثيليه اليونانيه من خلال تلك الاحتفالات الطقسية لمحاكاة ما حدث في العالم الأسطوري لهذا الآله المعذب أي الحالة الانفعاليه التي يصاحبها وعي مسبق من العامه بما حدث لهذا الإله وهو فارق جوهري بين فن المسرح الفرعوني وبين هذا المسرح اليوناني وهي فكرة الوعي المسبق ثم التواصل عبر حالة مزاجية تحدث بما يسمي بنظرية التفاعل.
«اكتمل المسرح في بلاد اليونان لأنه فضلًا عن وجود الشعيرة المرتبطة بآله الخصب وجدت لديهم مادة أسطورية متكاملة في فن عظيم وهو فن الملحمة»([26]).
ذلك لأن الملحمة حوت مجموعة الأساطير التي تناقلتها الأجيال حتي صاغها هو ميروس في الألياذة والأوديسه مما خلق مادة خصبة لكتاب المسرح آنذاك فقدموا فنًا متكاملًا إذا قيس بمصر القديمة، تلك الآثار التي تجمع حضارات الأمم بين طياتها هي وإن تبدو متباينة في مبناها متجانسة في معناها هذا لأن الفنون جميعها تنبع من مصدر واحد وهو الشعور الإنساني المضطرم في نفس الفنان وتستهدف كلها شيئًا واحدًا هو نقل هذا الشعور نفسه إلي نفس الآخرين حتي يخرج الفنان عن نطاق ذاته إلي رحاب الآخرين وينفلت من فرديته ليذوب في الجماعة المحيطة به، وهو الإحساس الذي يحقق التوازن الحقيقي في نفس البشرية... على أن الفنون كلها تنزع إلي التوحد معًا. فما نراه في الإحتفالات الإغريقية القديمة والتمثيليات الهزلية ما هو إلا دعوه جماعية للتطهير والوحدة في هم واحد.
«تتضمن هذه التمثيليات مشاهد تدور حول ممارسة بعض الطقوس والشعائر التطهريه التي تهدف إلي إزالة الشر والتخلص من الأذي وإبعاده عن المجتمع حتي يظل المجتمع سليمًا ومتماسكًا»([27]).
ويري بعض الكتاب أن هذا اللون من التمثيل الهزلي أقرب في طبيعته إلي الملهاة المتصلة بعبادة الآله ساتور في روما القديمه والتي تتميز بالمبالغه والإسراف في الرقص والغناء إلي حد العربدة والخروج على كل القواعد المعمول بها في المجتمع... بل أن بعض المشاهد التي يمارسها الأغريقيون في تمثيلياتهم تقترب اقترابًا شديدًا مما يعرف باسم (حفل المجانين) الذي عرفته أوربا في القرون الوسطي. ومع اختلاف البيئات الجغرافية نجد أن المسرح الهندي قد نشأ بين الآلهة وقد أشرف براهما نفسه(روح العالم) على إخراج أول عرض مسرحي.
«إن الآلهة قاتلت الشياطين وهزمتها في السماوات في زمن موغل في القدم، يسبق خلق العالم، كان الخير والشر يعيشان فيه جنبًا إلي جنب وعندما أقيم الاحتفال بانتصار الآلهة طلب براهما إلي سائر الآلهة أن يتلهوا بإعادة تمثيل المعارك التي خاضوها، وفى غضون هذا العرض استاء الشياطين من ذكرى هذه المعارك فملأوا الجو بشخوصهم غير المرئية حتي يعوقوا استمرار التمثيل ونشبت المعركة مرة أخري معركه حقيقية اندحر فيها الشياطين من جديد وعندئذ أوضح براهما أن مثل هذه العروض أقيمت لتلهية الجميع على السواء»([28]).
أي أن التمثيل لدي الهند بدأ بين الآلهة ثم انتقل للبشر في محاولتهم لمحاكاة أفعال الآلهة على يد الحكيم (بهراتا) والذي وضع مصنفًا ضخمًا يسمي (بهراتا ناتيا ساسترا) أي قوانين بهراتا في الرقص والدراما. ويقال أن براهما أفضي بكل أسرار الفنون الدرامية بجميع أشكالها إلي الحكيم بهراتا والذي ساهم كتابة في نشأة المسرح الهندي ((الهندوسي)) وغلبت عليه التعاليم الدينية وخاصة باللغة السنسكريتية والبوذية ولقد أثرت هذه الكتابات أيضًا على المسرح الياباني.
«لاريب أن المسرح الياباني قد تطور في خطوط تختلف عن خطوط المسرح الهندي بيد أن البوذية الهندية ومبادئ الإستاطيقا الهندوسية كان لها على المسرح الياباني تأثير حي فعال ولم تزل بعض الرقصات والحركات المنقوله من الهند تمارس حتي اليوم في اليابان مثل قصة (يوجاكو) على الرغم من أنها أصبحت في الهند منسيه ومجهولة وفي أقدم رقصات النو كرقصة أوكنيًا لم تزل بعض العبارات يترنم بها بلهجة سنسكريتية خاصة في مشهد طقسي بالدعاء بطول العمر»([29]).
وفى أوروبا حيث العصور المظلمة اتخذ الفن منحي آخر وأبتعد عن المسرح واعتبره رجال الدين تراثًا وثنيًا وخاصة الكتابات اليونانية والتي تدور قصصها حول أفعال الآلهة وصراعاتهم إلا أن المسرح لم يختف اختفاءً كليًا بل انتشرت فرق الفن الاحترافي لتقدم عروضها في الشوارع وفى الأماكن المفتوحة ليعود الدين مرة أخري يتبني المسرح وذلك في حوالي القرن الثاني عشر على يد الراهبة روزيتا عندما قدمت مجموعة من التمثيليات الدينية عن قيام السيد المسيح والمريمات الثلاثة ليعود المسرح مرة أخري إلي كنف الدين وظهرت عدة مسرحيات منها تمثلية آدم وتمثيليات الأسرار وهي كلها تناقش قضايا دينية واستخُدمت لتقريب الدين للناس، ثم يخرج المسرح مرة أخري من كنف الدين للقضايا الاجتماعية والسياسية مستخدمين في ذلك بعض المواد الموجودة والمستمدة من الطبيعة وذلك للتخاطب مع جمهور المشاهدين مثله في ذلك مثل باقي الفنون.
«قام الفن القبطي أول ما قام على تلك التغيرات الجوهرية التي أضافها إلي الموضوعات الجديدة وعلى إذابة المرموز في الواقع شيئًا فشيئًا وبهذا وبذلك تكون للفن القبطي قومات وإن لم تفرضها البيئة بظروفهاالجغرافية والاجتماعية فقد فرضتها الأديرة التي كانت مقاليد المسيحية في مصر والتي انفردت عن العالم المسيحي كله بالبحث عن المطلق»([30]).
إذا العبادة داخل الدير وداخل الأماكن المغلقة هي التي أفرزت لنا بعض الإيقونات ذات الدلالات الدينية وبعض الرسوم الجداريه والتي تميز مفردات الفن القبطي وتعلقه بالدين ولقد حاولت المسيحية بتجسيدها للرب بتعبيد الطريق أمام تحويل الأشياء غير المرئيه إلى أشياء مرئيه واهتمت بالقيم الروحية وإعلائها داخل نفوس المعتنقين لها.
«قدر لهذا الفن القوطي أن يستوحي من شعبيته بعد أن فقد أن يستوحي من بلاط أو طبقات حكامه، وعاش يستوحي مما ساد حياة الناس من أفكار... وظهرت فلسفات جديدة لا سيما الفلسفه الأفلاطونية الجديده فإذا الناس لا يجعلون الرؤية وحدها وسيلتهم للإيمان بل أن ثمة من الأشياء مالايرى وله وجود»([31]).
وهذا يتشابه مع ما ذكرنا في الفن البدائي من وجود أبعاد سحرية وعلى الفنان لكي يصل إلي العظمه أن يخاطب مشاعر الجماعه بشكل أو بآخر ومهما يكن فإن أسمي صور المشاعر الإنسانية حتي وقتنا الحاضر هي المشاعر الدينيه ويختلف كل فنان في التعبير بإختلاف نوعية الفن نفسه ولكن الذي يجمع بين هذه الفنون جميعها هو حيوية الفن القوطي.
«المادة دائمًا هي وسيلة للتعبير الروحي إن الكاتدرائية القوطية ليست مجرد بناء من الحجر، وإنما هي أيضًا بتعبير الأستاذ وورينجر المدهش وحي هابط من السماء في شكل حجر»([32]).
وإذا كان الفن القوطي شكلًا حيًا فإنه على هذا الأساس ليس شكلًا تمثيليًا إذ لا توجد علاقة ضرورية بين الطاقات التي يجتهد الفنان الملهم كي يجسدها في شكل محدد، وبين أشكال الطبيعة غير المحدده أو التي لا حدود لها، وليس من الضروري أن يكون الخط أو الشكل الحي مشابها للحياة، إنه حيوي فحسب.
«الشكل الإغريفى شكل رياضي والشكل القوطي شكل حي والشكل الرياضي خالد في الذاكره العاقلة والشكل الحي وجود أبدي وتكشف هذه الكلمات عن فهم بليك العميق لجوهريات الفن القوطي، وهو فن خطي وهو يظهر في أصوله من إحياء فن أوروبا الشماليه الهندسي المجرد عن طريق النزعة السماوية الشرقيه الحسية للمسيحية ويحتفظ هذا الفن بتأكيداته الخطيه من الفن الكلتي والأنجلو ساكسوني ولكنه بدلًا من الشكلية الباردة للنموذج الهندسي، فإنه يكيف مضمون هذا الشكل من أجل التعبير عن شعور حسي طبيعي حي، شعور بالحياة والطبيعة والوحدة الآليه للعالم المرئي»([33]).
ومع حلول العصر القبطي في مصر في نهاية القرن الرابع الميلادي بدأ الفن المصري يتحلل من القيود الدينيه إذ بدأت المسيحية تلتهم فنون الشعب وتحتضنها وترفعها إلي مستوي أعلى من أجل مكانه احتلها من قبل وهو ما يعرف حتي الآن بالطراز القبطي، حتي أنه يدخل في تصميم معماري يشمل كل مناحي الحياة والذي يظهر بجلاء في الكاتدرائيات القديمة في إيطاليا وقد اتخذت موضوعاتها الفنية من التعاليم الدينية يشهد على ذلك سقف كنسية القديس بطرس والتي رسم لوحاتها وجدارياتها الفنان مايكل أنجلو وتمثل رحلة خلق الإنسان وحتي صلب السيد المسيح مرورًا بالطوفان وتنحو فنون العصر القبطي إلي التجسيد والتجسيم فقدم الفنانون طرازًا معماريًا اعتمد على الفخامة وفى نفس الوقت الحيوية فبرعوا في صنع الأعمدة والتماثيل واللوحات الجداريه التي تخالها حية مثل لوحات دافنشي وأنجلو وفنون عصر النهضة والتي استخدموا فيها الزجاج الملون والفن الشعبي والمحفورات الخشبية الملونة والتي يبرز فيها عامل نفسي وسحري مهام وهو ربط المتلقي بطريقه لا شعوريه بالعمل الفني من خلال مداعبة وجدانه والسيطرة على حواسه عن طريق الوازع الديني أو العقيدة. أما الفن الإسلامي فهو فن يرفض التجسيد لعلاقة هذا التجسيد بالفكر السائد في الجاهلية من عبادة الأوثان ويبدو للوهلة الأولي أن فنون العصر الإسلامي ليست لها أية صلة بالفنون القديمه إلا أنها اهتمت بالجمال الزخرفى.
«فقد كان المسلمون يعتبرون الفن الذي يصور الإلهة أو يستخدم بعض من الطقوس الدينيه عملًا من أعمال الكفر أما الفن باعتباره عملًا دنيويًا فإنهم كانوا يعتبرونه شيئًا منافيًا للأخلاق فيه انتهاك لقواعد السلوك»([34]).
ذلك لأن الدين الإسلامي يعتمد على فكرة التوحيد والإله الواحد ولذا أهمل المسلمون فنون اليونان والرومان لما فيها من تعدد الآلهة واهتمام بعضها بالتجسيد وإظهار جماليات الجسد الآدمي ومفاتنه كما أنكروا التصوير اللوني لرجال الدين الأوائل مثلمًا كان في المسيحية والتي رسموا فيها السيد المسيح والحواريين والعذراء وهو ما اعتبره المسلمون نوعًا من التشبه بالشخصيات الدينية وانتفاء لمبدأ تجسيد الشخصيات الدينية خوفًا من الفتنة بها فرغم دخول الكثيرين في الدين الإسلامي وإتقان تقنيات فنية إلا أن الفن الإسلامي تميز بالزخرفة اللونية والأشكال الهندسية المجردة وقدم الطراز الإسلامي كطراز معماري يتميز بالنقوش والزخارف ودخلت فيه بعض عناصر الطبيعة مثل النباتات والمقرنصات والعقود المدببة والمحدبة والمشكاوات وغير ذلك وهي جميعها تحتوي على نقوش مسطحة أقرب إلي التجريد ولا تحتوي على أكثر من خط واحد تظهر بجلاء في جماليات الخط العربي الذي يعتمد اعتمادًا كليًا على الأبعاد العقائدية والروحية والتي يتجلي فيها ما يسمي بالبعد الخامس.
«البعد الخامس يعتمد اعتمادًا كليًا على العقيدة والوجدانيات ويتجلي بوضوح في جماليات الخط العربي هذا ما أكده هربرت ريد والذي دافع دفاعًا مستميتًا عن هذا البعد الذي يظهر أيضًا في جماليات الفن القبطي»([35]).
و لا ينتهي بنا الحديث عن الفن البدائي الذي هو الأساس في الأشكال الفنية المتعددة فالفنان في تعبيره عن المثل العليا للإنسانية الكلاسيكية كان يجعل من فنه خادمًا لهذه المثل بنفس الطريقة التي كان يجعله بها الساحر البدائي والفنان المسيحي.
«إن الاختلاف في القيمه بين فن الإنسان البدائي وفن الإنسان المتحضر في العصور الوسطي هو الاختلاف بين قيم دينيهما وليس في درجة حساسيتهما الفنية، وقد يؤدي بنا هذا القياس إلي شئ من الشذوذ العجيب إذا اعتبرنا أن الكيف لأي فن من فنون أي جماعة دينية هو بطريقة أو أخرى اختبار لصحة تجاربه الدينية أو قوتها»([36]).
فلكل من الفنان البدائي والمتحضر طريقه في التفكير تنبع من العقائد التي يؤمن بها وتعبر عن أساليب ممارسته لطقوسه أو شعائره بدرجة تقترب من الفطرية وإن كانت محملة بشئ من التفكير وبدرجة من درجات الوعي والمعرفة مما يجعله ينتقي الأساليب الفنية التي يعبر بها عن واقعه المعاش وهذا لا يمنع أن تكون هناك أساليب غرائبية بما يعني أن الأساليب المنتقاة مستقاة من حضارة غير التي ينتمي إليها الفنان مصدرها بدائي غابر في حضارته وقد أشار إليها الناقد التشكيلي هربرت ريد في كتابه النحت الحديث وقسمها إلي سبعة فنون وهي:
- 1فن الشرق الأقصي:
1- -2-الفن القبائلي الإفريقي.
2- -3-الفن البدائي الشعبي وفن الأطفال والفن الفطري.
3- -4فن ما قبل التاريخ (محفورات العصر الحجري).
4- -5الفن الإغريقي المبكر والفن الأتروسكي.
5- -6فن ما قبل الكولومبية في أمريكا.
كما نري في هذه التصنيفات أنه جمع بعض الأساليب التي تتميز بها بدائيات فنون الأقطار المختلفة على الرغم من اختلاف البيئات الجغرافية ودرجات الوعي المتفاوتة، إلا أنها تتميز بتأثيرات فنية تعبر عن الإحساس والغريزة بسيطة ساكنة، خالية من كل سفسطة فكرية مما دعا فنان مثل فان جوخ إلي الانجراف نحو الدعوة إلي الفن البدائي والسبب يعود إلي طبيعة التفكير والوعي في العصر الحديث التي تحاول الخروج عما يسمي أيقونات العصر الحديث مثلما نرى في أعمال بيكاسو الحديديه فهي تمتلك خواص عاطفية محدده إنها شريدة غامصة وأحيانًا فكاهية.
«قد لا تكون أشكال بيكاسو الحديدية بنية واعية لخلق شئ ممائل لمعبود أو وثن قبلي... إنها تملك نوعًا من السحر الذي يمكن أن تقرنه بما للأجناس البشرية البدائية من عبادات أرواحيه»([38]).
والقيمة الحقيقية لهذه الإفرازت الإبداعية أنها تتسرب إلي داخل نفسيه المتلقي فهي ليست عديمة الصلة بالحضارة الآنية بل أنها تملك شيئًا سحريًا غامضًا يدفعنًا إلي تأملها وهو ما نشعر به إزاء بعض الفنون الفطرية للأقوام البدائية وكلما كان الفنان أكثر صدقًا وإخلاصًا على نبذ المحاولات الزائفة التقليديه والأساليب البالية في التعبير فيصبح أكثر قربًا وأكثر وعيًا في التعبير وهو اشبه بالإرتجال عند قبائل " اللوباريون* " فاللوباري يتغني دائمًا بما يري ويسمع في اللحظة الراهنة أي أنها ارتجال لما يحدث في اللحظة الآنية، وهذا التشبيه يقترب إلي حد كبير من فنون العصر الحديث مثل أعمال بيكاسو وسلفادور دالي، إلا أنها تتميز عن الأغنية اللوبارية بأنها تحمل رموزًا تعبر عن فكر الفنان وأغراصة التعويضية والتي يقصد بها لجوء الفنان إلي رموز تتسم باستدلالات عن الشيء المدرك حسيًا.
«التعويضية تعني أن تشبيه الصورة الظاهرة المدركة رؤيويًا لم يعد الموضوع الآني في نشاط الفنان... أي أن الفنان سعى لأن يضمن عمله ما هو أبعد من مجرد تقديم تقرير مخلص أمين عن الصورة البصرية»([39]).
فهناك ذلك الأسلوب الذي نسمية بالتعبير Expsshionisstistic هو الذي تحدده رغبة الفنان في العثور على مقابلة تشكيلية تقابل إحساساته المباشرة، أي تقابل ردود أفعاله المزاجية نحو إدراك إحدي الخبرات والفنان والناقد التشكيلي " رودان " عندما يقدم نصائحه للفنانين التشكيليين عبر مجلة الفن التي تصدر من لوزان عام 1946 يقول:
«استشعر الشكل في العمق حدد المستويات المهيمنة بوضوح. تخيل الأشكال كما لو أنها تتجه إليك كل شئ حي ينبثق من المركز يتسع من الداخل نحو الخارج، في الرسم لاحظ البروز لا الخطوط الخارجية. البروز هو الذي يقرر التضاريس، الشيء الأساسي هو أن تتأثر، أن تحب أن تأمل، أن ترتعش، أن تحيا، كن بشرًا قبل أن تكون فنانًا»([40]).
هذه النصائح تحدد طبيعة التعامل مع العمل الفني بوجوب احتوائه على ما يثير الأحاسيس المختلفة وهو ما عبر عنه الارتساميون بما قدموا من أعمال فنية وبذلك الأسلوب الذي يعطي عناصر جديدة يقبلها العقل والمنطق فلقد أظهرت الأبحاث التجريبية المفصلة أن جميع العناصر الارتسامية سهلة التوافق والعالم الخارجي، إنها تصبح من وجهة المشاهد جزءًا من ذلك العالم، إن وجدت نقاط اتصال بينها وبينه إن عملية التخيل، إنما هي عملية الإدراك شئ واحد والفارق الرئيسي هو أنه يدخل في عملية التخيل نسبة من العوامل المنبعثة أكبر نسبيًا بيد أنه من المهم أن تتذكر أنه حتي هذه العوامل المنبعثة لم تبرح صورًا بالمعني الدقيق للكلمة حيث يحتفظ بمصطلح الصور كأنما تقف في الذاكرة والمخيلة.
فالصورة ليست نسخًا لما يحدث من إحساس داخلي فقط ولكنها محملة بالإدراك والذي نقول إنه وعملية التخيل شئ واحد إلا أن الإدراك يترتب ليس فقط على قيمة هذا التذكر وإنما علي الوعي والمعرفة فينبغي لنا أن نفرق بين الصورة التذكريه في معناها الذي أسلفناه وبين طراز آخر من الصور وهو المسمي بالصورة اللاحقة أوالبعدية أو الصورة التي تترتب على أدراك الصورة التذكرية.
«يضع ياينش الصورة الإرتسامية بمكان وسط بين الصورة البعدية والصورة التذكرية فهي تجنح إلي مشابهة الصورة البعدية من حيث خصائصها الوظائفية (الفسيولوجية) أعني أنها موضوع للإحساس البصري بيد أنها تسارع الصورة التذكرية في قدرتها على أن تستدعي إذا دعتها الصورة المحيطيه أو الترابطية كما أنها في الغالب تعتبر صورة مقواة أو مصفاة لصورة تذكرية معلومة»([42]).
والصورة الإرتسامية التي يتحدث عنها ياينش تحتفظ بعنصري التخيل والإدراك إلي جانب ما يتمتع به الفرد من قدرات عقلية والعمل الفني ليس تجريدًا مستمدًا من الحياة، والفن الكلاسيكي يمثل طراز النزعة المضادة وذلك على اعتبار ما يقبله المنطق هو نظام للأفكار الفطرية أو الصدق العقلاني، أما بالنسبة (لفرانك بارون) فهو يعتقد أن الإبداع عملية تستمد خصائصها مما يتمتع به المبدع من استعدادات والتخيل لدي هذا الباحث ينقسم إلي أربعة أنواع:
1- التخيل ذو البعد الواحد وهو ذلك النوع من التخيل الذي يمكن للشخص من خلاله تخيل منزل أو شجرة أو كتاب دون إضافة ما يمكن أن تحسه بالحواس الإنسانية المعروفة.
2- التخيل ذو البعدين وهو تخيل يعتمد على الجمع بين العناصر المتباعدة، لكنة مازال يعتمد على ما يمكن أن تدركة أيضًا بالحواس.
3- التخيل ذو الأبعاد الثلاثة وهو ذلك النوع من التخيل الذي يعتمد على الرمز، كما يحدث حين تبصر في السحب أشكالًا فنية أو حين يري الشاعر إيليًا أبو ماضي الشمس عاصبة الجبين.
4- التخيل ذو الأبعاد الأربعة وهو ذلك النوع من التخيل الذي يعيد بناء الواقع بناء جديدًا معتمدًا على عناصره القديمه مضافًا إليها الرمز ثم يأتي بعد ذلك دور النبوءة والسمو فوق الواقع ليشهد المبدع بما يشهد وهو يصبح عالمًا ليس له علاقة بعالم الواقع ويضرب بارون مثلًا لذلك تخيل جوته حين أبصر الكورس الإلهي يغني، وهذا التصنيف لبارون يؤدي إلي شئ مهم هو.
«الربط بين المبدع والمتلقي برباط وثيق من حيث أن كلًا منهما يتعامل مع عمل حي نابض وهذا لن يتحقق بالطبع إلا من خلال عناية لمبدع بصياغة عمله صياغة تخاطب الحواس أوبمعني أدق تخاطب الخيال الذي يقوم من جانبه بإعادة صياغة الواقع من حيث أن نشاطه الأساسي هو المعالجه الذهنية للصور باستخدام الاحساسات»([43]).
وقد أشار الدكتور حنوره إلي أن الأساس النفسي الذي يتبناه لتفسير السلوك الإبداعي ذو أبعاد أربعة:
1– المعرفية بما تشير إليه من قدرات عقلية وعمليات ذهنية 2- الوجدانية بما تشير إليه من سمات شخصيه واتجاهات محببة وقيم متبناه ودوافع حافزه على العمل.
3- قدرات وقيم تشكيلية وجمالية تمكن المبدع من اختيار الزوايا المناسبة ورسم الخطوط الملائمة وبث الألوان المفضلة وتبني الأشكال الرائقة.
4- المتغيرات الإجتماعية والاقتصادية وهي الجوانب المعبرة عن ظروف المجتمع وأحداث التاريخ وما يعانيه الناس من متاعب وما يطمحون إليه من آمال.
كما توجد هناك صورة معينة لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالإدراك الحسي ولكنها قد تقوم بدورها في حياتنا وهذه الصور تندرج جميعًا تحت مصطلح الهلوسات مع التمييز بين تلك التي تبدو قبالة العقل المتعرف المدرك باعتبارها أشياء، وبين التي تبدو للفرد أثناء نومه وهي الأحلام وبين تلك التي تبدو - في بعض الحالات الاستثنائيه – أثناء حالة سوية من الشعور.
«الفنان نفسه يحس أبلغ الوجدان القوي ويضع قدرًا كبيرًا من ذلك الوجدان في عمله الفني، وأن العمل الفني يصبح معديًا – إن صح مثل هذا القول –فهو من ثم ينقل ما أحسة الفنان إلي أي إنسان ينظر إليه والحق إن ذلك هو الأساس لذلك النوع من الفن، والذي كان من المنطقي تمامًا تسميته باسم (الفن التعبيري)»([44]).
وهذه الوظيفة تعتمد على وعي المتلقي حتي يدرك هذه الأحاسيس التي يشعر بها الفنان ويعبر عنها وبذلك يصاب بالعدوي الوجدانية أي يصبح مشاركًا مع العمليه الفنية ويكسبها الدفء الملائم لاستمراريتها وكما أشار الناقد (جيرالد ويلز) في كتاب (التعبيريون الألمان) على لسان (بيرنار ديس مايرز).
«الفنان التعبيري يلجأ إلي تشوية الواقع عن طريق التبسيط والمبالغة والتفتيت وخلط الواقع دائمًا بالحلم والرمز واستخدام نبره انفعالية عالية، بحيث تتحول أي رؤية موضوعية إلي رؤية بالغة الذاتية. بالغة الغرابة وفى أحيانًا كثيرة بالغة القبح»([45]).
وهذه الطرق التي يلجأ إليها الفنان التعبيري تهدف إلي جانب ما تثيره من انفعالات وجدانية إلي التوعية والتنوير وتحوير عقل المتلقي إلي إعادة صياغة الواقع من خلال ذاتية الفرد وهو ما اصطلح على تسميته دور الفنان الاجتماعي هذا الدور الذي يستلهمة الفنان من الواقع الزمكاني ليتسرب به إلي وجدان المتلقي ويحرضه على تغير الواقع الاجتماعي بما يراه من صور ذهنية وخيالية غير مرئية ونستطيع متابعة تفسيرنا لدور الفنان الاجتماعي.
«إن وظيفته الأولية هي الوظيفة الوحيده التي تقدم له مقدراتة الفريدة، إنها تلك الإمكانية في تجسيد الحياة الغريزية الخاصة بأعمق مراتب العقل، هكذا بهذه المرتبة نفترض كون العقل جماعيًا في تخيله التصويري، ذلك لأن الفنان قادر على إعطاء أشكال مرئية لهذه الصور الذهنية ولديه القدرة على تحريك مشاعرنا بعمق»([46]).
و المبدع حين يعمل لا يضع أفكاره كيفمًا اتفق بل يبذل في الواقع جهدًا متعدد الأبعاد حتي لا يأتي عمله مجرد رسالة إخباريه مباشرة والعمل الإبداعي الناتج عن مثل هذا الجهد المتعدد الأبعاد يجعل القارئ يعايش في أثناء قراءته لهذا العمل هذا التعايش يخلق شيئًا جديدًا. فعملية فهم العمل الإبداعي تقتضي أساسًا محاولة الإمساك تمامًا بالأحاسيس والمفاهيم التي يتوسل بها المبدع لكي ينقل طرقته في الإحساس بالحياة، فالمتلقي يخلق من هذه العناصر تأليفًا جديدًا يبث فيه أحاسيسه الذاتية بما يوحي به العمل مرتبطًا بأحد الوظائف السيكولوجية الأساسية كالتفكير والوجدان والإحساس والحدس، ويشعر المتلقي بإحساسه بالنقص لتكملة الأبعاد، والإحساس بالنقص أمر طبيعي عند الإنسان وهو بمثابة دافع يدفعه إلي تحقيق المزيد من الكمال وهو ما نحاول أن نعبر عنه بهذا العالم الذي صنعته أيدينا عالم هو في الحقيقة انعكاس لوجداننا وانفعالاتنا وانعكاس أيضًا للأفكار والغرائز داخل الشخصية الإنسانية من ثقافة وعقيدة منذ أن استخدم الإنسان اللغة ليقيم جسرًا بينه وبين الآخرين في محاولة للتواصل لمواجهة الصراع المجهول عما يجيش في عقله ووجدانه من قوي غير منظورة أو خيالية.
*اللوباريون هم أقوام بدائية متخلفة تعيش في المناطق الشمالية وفي الشرق الأقصى ويقول فيسيلوكي أنها القبائل التي عاشت على الصيد وتكونت منه ألعابهم
([39]) هربرت ريد، ص44.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق