في متابعتنا المنتظمة والمتواصلة للأحداث منذ قيام ثورة25 يناير حتي الآن حاولنا أن نرصد مراحل الصعود ومنازل الهبوط في المسار الثوري.
وهذا طبيعي في تاريخ أي ثورة, لو قرأنا التاريخ بصورة تأملية ونقدية. فالثورة المصرية المجيدة والتي لا سابقة لها في التاريخ المصري الحديث, والتي استطاعت بضربة واحدة قاضية أن تسقط النظام القديم, وأن تجبر الرئيس السابق علي التنحي, شهدت لحظات مضيئة تمثلت في ممارسة الضغط الثوري علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لاستصدار قرارات هامة تراخي المجلس في إصدارها وأبرزها قرار إحالة الرئيس السابق ورموز نظامه إلي المحاكمة الجنائية, وذلك بالإضافة إلي ممارسة الضغوط الثورية من خلال المظاهرات الحاشدة والمليونيات المتعددة, لإقالة وزارات أحمد شفيق و عصام شرف.
وقد أثبتت الشرعية الثورية في هذه اللحظات المهمة فاعليتها في مجال المشاركة في عملية إصدار القرار, بل والرقابة أيضا علي تنفيذه.
غير أن هذه اللحظات المضيئة في مسار الثورة سرعان ما خالطتها لحظات معتمة, تمثلت في سيادة الفوضي العارمة في الشارع السياسي, نتيجة لتعثر قوي شباب الثورة. فقد تعددت الائتلافات الثورية التي جاوزت مئات الائتلافات, وتفكك بنية الثورة الأصلية وتفرقها بين جبهات متعددة, ودخول شرائح اجتماعية من طبقات متعددة لم تكن أصلا في الصفوف الأولي للثورة حين قامت.
وقد أدت هذه الفوضي العارمة إلي زيادة معدلات استخدام العنف ضد قوي الأمن وقوات الشرطة العسكرية, التي بادلت المظاهرات عنفا بعنف, وهكذا دخلنا في حلقة مفرغة بحيث لا نستطيع التمييز بدقة بين القاتل والمقتول!
بعبارة أخري أصبحت مسئولية العنف مشاعة, بعد أن تولت الحشود الجماهيرية الغوغائية التظاهر المستمر أمام مؤسسات الدولة واستفزاز قوي الأمن حتي تمارس العنف مع المتظاهرين. وهكذا تنشأ المعارك الدموية التي يسقط فيها ضحايا ومصابين, وذلك يؤدي إلي مصادمات أخري شعارها الأخذ بالثأر من قوات الأمن, وهكذا يمكن أن تضيع البلاد في سياق هذا المناخ العبثي والفوضوي الذي يعتمد العنف أساسا للفعل الذي يطلق عليه زورا وبهتانا الفعل الثوري.
وقد اجتمعت عدة عوامل متضافرة لكي توحد هذا الموقف الخطير الذي تمر به البلاد هذه الأيام, والذي قد يؤدي إلي انهيار الدولة. وهذه النتيجة المحتملة في الواقع إن لم تتوقف الحشود الجماهيرية الغوغائية عن الاصطدام المتعمد مع قوات الأمن. وللأسف الشديد هذه أحد أهداف بعض التيارات الثورية وعلي وجه التحديد تيار الاشتراكيين الثوريين الذي يرفع أعضاؤه أعلام الفوضي السوداء وينادون علنا بأن هدفهم الاستراتيجي هو هدم الدولة وهدم الجيش, تطبيقا أعمي لمبادئ مذهب الأناركية أوالفوضوية كما ظهرت شعاراته في الدول الغربية. وقد لاقت هذه الحركة في الخارج فشلا ذريعا لأنها في الواقع حركة تخريبية, ليست مضادة للدولة فقط أو للمجتمع, ولكنها مضادة للشعب نفسه الذي يتوق إلي الأمن والاستقرار, ولا يرضي علي وجه الإطلاق بسيادة الفوضي, خلاقة كانت أو غير خلاقة!
وحين تأملت المشهد الدموي المؤسف والذي يدور منذ أيام عقب أحداث بورسعيد الدامية والمليئة بالألغاز التي لابد من خلال تحقيق سياسي وجنائي جاد فك شفراتها, والذي يتمثل في إصرار حشود جماهيرية علي اقتحام مقر وزارة الداخلية, أدركت أن ما حذرت منه من قبل في مقالاتي الماضية لم يؤد للأسف إلي ترشيد السلوك الثوري للشباب ولا السلوك الجماهيري للحشود, ولا إلي قيام النخبة السياسية عموما والثورية خصوصا بواجبها في عدم الانقضاض علي المسيرة الديمقراطية التي أقرها الشعب بملايينه التي خرجت للتصويت في انتخابات مجلس الشعب.
وحين راجعت ملف مقالاتي وجدتني في24 نوفمبر2011 أنشر مقالة عنوانها انتهازية النخبة وغوغائية الشارع.
وسادت المزايدات الثورية بين فصائل شتي وأصبح معتادا لقارئ الصحف أن يقرأ خبرا مؤداه أن54 تيارا ثوريا وحزبيا يدعو إلي مليونية يوم الثلاثاء أو الجمعة, باسم من الأسماء التي تتغير لكل مرة.
وإذا أضفنا إلي ذلك الغوغائية التي أصبحت سمة الشارع المصري في الشهور الأخيرة, والتي تتمثل في الخرق المتعمد لقواعد القانون والاعتداء الجسيم علي الأرواح والممتلكات, بالإضافة إلي غوغائية وعنف بعض التيارات الثورية, والتي تتمثل في الهجوم المخطط علي مديريات الأمن وأقسام الشرطة, لأدركنا أننا ـ فيما يبدو ـ بإزاء مخطط شامل لهدم أسس الدولة!
ولذلك لم يكن غريبا أن أنشر مقالة أخري في22 ديسمبر2011 بعنوان من الثورة السلمية إلي العنف الفوضوي, والواقع أنه كان هناك إجماع علي أن ثورة25 يناير كانت نموذجا للثورة السلمية, بعد أن ارتفع شعارها الشهير سلمية سلمية
ولكن قد يكون آن الأوان للمناقشة النقدية لهذا الحكم القاطع.
والسبب في ذلك أن مقاومة سلطات النظام السابق للثورة في أسابيعها الأولي تم باستخدام العنف الشديد ضد شباب الثوار, مما أدي إلي وقوع عشرات الشهداء وإصابة الآلاف. غير أن رد فعل الشباب الثوري لم يكن أقل عنفا, فقد أحرق مقر الحزب الوطني الديمقراطي, ومارس الشباب- كرد فعل- العنف الشديد ضد قوي الأمن الباطشة.
وإذا كان ذلك ضروريا في لحظة تاريخية ما لإنجاح الثورة ذاتها فإنه في الواقع أصبح من بعد خطا ثابتا لشباب الثورة, وخصوصا في تنظيم حشود جماهيرية أمام ماسبيرو وفي شارع محمد محمود لاقتحام وزارة الداخلية, وأمام مجلس الوزراء.
وقد سبق أن قررنا أن الحشود الجماهيرية التي تضم آلاف البشر لا يمكن السيطرة علي حركتها لا قبل من نظموها أصلا, ولا من قبل قوات الأمن والجيش, وهكذا غالبا ما تتحول هذه الحشود الجماهيرية السلمية إلي مصادمات عنيفة ودامية بينها وبين قوات الأمن.
ويكفي دليلا علي ذلك إصرار حشود جماهيرية لا نعرف هويتها بالضبط علي اقتحام وزارة الداخلية, والتي من الواجب علي قوات الأمن منعه باستخدام القوة المسلحة, لأن سقوط مبني وزارة الداخلية أو حرقه معناه بكل بساطة البدء في إسقاط الدولة وإشعال الحريق في كل البلد.
وهكذا تحول المشهد السياسي المصري إلي خليط من الغوغائية ومزيد من العنف, في سياق ترفض فيه الائتلافات الثورية الشرعية الديمقراطية التي يمثلها مجلس الشعب المنتخب, وتعثر علي أن شرعية الميدان الذي تسوده الفوضي, وتسيطر عليه الغوغائية السياسية هي الأساس!
وقد أثبتت الشرعية الثورية في هذه اللحظات المهمة فاعليتها في مجال المشاركة في عملية إصدار القرار, بل والرقابة أيضا علي تنفيذه.
غير أن هذه اللحظات المضيئة في مسار الثورة سرعان ما خالطتها لحظات معتمة, تمثلت في سيادة الفوضي العارمة في الشارع السياسي, نتيجة لتعثر قوي شباب الثورة. فقد تعددت الائتلافات الثورية التي جاوزت مئات الائتلافات, وتفكك بنية الثورة الأصلية وتفرقها بين جبهات متعددة, ودخول شرائح اجتماعية من طبقات متعددة لم تكن أصلا في الصفوف الأولي للثورة حين قامت.
وقد أدت هذه الفوضي العارمة إلي زيادة معدلات استخدام العنف ضد قوي الأمن وقوات الشرطة العسكرية, التي بادلت المظاهرات عنفا بعنف, وهكذا دخلنا في حلقة مفرغة بحيث لا نستطيع التمييز بدقة بين القاتل والمقتول!
بعبارة أخري أصبحت مسئولية العنف مشاعة, بعد أن تولت الحشود الجماهيرية الغوغائية التظاهر المستمر أمام مؤسسات الدولة واستفزاز قوي الأمن حتي تمارس العنف مع المتظاهرين. وهكذا تنشأ المعارك الدموية التي يسقط فيها ضحايا ومصابين, وذلك يؤدي إلي مصادمات أخري شعارها الأخذ بالثأر من قوات الأمن, وهكذا يمكن أن تضيع البلاد في سياق هذا المناخ العبثي والفوضوي الذي يعتمد العنف أساسا للفعل الذي يطلق عليه زورا وبهتانا الفعل الثوري.
وقد اجتمعت عدة عوامل متضافرة لكي توحد هذا الموقف الخطير الذي تمر به البلاد هذه الأيام, والذي قد يؤدي إلي انهيار الدولة. وهذه النتيجة المحتملة في الواقع إن لم تتوقف الحشود الجماهيرية الغوغائية عن الاصطدام المتعمد مع قوات الأمن. وللأسف الشديد هذه أحد أهداف بعض التيارات الثورية وعلي وجه التحديد تيار الاشتراكيين الثوريين الذي يرفع أعضاؤه أعلام الفوضي السوداء وينادون علنا بأن هدفهم الاستراتيجي هو هدم الدولة وهدم الجيش, تطبيقا أعمي لمبادئ مذهب الأناركية أوالفوضوية كما ظهرت شعاراته في الدول الغربية. وقد لاقت هذه الحركة في الخارج فشلا ذريعا لأنها في الواقع حركة تخريبية, ليست مضادة للدولة فقط أو للمجتمع, ولكنها مضادة للشعب نفسه الذي يتوق إلي الأمن والاستقرار, ولا يرضي علي وجه الإطلاق بسيادة الفوضي, خلاقة كانت أو غير خلاقة!
وحين تأملت المشهد الدموي المؤسف والذي يدور منذ أيام عقب أحداث بورسعيد الدامية والمليئة بالألغاز التي لابد من خلال تحقيق سياسي وجنائي جاد فك شفراتها, والذي يتمثل في إصرار حشود جماهيرية علي اقتحام مقر وزارة الداخلية, أدركت أن ما حذرت منه من قبل في مقالاتي الماضية لم يؤد للأسف إلي ترشيد السلوك الثوري للشباب ولا السلوك الجماهيري للحشود, ولا إلي قيام النخبة السياسية عموما والثورية خصوصا بواجبها في عدم الانقضاض علي المسيرة الديمقراطية التي أقرها الشعب بملايينه التي خرجت للتصويت في انتخابات مجلس الشعب.
وحين راجعت ملف مقالاتي وجدتني في24 نوفمبر2011 أنشر مقالة عنوانها انتهازية النخبة وغوغائية الشارع.
وسادت المزايدات الثورية بين فصائل شتي وأصبح معتادا لقارئ الصحف أن يقرأ خبرا مؤداه أن54 تيارا ثوريا وحزبيا يدعو إلي مليونية يوم الثلاثاء أو الجمعة, باسم من الأسماء التي تتغير لكل مرة.
وإذا أضفنا إلي ذلك الغوغائية التي أصبحت سمة الشارع المصري في الشهور الأخيرة, والتي تتمثل في الخرق المتعمد لقواعد القانون والاعتداء الجسيم علي الأرواح والممتلكات, بالإضافة إلي غوغائية وعنف بعض التيارات الثورية, والتي تتمثل في الهجوم المخطط علي مديريات الأمن وأقسام الشرطة, لأدركنا أننا ـ فيما يبدو ـ بإزاء مخطط شامل لهدم أسس الدولة!
ولذلك لم يكن غريبا أن أنشر مقالة أخري في22 ديسمبر2011 بعنوان من الثورة السلمية إلي العنف الفوضوي, والواقع أنه كان هناك إجماع علي أن ثورة25 يناير كانت نموذجا للثورة السلمية, بعد أن ارتفع شعارها الشهير سلمية سلمية
ولكن قد يكون آن الأوان للمناقشة النقدية لهذا الحكم القاطع.
والسبب في ذلك أن مقاومة سلطات النظام السابق للثورة في أسابيعها الأولي تم باستخدام العنف الشديد ضد شباب الثوار, مما أدي إلي وقوع عشرات الشهداء وإصابة الآلاف. غير أن رد فعل الشباب الثوري لم يكن أقل عنفا, فقد أحرق مقر الحزب الوطني الديمقراطي, ومارس الشباب- كرد فعل- العنف الشديد ضد قوي الأمن الباطشة.
وإذا كان ذلك ضروريا في لحظة تاريخية ما لإنجاح الثورة ذاتها فإنه في الواقع أصبح من بعد خطا ثابتا لشباب الثورة, وخصوصا في تنظيم حشود جماهيرية أمام ماسبيرو وفي شارع محمد محمود لاقتحام وزارة الداخلية, وأمام مجلس الوزراء.
وقد سبق أن قررنا أن الحشود الجماهيرية التي تضم آلاف البشر لا يمكن السيطرة علي حركتها لا قبل من نظموها أصلا, ولا من قبل قوات الأمن والجيش, وهكذا غالبا ما تتحول هذه الحشود الجماهيرية السلمية إلي مصادمات عنيفة ودامية بينها وبين قوات الأمن.
ويكفي دليلا علي ذلك إصرار حشود جماهيرية لا نعرف هويتها بالضبط علي اقتحام وزارة الداخلية, والتي من الواجب علي قوات الأمن منعه باستخدام القوة المسلحة, لأن سقوط مبني وزارة الداخلية أو حرقه معناه بكل بساطة البدء في إسقاط الدولة وإشعال الحريق في كل البلد.
وهكذا تحول المشهد السياسي المصري إلي خليط من الغوغائية ومزيد من العنف, في سياق ترفض فيه الائتلافات الثورية الشرعية الديمقراطية التي يمثلها مجلس الشعب المنتخب, وتعثر علي أن شرعية الميدان الذي تسوده الفوضي, وتسيطر عليه الغوغائية السياسية هي الأساس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق