سؤال بات الملايين في بر مصر يطرحونه بقوة, وهو هل الاستقرار السلطوي في ظل نظام الرئيس السابق مبارك أفضل من الموقف الراهن بعد الثورة, الذي يتسم بالانفلات الأمني غير المسبوق والمظاهرات والاعتصامات التي لا تنتهي, والمليونيات التي تعددت أسماؤها؟
تحتاج الإجابة علي هذا السؤال الذي يتردد كثيرا علي صفحات الإنترنت وفي مواقع الفيس بوك وعلي شفاه الجماهير في كل مكان, إلي تحليل دقيق لظاهرة انتهازية النخبة السياسية وغوغائية الشارع!
ولكن قبل أن نجيب, لابد أن نؤكد منذ البداية أننا كنا مع عديد من المثقفين النقديين والناشطين السياسيين ضد الاستقرار الشكلي في عهد مبارك, والذي لم يتحقق إلا عن طريق القهر السياسي وباستخدام الجهاز الأمني, الذي لم يتوان عن قمع المعارضين وعقاب المحتجين من أصحاب المطالب المشروعة, وكل ذلك في سياق اتسم بالخرق الفاضح لحقوق الإنسان.
والدليل علي معارضتنا وغيرنا من المثقفين علي هذا الاستقرار السياسي الهش, والذي كان في الواقع يخفي بركة فساد متسعة باتساع الوطن, ويكشف عن احتكار مقيت للسلطة, وإن كان قد رفع شعارات الديمقراطية, إننا كتبنا مقالة في الأهرام قررنا فيها بالنص هذه مرحلة من مراحل تاريخ مصر وصلت إلي منتهاها! بمعني أنه لابد من القيام بإصلاحات سياسية جذرية تبدأ بإلغاء حالة الطوارئ, وإيقاف عملية حصار الأحزاب السياسية المعارضة, وتتقدم نحو صياغة دستور جديد يحقق الحريات السياسية لمختلف الأطياف الإيديولوجية بدون إقصاء أي فصيل, وصياغة رؤية إستراتيجية لمصر يقوم علي تنفيذها أكثر العقول المصرية إبداعا, وكبار المتخصصين في كل الفروع, بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
والسؤال هنا لماذا تطرح الجماهير هذا السؤال الذي أثرناه, والذي يتجه إلي الحكم بأن ما قبل الثورة بالرغم من مثالبه وسيئاته أفضل بكثير مما حدث بعد الثورة؟
والإجابة تكمن في أن غياب القيادة المحددة لثورة25 يناير أدي في النهاية للأسف الشديد- إلي تشرذم قوي شباب الثورة, وانقسامها إلي مئات الائتلافات, وفشلهم في تقديم رؤية مستقبلية لمصر, مما أدي بالقوي السياسية التقليدية وخصوصا الإخوان المسلمين والتيارات السلفية, إلي أن تسيطر علي المشهد وتحشد ألوف البشر في ميدان التحرير في مليونيات تعددت أسماؤها وتكاثرت شعاراتها, والهدف منها في الواقع هو تخريب المسار السياسي بعد ثورة25 يناير!
وهذا المسار السياسي الذي اجتهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة في رسم خطوطه بالاستعانة بمستشارين متعددين كان متعثرا في الواقع. وهذا التعثر ساعد عليه غياب التوافق السياسي بين النخبة علي كيفية إدارة المرحلة الانتقالية من الديكتاتورية إلي الديمقراطية.
وأدارت هذه النخبة السياسية التي تشكلت بعد الثورة من ائتلافات الثوار وأحزاب المعارضة القديمة والإخوان المسلمين والسلفيين وعشرات من الأحزاب الجديدة, حوارا عقيما حول هل الدستور أولا أم الانتخابات أولا؟
وبعد أن استقر الرأي علي إجراء الانتخابات وتنفست الجماهير الصعداء لعبور الأزمة وقرب الوصول إلي أول خطوة من خطوات الديمقراطية المبتغاة, قامت خلافات شتي حول وثيقة الدكتور السلمي التي حاولت أن تحدد القواعد الحاكمة للدستور. وأخطر من ذلك حشدت عديد من القوي السياسية جماهيرها للمطالبة بتسليم المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة في أقرب وقت إلي سلطة مدنية. وبالغت بعض الدعوات حين طالبت بتشكيل مجلس انتقالي من المدنيين, وعودة العسكر إلي الثكنات. ولو تحقق هذا في غيبة أي وفاق سياسي لأدي حتما إلي خراب البلاد!
وقد ظهرت انتهازية النخبة في سلوكها في مجال الاتفاقات الخاصة بالقوائم الحزبية, وأصبح الدفاع عن الاتجاه السياسي لكل فصيل ليس هو القضية, ولكن كيف يمكن بأي وسيلة حتي لو كان ذلك ضد المبادئ السياسية المعلنة- الحصول علي أكبر عدد من مقاعد مجلس الشعب القادم.
وأخطر من ذلك كله النفاق المفضوح الذي تمارسه الفصائل المختلفة للنخبة السياسية لشباب الثوار, والتشدق بشعارات الثورة, في الوقت الذي يجبن فيه زعماء هذه الفصائل عن نقد السلوك المعيب بل والتخريبي الذي يمارسه بعض شباب الثوار, وخصوصا في مجال رفع مطالبات يستحيل تحقيقها, أو في مجال الهجوم المطلق علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة والدعوة إلي إزالته بالكامل من المشهد السياسي, بدون التوضيح اللازم عن السلطة البديلة, وبغير الإشارة إلي احتمالات الفوضي العارمة التي يمكن أن تنشأ, نظرا لغياب سلطة مركزية لديها القدرة علي ردع المخربين الذين يسعون إلي تقويض أسس الدولة المصرية. ليس ذلك فقط بل إن النخبة الثقافية والسياسية لم تستطع أن تقوم بدورها في نقد غوغائية الشارع, والتي تمثلت في الهجوم علي قوات الأمن وحرق سيارات الشرطة والاعتداء علي أقسام الشرطة, وتخريب الممتلكات العامة والخاصة, وكل ذلك يتم زورا وبهتانا باسم الثورة.
مع أن هذا النقد أصبح ضروريا بعد أن تكشفت مخططات بعض القوي السياسية لتفكيك الدولة, من خلال حشد ملايين الجماهير وإذكاء طاقات العنف الكامنة لديها نتيجة احباطات متعددة سببها ولا شك هو السياسات المنحرفة لنظام الرئيس السابق مبارك.
وهذه الطاقات الهائلة للعنف أصبحت تعبر عنها ليست جماهير الثورة من الشباب الذين أشعلوا شعلة ثورة25 يناير فقط, ولكن مئات الآلاف من الشباب المحبطين الذين يعانون من البطالة ومن القهر الاجتماعي بكل صوره.
وهكذا أصبحت الحشود الجماهيرية التي تملأ ميدان التحرير وغيره من الميادين تضم بالإضافة إلي شباب الثوار, مئات الآلاف من سكان الأحياء العشوائية الذين أصبحت ممارسة العنف الشديد ضد سلطات الدولة هو أسلوبهم في الحياة, تعبيرا عن تمردهم علي أوضاعهم البائسة.
غير أن أخطر ما في الظواهر الفوضوية التي تتم تحت شعار المليونيات الثورية هو إذكاء روح العداء المطلق بين المتظاهرين ورجال الأمن, وخلق فجوة تتسع باستمرار بين الطرفين, وكأن هناك ثأرا لابد من تنفيذ أحكامه.
وقد جبنت القوي السياسية علي اختلاف مشاربها في النقد العلني الصريح لغوغائية الشارع, التي باتت تهدد أمن المواطنين, وتسهم في خراب البلاد من خلال تقويض أركان الدولة.
ويشهد علي كل ذلك ما يدور في ميدان التحرير حيث تغلق الطرق, وتوقف حركة سير السيارات في أحد مفاصل العاصمة الكبري, وأخطر من ذلك الاعتداء علي الممتلكات العامة, ومحاولة الزحف إلي مقر وزارة الداخلية لاقتحامه, كل ذلك والزعامات السياسية مشغولة بالانتخابات التي تسعي التيارات الدينية للسيطرة المطلقة عليها, لتأسيس حكم ديكتاتوري جديد باسم الدين هذه المرة!
بين انتهازية النخبة السياسية وجبن النخبة الثقافية وغوغائية الشارع, يمكن أن تضيع مصر!
ولكن قبل أن نجيب, لابد أن نؤكد منذ البداية أننا كنا مع عديد من المثقفين النقديين والناشطين السياسيين ضد الاستقرار الشكلي في عهد مبارك, والذي لم يتحقق إلا عن طريق القهر السياسي وباستخدام الجهاز الأمني, الذي لم يتوان عن قمع المعارضين وعقاب المحتجين من أصحاب المطالب المشروعة, وكل ذلك في سياق اتسم بالخرق الفاضح لحقوق الإنسان.
والدليل علي معارضتنا وغيرنا من المثقفين علي هذا الاستقرار السياسي الهش, والذي كان في الواقع يخفي بركة فساد متسعة باتساع الوطن, ويكشف عن احتكار مقيت للسلطة, وإن كان قد رفع شعارات الديمقراطية, إننا كتبنا مقالة في الأهرام قررنا فيها بالنص هذه مرحلة من مراحل تاريخ مصر وصلت إلي منتهاها! بمعني أنه لابد من القيام بإصلاحات سياسية جذرية تبدأ بإلغاء حالة الطوارئ, وإيقاف عملية حصار الأحزاب السياسية المعارضة, وتتقدم نحو صياغة دستور جديد يحقق الحريات السياسية لمختلف الأطياف الإيديولوجية بدون إقصاء أي فصيل, وصياغة رؤية إستراتيجية لمصر يقوم علي تنفيذها أكثر العقول المصرية إبداعا, وكبار المتخصصين في كل الفروع, بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
والسؤال هنا لماذا تطرح الجماهير هذا السؤال الذي أثرناه, والذي يتجه إلي الحكم بأن ما قبل الثورة بالرغم من مثالبه وسيئاته أفضل بكثير مما حدث بعد الثورة؟
والإجابة تكمن في أن غياب القيادة المحددة لثورة25 يناير أدي في النهاية للأسف الشديد- إلي تشرذم قوي شباب الثورة, وانقسامها إلي مئات الائتلافات, وفشلهم في تقديم رؤية مستقبلية لمصر, مما أدي بالقوي السياسية التقليدية وخصوصا الإخوان المسلمين والتيارات السلفية, إلي أن تسيطر علي المشهد وتحشد ألوف البشر في ميدان التحرير في مليونيات تعددت أسماؤها وتكاثرت شعاراتها, والهدف منها في الواقع هو تخريب المسار السياسي بعد ثورة25 يناير!
وهذا المسار السياسي الذي اجتهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة في رسم خطوطه بالاستعانة بمستشارين متعددين كان متعثرا في الواقع. وهذا التعثر ساعد عليه غياب التوافق السياسي بين النخبة علي كيفية إدارة المرحلة الانتقالية من الديكتاتورية إلي الديمقراطية.
وأدارت هذه النخبة السياسية التي تشكلت بعد الثورة من ائتلافات الثوار وأحزاب المعارضة القديمة والإخوان المسلمين والسلفيين وعشرات من الأحزاب الجديدة, حوارا عقيما حول هل الدستور أولا أم الانتخابات أولا؟
وبعد أن استقر الرأي علي إجراء الانتخابات وتنفست الجماهير الصعداء لعبور الأزمة وقرب الوصول إلي أول خطوة من خطوات الديمقراطية المبتغاة, قامت خلافات شتي حول وثيقة الدكتور السلمي التي حاولت أن تحدد القواعد الحاكمة للدستور. وأخطر من ذلك حشدت عديد من القوي السياسية جماهيرها للمطالبة بتسليم المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة في أقرب وقت إلي سلطة مدنية. وبالغت بعض الدعوات حين طالبت بتشكيل مجلس انتقالي من المدنيين, وعودة العسكر إلي الثكنات. ولو تحقق هذا في غيبة أي وفاق سياسي لأدي حتما إلي خراب البلاد!
وقد ظهرت انتهازية النخبة في سلوكها في مجال الاتفاقات الخاصة بالقوائم الحزبية, وأصبح الدفاع عن الاتجاه السياسي لكل فصيل ليس هو القضية, ولكن كيف يمكن بأي وسيلة حتي لو كان ذلك ضد المبادئ السياسية المعلنة- الحصول علي أكبر عدد من مقاعد مجلس الشعب القادم.
وأخطر من ذلك كله النفاق المفضوح الذي تمارسه الفصائل المختلفة للنخبة السياسية لشباب الثوار, والتشدق بشعارات الثورة, في الوقت الذي يجبن فيه زعماء هذه الفصائل عن نقد السلوك المعيب بل والتخريبي الذي يمارسه بعض شباب الثوار, وخصوصا في مجال رفع مطالبات يستحيل تحقيقها, أو في مجال الهجوم المطلق علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة والدعوة إلي إزالته بالكامل من المشهد السياسي, بدون التوضيح اللازم عن السلطة البديلة, وبغير الإشارة إلي احتمالات الفوضي العارمة التي يمكن أن تنشأ, نظرا لغياب سلطة مركزية لديها القدرة علي ردع المخربين الذين يسعون إلي تقويض أسس الدولة المصرية. ليس ذلك فقط بل إن النخبة الثقافية والسياسية لم تستطع أن تقوم بدورها في نقد غوغائية الشارع, والتي تمثلت في الهجوم علي قوات الأمن وحرق سيارات الشرطة والاعتداء علي أقسام الشرطة, وتخريب الممتلكات العامة والخاصة, وكل ذلك يتم زورا وبهتانا باسم الثورة.
مع أن هذا النقد أصبح ضروريا بعد أن تكشفت مخططات بعض القوي السياسية لتفكيك الدولة, من خلال حشد ملايين الجماهير وإذكاء طاقات العنف الكامنة لديها نتيجة احباطات متعددة سببها ولا شك هو السياسات المنحرفة لنظام الرئيس السابق مبارك.
وهذه الطاقات الهائلة للعنف أصبحت تعبر عنها ليست جماهير الثورة من الشباب الذين أشعلوا شعلة ثورة25 يناير فقط, ولكن مئات الآلاف من الشباب المحبطين الذين يعانون من البطالة ومن القهر الاجتماعي بكل صوره.
وهكذا أصبحت الحشود الجماهيرية التي تملأ ميدان التحرير وغيره من الميادين تضم بالإضافة إلي شباب الثوار, مئات الآلاف من سكان الأحياء العشوائية الذين أصبحت ممارسة العنف الشديد ضد سلطات الدولة هو أسلوبهم في الحياة, تعبيرا عن تمردهم علي أوضاعهم البائسة.
غير أن أخطر ما في الظواهر الفوضوية التي تتم تحت شعار المليونيات الثورية هو إذكاء روح العداء المطلق بين المتظاهرين ورجال الأمن, وخلق فجوة تتسع باستمرار بين الطرفين, وكأن هناك ثأرا لابد من تنفيذ أحكامه.
وقد جبنت القوي السياسية علي اختلاف مشاربها في النقد العلني الصريح لغوغائية الشارع, التي باتت تهدد أمن المواطنين, وتسهم في خراب البلاد من خلال تقويض أركان الدولة.
ويشهد علي كل ذلك ما يدور في ميدان التحرير حيث تغلق الطرق, وتوقف حركة سير السيارات في أحد مفاصل العاصمة الكبري, وأخطر من ذلك الاعتداء علي الممتلكات العامة, ومحاولة الزحف إلي مقر وزارة الداخلية لاقتحامه, كل ذلك والزعامات السياسية مشغولة بالانتخابات التي تسعي التيارات الدينية للسيطرة المطلقة عليها, لتأسيس حكم ديكتاتوري جديد باسم الدين هذه المرة!
بين انتهازية النخبة السياسية وجبن النخبة الثقافية وغوغائية الشارع, يمكن أن تضيع مصر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق