الجمعة، 6 أبريل 2012

النقد السياسي في العصر السلطوي‏!‏ بقلم: السيد يسين


في يوم‏23‏ يناير المقبل سيتم افتتاح مجلس الشعب الجديد الذي يمثل برلمان الثورة‏,‏ بحكم أنه أحد إنجازاتها الباهرة‏.‏ فلأول مرة في التاريخ المصري الحديث تتم انتخابات نزيهة وشفافة اجتمع عليها ملايين المصريين‏,‏ تأكيدا لقيم الديمقراطية التي تحض علي المشاركة السياسية الإيجابية والفعالة في مجال الترشح والتصويت‏.‏
ويمكن القول إن الحس الديمقراطي السليم لابد أن يدفع الي القبول بنتيجة صندوق الانتخابات, بغض النظر عن الأحزاب التي فازت بأغلبية المقاعد وهي حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي, بالإضافة الي أحزاب أخري مثلت في البرلمان.
وبعد23 يناير سيأتي يوم25 يناير يوم الثورة التاريخي, والذي سيتم الاحتفال به بصور متنوعة, وبحسب اختيارات القوي السياسية المتعددة.
وهو يوم يستحق أن نقف أمامه بالتحليل العميق لكي نؤكد علي مجموعة من الحقائق التاريخية البالغة الأهمية.
فثورة25 يناير التي بدأت كمظاهرة احتجاجية ضد قمع وظلم النظام السياسي السابق سرعان ما تحولت الي ثورة شعبية, بحكم انضمام ملايين المصريين لها في ميدان التحرير وفي غيره من الميادين.
غير أن هذه الثورة لم تكن في الحقيقة فقط من صنع شباب الثورة علي شبكات الانترنت والفيس بوك, بل لقد كانت ذروة تراكم حركات المعارضة الراديكالية, والحركات الاحتجاجية والاضرابات العمالية, والنقد السياسي الذي مارسه المثقفون النقديون ضد النظام السياسي القديم مطالبين بتغييره تغيرات بشكل جوهري.
وبمناسبة قدوم يوم25 يناير أردت أن استرجع ما كتبته من قبل وبالتحديد في17 مارس2005, أي قبل اشتعال الثورة بست سنوات كاملة في مقالي الأسبوعي الذي ينشر كل خميس منذ أكثر من عشرين عاما.
عنوان هذا المقال القديم كان إعادة اختراع السياسة.
وفي مقالنا المذكور استعرضت تاريخيا التراث السلبي لهيمنة الفكر الواحد وسيطرة الأمر الواقع, وقدمت مجموعة من المقترحات لتعديل النظام السلطوي الي نظام ديمقراطي حقيقي, وقد قررت بالحرف أنه في تقديرنا لايمكن للإصلاح السياسي في مصر أو في غيرها من البلاد العربية أن يبدأ بجدية إلا إذا تم التخلص نهائيا من التراث السلبي للفكر الواحد الذي يعتقد أصحابه أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة! ولذلك هم لا يأبهون كثيرا بالآراء المخالفة أو بالتيارات السياسية الأخري التي تطرح رؤي بديلة للسياسات القائمة.
إن التعددية لا تعني فقط التعددية الحزبية مطلقة كانت أو مقيدة, ولكنها تعني في المقام الأول التعددية الايديولوجية والفكرية, والتي ـ في اطار الدستور والقانون ـ ينبغي أن تمارس بأقصي درجة من الحرية والمسئولية, حتي تعرض الرؤي المختلفة, والاجتهادات المتعددة للأحزاب السياسية والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والجامعات, وتعرض علي جموع الشعب للمفاضلة الحرة بينها.
بعبارة أخري نحن نحتاج الي اقامة أكبر حوار ديمقراطي بين مختلف التيارات السياسية المصرية من أقصي اليمين الي أقصي اليسار, من أجل تشخيص المشكلات, والاتفاق ما أمكن علي استراتيجيات التنمية الشاملة والمستدامة, التي من شأنها أن يعبر بها المجتمع من التخلف الي التقدم.
ومن هنا يمكن القول إن التعديلات الدستورية مهما تكن تفصيلاتها تحتاج الي اعادة اختراع السياسية في المقام الأول, حتي تبرز فاعليتها الحقيقية وتأتي بمردودها الديمقراطي المأمول.
ونقصد بذلك ضرورة رفع القيود العديدة التي وضعت أمام المواطنين لكيلا يعبروا بحرية عن أنفسهم ويقتضي ذلك إزالة مختلف المعوقات أمام حرية الحركة, من أول إلغاء العمل بقانون الطوارئ وإلغاء القوانين الاستثنائية, وضمان أن يهتم كل مواطن بالسياسة بدون أن يخشي عقابا من أي نوع كان, بالاضافة الي جذب الشباب مرة أخري الي ميدان المشاركة السياسية, ومواجهة اللامبالاة السائدة بين المواطنين بالشأن العام.
وفي هذا المجال لابد أن يكون شغل بعض المناصب كالمحافظين بالانتخاب, وكذلك العودة الي انتخاب العمداء في الجامعات, وإتاحة الفرصة لمختلف الأحزاب أن تشارك في المجالس المحلية, وفتح الطريق أمام الكفاءات أيا كانت انتماءاتها الحزبية لكي تتولي المناصب العامة.
نحن في الواقع في حاجة الي حملة ثقافية واسعة المدي لإعادة تعليم الناس الاهتمام بالسياسة والمشاركة الإيجابية في صنع السياسات وفي مراقبة تطبيقها.
غير أن كل ما ذكرناه لايمكن ان يتم الا اذا أخذت النخبة السياسية الحاكمة قرارا استراتيجيا بضرورة تغيير الأمر الواقع, والتخلي عن الشعارات الخادعة التي تذهب الي أنه ليس في الإمكان أبدع مما هو قائم!
هناك ضرورة لممارسة النقد الذاتي يقوم به كل الأطراف في الحزب الوطني الديمقراطي( حزب الأغلبية) وباقي الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمثقفين, وفي هذا النقد الذاتي لا يكفي الاعتراف بالأخطاء, وإنما لابد من اعطائها التكييف الصحيح, ومفهوم الأمر الواقع ـ كما بيننا من قبل ـ هو مفهوم سياسي يستعان به في بسط هيمنة سياسية مرفوضة.
ومن هنا لايجوز للحزب الوطني الديمقراطي أن يسير علي الأمر الواقع من خلال فرض فكره الواحد, بدون أن يتفاعل بشكل إيجابي وخلاق مع الأفكار الأخري المطروحة, والتي قد تتضمن اجتهادات ورؤي تفوق في فاعليتها لحل المشكلات مايدعو اليه ويتبناه.
وإذا كان هناك حوار يجري بين الحزب الوطني الديمقراطي وغيره من الأحزاب, فلا يجوز ان يقتصر علي قضايا الإصلاح السياسي وإنما لابد له من خلاص من التأثيرات السلبية للفكر الواحد, وأن يتطرق الحوار الي كل مشكلات التنمية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لقد آن الآوان ـ علي صعيد العالم العربي كله ـ ألا تنفرد نخبة سياسية حاكمة صغيرة العدد, ومهما يكن النظام السياسي الذي تعمل في ظله ملكيا كان أو جمهوريا, بوضع السياسات المتنوعة بعيدا عن الحوار الديمقراطي الواسع مع مراكز التفكير في المجتمع, ومع مؤسسات المجتمع المدني المتنوعة.
وفي هذا الاطار لابد من اعادة الحيوية للمجتمع السياسي العربي بعد أن تم تأميم السياسة لمصلحة الحزب السياسي الواحد مرة, ومن أجل الحكام العرب العباقرة والملهمين مرة أخري, وفي سبيل دوام الأنظمة العربية المستبدة مرة ثالثة.
إن النظام السياسي العربي الذي لن يجيد قراءة أبجدية الديمقراطية العالمية, ولن يفهم التغييرات الكبري التي لحقت ببنية المجتمع العالمي, فإنه يحكم علي نفسه بالتدهور الحتمي!
هكذا كتبت عام2005 باعتباري مثقفا نقديا, مارست مع غيري من المثقفين نقد السلطوية كنظام سياسي في مصر وفي العالم العربي.
وكأن هذه الكتابة المبكرة كانت نبوءة باندلاع ثورات الربيع العربي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق