الجمعة، 6 أبريل 2012

الانتخابات الرئاسية بين الهرولة وعقدة الزعامة‏!‏ بقلم: السيد يسين



يبدو المشهد السياسي في القاهرة هذه الأيام مثيرا غاية الإثارة‏,‏ بعد أن فتح رسميا باب الترشح لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية‏.‏
وهذه أول مرة تنظم فيها انتخابات حرة حقا لمنصب رئيس الجمهورية, بعد التعديلات الدستورية التي أجريت في عهد الرئيس السابق, والتي ألغت نظام الاستفتاء وحولت نظام الانتخاب ليكون تنافسيا وفقا لشروط محددة حددها القانون.
غير أن هذه الشروط كانت تعجيزية حقا, لمنع مرشحين حقيقيين للمنافسة الحرة مع الرئيس, الذي ظل جاثما علي صدر الشعب المصري ثلاثين عاما كاملة!
وجرت انتخابات الرئيس عام2005 ولكنها كانت في الواقع تمثيلية سخيفة غير متقنة الصنع, لأنها كشفت عن أن النظام السلطوي- بالرغم من دعاوي قبوله التحول الديمقراطي التدريجي- مصمم علي عدم احترام مبدأ تداول السلطة.
وأسوأ من هذا أنه كانت هناك خطة شريرة لكي يرث الابن أباه في رئاسة الجمهورية. وهكذا يتحول النظام الجمهوري إلي نظام ملكي يتم فيه توارث العرش, بغير سند من الدستور أو القانون.
والملمح الأساسي للمشهد السياسي بعد فتح باب الترشح رسميا لمنصب رئيس الجمهورية يتمثل في بروز حالة من الهرولة الشديدة, أقدم عليها عشرات المواطنين الذين تزاحموا بالمناكب للحصول علي استمارات الترشح للمنصب الرفيع!
وحتي نكون موضوعيين حقا ونحن نشير إلي هذه الظاهرة السياسية الفريدة والتي تتمثل في أن ما يزيد علي مائتي شخص من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية تدافعوا للترشح, فيمكن القول أن هذه الظاهرة إحدي النتائج المبهرة لثورة25 يناير!
فلأول مرة تشعر جماهير الشعب المصري بملايينه المتعددة أنه ليس هناك ما يحول بين أي فرد منهم مهما كان مواطنا بسيطا وليست لديه أي خبرة سياسية أو حتي إدارية- من أن يتقدم بكل ثبات وجسارة لكي يرشح نفسه لأرفع منصب سياسي في البلاد.
غير أن السلبيات البارزة لهذه الهرولة السياسية غير العقلانية هو بروز النقص الفادح في الثقافة السياسية لعشرات الذين تقدموا للترشح.
ولو كانت لديهم ثقافة سياسية حقيقية لما أقدموا بهذا التهور علي الترشح, وخصوصا أن قائمة المرشحين المحتملين للرئاسة فيها شخصيات قومية مرموقة لها تاريخ, ويتضمن أيضا رموزا سياسية محترمة, تمتلك التاريخ النضالي, ومارست من قبل المعارضة الجسورة للنظام السلطوي السابق, وبعض هذه الشخصيات لها خبرة في قيادة وإدارة مرافق شتي, أكسبتهم ولا شك في ذلك معرفة متراكمة تصلح أساسا متينا للبناء عليها في ممارسة مهام منصب رئيس الجمهورية.
ويندهش المرء من فرط سذاجة العشرات ممن تقدموا للترشح, والتي برزت في التصريحات التي أحلوا بها وهم يبررون لماذا أقدموا علي هذه الخطوة, أو ما هي آراؤهم ولا نقول برامجهم- في حل المشكلات الجسيمة التي تواجه المجتمع المصري في الوقت الراهن.
وقد استمعت إلي أسباب إقدام ترشح بعضهم واندهشت من تفاهة الأسباب! قال أحدهم إنه كشف عن صفقة اللوحات المعدنية التي أعدتها وزارة الداخلية وما شابها من فساد ولذلك قرر أن يرشح نفسه! ولم أفهم العلاقة بين هذا العمل المجيد الذي قام به هذا المواطن وبين جدارته في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
غير أن ما أضحكني حقا وإن كان ضحكا أشبه بالبكاء- تصريح لأحد المرشحين المحتملين وهو طبيب يدير مستشفي لجراحات التجميل, وهو الذي أجري عملية تجميل لأنف عضو مجلس الشعب السلفي الذي ادعي كذبا أنه تم الاعتداء الجنائي عليه بغرض اغتياله, وسرق منه فوق البيعة- مائة ألف جنيه!
وتقدم هذا الطبيب بشهادته والتي دحض فيها دعاوي عضو مجلس الشعب الكاذب, وبعد ذلك عقد مؤتمرا صحفيا قرر فيه بكل خفة أنه سيرشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية!
تري ما العلاقة بين جراح التجميل ومنصب الرئيس المرتقب!
وهكذا يمكن القول إن المشهد السياسي يوم فتح الباب للترشح كان أشبه- كما ذكر بخفة دم بالغة- أحد المعلقين علي شبكة الإنترنت بمهرجان الرئاسة للجميع!
بمعني من يستحق ومن لا يستحق حتي ولو كان نكرة سياسية اندفع للوقوف في طابور المرشحين المحتملين, مع أن بعضهم لن يجد عشرة مواطنين يزكونه مع أن المطلوب ثلاثين ألف صوت من خمس عشرة محافظة بحيث لا يقل عدد المزكين عن ألف من كل محافظة!
ومعني ذلك أنه حين يقترب موعد الانتخابات الفعلية ستختفي أسماء العشرات من هؤلاء, ولن يبقي في الساحة إلا عدد لا يمكن أن يزيد علي عشرة مرشحين علي الأكثر!
أما الملمح الثاني من ملامح المشهد السياسي في مصر فهو تحكم عقدة الزعامة لدي بعض المرشحين المحتملين, مع أن بعضهم رجال دولة أو شخصيات سياسية مرموقة, مما كان جديرا بحمايتهم من الانزلاق إلي الأنوية السياسية!.
والسؤال الرئيسي الذي نجح الإعلام المصري عن طريقه في استدراج هؤلاء المحتملين للإجابة عليه هو:
ما هو أول قرار ستتخذه حين تصبح رئيسا للجمهورية؟
قال مرشح محتمل- وإن كان انسحب من السباق احتجاجا علي تلوث المناخ السياسي كما زعم- أن أول قرار سيتخذه هو أن يعقد أول مؤتمر صحفي له في إسطبل عنتر, وهي منطقة عشوائية شديدة التخلف حتي يثبت للعشوائيين أنه يحس بهم! يا للسذاجة!
وقال آخر عميق الخبرة أول قرار هو أنني سأعفو عن جميع السجناء من أهل سيناء المتهمين في قضايا سياسية! تأمل معي أيها القارئ هذا العدوان المخطط علي سيادة القانون!
ونفس هذا المرشح المحتمل أخذته عقدة الزعامة إلي آخر المدي فقال بصورة عنترية مفضوحة لن أعفو عن مبارك لو صدر عليه حكم!
وقال مرشح محتمل آخر أول قرار سأتخذه هو أن أمنع مد الغاز إلي إسرائيل طبقا للاتفاق الذي أبرم في عهد النظام السابق!
واندفع مرشح محتمل آخر زاعما أن أول قرار سيتخذه هو إلغاء اتفاقية كامب دافيد!
وقال مرشح محتمل يتسم بالاتزان- غير أن المنافسة الشرسة أفقدته هذا الاتزان- أنه سيعيد الأمن إلي المجتمع في مدة لن تزيد عن مائة يوم!
وهكذا أثبت هؤلاء المرشحون المحتملون, ومن بينهم شخصيات لها خبرة, أنهم لم يفهموا إطلاقا دلالة ثورة25 يناير, والتي قضت بضربة واحدة علي الأنوية السياسية والتي كانت تتمثل في الزعيم الملهم, أو توجيهات الرئيس الذي يأخذ قراراته منفردا بدون استشارة المجالس النيابية أو الهيئات القضائية أو مجلس الأمن القومي!
وخلاصة المشهد السياسي للمرشحين المحتملين أنهم في الواقع حاصروا الشعب المصري بالهرولة السياسية الحمقاء من ناحية, وبعقدة الزعامة من ناحية أخري!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق