الجمعة، 6 أبريل 2012

ثورة أصيلة وتحديات جسيمة‏!‏ بقلم: السيد يسين



مرة أخري تغريني التعليقات الثرية ـ التي طرحها قرائي الكرام علي مقالي الماضي ثورات الشباب في السياق العالمي‏(‏ المنشور في‏26‏ يناير‏2012)‏ ـ بألا أستكمل بعض الأفكار التي أردت إبرازها للحديث عن الثورة الثقافية العالمية لتفسير قيام ثورة‏25‏ يناير‏.‏
ويمكن القول إن القراء قد أضافوا إضافات بالغة القيمة فيما يتعلق بأصالة الثورة وبواعث قيامها وأبعادها المختلفة, والتحديات التي تواجهها, وكيف يمكن الوصول إلي حلول ناجحة لمشكلات مرحلة التحول القلقة تمهيدا لبناء المجتمع الديموقراطي الجديد.
وهناك إجماع بين القراء علي أن ثورة25 يناير ثورة أصيلة, بمعني أنها وإن اشتركت مع ثورات شبابية أخري حدثت في العالم, إلا أن لها خصائصها الفارقة, بمعني أنها لم تكن محض محاكاة لما حدث من انتفاضات جماهيرية في بلاد أخري.
وذلك لأنها قامت نتيجة لسيادة الظلم والقهر والتمييز والسطوة والفساد, والتي تركت آثارها السلبية ليس علي الشباب فقط, بل علي كل فرد من أفراد المجتمع المصري. كما جاء في تعليق( أ. توفيق, وفتحي خلف), ويضيف د. علي فرج أن الغرض من الثورات هو العدل ويتطلب تحقيقه إنشاء مؤسسات, ويحتاج إلي وقت حتي يتجسد علي أرض الواقع.
ولعل هذه الملاحظة المهمة تشير إلي خطورة استعجال شباب الثورة تحقيق مطلب العدالة الاجتماعية, وكأنها يمكن أن تتحقق في شهور معدودة, مع أنها تحتاج إلي إعادة صياغة أنساق المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية حتي تتحقق بالفعل.
ويشير ماهر زريق إشارة مهمة إلي حركة الثقافة المضادةCounterCulture التي قامت في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الحرب في فيتنام وللمطالبة بحقوق الإنسان للأقليات.
والواقع أن أهمية حركة الثقافة المضادة ترد إلي أسباب أعمق كثيرا من مجرد الاعتراض علي النزعة الإمبريالية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها العدوانية إزاء بلاد عديدة.
و ذلك لأنها مثلت التمرد الشبابي علي قيم الثقافة التقليدية المتوارثة منذ أجيال, والتي كانت تحض أساسا علي الخضوع للسلطة سواء كانت سلطة أبوية أو سلطة سياسية, وفق نسق محافظ وتقليدي للقيم الاجتماعية, يفرض قيم الكبار فرضا علي أجيال الشباب, ولا يتيح لهم مناقشة شرعيتها ومعقوليتها ومدي تناسبها مع روح العصر.
ويلفت كمال مالك نظرنا إلي مشكلة بالغة الأهمية, وهي كيف ينظر الحاكم إلي السلطة. ويقول هناك من الحكام من يتمسك بها إلي آخر المدي ويعاند ويرفض التنازل عنها, وهناك من يستجيب للمطالب الشعبية كما فعل الجنرال ديجول حين كان رئيسا للجمهورية الفرنسية وواجه بشجاعة ثورة الطلبة عام.1968 وهناك حاكم حين تقع واقعة الثورة يهرب بكل جبن من البلاد بدلا من ممارسة شجاعة المواجهة مثل بن علي رئيس تونس السابق, وهناك حكام يراوغون تشبثا بالسلطة مثل عبد الله صالح رئيس اليمن, وهناك من يكابرون مثل الرئيس بشار الأسد.
والواقع أن أهمية هذه الملاحظات أنها تثير أهمية ودراسة موضوع السلطة من الناحية الفلسفية والسياسية, وهو ما لم يتطرق إليه المفكرون العرب كثيرا اللهم إلا إذا استثنينا الكتاب المهم للفيلسوف اللبناني ناصيف نصار عن منطق السلطة.
أما الدكتور أحمد الجيوشي فقد قام بتصنيف لأنواع الثورات وطرق معالجتها. وهو يري أن الثورات تقوم لعدة أسباب, منها ما هو نابع من الإحساس بالظلم الطبيعي والمجتمعي بصفة عامة, ومنها ما هو مدفوع بأهداف أيديولوجية, ومنها ما هو مدفوع بمخطط ومصالح بعض القوي الدولية. ومنها ـ وهذا ما ينطبق تماما علي ثورة25 يناير ـ ما يكون نتيجة لتلاقح الثقافات بسبب الانفجار المعرفي والعولمة الثقافية وثورة الاتصالات.
غير أن هذا السبب الأخير ـ بالرغم من أهميته من ناحية آليات الثورة- فإنه لا يمكن أن يؤثر علي الطابع الأصيل لثورة25 يناير, والتي كانت احتجاجا صارخا ضد القهر السياسي والفساد المعمم الذي ساد في عصر الرئيس السابق مبارك.
وهذه السمات الخاصة بالثورة في كل قطر تتعلق بمدي التطور الديمقراطي الذي وصل إليه النظام السياسي, ووجود أو غياب مشروع قومي قادر علي تجميع أطياف الشعب المختلفة حول أهدافه, وحشد طاقات الشباب لتحقيقه.
وفي تقديرنا أن هذه الإشارة إلي المشروع القومي بالغة الأهمية, قد سبق أن رددها كتاب عديدون باعتبارها أحد مظاهر أزمة المجتمع المصري.
غير أنني منذ سنوات تخليت عن استخدام هذا المفهوم, وفضلت أن أستخدم تعبير الرؤية الاستراتيجية والتي حلت كمفهوم إجرائي محل مفهوم المشروع القومي.
وذلك لأن المشروع القومي كمفهوم يوحي بمشروع حضاري طويل المدي يحتاج تنفيذه إلي عقود ممتدة من السنين, في حين أن الرؤية الاستراتيجية كما هي مستخدمة بل ومطبقة في عديد من البلاد تقتصر علي رسم ملامح الخريطة المستقبلية لبلد ما في الأعوام العشرين المقبلة.
وهكذا رأينا الوثيقة الأمريكية الشهيرة العالم20/20, وكذلك الوثيقة الماليزية بل وهنا وثيقة إسرائيلية منشورة باسم إسرائيل20/20, أي ملامح إسرائيل السياسية والاقتصادية في الأعوام العشرين المقبلة.
لقد طالبنا من قبل الثورة في عديد من المقالات بأهمية صياغة رؤية استراتيجية لمصر لا ينفرد بوضعها الحزب الوطني الحاكم لأن صياغتها- بحسب التعريف- عملية مجتمعية, ينبغي أن تشترك في وضعها جميع, التيارات السياسية, بالإضافة إلي الخبراء والجامعات ومراكز الأبحاث.
ولعل هذه مناسبة مواتية لكي أؤكد هذا المطلب القديم, والذي واجهنا به مباشرة القيادات السياسية للنظام السابق, ولكن هذه القيادات التي كانت غارقة في سوء استخدام السلطة والتمتع بثمار الفساد المحرم, أصمت آذانها عن سماع صوت العقل النقدي.
ومن ناحية أخري هناك آراء رشيدة لعدد من القراء أكدت أن الثورة ليست من صنع الشباب فقط الذين أشعلوا فتيلها, ولكن شاركت في الإعداد لها أجيال متعددة مارست النضال السياسي والنقد الاجتماعي المسئول ضد زعامات النظام السابق.
وتنبغي الإشارة إلي تحذير بعض التعليقات( هشام الخميسي) بأن شعار الثورة مستمرة قد يؤدي إلي سلبيات واضحة, خصوصا بعد استكمال المسيرة الديمقراطية ووضع دستور وانتخاب رئيس للجمهورية, مما قد يؤدي بها إلي أن تكون ثورة بلا سبب, بمعني افتقادها للدوافع المشروعة.
ويمكن لنا في النهاية أن نختم تحليلنا لتعليقات القراء الكرام باقتباس من الدكتور منصور حسن عبد الرحمن وهو يقرر أن الثورة الحقيقية هي بناء نظام جديد بثوابته وتوجهاته السياسية والاجتماعية والأيديولوجية.
بعبارة أخري بعد أن نستكمل هدم النظام القديم علينا أن نشرع علي الفور في بناء النظام الجديد, لتحقيق الأهداف النبيلة للثورة, وهي العيش والحرية والكرامة الإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق