لانبالغ لو قلنا ان موضوع العولمة والمعرفة سيكون موضوع اهتمام العلماء والمفكرين في العقود المقبلة, ويرد ذلك لسبب بسيط مؤداه ان العولمة بحكم تعريفها, الذي يتمثل في سرعة تدفق المعلومات والافكار ورءوس الاموال والسلع والخدمات من بلد إلي آخر بغير حدود ولاقيود, قد فتحت الفضاء المعلوماتي علي مصراعيه امام تدفق المعلومات وتراكم المعرفة.
وتدفق المعلومات السياسية والاقتصادية والثقافية عبر شبكة الانترنت, هو أول ملمح من ملامح مجتمع المعلومات العالمي, غير ان المشكلة تتمثل في ان المعلومات بذاتها بحكم تناثرها ومشكلات ثباتها وصدقها وموضوعيتها, لاتمثل معرفة, لأن المعرفة هي جماع التفكير التحليلي والنقدي القادر علي صياغة البني المعرفية المترابطة, وتشبيك المعلومات للوصول إلي استبصارات حقيقية بمشكلات الواقع في الوقت الحاضر, وإلي استشرافات دقيقة بآفاق المستقبل.
وإذا كان تحول المعلومات إلي معرفة هو التحدي الأكبر امام مستخدمي ثورة الاتصالات وشبكة الانترنت, فإن الخطوة التالية في التطور تتمثل في الانتقال من نموذج مجتمع المعلومات إلي نموذج مجتمع المعرفة.
ومجتمع المعرفة ـ بحسب التعريف ـ لايمكن ان يقوم بغير ترسيخ قواعد اقتصاد المعرفة, الذي تتمثل نظريته الاساسية في تحويل المعرفة بكل انواعها إلي سلع يمكن تداولها, وهذا المجتمع الجديد لايمكن له ان ينهض بغير تشجيع الابداع بكل صوره, وتدعيم البحث العلمي الاصيل والمترابط, وفق استراتيجية بحثية تفيد من شبكة الانترنت في مجال التواصل بين العلماء, وتداول نتائج الابحاث العلمية المحققة في اسرع وقت, مما يسمح بتسريع وتيرة التراكم المعرفي العالمي.
لقد تحدثنا من قبل عن السياق التاريخي الذي تعيش الانسانية في رحابه وعنينا به سيادة عصر العولمة, إلا اننا ربطناه ربطا وثيقا بالسباق الحضاري, حيث تحاول الأمم المختلفة الاندفاع في مضمار التقدم, لاكتساب المعرفة التي علي اساسها يمكن تطوير المجتمعات وجعلها أكثر قدرة علي اشباع حاجات الانسان المادية والروحية.
وقد اثرنا سؤالا جوهريا صاغه الدكتور نبيل علي في كتابه الذي صدر حديثا وعنوانه العقل العربي ومجتمع المعرفة وهو هل العرب قادرون علي خوض السباق الحضاري؟ وكانت اجابته قاطعة, وهي اننا كعرب قادرون علي ذلك لو حشدنا الطاقات الخلاقة التي تزخر بها مجتمعاتنا العربية, وفق استراتيجية متكاملة تقوم علي اساس الفهم العميق لتحولات المجتمع العالمي, وأكثر من ذلك معرفة منطق كل تحول من هذه التحولات واتجاهاته المستقبلية.
وفي هذا السياق يمكن القول ان الجماعة العلمية العربية شرعت في تأصيل المعرفة الخاصة بمجتمع المعلومات, وتقدم الخبراء والمفكرين في كل تخصصات العلم الاجتماعي لكي يعبروا عن ادراكاتهم العلمية لمختلف جوانب عصر العولمة, وابرزها التفاعلات العميقة والمتنوعة التي تدور في الفضاء المعلوماتي لشبكة الانترنت, ومن ابرز الدراسات العربية في هذا المجال كتب ومقالات نبيل علي المتنوعة والتي تتسم بشمول النظرة وبموسوعية الثقافة التي سمحت له بتقديم رؤي متكاملة لمجتمع المعلومات, تربط بين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.
كما ان مركز دراسات الوحدة العربية نشر عدة كتب مهمة في هذا المجال ابرزها رسالة الدكتوراه للباحث الليبي الدكتور علي محمد رحومة وعنوانها الانترنت والمنظومة التكنواجتماعية وهي دراسة سوسيولوجية متعمقة راجع الكتاب الصادر عام2005 في سلسلة اطروحات الدكتوراه التي ينشرها هذا المركز العريق.
وهنا ايضا كتاب العرب وثورة المعلومات الذي حرر فصوله عدد من ألمع الباحثين العرب الصادر عام2005 عن المركز, وكذلك مجموعة دراسات مهداة إلي ذكري الدكتور اسامة امين الخولي نشرت عام2002 وشارك فيها مجموعة من ابرز الباحثين وحررها نادر فرجاني هذه مجرد امثلة بارزة علي الدراسات العربية التي عنيت بتناول مختلف جوانب ثورة المعلومات.
والسؤال الذي ينبغي اثارته الآن, هل استوعب الباحثون والمفكرون العرب الادراكات الغربية المختلفة تجاه ثورة المعلومات, وهل ابدعوا في هذا المجال نظرياتهم الخاصة أم قنعوا بإعادة انتاج ما قرأوه في التراث الفكري الغربي؟ يمكن القول ـ بقدر ما من التعميم ـ ان المفكرين العرب استوعبوا إلي حد كبير اسهام المفكر الغربي بمختلف توجهاته في مجال ثورة المعلومات, وان كان في بعض الاحيان يتمثل ذلك في إعادة انتاجه, بدلا من تحليله بصورة نقدية تمهيدا لصياغة عربية اصيلة ان صح التعبير.
وقد يكون من بين أمثلة الاستيعاب النقدي البصير للفكر الغربي في موضوع ثورة المعلومات, مقالة مهمة للمفكر المصري العربي الراحل د. اسامة الخولي, القي محتواها كمحاضرة في منتدي البحرين الفكري في5 حزيران يونيو2000 ونشرت من بعد في كتاب العرب وثورة المعلومات الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام2005.
وترد أهمية هذه المقالة التي نشرت بعنوان تكنولوجيا المعلومات بين التهوين والتهويل إلي انه حاول فيها مؤلفها ان يصنف مختلف الادراكات الغربية لثورة المعلومات في ثلاثة نماذج اساسية.
النموذج الأول يعبر عنه مشروع الالفيةmillenniumprogeet الذي نشر ملفا خاصا عام1999 عن الفضاء السيبيري المعلوماتي والذي يؤكد فيه ان هذا الفضاء اصبح وسطا جديدا مهما للحضارة الانسانية, وهو يتطور لكي يصبح العقل العالمي والجهاز العصبي للبشرية.
ويعتبر تقرير هذا المشروع ان شبكة الانترنت تعدنا باتاحة فرص متساوية للغني والفقر, وهي واحدة من اقوي آليات التغيير في العالم, كما ان اساليب الاتصال التفاعلي تحفز التعاون, بعكس سبل التواصل القديمة الوحيدة الاتجاه, من المرسل علي المتلقي, والتي تنحو نحو تكريس الصراع والمواجهة, ان الانترنت توزع الآن ثروة المعلومات بطريقة أكثر ديمقراطية من النظم السابقة.
والدكتور الخولي يقدم لنا هذا النموذج باعتباره يعبر عن اتجاه التهويل في تقييم الدور الذي ستلعبه شبكة الانترنت في الحياة الانسانية.
وبالتالي فيمكن القول إنه اتجاه يقدم رؤية تفاؤلية عن دور الإنترنت.
اما النموذج الثاني الذي يصدر عن رؤية تشاؤمية فيعبر عنه فرانسيس فوكوياما المفكر الأمريكي صاحب كتاب نهاية التاريخ الذي راج في كل انحاء العالم, وهو رؤية مضادة تماما للنموذج الأول فهو في كتابه الاضطراب العظيم يرصد الانهيار العظيم في الدول المتقدمة وخصوصا في مجال انهيار العلاقات والروابط الاجتماعية نتيجة ثورة المعلومات, وهو يري انه لابد من صياغة جديدة للنظام الاجتماعي, لان الطبقة البشرية لن تقبل ان تعيش في ظل قيم وممارسات عصر ما بعد الصناعة, وذلك لان حرية الاختيار التي اتي بها انفجار المعلومات قد عرضت الهياكل السياسية والاجتماعية لضغوط لاعهد له بها, وهكذا ازدادت معدلات الجريمة, وتراجعت معدلات الزواج والانجاب, وانهارت العلاقات الاسرية واصبحت مدن كثيرة تعيش في ترف مادي غير آمنة.
بعبارة اخري نشأت هوة تزداد عمقا بين الافراد بعضهم ببعض وبينهم وبين الحكومات ويرجع ذلك إلي ثورة المعلومات.
ونصل للنموذج الثالث والاخير والذي يطرح بدقة مجموعة تساؤلات مهمة تعكس غياب اليقين بالفوائد المطلقة لثورة المعلومات التي اتجه لها النموذج الأول, وعدم الثقة في الرؤية التشاؤمية التي يعكسها النموذج الثاني.
ومن بين هذه التساؤلات المهمة: هل ستدعم شبكة الانترنت الاستقلال الذاتي للفرد ازاء المجتمع ام ستحد من خصوصيته؟
وهل ستقوي استقلاله الاقتصادي ام ستزيد من سلطة الشركات الكبري عليه؟
وهل سيقدر لشبكات الانترنت التي اصبحت الآن ميدانا للمضاربات والمخاطر البقاء أم انها معرضة لأن تختفي من الوجود؟
وهل من الانسب ألا نصدر الآن احكاما قاطعة ـ كما يقول د. الخولي ـ وان ننتظر حتي يكتمل التحام تكنولوجيات الانترنت والتليفزيون والمذياع والهاتف وتحقيق معايير السوق للبقاء؟
لو تأملنا محاولة الدكتور اسامة الخولي لتصنيف الادراكات الاساسية في الفكر الغربي لثورة المعلومات, والتي تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم والمساءلة, لادركنا انها تتماثل تماما مع الادراكات العالمية ازاء ظاهرة العولمة ذاتها والتي هي اشمل بالقطع من شبكة الانترنت.
وقد سبق لنا ـ في دراساتنا المتعددة عن العولمة ـ ان رصدنا نفس الاتجاهات الثلاث المتشائمة, والتي لاتري في العولمة سوي المرحلة الأعلي في تاريخ الامبريالية الغربية, والمتفائلة التي تزعم ان العولمة تمثل المفتاح السحري للتقدم الانساني المطرد, والمتسائلة التي لاتندفع نحو الاجابات, وانما تطرح الأسئلة المهمة أولا عن طبيعة الظاهرة واتجاهاتها المستقبلية.
والواقع ان الادراكات العربية للعولمة لاتختلف اطلاقا عن الادراكات الغربية.
وايا ما كان الأمر فيمكن القول ان عصر إعادة انتاج الفكر الغربي في الموضوع قد انتهي, واننا ـ بناء علي نماذج محددة ـ بدأنا الدخول في عصر الابداع العربي في مجال دراسة وتحليل مختلف جوانب ثورة المعلومات.
وإذا كان تحول المعلومات إلي معرفة هو التحدي الأكبر امام مستخدمي ثورة الاتصالات وشبكة الانترنت, فإن الخطوة التالية في التطور تتمثل في الانتقال من نموذج مجتمع المعلومات إلي نموذج مجتمع المعرفة.
ومجتمع المعرفة ـ بحسب التعريف ـ لايمكن ان يقوم بغير ترسيخ قواعد اقتصاد المعرفة, الذي تتمثل نظريته الاساسية في تحويل المعرفة بكل انواعها إلي سلع يمكن تداولها, وهذا المجتمع الجديد لايمكن له ان ينهض بغير تشجيع الابداع بكل صوره, وتدعيم البحث العلمي الاصيل والمترابط, وفق استراتيجية بحثية تفيد من شبكة الانترنت في مجال التواصل بين العلماء, وتداول نتائج الابحاث العلمية المحققة في اسرع وقت, مما يسمح بتسريع وتيرة التراكم المعرفي العالمي.
لقد تحدثنا من قبل عن السياق التاريخي الذي تعيش الانسانية في رحابه وعنينا به سيادة عصر العولمة, إلا اننا ربطناه ربطا وثيقا بالسباق الحضاري, حيث تحاول الأمم المختلفة الاندفاع في مضمار التقدم, لاكتساب المعرفة التي علي اساسها يمكن تطوير المجتمعات وجعلها أكثر قدرة علي اشباع حاجات الانسان المادية والروحية.
وقد اثرنا سؤالا جوهريا صاغه الدكتور نبيل علي في كتابه الذي صدر حديثا وعنوانه العقل العربي ومجتمع المعرفة وهو هل العرب قادرون علي خوض السباق الحضاري؟ وكانت اجابته قاطعة, وهي اننا كعرب قادرون علي ذلك لو حشدنا الطاقات الخلاقة التي تزخر بها مجتمعاتنا العربية, وفق استراتيجية متكاملة تقوم علي اساس الفهم العميق لتحولات المجتمع العالمي, وأكثر من ذلك معرفة منطق كل تحول من هذه التحولات واتجاهاته المستقبلية.
وفي هذا السياق يمكن القول ان الجماعة العلمية العربية شرعت في تأصيل المعرفة الخاصة بمجتمع المعلومات, وتقدم الخبراء والمفكرين في كل تخصصات العلم الاجتماعي لكي يعبروا عن ادراكاتهم العلمية لمختلف جوانب عصر العولمة, وابرزها التفاعلات العميقة والمتنوعة التي تدور في الفضاء المعلوماتي لشبكة الانترنت, ومن ابرز الدراسات العربية في هذا المجال كتب ومقالات نبيل علي المتنوعة والتي تتسم بشمول النظرة وبموسوعية الثقافة التي سمحت له بتقديم رؤي متكاملة لمجتمع المعلومات, تربط بين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.
كما ان مركز دراسات الوحدة العربية نشر عدة كتب مهمة في هذا المجال ابرزها رسالة الدكتوراه للباحث الليبي الدكتور علي محمد رحومة وعنوانها الانترنت والمنظومة التكنواجتماعية وهي دراسة سوسيولوجية متعمقة راجع الكتاب الصادر عام2005 في سلسلة اطروحات الدكتوراه التي ينشرها هذا المركز العريق.
وهنا ايضا كتاب العرب وثورة المعلومات الذي حرر فصوله عدد من ألمع الباحثين العرب الصادر عام2005 عن المركز, وكذلك مجموعة دراسات مهداة إلي ذكري الدكتور اسامة امين الخولي نشرت عام2002 وشارك فيها مجموعة من ابرز الباحثين وحررها نادر فرجاني هذه مجرد امثلة بارزة علي الدراسات العربية التي عنيت بتناول مختلف جوانب ثورة المعلومات.
والسؤال الذي ينبغي اثارته الآن, هل استوعب الباحثون والمفكرون العرب الادراكات الغربية المختلفة تجاه ثورة المعلومات, وهل ابدعوا في هذا المجال نظرياتهم الخاصة أم قنعوا بإعادة انتاج ما قرأوه في التراث الفكري الغربي؟ يمكن القول ـ بقدر ما من التعميم ـ ان المفكرين العرب استوعبوا إلي حد كبير اسهام المفكر الغربي بمختلف توجهاته في مجال ثورة المعلومات, وان كان في بعض الاحيان يتمثل ذلك في إعادة انتاجه, بدلا من تحليله بصورة نقدية تمهيدا لصياغة عربية اصيلة ان صح التعبير.
وقد يكون من بين أمثلة الاستيعاب النقدي البصير للفكر الغربي في موضوع ثورة المعلومات, مقالة مهمة للمفكر المصري العربي الراحل د. اسامة الخولي, القي محتواها كمحاضرة في منتدي البحرين الفكري في5 حزيران يونيو2000 ونشرت من بعد في كتاب العرب وثورة المعلومات الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام2005.
وترد أهمية هذه المقالة التي نشرت بعنوان تكنولوجيا المعلومات بين التهوين والتهويل إلي انه حاول فيها مؤلفها ان يصنف مختلف الادراكات الغربية لثورة المعلومات في ثلاثة نماذج اساسية.
النموذج الأول يعبر عنه مشروع الالفيةmillenniumprogeet الذي نشر ملفا خاصا عام1999 عن الفضاء السيبيري المعلوماتي والذي يؤكد فيه ان هذا الفضاء اصبح وسطا جديدا مهما للحضارة الانسانية, وهو يتطور لكي يصبح العقل العالمي والجهاز العصبي للبشرية.
ويعتبر تقرير هذا المشروع ان شبكة الانترنت تعدنا باتاحة فرص متساوية للغني والفقر, وهي واحدة من اقوي آليات التغيير في العالم, كما ان اساليب الاتصال التفاعلي تحفز التعاون, بعكس سبل التواصل القديمة الوحيدة الاتجاه, من المرسل علي المتلقي, والتي تنحو نحو تكريس الصراع والمواجهة, ان الانترنت توزع الآن ثروة المعلومات بطريقة أكثر ديمقراطية من النظم السابقة.
والدكتور الخولي يقدم لنا هذا النموذج باعتباره يعبر عن اتجاه التهويل في تقييم الدور الذي ستلعبه شبكة الانترنت في الحياة الانسانية.
وبالتالي فيمكن القول إنه اتجاه يقدم رؤية تفاؤلية عن دور الإنترنت.
اما النموذج الثاني الذي يصدر عن رؤية تشاؤمية فيعبر عنه فرانسيس فوكوياما المفكر الأمريكي صاحب كتاب نهاية التاريخ الذي راج في كل انحاء العالم, وهو رؤية مضادة تماما للنموذج الأول فهو في كتابه الاضطراب العظيم يرصد الانهيار العظيم في الدول المتقدمة وخصوصا في مجال انهيار العلاقات والروابط الاجتماعية نتيجة ثورة المعلومات, وهو يري انه لابد من صياغة جديدة للنظام الاجتماعي, لان الطبقة البشرية لن تقبل ان تعيش في ظل قيم وممارسات عصر ما بعد الصناعة, وذلك لان حرية الاختيار التي اتي بها انفجار المعلومات قد عرضت الهياكل السياسية والاجتماعية لضغوط لاعهد له بها, وهكذا ازدادت معدلات الجريمة, وتراجعت معدلات الزواج والانجاب, وانهارت العلاقات الاسرية واصبحت مدن كثيرة تعيش في ترف مادي غير آمنة.
بعبارة اخري نشأت هوة تزداد عمقا بين الافراد بعضهم ببعض وبينهم وبين الحكومات ويرجع ذلك إلي ثورة المعلومات.
ونصل للنموذج الثالث والاخير والذي يطرح بدقة مجموعة تساؤلات مهمة تعكس غياب اليقين بالفوائد المطلقة لثورة المعلومات التي اتجه لها النموذج الأول, وعدم الثقة في الرؤية التشاؤمية التي يعكسها النموذج الثاني.
ومن بين هذه التساؤلات المهمة: هل ستدعم شبكة الانترنت الاستقلال الذاتي للفرد ازاء المجتمع ام ستحد من خصوصيته؟
وهل ستقوي استقلاله الاقتصادي ام ستزيد من سلطة الشركات الكبري عليه؟
وهل سيقدر لشبكات الانترنت التي اصبحت الآن ميدانا للمضاربات والمخاطر البقاء أم انها معرضة لأن تختفي من الوجود؟
وهل من الانسب ألا نصدر الآن احكاما قاطعة ـ كما يقول د. الخولي ـ وان ننتظر حتي يكتمل التحام تكنولوجيات الانترنت والتليفزيون والمذياع والهاتف وتحقيق معايير السوق للبقاء؟
لو تأملنا محاولة الدكتور اسامة الخولي لتصنيف الادراكات الاساسية في الفكر الغربي لثورة المعلومات, والتي تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم والمساءلة, لادركنا انها تتماثل تماما مع الادراكات العالمية ازاء ظاهرة العولمة ذاتها والتي هي اشمل بالقطع من شبكة الانترنت.
وقد سبق لنا ـ في دراساتنا المتعددة عن العولمة ـ ان رصدنا نفس الاتجاهات الثلاث المتشائمة, والتي لاتري في العولمة سوي المرحلة الأعلي في تاريخ الامبريالية الغربية, والمتفائلة التي تزعم ان العولمة تمثل المفتاح السحري للتقدم الانساني المطرد, والمتسائلة التي لاتندفع نحو الاجابات, وانما تطرح الأسئلة المهمة أولا عن طبيعة الظاهرة واتجاهاتها المستقبلية.
والواقع ان الادراكات العربية للعولمة لاتختلف اطلاقا عن الادراكات الغربية.
وايا ما كان الأمر فيمكن القول ان عصر إعادة انتاج الفكر الغربي في الموضوع قد انتهي, واننا ـ بناء علي نماذج محددة ـ بدأنا الدخول في عصر الابداع العربي في مجال دراسة وتحليل مختلف جوانب ثورة المعلومات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق