الجمعة، 6 أبريل 2012

مخاطر الهيمنة السياسية علي الممارسة الديمقراطية بقلم: السيد يسين



كنت ومازلت من أشد المعارضين لخلط الدين بالسياسة‏,‏ ولذلك كنت أرفض عبارة الحزب السياسي بمرجعية إسلامية‏.‏
وذلك علي أساس أنه في أي نظام ديموقراطي المرجعية لجميع المؤسسات السياسية بما فيها الأحزاب السياسية ينبغي أن تكون دستورية, ولا تستند إلي إطار مرجعي ديني إسلاميا كان أو مسيحيا.
وقد بنيت وجهة نظري علي أساس الدراسة المقارنة للنظم السياسية التي خلطت الممارسة الديموقراطية بالتوجهات الدينية, والتي قد تكون في بعض الأحيان متطرفة سواء في منحاها السياسي, أو في محاولتها فرض تفسيرات دينية متشددة بناء علي استخدام آلية القياس الخاطئ والتأويل المنحرف للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة
وفي تقديري أنه من الأخطاء الجسيمة التي شابت إجراءات المرحلة الانتقالية السماح بتشكيل أحزاب بمرجعية دينية, سواء في ذلك حزب الحرية والعدالة أو حزب النور السلفي. ومع ذلك وإيمانا منا بالديموقراطية قبلنا بغير تحفظ نتيجة انتخابات مجلس الشعب التي أدت إلي حصول حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي علي الأكثرية في مجلس الشعب, ثم بعد ذلك علي غالبية المقاعد في مجلس الشوري.
وقد ميزنا منذ البداية بوضوح شديد بين آليات الديموقراطية التي تتمثل أساسا في الانتخابات الشفافة والنزيهة, وبين قيم الديموقراطية التي تتركز علي إعلاء مبدأ تداول السلطة, وعدم احتكار العملية السياسية, واتباع منهج التوافق السياسي بين جميع الفصائل السياسية, والقبول بالحلول الوسط من خلال الحوار الفعال الذي يعلي مصلحة المجتمع علي أي مصلحة لحزب معين أو لفصيل سياسي بالذات, أيا كان توجهه الإيديولوجي. وبناء علي كل هذه المقدمات رحبت بخطاب الدكتور محمد المرسي رئيس حزب الحرية والعدالة, لأنني وجدته يركز بشكل جيد علي قيم الديموقراطية ويؤكد حرص حزبه علي التوافق السياسي, وكذلك كان خطاب الدكتور الكتاتني رئيس مجلس الشعب الذي افتتح به ممارسته منصبه المهم يسير في الاتجاه نفسه.
غير أن حزب الحرية والعدالة سرعان ما انزلق إلي مواقف تبدو فيها رغبته العارمة في ممارسة الهيمنة السياسية علي مجمل الفضاء السياسي المصري. وهذا اتجاه في منتهي الخطورة علي مستقبل الديموقراطية في مصر. وقد لفت نظر المحللين السياسيين الهجوم العاصف الذي وجهه حزب الحرية والعدالة لخطاب الدكتور الجنزوري أمام مجلس الشعب, وصرح قادته بأنهم سيشرعون في إجراءات سحب الثقة من الوزارة, وأنهم جاهزون لتشكيل وزارة يسيطر عليها الحزب بزعم أنه حزب الأغلبية.
والواقع أن هذا الاتجاه الذي يكشف عن رغبة مبيتة في الهيمنة السياسية من شأنه أن يعصف بالاستقرار المطلوب في الفترة الحرجة المقبلة, والتي ينتظر فيها تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور وانتخاب رئيس الجمهورية, وتسليم المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة في آخر يونيو المقبل. ثم تجلت هذه النزعة للهيمنة في مناداة قادة حزب الحرية والعدالة بأن تتشكل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور من أربعين عضوا من أعضاء مجلسي الشعب والشوري, ودخل حزب النور السلفي في المزايدة وطالب بأن يكون العدد ستين عضوا علي الأقل! والواقع أن هناك اعتراضات جدية من قبل عديد من القوي الليبرالية والأحزاب السياسية بصدد أن تمثل المجالس النيابية بهذه الأعداد, مما يكفل للأحزاب الدينية السيطرة علي عملية صياغة الدستور, وتضمينه موادا ومبادئ تعكس توجهاتها, حتي ولو كانت مضادة للإرادة الشعبية.
بل إن الرأي المعارض يذهب إلي أن إشراك أعضاء المجالس النيابية في وضع الدستور بدعة لا أساس لها في أي نظام ديموقراطي, وأنه من الأفضل أن تتشكل اللجنة من ممثلين لمختلف الأطياف السياسية, والفئات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني, والخبراء القانونيين, وممثلي النقابات المهنية والعمالية.
ومازالت المعركة دائرة حول تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور.
وما نريد أن نؤكده أن هذه النزعة للهيمنة السياسية ستضر أول ما تضر حزب الحرية والعدالة من ناحية, وحزب النور السلفي من ناحية أخري.
وذلك لسبب بسيط ومهم في الوقت نفسه, وهو أن مشكلات مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الجسامة والخطورة بحيث لا يستطيع أي حزب سياسي ولو كانت معه الأكثرية في المجالس النيابية أن يواجهها بحلول فعالة, تشبع حاجة ملايين المصريين للعيش الكريم والحرية وتكفل الكرامة الإنسانية وهي الشعارات الأساسية لثورة25 يناير. ولن يقبل الشعب المصري علي وجه الإطلاق شعار الإسلام هو الحل لأنه- كما أكدنا أكثر من مرة- شعار فارغ من المضمون. إن مهمة البرلمان بمجلسيه وضع رؤية استراتيجية بعيدة لمصر في ضوء قراءة دقيقة لتحولات النظام العالمي, وآثار العولمة الاقتصادية. وهذه الرؤية التي ينبغي أن تضع الخطط الاستراتيجية للتنمية المصرية المستدامة في الأعوام العشرين المقبلة, لا يجوز إطلاقا لفصيل سياسي واحد أن ينفرد بوضعها. وذلك لأنها في الواقع عملية مجتمعية, بمعني ضرورة مشاركة المجتمع كله بأحزابه ومؤسساته المدنية ونقاباته, بالإضافة إلي المثقفين والمفكرين والخبراء وأساتذة الجامعات ومراكز الأبحاث في وضع ملامحها الرئيسية, وذلك بناء علي دراسات متعمقة تعتمد علي المنهج المقارن, وتجيد تشخيص المشكلات المصرية, وتضع من الحلول ما هو كفيل بإشباع الحاجات الأساسية لملايين المصريين. وأيا ما كان الأمر فإن المواقف السياسية الأخيرة للأحزاب الدينية كشفت بما لا يدع مجالا للشك من خطورة خلط الدين بالسياسية.
وليس أدل علي ذلك من المناقشات التي دارت في لجنتي الخطة والموازنة برئاسة المهندس سعد الحسيني, والتي شهدت جدلا حول كيفية إصدار قانون التمويل بالصكوك الإسلامية. وفي هذا الصدد أكد طارق عامر رئيس البنك الأهلي كما نشرت جريدة اليوم السابع في29 فبراير الماضي- أنه لا يوجد ما يسمي بصك إسلامي وصك غير إسلامي, ومن يستثمر في الصكوك يبحث عن العائد وليس من أجل دخول الجنة! وقد أعرب عن تخوفه من أن تعطي ديانة للمنتج المالي خوفا من فشله فينسب الفشل للدين. ومن جانبه دعا أشرف الشرقاوي رئيس هيئة الرقابة المالية للابتعاد عن المسميات الدينية, وقال ساخرا إن الصك الإسلامي لا يتكلم ولا يقول لا إله إلا الله, وأضاف: أرفض عبارة صندوق الاستثمار الإسلامي حتي لا نجد غدا صندوق الاستثمار البوذي أو المجوسي, وما نريده هو ما يتفق مع الشريعة الإسلامية دون مسميات. ولابد لي أن أحيي الشجاعة الأدبية لهؤلاء الخبراء الاقتصاديين الذين لم يتوانوا عن نقد الأوهام الدينية الخاصة بالاقتصاد الإسلامي مما من شأنه أن يضر بالاقتصاد المصري, خصوصا أنه يشتبك في كل تعاملاته مع النظام الدولي الاقتصادي, الذي لا ينطلق إطلاقا من توجهات دينية أيا كانت.
والخلاصة أننا- فيما يبدو علي شفا نزعة الأحزاب الدينية لممارسة الهيمنة السياسية المطلقة, وهي بذلك تدخل نفسها من حيث لا تدري في نفق مظلم لن تخرج منه إلا وقد لقيت الهزيمة الكاملة, لأن سلوكها يعني عدم اعتدادها بالإرادة الشعبية الحقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق