الجمعة، 6 أبريل 2012

من الثورة السلمية إلي العنف الفوضوي‏!‏ بقلم: السيد يسين



هناك اجماع من المحللين السياسيين في مصر والخارج علي ان ثورة‏25‏ يناير قدمت نموذجا فريدا للثورة السلمية التي نجحت في اسقاط نظام من أعتي النظم السياسية السلطوية‏.‏
غير ان المشكلة قامت حين حاول قادة النظام السياسي, وعلي رأسهم الرئيس السابق مقاومة المظاهرات السلمية الحاشدة باستعمال القوة المفرطة. وقد ادي ذلك الي وفاة مئات الشهداء واصابة آلاف الثوار.
ومن هنا يمكن القول ان العنف السلطوي هو الذي ادي من بعد الي ظهور صور متعددة من العنف الثوري المشروع, لاستكمال الثورة وفرض مطالبها العادلة في سياق اتسم بالمقاومة الشديدة سواء من قبل بقايا النظام القديم, اومن قبل القوي السياسية التقليدية.
ومع كل ذلك فإن القوي الشبابية الثورية التي ـ للاسف الشديد ـ تشرذمت وتفككت بعد نجاح الثورة في اسقاط النظام, ظلت مصرة علي ممارسة الشرعية الثورية بطريقة سلمية من خلال المظاهرات الحاشدة والمليونيات الكبري في ميدان التحرير.
غير ان ممارسة هذه القوي الشبابية للشرعية الثورية وبصورة سلمية, تمت بغير ان تكتمل الشروط الموضوعية الضرورية لهذه الممارسة, واول شرط من هذه الشروط هو ان من قاموا بالثورة ـ او طلائعها الثورية علي الاقل ــ لم يتسلموا الحكم ويحكموا مباشرة من غير وصاية من اي مؤسسة, لكي ينفذوا مطالب الثورة.
الا ان غياب هذا الشرط الموضوعي المهم كان نتيجة لازمة لافتقار الثورة الي قيادة, وقد قيل ان غياب القيادة كان احد اسباب نجاح الثورة.
ولو وافقنا علي هذا التفسير مع تحفظي الشديد عليه, الا انه كان ينبغي ان تتحد طلائع الثورة من الشباب في جبهة واحدة تضم بين صفوفها المثقفين والناشطين السياسيين الذين أيدوا الثورة منذ اندلاعها, حتي ولو لم يشاركوا فيها اصلا. وذلك لتحقيق هدف اساسي هو السيطرة علي عملية اتخاذ القرار الثوري والذي كان ينبغي ان يتجه ـ اول مايتجه ـ الي اسقاط المؤسسات السياسية التقليدية, مثل مجلسي الشعب الشوري, بكل المباديء البالية التي قامت عليها, واخطرها جميعا ان صندوق الانتخابات ونتائجه هي المعبرة عن الارادة الشعبية.
وقد يكون هذا صحيحا في الدول المتقدمة التي تكاد تنعدم فيها معدلات الامية ولايوجد فيها فقراء بالملايين, ولايشيع فيها الوعي الزائف نتيجة دعايات لتيارات دينية معتدلة كانت او متشددة, تزعم ان لديها الحلول الدينية لكل المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تواجهها البلاد.
غير ان مسار الثورة سرعان ماتعثر نتيجة غياب هذه الجبهة الثورية الديمقراطية التي اشرنا اليها, ونظرا لان القوي السياسية التقليدية التي لم تشارك في الثورة اصلا كالحركة السلفية تحديدا, او التي شاركت فيها بمعدلات قليلة في الايام الاخيرة للثورة كالاخوان المسلمين, سرعان ماقفزت علي قطار الثورة.
وكان يمكن ان يعتدل مسار الثورة لو كانت قد توافرت منذ البداية رؤية استراتيجية واضحة لمستقبل مصر, تبدع علي ضوئها المؤسسات السياسية الثورية وغير التقليدية الكفيلة بتحقيق اهدافها.
غيران ذلك لم يحدث, ونشأت نقاشات عقيمة دارت حول الدستور اولا او الانتخابات اولا.
وقد انقسم الثوار بين من يرفضون هذا المسار اصلا لاسباب متعددة, وبين من قبلوا به.
ودخل العشرات من شباب الثورة الانتخابات في مرحلتها الاولي وفشل العديد منهم وسقطوا نتيجة ان معرفتهم بالشارع شبه معدومة, ولان الشارع المصري له لغة خاصة علي من يرغب في التفاعل معه ان يتقنها.
ومن هنا ادركت بعض فصائل الثورة انها سرقت منهم, وان مسار الانتخابات التقليدية لم يكن هو المسار الامثل, ومن هنا نشأت فكرة اساسية هي ان الشرعية السياسية هي لميدان التحرير, وليست لصندوق الانتخابات, والتي لاتعبر نتائجه ايا كانت عن الارادة الشعبية. وعلي ذلك اقيمت مليونيات حاشدة في ميدان التحرير رفعت شعارات متعددة من اول ضرورة تسليم المجلس الاعلي للقوات المسلحة للسلطة فورا الي مجلس مدني انتقالي, ثار الخلاف الشديد حول طريقة اختياره, الي ضرورة القصاص ممن مارسوا العنف ضد الثوار مما ادي الي سقوط مئات الشهداء, الي ضرورة تطهير كل اجهزة الدولة من فلول النظام السابق.
وسرعان مادبت الفوضي العارمة في ميدان التحرير! وذلك لان بعض فصائل الثوار ظنت وهما انها يمكن ان تدير شئون البلاد من الشارع. وهكذا اختلطت المطالبات ببعض الممارسات الهزلية مثل تشكيل الوزارات من اول اختيار اسم معين لرئيس الوزارة إلي اختيار اسماء اخري للوزراء, اواقتراح تسليم السلطة الي مجلس مكون من عدد من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية.
ولم تكن هذه الممارسات هي المظهر الوحيد للفوضي العارمة في ميدان التحرير ولكن اخطر منها اندساس شرائح اجتماعية متعددة. لاعلاقة لها اصلا بالثورة بين صفوف الثوار.
سرعان ماقامت المعارك الدموية بين قوات الامن وجماعات الشباب في الميدان, ومارست فيها هذه القوات القوة المفرطة في تفريقهم مما ادي الي سقوط مئات الشهداء واصابة الالاف حدث ذلك في ميدان التحرير وفي معركة ماسبيرو وفي احداث شارع محمد محمود, والتي قامت اساسا لان شباب الثوار حاولوا اقتحام مبني وزارة الداخلية وهذا في حد ذاته خطأ جسيم الي ان وصلنا اخيرا الي الاحداث المؤسفة امام مجلس الشعب.
وفيما يتعلق بهذه الاحداث الاخيرة والتي قامت لمنع الدكتور الجنزوري من الدخول لمجلس الشعب, بالاضافة الي مطالب اخري متعددة لم نجد اعتراضا علي هذا المسلك الفوضوي من قبل المثقفين والناشطين السياسيين الذين مارسوا منذ قيام الثورة للاسف الشديد الموافقة الكاملة علي كل ممارسات شباب الثورة مهما كان بعضها يعد انحرافا عن المسلك الثوري الحقيقي او ممارسة الفوضي باسم الثورة, مثل قطع الطرق او اغلاق المرور في ميدان التحرير.
وهكذا لم يقوموا بترشيد الخطاب السياسي لشباب الثورة, ولاساعدوهم علي اعادة الثورة الي مسارها الصحيح, بدلا من الاندفاع تجاه نفق الفوضي المظلم.
وقد قام الإعلام المصري بكل صوره للاسف بدور تخريبي في التحريض علي المجلس الاعلي للقوات المسلحة. ليس من قبل نقد بعض قراراته وهذا امر مشروع, ولكن من ناحية المبدأ نتيجة الشعار الفوضوي الشهير يسقط حكم العسكر والدعوة الي تسليم السلطة للمدنيين بدون تحديد من هم وكيف يمكن اختيارهم؟
وبذلك وقعت البلاد بين مطرقة الثورة التي انحرفت عن مسارها و سندان العنف الفوضو, الذي ادي الي اسالة دماء المئات, وهدم الصروح الثقافية لمصر والتي كانت تضم تراث التاريخ المصري الحديث.
وهكذا يبدو المشهد العبثي الدائر في مصر الان مواجهات دامية بين قوات الجيش وحشود جماهيرية مصممة علي استخدام العنف واحداث الفوضي من ناحية, وانتخابات المرحلة الثانية بكل نتائجها التي تؤكد صعود التيارات الدينية من ناحية اخري.
كيف الخروج من هذا المأزق التاريخي, وهل هناك من سبيل للتوفيق بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية؟
سؤال سيجيب عنه المستقبل القريب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق