حاولت في المقال الماضي قراءة تحليلية لخريطة المجتمع الثوري, أن أرسم ملامح المجتمع المصري بعد الثورة التي نجحت في إسقاط النظام السلطوي السابق, ولا شك في أن أبرز مظاهر إسقاط النظام كان إجبار الرئيس السابق مبارك علي التنحي,
ليس ذلك فقط بل القبض علي الرموز السياسية البارزة ومحاكمتهم جنائيا عن عديد من الجرائم التي ارتكبوها.
وقد أشرنا أكثر من مرة في مقالاتنا عن الثورة التي لم تنقطع منذ يوم27 يناير2011 حتي اليوم, إلي أن إسقاط النظام لا يعني فقط إسقاط رموزه أو إلغاء مؤسساته السياسية مثل مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية, ولكن قد يكون أهم من ذلك إسقاط السياسات المنحرفة التي طبقها النظام والتي أدت في الواقع الي إفقار ملايين المصريين من أعضاء الطبقات الدنيا والمتوسطة, بالاضافة الي الفساد المعمم الذي أهدر الثروة القومية, وأدي الي انقسام طبقي واسع المدي بين من يملكون ومن لا يملكون.
وفي مقدمة هذه السياسات المنحرفة السياسة الاقتصادية, التي سمحت لمجموعة قليلة العدد من رجال الأعمال أن يهيمنوا علي مقدرات البلد الاقتصادية بمباركة كاملة من قادة النظام والذين شاركوهم في الأرباح الخيالية التي جنوها من خلال عملية فساد كاملة, بنيت علي أساس أنها أراض للاستصلاح الزراعي, غير أن هؤلاء الفاسدين حولوها الي أراضي للبناء وباعوا الفدان الذي اشتروه بخمسمائة جنيه مقابل أربعة ملايين جنيه علي الأقل!. وعلي القارئ أن يتخيل حجم المكاسب الحرام التي جناها رجال الأعمال والتي تقدر بالمليارات.
وهذه التراكمات المالية الخرافية, والتي جمعت نتيجة تواطؤ الدولة مع رجال الأعمال هي التي شجعتهم علي ابتداع نمط عمراني جديد لم تعرفه مصر من قبل, هو المنتجعات والتي بدأ بيع الوحدة منها في مارينا ـ علي سبيل المثال ـ بمليون جنيه أو أكثر قليلا, وتطورت المسألة في منتجعات أخري أكثر فخامة تباع فيها الوحدة السكنية فيلا كانت أو قصرا بمبالغ وصلت إلي عشرين مليون جنيه في بعض الحالات!.
وذلك في الوقت الذي لا يجد فيه ملايين المصريين من أبناء الطبقات الشعبية والوسطي سكنا لائقا لهم أو لأولادهم, وقد أدت هذه القسمة الطبقية بين المنتجعات والعشوائيات الي تدهور خطير في القيم.
من ناحية سادت القيم الاستهلاكية التفاخرية بين أعضاء الطبقات العليا في المجتمع نتيجة قوتهم الاقتصادية, والتي تمثلت أساسا في الحصول علي أجور ومرتبات ومكافآت بمئات الألاف, ضد كل القواعد القانونية, بالاضافة الي العمولات والسمسرة والفساد السائد.
وقد انعكست هذه الاتجاهات الاستهلاكية علي نمط الاستيراد من الخارج, بحيث خصصت الملايين لاستيراد السلع الترفيهية التي لا تستهلكها إلا قلة من أبناء المجتمع, وفي نفس الوقت كانت هناك صعوبات كبري في تدبير النقد الأجنبي لاستيراد السلع الغذائية الضرورية لملايين المصريين.
ومعني ذلك أن السياسات الاقتصادية المنحرفة السابقة لم تتم مراجعتها حتي الآن مع الأهمية القصوي لهذه المراجعة, وهناك سياسات أخري متعددة في مجال الائتمان الذي كان منهوبا لمصلحة كبار رجال الأعمال, في الوقت الذي كان فيه الشباب الذين يريدون تأسيس مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر, عاجزين عن الحصول علي الائتمان الضروري.
ونجد نفس الظواهر السلبية في مجال الإسكان, حيث يسود نمط الإسكان الفاخر علي حساب الإسكان المتوسط أو الشعبي, مما أدي الي ظواهر اجتماعية بالغة السلبية وخصوصا في قدرة الشباب علي الزواج وتكوين الأسر الجديدة.
وإذا نظرنا الي سياسات التوظيف والتشغيل, لاكتشفنا أن الدولة توقفت منذ سنوات طويلة عن الالتزام بتشغيل الخريجين ودفعتهم إلي أن يبحثوا ـ كل بطريقته ـ عن عمل.
ولم يكن أمامهم سوي القطاع الخاص, والذي تحكم العمل فيه مواصفات خاصة قد لا تنطبق علي الخريجين الذين لم يتلقوا من التعليم ما يتناسب مع سوق العمل.
وقد أدي هذا الوضع الي مشكلات اجتماعية شتي, أبرزها البطالة المستمرة خصوصا بين صفوف الشباب, مما أدي الي تدهور القيم في مجال السلوك الاجتماعي, وبروز أنماط جديدة من الجريمة والانحراف, والذي برز في السنوات الأخيرة في ظاهرة البلطجة, والتي تعني في الواقع تحول آلاف الشباب العاطل الي البلطجة وممارسة العنف والعدوان نتيجة أوضاعهم البائسة, خصوصا أن غالبيتهم العظمي يعيشون في أحياء عشوائية تفتقر الي أبسط مقومات الحياة الإنسانية السوية.
ومما لا شك فيه أن ثورة25 يناير أدت الي انفجار سياسي وثوري, وتمثل الانفجار السياسي في دخول ملايين المصريين عالم السياسة العملية من خلال المظاهرات الحاشدة والمليونيات المتعددة, للتعبير عن أنفسهم وعن مطالبهم بعد حقبة طويلة من القمع والتعسف السياسي.
اما الانفجار الثوري فيتمثل في النزوع الي الثورة علي كل الأوضاع بلا استثناء التي كانت سائدة في النظام القديم, وسواء كانت هذه الأوضاع سياسية أو اقتصادية, أو وظيفية.
وقد أدي هذا الانفجار الثوري الي انفلات أخلاقي ـ إن صح التعبير ـ تمثل في تدهور قيم التعامل الاجتماعي في المجتمع بشكل عام.
وقد عبر عن هذه الظاهرة أحد قرائي الكرام وهو الأستاذ جمال العدوي في تعليق له علي مقالي الماضي, حيث كتب أنني قصرت الأمر علي إبراز ملامح خريطة المجتمع الثوري, ولكن ـ يقول المعلق ـ ما يقلقني من ملامح قد تظل الي ما بعد الانتقال من الحالة الثورية الي الحالة المجتمعية الطبقية وهي الانفلات الخلقي وخشونة مفردات التعامل بين الناس, وكسر قواعد التعامل بين الرئيس والمرءوس, والطالب والأستاذ والمعيد في الجامعة, وأساتذة ورئيس الجامعة والصغير والكبير, ومخالف المرور وضابط المرور, وطالب الحاجة والأمين عليها, والصوت المرتفع, واحتكار الحكمة والفهم, ويستطرد, ويقلقني أن مشكلات الانتاج يمكن معالجتها ولكن الانفلات القيمي ربما يحتاج منا عقودا طويلة لترجع الأنساق الخلقية الي طبيعتها... فهل توافقني؟.
والواقع أن القارئ الكريم استطاع في تعليقه الوجيز إبراز أخطر الظواهر التي برزت بعد الثورة, وهي تجاوز كل الأعراف والتقاليد في مجال التعامل السياسي والتعامل الاجتماعي علي السواء, بزعم أننا في ثورة ومن حقنا أن نتجاوز كما نشاء مع الرؤساء أو المديرين, وأن لا نتردد عن استخدام العنف الفعلي مع من نعتبرهم من رموز السلطوية التي اسقطتها الثورة!
والحقيقة أن هذه مشكلة حقيقية لأنها تتعلق بالتربية الاجتماعية للمواطن قبل أي شيء, والتي تتضمن تعليم قواعد الحوار والمناقشة وأسلوب الخطاب, وكيف يمكن أن يكون نقديا في ممارساته بغير أن يعتدي علي حقوق الآخرين.
وردا علي سؤال القارئ الكريم أقول: نعم إن معالجة الانقلاب القيمي يحتاج حقا إلي سنوات, يتم فيها تطبيق سياسات مدروسة للتربية الاجتماعية يقوم علي أساس احترام الفرد والجماعة في ضوء إعمال مبدأ سيادة القانون.
وقد أشرنا أكثر من مرة في مقالاتنا عن الثورة التي لم تنقطع منذ يوم27 يناير2011 حتي اليوم, إلي أن إسقاط النظام لا يعني فقط إسقاط رموزه أو إلغاء مؤسساته السياسية مثل مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية, ولكن قد يكون أهم من ذلك إسقاط السياسات المنحرفة التي طبقها النظام والتي أدت في الواقع الي إفقار ملايين المصريين من أعضاء الطبقات الدنيا والمتوسطة, بالاضافة الي الفساد المعمم الذي أهدر الثروة القومية, وأدي الي انقسام طبقي واسع المدي بين من يملكون ومن لا يملكون.
وفي مقدمة هذه السياسات المنحرفة السياسة الاقتصادية, التي سمحت لمجموعة قليلة العدد من رجال الأعمال أن يهيمنوا علي مقدرات البلد الاقتصادية بمباركة كاملة من قادة النظام والذين شاركوهم في الأرباح الخيالية التي جنوها من خلال عملية فساد كاملة, بنيت علي أساس أنها أراض للاستصلاح الزراعي, غير أن هؤلاء الفاسدين حولوها الي أراضي للبناء وباعوا الفدان الذي اشتروه بخمسمائة جنيه مقابل أربعة ملايين جنيه علي الأقل!. وعلي القارئ أن يتخيل حجم المكاسب الحرام التي جناها رجال الأعمال والتي تقدر بالمليارات.
وهذه التراكمات المالية الخرافية, والتي جمعت نتيجة تواطؤ الدولة مع رجال الأعمال هي التي شجعتهم علي ابتداع نمط عمراني جديد لم تعرفه مصر من قبل, هو المنتجعات والتي بدأ بيع الوحدة منها في مارينا ـ علي سبيل المثال ـ بمليون جنيه أو أكثر قليلا, وتطورت المسألة في منتجعات أخري أكثر فخامة تباع فيها الوحدة السكنية فيلا كانت أو قصرا بمبالغ وصلت إلي عشرين مليون جنيه في بعض الحالات!.
وذلك في الوقت الذي لا يجد فيه ملايين المصريين من أبناء الطبقات الشعبية والوسطي سكنا لائقا لهم أو لأولادهم, وقد أدت هذه القسمة الطبقية بين المنتجعات والعشوائيات الي تدهور خطير في القيم.
من ناحية سادت القيم الاستهلاكية التفاخرية بين أعضاء الطبقات العليا في المجتمع نتيجة قوتهم الاقتصادية, والتي تمثلت أساسا في الحصول علي أجور ومرتبات ومكافآت بمئات الألاف, ضد كل القواعد القانونية, بالاضافة الي العمولات والسمسرة والفساد السائد.
وقد انعكست هذه الاتجاهات الاستهلاكية علي نمط الاستيراد من الخارج, بحيث خصصت الملايين لاستيراد السلع الترفيهية التي لا تستهلكها إلا قلة من أبناء المجتمع, وفي نفس الوقت كانت هناك صعوبات كبري في تدبير النقد الأجنبي لاستيراد السلع الغذائية الضرورية لملايين المصريين.
ومعني ذلك أن السياسات الاقتصادية المنحرفة السابقة لم تتم مراجعتها حتي الآن مع الأهمية القصوي لهذه المراجعة, وهناك سياسات أخري متعددة في مجال الائتمان الذي كان منهوبا لمصلحة كبار رجال الأعمال, في الوقت الذي كان فيه الشباب الذين يريدون تأسيس مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر, عاجزين عن الحصول علي الائتمان الضروري.
ونجد نفس الظواهر السلبية في مجال الإسكان, حيث يسود نمط الإسكان الفاخر علي حساب الإسكان المتوسط أو الشعبي, مما أدي الي ظواهر اجتماعية بالغة السلبية وخصوصا في قدرة الشباب علي الزواج وتكوين الأسر الجديدة.
وإذا نظرنا الي سياسات التوظيف والتشغيل, لاكتشفنا أن الدولة توقفت منذ سنوات طويلة عن الالتزام بتشغيل الخريجين ودفعتهم إلي أن يبحثوا ـ كل بطريقته ـ عن عمل.
ولم يكن أمامهم سوي القطاع الخاص, والذي تحكم العمل فيه مواصفات خاصة قد لا تنطبق علي الخريجين الذين لم يتلقوا من التعليم ما يتناسب مع سوق العمل.
وقد أدي هذا الوضع الي مشكلات اجتماعية شتي, أبرزها البطالة المستمرة خصوصا بين صفوف الشباب, مما أدي الي تدهور القيم في مجال السلوك الاجتماعي, وبروز أنماط جديدة من الجريمة والانحراف, والذي برز في السنوات الأخيرة في ظاهرة البلطجة, والتي تعني في الواقع تحول آلاف الشباب العاطل الي البلطجة وممارسة العنف والعدوان نتيجة أوضاعهم البائسة, خصوصا أن غالبيتهم العظمي يعيشون في أحياء عشوائية تفتقر الي أبسط مقومات الحياة الإنسانية السوية.
ومما لا شك فيه أن ثورة25 يناير أدت الي انفجار سياسي وثوري, وتمثل الانفجار السياسي في دخول ملايين المصريين عالم السياسة العملية من خلال المظاهرات الحاشدة والمليونيات المتعددة, للتعبير عن أنفسهم وعن مطالبهم بعد حقبة طويلة من القمع والتعسف السياسي.
اما الانفجار الثوري فيتمثل في النزوع الي الثورة علي كل الأوضاع بلا استثناء التي كانت سائدة في النظام القديم, وسواء كانت هذه الأوضاع سياسية أو اقتصادية, أو وظيفية.
وقد أدي هذا الانفجار الثوري الي انفلات أخلاقي ـ إن صح التعبير ـ تمثل في تدهور قيم التعامل الاجتماعي في المجتمع بشكل عام.
وقد عبر عن هذه الظاهرة أحد قرائي الكرام وهو الأستاذ جمال العدوي في تعليق له علي مقالي الماضي, حيث كتب أنني قصرت الأمر علي إبراز ملامح خريطة المجتمع الثوري, ولكن ـ يقول المعلق ـ ما يقلقني من ملامح قد تظل الي ما بعد الانتقال من الحالة الثورية الي الحالة المجتمعية الطبقية وهي الانفلات الخلقي وخشونة مفردات التعامل بين الناس, وكسر قواعد التعامل بين الرئيس والمرءوس, والطالب والأستاذ والمعيد في الجامعة, وأساتذة ورئيس الجامعة والصغير والكبير, ومخالف المرور وضابط المرور, وطالب الحاجة والأمين عليها, والصوت المرتفع, واحتكار الحكمة والفهم, ويستطرد, ويقلقني أن مشكلات الانتاج يمكن معالجتها ولكن الانفلات القيمي ربما يحتاج منا عقودا طويلة لترجع الأنساق الخلقية الي طبيعتها... فهل توافقني؟.
والواقع أن القارئ الكريم استطاع في تعليقه الوجيز إبراز أخطر الظواهر التي برزت بعد الثورة, وهي تجاوز كل الأعراف والتقاليد في مجال التعامل السياسي والتعامل الاجتماعي علي السواء, بزعم أننا في ثورة ومن حقنا أن نتجاوز كما نشاء مع الرؤساء أو المديرين, وأن لا نتردد عن استخدام العنف الفعلي مع من نعتبرهم من رموز السلطوية التي اسقطتها الثورة!
والحقيقة أن هذه مشكلة حقيقية لأنها تتعلق بالتربية الاجتماعية للمواطن قبل أي شيء, والتي تتضمن تعليم قواعد الحوار والمناقشة وأسلوب الخطاب, وكيف يمكن أن يكون نقديا في ممارساته بغير أن يعتدي علي حقوق الآخرين.
وردا علي سؤال القارئ الكريم أقول: نعم إن معالجة الانقلاب القيمي يحتاج حقا إلي سنوات, يتم فيها تطبيق سياسات مدروسة للتربية الاجتماعية يقوم علي أساس احترام الفرد والجماعة في ضوء إعمال مبدأ سيادة القانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق