الجمعة، 6 أبريل 2012

ثورات الشباب في السياق العالمي بقلم: السيد يسين



إذا أردنا أن نضع ثورة‏25‏ يناير في السياق العالمي فلابد لنا أن نعود الي ثورة الشباب في الستينيات‏,‏ حيث شهدت نهايتها ظاهرة غريبة لم تسبق في التاريخ هي ثورات الشباب التي اندلعت في عديد من البلدان‏,‏ في ألمانيا وفرنسا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي إيطاليا والمكسيك وفي بعض البلاد الاشتراكية‏.‏
لقد فاجأت هذه الثورات التي بلغ بعضها ـ مثل ثورة الشباب الفرنسية عام1968 ـ حدا من العنف هدد بتقويض النظام القائم, ورجال الدولة, ورجال الفكر, وزعماء الأحزاب, والمؤسسات السياسية في نفس الوقت.
وليس هذا غريبا في الواقع, فالتراث النظري لعلم الثورة ـ إن صح التعبير ـ لم يسبق ان اهتم كثيرا بتحليل دور الشباب علي وجه الخصوص في اشعال الثورات الاجتماعية أو السياسية, أو في التصدي لقيادة معارك التغيير الاجتماعي باصطناع الوسائل السلمية, أو باللجوء الي اساليب الكفاح العنيفة إن لم يجد الحوار.
لقد هبت الثورة إذن من حيث لايتوقع أحد.
فمن هم الشباب في أي مجتمع؟
هل هم طبقة اجتماعية متبلورة يمكن التعرف علي ملامحها وقسماتها, وثقل وزنها النسبي بالنسبة لباقي الطبقات في المجتمع؟
أم أنهم لايكونون طبقة, وانما قد يكونون جماعة ضاغطةPRESSIONPressonGrupede في بعض الأحيان, حين يتصاعد المد الثوري في بلد مانتيجة لتلاحم بعض العوامل والظروف؟
وهل يتشبه الشباب في كل المجتمعات من ناحية الايديولوجية التي يعتنقونها, أو الدوافع التي تدفعهم للثورة علي النظم القائمة؟ أم انهم وإن تشابهوا في بعض السمات,فإنهم يتميزون بسمات نوعية تختلف من مجتمع لآخر؟
والواقع أن أزمة الشباب ـ أو بعبارة أدق ـ أزمة الطلبة وخريجي الجامعات أصبحت ظاهرة عالمية, وبالرغم من أن الاحتجاج ضد النظام القائم في مختلف المجتمعات ليس مقصورا علي الطلبة بمفردهم, فإنهم يمكن القول ان طلبة الجامعات والمعاهد العليا هم الذين قادوا موجات الاحتجاج العنيفة ضد النظم القائمة.
وإذا استعرضنا ثورات الطلبة في عديد من البلاد كانجلترا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا, لاستطعنا ان نلحظ حقيقة ذات دلالة, مؤداها ان مجموعات صغيرة من الطلبة الشبان استطاعت منذ نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات, ان تصبح واعية تماما بالتناقضات الكامنة في أنساق القيم السائدة والمقبولة في مجتمعاتهم, ولذلك شرعوا في توجيه النقد النظري والتطبيقي لها.
وأخذ احتجاج الطلبة يتبلور شيئا فشيئا, وتزايد دورهم وتحدد في التعبير عن الثورة الكامنة في المجتمع, التي تطمح الي إحداث تحولات اجتماعية جذرية.
لقد كانت الأهداف الأولي التي انصبت عليها ثورات الشباب هي القيم السائدة التي تحكم المجتمعات, وسيادة الاتجاهات التجزيئية في المعرفة والثقافة, والقنوات التي تصب فيها, ولم يقتصر هجومهم علي مضمون الدروس والمحاضرات الجامعية, ولكن تعداه الي تنظيم الجامعات والمعاهد العليا ذاتها, وإلي تنظيم وسائل الاتصال الجماهيرية بوجه عام.
وقد كشفوا عن الحقيقة التي مؤداها ان مجموعات صغيرة من الناس تسيطر علي وسائل الاتصال وتوجهها لخدمة النظام القائم والحفاظ علي وجوده.
وبالرغم من أن هناك فروقا متعددة بين ثورات الشباب هنا وهناك, فقد ظهرت سمات مشتركة تجمع بينها جميعا, سواء فيما يتعلق بأهداف الثورة أو المسائل التي تهاجمها الثورة.
وإذا كان الشباب لايمثلون بذاتهم طبقة اجتماعية, واذا كانوا مجرد فئة اجتماعية لاتتحول الي جماعة ضاغطة الا في ظروف تاريخية معينة, فما الذي جعل ثورات الشباب تنتشر في كل بلاد العالم تقريبا, وما هي التفسيرات التي تعطي لها؟
قدمت عدة تفسيرات مختلفة في محاولة لفهم هذه الظاهرة الجديدة وهي ظاهرة جديدة بالفعل, لأن التصنيفات التقليدية لاتصلح إطارا للحكم عليها, ومن هنا سادت التناقضات في التفسيرات المتعددة التي قدمت لفهم هذه الظاهرة.
ويثور سؤال مهم ما الذي يفسر انتشار ثورات الشباب في بلاد متعددة تسودها نظم سياسية مختلفة؟
أول هذه التفسيرات أن عامل التقليد أو المحاكاة قد أسهم في شيوع حركات الشباب وثوراتهم من مجتمع لآخر, ولكن هل يمكن ان نقرر ذلك ببساطة؟ قد يكون التقليد عاملا مهما, ولكنه لايستطيع ان يقف بمفرده كأساس للتفسير, ولذلك يتعين البحث عن التناقضات الكامنة في كل مجتمع, والتي سمحت لهذه الثورات ان تشتعل.
وهناك تفسير آخر يستند الي مجرد أحكام البداهة وهو يرد ثورات الشباب الي الطيش وقلة الصبر والاحتمال الذي يتميز به الشباب, ويشير هذا التفسير الي عدم تسامح الشباب حين يواجهون بالاعراف السائدة الجامدة التي يقبلها من هم أكبر سنا منهم.
غير أن هذا التفسير كسابقه قد يحمل بعض الحقيقة في طياته, ولكنه لا يستطيع أن يفسرها كلها, فإن كان صحيحا فلماذا ثارت حركات الشباب في حقبة تاريخية محددة؟
وهناك تفسير ثالث يرد ثورات الشباب وخصوصا الطلبة الجامعيين الي رغبتهم في تعديل أوضاعهم الدراسية, سواء بمهاجمة النظم الادارية الخاصة بالقبول في الجامعة أوبمرات الرسوب المسموح بها.. إلخ, أو ما تعلق بالنظم الجامعية نفسها من ناحية المقررات ونظم الامتحانات وغيرها غير أن هذا التفسير لايصلح لتفسير كل ثورات الطلبة في مختلف البلاد.
وأيا ماكان الأمر, فإن أيا من هذه التفسيرات, يبدو أنه لايستطيع بمفرده أن يقدم تفسيرا لظاهرة ثورات الشباب, ولذلك يري بعض الباحثين أن تفسير هذه الظاهرة لو وضع من خلال مايطلق عليه الثورة الثقافية العالمية فإنه يستطيع أن يلقي بأضواء أكثر علي عواملها المتعددة المركبة.
ولايمكن لباحث ما أن يزعم قدرته علي تقديم تفسير نهائي, ذلك أننا أمام موقف دينامي ديالكتيكي, حيث القوي الداخلية للثورة تفعل فعلها وتدفع وتثير مقولات جديدة للفكر, وضروبا مستحدثة من الوعي ومن التطبيق الثوري.
في ضوء هذا العرض التاريخي الوجيز لثورات الشباب في السياق العالمي منذ الستينيات يمكن لنا ان نقرر أن ثورة25 يناير بالرغم من سماتها الفارقة إذا ماقورنت بالحركات الاحتجاجية والمظاهرات الشبابية في الستينيات وما بعدها, تعد في الواقع امتدادا لظاهرة التمرد الشبابي علي السلطة بكل أنواعها, وعلي الجمود البيروقراطي, وعلي القهر السياسي, وعلي رؤي العالم التقليدية.
إنها في حقيقة الأمر تعبير عن روح ما بعد الحداثة وهي جوهر عملية العولمة التي غيرت أنساق القيم التقليدية, وقلبت موازين المجتمعات المعاصرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق