الشعار الرئيسي لثورة 25 يناير في محاولتها الجسور لقلب النظام السلطوي تمهيدا لإرساء قواعد نظام ديموقراطي حقيقي يعبر عن جموع الجماهير المصرية بكل طبقاتها وفئاتها الاجتماعية, هو الشعب يريد إسقاط النظام.
وأصبح هذا الشعار من بعد الشعار الرئيسي لكل الانتفاضات الجماهيرية العربية في ليبيا واليمن وسوريا.
وقد نجحت الثورات العربية في كل من تونس أولا ثم مصر ثانيا وليبيا ثالثا في الإسقاط الكلي للنظم الدكتاتورية التي حكمت هذه الأقطار جميعا لعقود طويلة مستمرة, ولكن ماذا حدث في اليوم التالي للثورة؟
اليوم التالي للثورة لا يقل أهمية بل قد يفوق أهمية يوم وقوع الثورة, نظرا لأن هناك احتمالات متعددة.
وقد نجحت الثورات العربية في كل من تونس أولا ثم مصر ثانيا وليبيا ثالثا في الإسقاط الكلي للنظم الدكتاتورية التي حكمت هذه الأقطار جميعا لعقود طويلة مستمرة, ولكن ماذا حدث في اليوم التالي للثورة؟
اليوم التالي للثورة لا يقل أهمية بل قد يفوق أهمية يوم وقوع الثورة, نظرا لأن هناك احتمالات متعددة.
فقد تفشل الثورة ويعود النظام القديم بصورة أبشع مما كان في السابق مسلحا بالرغبة في الانتقام, وقد تنجح الثورة في اقتلاع جذور النظام القديم, ولكن قد يترتب عليها وضع سياسي ينجم عنه قيام دكتاتورية من نوع جديد, أو انقلاب في توجهات بعض القوي الثورية فيجعلها تسعي إلي هدم الدولة ذاتها, وقد يحدث انفجار اجتماعي يؤدي في النهاية إلي تفكيك المجتمع.
وحتي لا نغوص في تفصيلات ما حدث في اليوم التالي للثورة في البلاد العربية دعونا نركز علي ما حدث في مصر.
اليوم التالي للثورة في مصر بعد إسقاط النظام حدثت فيه أحداث جسام طوال العام الذي انقضي منذ تسلم المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة في البلاد بصورة مؤقتة. ولا نريد أن نقف أمام تفصيلات ما دار في المرحلة الانتقالية, ولكن أبرز وقائعها قاطبة تشرذم القوي الثورية وتشكيلها لمئات الائتلافات المتناحرة والمتنافسة علي الزعامة والوجاهة الاجتماعية والحضور الإعلامي, وادعاء أنها وليس غيرها من يستطيع أن يحرك الشارع باسم شرعية الميدان. أما الأحداث الكبري التي تلت ذلك فهي اندفاع القوي السياسية التقليدية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين للقفز فوق قطار الثورة المندفع, ونجاحها نتيجة أخطاء سياسية فادحة للائتلافات الثورية والقوي الليبرالية واليسارية ـ في الحصول في انتخابات مجلسي الشعب والشوري علي الأكثرية وشاركها في ذلك حزب النور السلفي. ومعني ذلك إقصاء التيارات الثورية والليبرالية واليسارية من البرلمان لأنها لم تمثل إلا بعدد قليل للغاية.
الدليل علي ذلك هو إصرار جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين علي الحصول علي نسبة 50% من عضوية اللجنة التأسيسية للدستور والدخول أيضا بممثليهم في نسبة الخمسين في المائة الأخري التي تركت لكل طوائف الشعب المصري.
ومعني ذلك أن إسقاط النظام الذي نادت به الثورة أدي في الواقع إلي تأسيس نظام دكتاتوري جديد أخطر من النظام السابق, لأنه يتحدث باسم الإسلام وينطلق من توجهات دينية تسعي في الواقع إلي إلغاء مدنية الدولة وتأسيس دولة دينية, وإعادة نظام الخلافة من جديد, بحيث تصبح مصر مجرد إمارة من الإمارات الإسلامية المتعددة التي سيحكمها الخليفة الإسلامي المنتظر, والذي كانت تحلم بعودته جماعة الإخوان المسلمين منذ بداية تأسيسها علي يد الشيخ حسن البنا.
سقط النظام نعم, ولكن كما رأينا- أقيمت علي أنقاضه دكتاتورية سياسية دينية تبلورت في حكم الإخوان المسلمين, ولكن أخطر من ذلك أنه حدثت محاولات منهجية لهدم كيان الدولة المصرية, سواء بطريقة واعية أو بطريقة لا واعية, تكشف عن عدم إدراك خطورة إسقاط الدولة.
وقد بدأت هذه المحاولات من قبل جماعات ثورية خططت لإسقاط مؤسسة الشرطة بأكملها, بزعم أنها بكل أعضائها مارست قمع الشعب واستخدمت في ذلك وسائل التعذيب المرفوضة وبلغت ذروة تعسفها في محاولاتها التصدي لقمع مظاهرات25 يناير باستخدام القوة المفرطة, مما ترتب عليه سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين.
وقد أدي الهجوم الكاسح علي جهاز الشرطة عموما وبدون تمييز إلي إحداث فجوة عميقة من عدم الثقة بين الشرطة والشعب, مما أدي إلي حالات واسعة من الانفلات الأمني, بحيث أصبح غياب الأمن إحدي المشكلات الجسيمة التي تواجه المواطنين بعد ثورة 25 يناير.
وتصاعدت الدعوات المشروعة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة, تصاحبها دعوات غوغائية لتطهير الجهاز باستبعاد مئات من كبار قياداته بالجملة وبدون تحقيقات جادة, تحفظ لهم حقوقهم القانونية مما مازال يثير بلبلة كبري.
غير أن أخطر ما حدث من محاولات لهدم الدولة هو الهجوم غير المسئول علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وصعود الهتاف الشهير يسقط يسقط حكم العسكر هكذا بدون التمييز الدقيق بين الوظيفة السياسية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة والتي يقوم بها بصورة مؤقتة وبين الجيش ذاته.
وخططت ائتلافات ثورية شتي سبق لها أن افتعلت معارك صدامية مع قوات الشرطة لاختلاق معارك صدامية مع قوات الجيش ذاتها, سواء بالمظاهرات الألفية التي توجهت إلي وزارة الدفاع بالقاهرة, أو إلي المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية. وكأن الهدف الثاني من إسقاط الدولة بعد إسقاط الشرطة هو إسقاط القوات المسلحة.
وليس هذا مجرد استنتاج من الوقائع, بل إن الاشتراكيين الثوريين وهو فصيل سياسي محدود العدد جهر بأن أحد أهدافه الكبري هو إسقاط الدولة وإسقاط الجيش.
فكأننا بعد ثورة25 يناير حصدنا إقامة دكتاتورية سياسية دينية يتزعمها الإخوان المسلمون والسلفيون, وتم إسقاط الشرطة وكانت هناك محاولات لإسقاط الجيش, ولكن أخطر الظواهر هو بروز نمط من الممارسات الغوغائية انخرطت فيها مختلف الفئات والطوائف موجهة إلي السلطة في كل المواقع, وتهدف لتجريدها من كل هيبة وإفقادها أي احترام, والهجوم الشخصي عليها.
ولعل ما يؤكد ذلك الاضرابات والاعتصامات الفوضوية التي حدثت مؤخرا من قبل سائقي النقل العام, والتي أدت إلي حرمان الشعب من وسائل المواصلات الضرورية.
غير أن موجات السلوك الفوضوي التخريبي برزت مؤخرا في المظاهرات التي قامت بها جماعات الألتراس في النوادي المصرية جميعا, وأبرزها النادي الأهلي ونادي الزمالك والنادي المصري.
وقد تحولت روابط المشجعين الرياضيين هذه والمنظمة تنظيما سريا دقيقا وكأنها جماعات ماسونية من التشجيع الرياضي إلي العمل السياسي الغوغائي. ويكشف عن ذلك المظاهرة الكبري التي قام بها ألتراس الأهلي في القاهرة مطالبين بالقصاص للشهداء في بورسعيد, مع أن النائب العام قد حول خمسة وسبعين متهما للمحاكمة. وأخطر من ذلك كله قيام ألتراس المصري بالهجوم علي مبني إرشاد قناة السويس في بور سعيد, وحدوث مواجهات دامية بينهم وبين قوات الأمن والجيش, مما ترتب عليه سقوط قتيل وإصابة العشرات من المتظاهرين الذين منعوا 30.000 ألف عامل من الوصول إلي المنطقة الصناعية, والتي اضطرت إلي غلق المصانع, مما ترتب عليه خسائر يومية قدرت بأربعة عشر مليون جنيه.
هل نبالغ لو قلنا إن هذه هي محصلة اليوم التالي للثورة في مصر؟
دكتاتورية سياسية جديدة تتشح بثياب دينية متشددة كفيلة بتخلف المجتمع المصري قرونا عديدة إلي الوراء, ومحاولات لإسقاط الدولة لكي تصبح فريسة للأطماع الداخلية والخارجية علي السواء, وأخيرا السلوك الغوغائي غير المسئول الذي أدي في الواقع إلي نسف التراتبية الاجتماعية, والتمرد غير العقلاني علي السلطة, والزحف المنظم لاقتلاع القيم والأعراف التي قامت عليها المؤسسات في مصر, ومعني ذلك تفكيك المجتمع.
كيف يمكن لنا أن نخرج من هذا النفق المظلم؟
ليس هناك من سبيل إلا ممارسة النقد الذاتي من ناحية وتوجيه سهام النقد الاجتماعي المسئول من ناحية أخري, والذي لا يكتفي بالإشارة إلي الأخطاء وإنما يعطيها التكييف الصحيح.
وتبقي الحكمة التقليدية صحيحة وهي أن الثورة قد تؤدي إلي التحرر ولكنها قد لا تحقق الحرية!
ومعني ذلك أن إسقاط النظام الذي نادت به الثورة أدي في الواقع إلي تأسيس نظام دكتاتوري جديد أخطر من النظام السابق, لأنه يتحدث باسم الإسلام وينطلق من توجهات دينية تسعي في الواقع إلي إلغاء مدنية الدولة وتأسيس دولة دينية, وإعادة نظام الخلافة من جديد, بحيث تصبح مصر مجرد إمارة من الإمارات الإسلامية المتعددة التي سيحكمها الخليفة الإسلامي المنتظر, والذي كانت تحلم بعودته جماعة الإخوان المسلمين منذ بداية تأسيسها علي يد الشيخ حسن البنا.
سقط النظام نعم, ولكن كما رأينا- أقيمت علي أنقاضه دكتاتورية سياسية دينية تبلورت في حكم الإخوان المسلمين, ولكن أخطر من ذلك أنه حدثت محاولات منهجية لهدم كيان الدولة المصرية, سواء بطريقة واعية أو بطريقة لا واعية, تكشف عن عدم إدراك خطورة إسقاط الدولة.
وقد بدأت هذه المحاولات من قبل جماعات ثورية خططت لإسقاط مؤسسة الشرطة بأكملها, بزعم أنها بكل أعضائها مارست قمع الشعب واستخدمت في ذلك وسائل التعذيب المرفوضة وبلغت ذروة تعسفها في محاولاتها التصدي لقمع مظاهرات25 يناير باستخدام القوة المفرطة, مما ترتب عليه سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين.
وقد أدي الهجوم الكاسح علي جهاز الشرطة عموما وبدون تمييز إلي إحداث فجوة عميقة من عدم الثقة بين الشرطة والشعب, مما أدي إلي حالات واسعة من الانفلات الأمني, بحيث أصبح غياب الأمن إحدي المشكلات الجسيمة التي تواجه المواطنين بعد ثورة 25 يناير.
وتصاعدت الدعوات المشروعة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة, تصاحبها دعوات غوغائية لتطهير الجهاز باستبعاد مئات من كبار قياداته بالجملة وبدون تحقيقات جادة, تحفظ لهم حقوقهم القانونية مما مازال يثير بلبلة كبري.
غير أن أخطر ما حدث من محاولات لهدم الدولة هو الهجوم غير المسئول علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وصعود الهتاف الشهير يسقط يسقط حكم العسكر هكذا بدون التمييز الدقيق بين الوظيفة السياسية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة والتي يقوم بها بصورة مؤقتة وبين الجيش ذاته.
وخططت ائتلافات ثورية شتي سبق لها أن افتعلت معارك صدامية مع قوات الشرطة لاختلاق معارك صدامية مع قوات الجيش ذاتها, سواء بالمظاهرات الألفية التي توجهت إلي وزارة الدفاع بالقاهرة, أو إلي المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية. وكأن الهدف الثاني من إسقاط الدولة بعد إسقاط الشرطة هو إسقاط القوات المسلحة.
وليس هذا مجرد استنتاج من الوقائع, بل إن الاشتراكيين الثوريين وهو فصيل سياسي محدود العدد جهر بأن أحد أهدافه الكبري هو إسقاط الدولة وإسقاط الجيش.
فكأننا بعد ثورة25 يناير حصدنا إقامة دكتاتورية سياسية دينية يتزعمها الإخوان المسلمون والسلفيون, وتم إسقاط الشرطة وكانت هناك محاولات لإسقاط الجيش, ولكن أخطر الظواهر هو بروز نمط من الممارسات الغوغائية انخرطت فيها مختلف الفئات والطوائف موجهة إلي السلطة في كل المواقع, وتهدف لتجريدها من كل هيبة وإفقادها أي احترام, والهجوم الشخصي عليها.
ولعل ما يؤكد ذلك الاضرابات والاعتصامات الفوضوية التي حدثت مؤخرا من قبل سائقي النقل العام, والتي أدت إلي حرمان الشعب من وسائل المواصلات الضرورية.
غير أن موجات السلوك الفوضوي التخريبي برزت مؤخرا في المظاهرات التي قامت بها جماعات الألتراس في النوادي المصرية جميعا, وأبرزها النادي الأهلي ونادي الزمالك والنادي المصري.
وقد تحولت روابط المشجعين الرياضيين هذه والمنظمة تنظيما سريا دقيقا وكأنها جماعات ماسونية من التشجيع الرياضي إلي العمل السياسي الغوغائي. ويكشف عن ذلك المظاهرة الكبري التي قام بها ألتراس الأهلي في القاهرة مطالبين بالقصاص للشهداء في بورسعيد, مع أن النائب العام قد حول خمسة وسبعين متهما للمحاكمة. وأخطر من ذلك كله قيام ألتراس المصري بالهجوم علي مبني إرشاد قناة السويس في بور سعيد, وحدوث مواجهات دامية بينهم وبين قوات الأمن والجيش, مما ترتب عليه سقوط قتيل وإصابة العشرات من المتظاهرين الذين منعوا 30.000 ألف عامل من الوصول إلي المنطقة الصناعية, والتي اضطرت إلي غلق المصانع, مما ترتب عليه خسائر يومية قدرت بأربعة عشر مليون جنيه.
هل نبالغ لو قلنا إن هذه هي محصلة اليوم التالي للثورة في مصر؟
دكتاتورية سياسية جديدة تتشح بثياب دينية متشددة كفيلة بتخلف المجتمع المصري قرونا عديدة إلي الوراء, ومحاولات لإسقاط الدولة لكي تصبح فريسة للأطماع الداخلية والخارجية علي السواء, وأخيرا السلوك الغوغائي غير المسئول الذي أدي في الواقع إلي نسف التراتبية الاجتماعية, والتمرد غير العقلاني علي السلطة, والزحف المنظم لاقتلاع القيم والأعراف التي قامت عليها المؤسسات في مصر, ومعني ذلك تفكيك المجتمع.
كيف يمكن لنا أن نخرج من هذا النفق المظلم؟
ليس هناك من سبيل إلا ممارسة النقد الذاتي من ناحية وتوجيه سهام النقد الاجتماعي المسئول من ناحية أخري, والذي لا يكتفي بالإشارة إلي الأخطاء وإنما يعطيها التكييف الصحيح.
وتبقي الحكمة التقليدية صحيحة وهي أن الثورة قد تؤدي إلي التحرر ولكنها قد لا تحقق الحرية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق