الاثنين، 5 ديسمبر 2011

يوسف إدريس وصاحب السيدة العجوزة .. يتمشيان على بحيرة الفلسفة







أين يقف الإنسان من الكون .. فى المركز أم على الهامش؟ أيهما يدبر أمره .. قدر وإرادة أم الصدفة ؟ أين تقع الحقيقة وما هى حدودها التى يمكن الوصول إليها، وهل فى مقدور الإنسان أن يصل ليقين مطلق ويحيط بواقعه إذا تطورت أدواته أم سيظل الواقع يتسع أيضا فيتأبى عن يقين الإنسان ؟.. المسرح .. الأبطال .. يوسف إدريس ودورينمات .. عقلان كبيران يعملان معا فى هذا الحوار الفلسفى الخلاق الذى أداره كاتبنا الكبير يوسف إدريس مع المسرحى السويسرى الأشهر فريدريك دورينمات ..صاحب زيارة السيدة العجوز، هبط الملاك فى بابل ، وعلماء الطبيعة وغيرها من المسرحيات التى أثرت الخيال المسرحى العالمى ووضعت اسم دورينمات فى مصاف كتاب المسرح الأهم فى العالم.. الحوار أورده إدريس فى كتابه عزف منفرد .. 
........ 
د/يوسف :أستاذ دورنمات ..أنا شديد الإعجاب بمسرحك لسبب قد يخالفنى فيه الكثير من نقادك , فنقادك يشيدون بك لأنك أحللت الصدفة محل القدر الإغريقى القديم , وجعلت التفكير العقلانى فكرة فى أحيان كثيرة موجات من العبثية واللامفهومية , وفى مثل هذا الجو غير المعقول لا يمكن وجود الأبطال ويقولون أنك حطمت النظرة المنمقة المرئية للعالم المتمدين بما أدخلته عليها من النظرة النسبية للحقائق, وفى مكان البناء السليم المتكامل والقوانين الأخلاقية المطلقة, فى مكان هذا حلت بيروقراطية المجتمع الحديث لتضع رؤيا عينية للكون حيث يستحيل فيه الإنسان ومأساته إلى سخرة (فارس) اجتماعية .. نقادك يقدرونك لهذا .. ولكنى معجب بك لسبب آخر تماما .. 
دورنمات :أى سبب ..؟ 

د/يوسف : لأنك كمسرحى خالق لما أسمية الأسطورة الحديثة , فالواقع كما هو , أنت تعرف وأنا أعرف لا يصلح بذاته كمادة مسرحية , لابد من حيلة مسرحية يلجأ اليها كاتب المسرح ليجعل هذا الواقع إما أن ينقلب رأسا على عقب وإما أن يعتدل إذا كان مقلوبا لنستطيع أن نراه فى ضوء جديد تماما وبرؤيا جديدة تماما , فمثلا فى مسرحية زيارة السيدة العجوز أنت تريد أن تتحدث عما يحدثه العامل المادى فى النفوس البشرية وكيف يتسلط عليها ويغيرها ؟ غيرك كان يلجأ لعرض هذا الموضوع فى قالب درامى مهما بلغت درجة إتقانه فسوف يكون مباشرا, أنت اخترعت قصة السيدة التى غادرت القرية منبوذة من حبيبها والتى عادت إليها بعد أن أصبحت غنية جدا ورصدت مليون دولار لمن يقتل لها حبيبها السابق , هذه (الاختراعة ) المسرحية جعلتنا نرى الموضوع بطريقة مسرحية مثلى 
وجعلتنا نراه وكأننا لم نره من قبل مع أننا كنا نراه كل يوم , أردت لقاءك إذن ومناقشتك لأننا فى العالم العربى نعانى ككتاب مسرح (وأنا منهم ) لخلق هذه الاختراعات المسرحية المصرية والعربية الحديثة لنرى واقعنا وواقع العالم العربى على ضوئها . 
دورنمات : إنه لشىء غريب , ولكننا فى خلقنا للإسطورة الحديثة كما تسميها نجد أنفسنا فى النهاية وقد عدنا الى أساطير الأقدمين , الميثولوجيا الإغريقية مثلا , إن النظرة الكونية الشاملة الكاملة كانت منذ خمسين عاما مضت لا يمكن الوصول إليها على وجه الدقة , ولكننا الآن نستطيع أن نقول إننا نقف على أرضية نظرة كونية ثابتة . نحن لدينا اليوم فكرة شبه يقينية عن ماهية المادة 
د/ يوسف : إننى سعيد بسماع هذا .. فأنا أحتاج وأنا أكتب مسرحياتى إلى أن أقف على أرضية كونية ثابتة .. وحين كنت أكتب مسرحية لى اسمها 
"الفرافير " احتجت أن أعثر على قانون واحد يشمل كل مادة الكون من 
أصغر ذراتها والكتروناتها إلى أكبر مجراتها .. 
دورنمات : وهل وصلت إليه .. 
د/ يوسف: وصليت الى ماتفضلت وأسميته أنت ( شبه اليقين ) فبإمعان التفكير وصلت إلى أن المادة فى حالة نبض مستمر .. تتجاذب مكوناتها من مكونات الذرة الى مكونات المجرة وتظل تتجاذب إلى أن تصل إلى ما أسميته المسافة الحرجة لتبدأ قوى التجاذب تتحول فجأة إلى قوى تنافر منفجر هائل .. وهذا القانون يشمل حتى العلاقات البشرية من تقارب وحب ثم تنافر وتباعد ومن العلاقات داخل المجتمعات وبين الدول وهكذا 
دورنمات : وماذا دفعك للبحث عن ذلك القانون الجديد , أو لم تكفك القوانين الحالية لتفسير السلوك البشرى .. ؟ 
د/ يوسف : إن القوانين الحالية لعلم الطبيعة والكيمياء والبيولوجى والانثر وبيولوجى لم تكن لتسعفنى لتفسير العلاقة بين السيد والفرفور 
" نسبة إلى مسرحية الفرافير " . 
دورنمات : أنا لا أستطيع أن أناقشك فى تصورك عن هذا القانون الكونى الواحد ولكنى شخصيا أومن بقانون واحد آخر هو قانون الصدفة , إن العالم الذى نحيا فيه بما يحتويه من بشر ليس له قدر محتوم يسير إليه 
وينتهى بنهايته , ولهذا نحن لا يمكن أن نتنبأ بما سيحدث لهذا العالم غدا 
لأن العالم يسير بطريق الصدفة العشوائية , ولا يمكن التنبؤ على وجه الدقة بما سوف يحدث , فالأمر متروك لقانون الصدفة المحضة . 
د/ يوسف : هل تعتقد ياأستاذ دورنمات أن المسألة مجرد صدفة , حتى ولو كانت قانونا . 
دورنمات : نعم أنا أعتقد أن الحتمية – حتى التاريخية منها – قد استبدلت بالاحتمالية , بمجرد أن هناك احتمال أن يحدث هذا الشىء أو ذاك . 
د/ يوسف : ألا يمكن أن تكون الاحتمالية طريقا للحتمية , أو بالأصح هل من الممكن أن تؤدى الاحتمالية إلى الحتمية ..؟ 
بمعنى آخر الاحتمالية مهما كثرت فلها حدود , فهل يمكن أن تؤدى الاحتمالية فى النهاية الى الحتمية . 
دورنمات : لنعد إلى قانونك الذى تصورته عن الكون ( قانون النبض الكونى أو التجازب للتنافر ) أنا آخذ هذا القانون مأخذا علميا جادا أو بالأصح افتراضا علميا جادا , فمن المعروف أن الكون الآن فى حالة تمدد 
( حسب نظرية أينشتين ) أو ما نسميه مرحلة التنافر , فهل هناك قوة داخلية فيه تستطيع أن تبدأ مرحلة التجاذب ..؟ 
د/ يوسف : إنه لا يتحدد – حسب افتراضى – من تلقاء نفسه , إنه يتحدد لأنه بالضرورة ينجذب أو تنجذب أطرافه إلى أكوان بعيدة أخرى , بمعنى أن المادة الكونية كلها – من الذرات إلى المجرات – تتجاذب بنفس السرعة , بل وتقطع فى انجذابها نفس النسبة من المسافة إلى أن تصل الى النقطة الحرجة فتنفجر متنافرة ثم تعود لتتجاذب وهكذا . 
فالقوة أو القانون الأساسى ليس شيئا من خارج الكون .. ولكنه كامن داخله .. التجاذب للتنافر . 
دورنمات : إنه احتمال وارد , بل هو فى الحقيقة تفسيرنا نحن الكتاب أو افتراضاتنا عما يجرى داخل الكون ومادته , إن فكرة الكون نفسها هى تصورنا نحن عن الكون , إن فكرة جاليليو عن الكون كانت صحيحة فى عصرها تماما , ولكنه لم يكن يملك الأدوات أو الأجهزة التى تمكنه من اثباتها عمليا والتأكد من صحتها , وصحة أن المادة تدور فى حلقات وحول نفسها , ونحن الآن عائدون إلى تصورات أخرى عن الكون , وما الفن الا تجسيد لتصورنا نحن عن هذا التصور . 
د/ يوسف : لو أخذنا دورنمات حين بدأ يرسم ويكتب فى أوائل بداياته أعوام 43, 44, 45 , وأخذنا تصوره للكون .. 
هل تغير هذا التصور ...؟ 
دورنمات : أنا كنت أدرس الفلسفة , وكان اكتشافى للفليسوف نقطة تحول فى حياتى فقد كان صاحب نظرية التلقى وصاحب نظرية التفرقة بين التفكير والوجود , وصاحب الرأي القائل بأن الإنسان يفكر فى الكون مستعينا بالمفردات البشرية التى يراها ويحيا بها , وليس بالموجودات الحقيقية فى الكون بمعنى آخر هو لايرى ولا يدرك حقيقة الكون , ولكنه ( يتصوره ) على هيئة أشياء يراها من حوله . وهكذا وصل إلى أن التفكير الرياضى والحسابى هو أنقى أنواع التفكير فى الكون , فهى مجردات وأرقام ( والأرقام أيضا مجردات ) لاتحتك بالحقيقة من قريب أو بعيد , إن حقائق الطبيعة لايمكن تجسيدها إلا بالرموز الرياضية والرياضية فقط , 
وهذا فى حد ذاته يحدد تلك الحقائق الكونية تحديدا كبيرا .. 
إن الحرية الحقيقية هى فى إدراك محدودية القدرة البشرية على فهم الكون . 
د/ يوسف : نعم فلقد جعلت الصراع فى مسرحيتى بين رغبة الإنسان العارمة فى التحرر من النظام الكونى ( السيد) وبين قدرته المحدودة 
على الفكاك من أسر هذا النظام نفسه , إذ لو فك منه تماما لفقد صفة البشرية ونظام وجوده . 
دورنمات : ولكن النظام ليس خارج الإنسان , إنه داخل الإنسان نفسه . 
د/ يوسف : ولكن كنت أتحدث عن الوجود الإنسانى فى هيئة جماعة بشرية فالإنسان لايحيا بمفرده , ولا يوجد مكون من مكونات الكون بمفرده أيضا حتى الذرات توجد فى مجتمعات ولابد من نظام يحكم وجودها الجماعى . 
دورنمات : أنت تقول إن الإنسان لايمكن أن يعيش خارج نظامه الإنسانى وأن النظام لايمكن أن يعيش خارج الإنسان , فكيف عالجت هذه المعادلة المستحيلة ...؟ 
د/ يوسف : بالصراع حول من يكون السيد .. النظام ..أو .. الانسان .. 
د/ يوسف :إننى أعتبر أن الإنسان إنسان بقدر تمرده على نظام وجوده، بقدر قوة تمرده تكون قوته كإنسان , صحيح إنه تمرد ميئوس منه , إلا أن الاستسلام الكامل للنظام , لأى نظام موجود , هو الاستكانة , والسكون هو الموت . 
دورنمات : رغم أن أرسطو يقول إن الإنسان كائن سياسى , الا أننى أعتقد إن الانسان كائن (ذكرى – انثوى ) وأنا أرى أنك لم تتحدث عن الرجل والمرأة باعتبارهما النظام الاساسى للمجتمع البشرى . 
د/ يوسف : لو كان الرجل والمرأة وحدهما على سطح الكرة الأرضية لأصبح هذا هو النظام الإنسانى , ولكنهما لم يوجدا هكذا بمفردهما إلا فى قصة آدم وحواء , 
هما موجودان باستمرار داخل مجتمعات مثلهما مثل أدق الكائنات . 
دورنمات : ولكن هذا كما قلت لك مجرد تصورنا نحن لوجود المادة فى هذه المرحلة من إدراكنا العلمى , ولهذا فأنا أفضل النظرة الفلسفية لأنها تقوم على افتراض منطق للوجود , وهى فى نفس الوقت ليست حقيقة علمية , إنها خيال علمى واسع مثلها مثل الروايات والمسرحيات , مجرد افتراضات وليست حقيقة علمية ممكنا إثباتها بالميكروسكوب أو التليسكوب . 
د/ يوسف :أمعنى هذا أنك لاتعتقد أن هناك حقيقة موضوعية , حقيقية موجودة خارجنا ..؟ 
دورنمات :هناك حقيقة –هذا لاشك فيه – ولكننا لاندرك إلا جزء من تلك الحقيقة أىً تلك الأجزاء ندركها , هذا هو السؤال . بل انه مهما كان تفكيرنا حتى ولو كان تفكيرا عبثيا فنحن بالضرورة نمسك بجزء ولو ضئيلا من الحقيقة بالضبط كما لو كنا نمسك ببطارية كشافة نجول بها فى أنحاء غرفة مظلمة فلا نرى فى المرة الواحدة إلا أجزاء من محتويات الغرفة . 
د/ يوسف : أو كما يقولون عن النملة حين لايمكنها أبدا أن ترى الفيل كله .. إنها ترى نتوءات وأشياء بارزة وهضبات , انما لايمكن أن تدرك –أو حتى تتخيل اذا كان بإستطاعتها أن تتخيل – أن هذه كلها تشكل كائنا هائل الحجم حيا اسمه الفيل . 
ولهذا دعنى أسألك : ألا تعتقد أن الانسان كتلك النملة كما قلنا تكتسب كل يوم بتكنولوجيا تها واكتشافاتها وادراكاتها المتقدمة قدرات أكثر بكثير من حجمها الصغير , 
بحيث أنه من الممكن لهذه النملة أن تكبر تماما ويكبر خيالها وتكبر عيونها حتى تصل الى درجة تستطيع أن ترى الفيل فيلا فعلا . 
دورنمات : ممكن أن تكبر النملة فعلا وتكبر حواسها كما قلت , ولكن الفيل أيضا 
لن يظل كما هو , إنه هو الآخر لن يظل نفس الفيل , سيظل يكبر ويكبر . 
د/ يوسف : كما قلت لك ياأستاذ دورنمات , لقد قرأت بعض آراء النقاد عن مسرحك , ولكنى أنا شخصيا أعتقد أن أحد منهم لم يكتشف خاصيتك الأصيلة وهى قدرتك و طريقتك فى اختراع الفانتازيا والأسطورة العصرية لاختراق عالمنا الحالى بطريقة تعريه تماما , فهل أنت معى فى هذا وهل نستطيع أن نسمى مسرحك الفانتزيا " الخيالية " الحديثة . 
دورنمات : إن الفنتازيا جزء لايتجزء من التركيب "العقلانى " للإنسان , إن الخيال فى معظمه منطقى أيضا , إن الرياضة هى المعادل المتخيل الموجود للمنطق , ومع هذا فالرياضة أيضا فنتازيا لأنها تخيل للأشياء على هيئة أرقام أو رموز , انك فى الكتابة تحتاج إلى اكتشاف الرؤية المتخيلة الأولية سواء أكانت رؤية عظمى أو غير عظمى , ولكنها رؤية جديدة مختلفة . بعد هذا الكشف الأول تصبح عملية الكتابة للمسرح وكأنها لعبة شطرنج محسوبة خطواتها , ففى مسرحية مثل أوديب نجد الرؤية العظمى تهبط علينا على هيئة نبوءة من آلهة الأوليمب تقول له أنه سيقتل أباه ويتزوج أمه مثلا , ويريد أوديب أن يتجنب هذه النبوءة أو الرؤية فيتجنبها بواسطة خطوات منطقية محسوبة مسرحيا أو تراجيديا كما تحب أن تسميها , ثم نجد أننا قد وصلنا مع أوديب الى نقطة لاتخضع للحساب , لماذا يذهب الى تلك المدينة " طيبة " التى فيها أمه وأبوه على وجه التحديد , هذه المسألة تحدث صدفة إذ هنا لابد أن يعمل قانون الصدفة . 
د/ يوسف : ولماذا لا نسميه قانون القدر أو الحتم . 
دورنمات : لأنه من الممكن ببساطة أن يذهب الى مدينة أخرى , حتى لو أجريت عليه قوانين الحتمية كما نسميها , كان من الممكن أن يختار أقرب مدينة أو أجمل 
مدينة أو أشهر مدينة , أما أن يختار " طيبة " بالذات فهذا أمر لايمكن أن تحكمه 
إلا الصدفة والصدفة وحدها . 
د/ يوسف : إنه أمر فى رأيى لم يحكمه قانون الصدفة , ولكن حكمته إرادة المؤلف 
المسرحى الإغريقى الذى كتب أوديب الأولى . 
دورنمات : إن هذا الكاتب أيضا لم يكن يحكم نفسه وهو "يؤلف " هذه الصدفة . 
د/ يوسف :إذن أنت معى أن هناك قوة أو دافعا أكبر من الصدفة هو الذى جعله يختار هذا الأختيار . 
دورنمارت : ولكنه اختيار يفرضه العمل الفنى المسرحى . 
د/ يوسف : ولكن الفن المسرحى ليس فى حد ذاته قوة تستطيع أن تفرض قوانينها 
أو مسارها . 
دورنمات :فى الحقيقة أننا نحن الكتاب لانعرف القوانين التى تحكم خلقنا للشخصيات والأحداث . 
د/ يوسف : والمصادفات 
دورنمات : والمصادفات 
د/ يوسف : ماذا عنك أنت , ألم تحاول أن تتعرف على طريقتك التى بواسطتها تختار الأشخاص والأحداث والمصادفات . 
دورنمات : سأقول لك شيئا عن مسرحيتى " علماء الطبيعة " وهى مسرحية فى مفهومها العام تقول إن بعض علماء الطبيعة الألمان ادعوا الجنون ولجأوا إلى مصحة أمراض عقلية خوفا من أن تنتزع منهم المعلومات عن القنبلة الذرية ويستعملها هتلر فى إبادة الجنس غير الآرى كله – إن العلماء الأمريكان وصلوا مثلا إلى اكتشاف القنبلة الذرية لأنهم كانوا تعتقدون أن العلماء الألمان سبقوهم الى اكتشافها , هكذا كان اينشتين الذى كان قد هاجر الى امريكا وأبو القنبلة الذرية أوبنهيمر وغيرهما وصحيح كان هناك تجمع كبير من علماء الطبيعة النووية الألمان فى ألمانيا ولكنهم لم يكن فى نيتهم أن ينتجوا قنبلة ذرية أبدا ..وأن هتلر لم يكن يحفل كثيرا بجهود العلماء فى الحرب وكان يسميهم اليهود البيض لأنهم كانوا فى معظمهم من تلاميذ وأتباع اينشتين اليهودى .. 
فى مسرحيتى "علماء الطبيعة " يلجأ أحد أبطالها لمصحة الأمراض العقلية لأنه يعرف خطورة المعلومات التى اكتشفها ووصل اليها , وماذا يمكن أن يصنع بها هتلر وعصابته .؟ لقد تجنب ماأراد تجنبه بإدعاء الجنون ودخول المصحة , ولكنه فى المصحة يقع بين يدي طبيبة المصحة المتحمسة للنظام بنفس الطريقه التى يقع فيها "أوديب " بالصدفة فى يد أمه " طيبه " وهذا هو مايمكن أن نسميه "بالقدر"الذى لايمكن للإنسان أن يتجنبه . 
د/ يوسف : يسعدنى هذا الحديث تماما , فقد كنت أرى انتاجك وأنا أقرؤه وأشاهده 
مجرد نصوص مسرحية رائعة أرى واجهتها الخارجية فقط أما الآن فأنا أرى دورنمات الكاتب , دورنمات الداخلى وهو يعمل وكيف يبدع فكرته , أراه حتى وهو يحرك أبطاله بطريقى ميكانيكية رياضية محسوبة مقدما كلعبة الشطرنج , ولكن لتسمح لى أن أختلف معك فالأبطال ليسوا أشياء تخضع تماما لقوانين الرياضة والحساب ,إنى أعتقد أنك تقلل من قيمة أبطالك بهذا الحديث .إنى أراهم كائنات حية نابضة , أكثر حياة ربما من البشر العاديين , وهذا هو بالضبط المسرح ,إننا لانسمى الشخصية المسرحية "بطلا " عبثا إنه بطل لأنه من المحتم قطعا أن يكون غير عادى حتى ولو كان رجل شارع , أو على الأقل تكون عاديته غير عادية تماما . 
دورنمات :هذا طبيعى جدا ,إن الأبطال المسرحيين مجرد نظريات على الورق تتحول الى كائنات حية على المسرح , وهذا عمل كاتب المسرح . 
د/يوسف :أم عمل المخرج ..؟ 
دورنمات :أرجوك لا تذكرنى بالنجوم والمخرجين , إن تدهور المسرح الألمانى سببه ارتفاع تكاليف الإنتاج المسرحى من ناحية ومن ناحية أهم هؤلاء المخرجون النجوم فكل مخرج منهم يريد أن يكون هو "نجم " العرض المسرحى , وأن يحبس الجمهور رغم عدم ظهوره أنه هو النجم وهذا بالطبع لايحدث إلا على حساب المسرحية والممثلين . 
إنى أقصد أن أقول إن النص المسرحى يبدوا كانظرية على الورق ولكن الكاتب المسرحى الحقيقى هو الذى يكتب بتصوًر أنه هو الذى سيخرج المسرحية وهكذا ينبض النص بالحياة على المسرح. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق