21/01/2010
اهتممنا منذ سنوات بمشكلة تكوين العقل النقدي العربي, إيمانا منا بأن هذا التكوين يعد إحدي المهام الرئيسية لأي ثقافة معاصرة. وقد سبقتنا الثقافة الأوروبية في تشكيل هذا العقل منذ رفعت شعارات الحداثة.
وأهمها أن العقل هو محك الحكم علي الأشياء وليس النص الديني, كما كان شائعا في العصور الوسطي بتأثير الجمود العقائدي الذي مارسته الكنيسة, والذي أدي إلي تعطيل العقل الأوروبي ردحا طويلا من الزمان.
ومنذ أن أعلنت الثقافة الأوروبية ثورتها المعرفية ضد قيود التفكير, وأرست مباديء الشك الفلسفي الذي من تقاليده مساءلة كل الأفكار المسبقة وحتي المعتقدات الميتافيزيقية, تم إرساء قواعد التفكير النقدي.
ويمكن القول بدون أدني مبالغة إن ممارسة التفكير النقدي الأوروبي في مسائل السياسة وموضوعات الاقتصاد ومشكلات المجتمع والثقافة بواسطة الفلاسفة والمفكرين والسياسيين, هو الذي دفع بالمجتمعات الأوروبية إلي آفاق التقدم. ولايعني ذلك أن التفكير النقدي بمفرده قادر علي تطوير المجتمعات, فلابد أن يصاحبه ـ كما حدث فعلا ـ نهضة صناعية وتكنولوجية وعلمية.
وهكذا حين انتقلت أوروبا من نمط الإنتاج الزراعي إلي نموذج المجتمع الصناعي بكل مايتضمنه ذلك من تطور تكنولوجي ونهضة علمية, انفتحت أمامها أبواب التقدم المجتمعي, وأصبح المجتمع الأوروبي ينضح بالحيوية بعد أن كان مجتمعا سكونيا جامدا. وإن كنا سجلنا رأينا منذ التسعينيات عن أهمية تكوين العقل النقدي في مجتمع متغير وذلك عقب نهاية الحرب الباردة ونشوء عالم جديد, فإننا اليوم نؤكد عليه مرة أخري, ولكن في سياق ثورة المعلومات التي أدت إلي تدفقها في كل المجالات المعرفية, مما يستدعي في المقام الأول عقلا نقديا يستطيع تصنيف هذا الفيض من المعلومات, والتفرقة بين المعلومات الصحيحة والمعلومات الخاطئة, والمعلومات المتحيزة والمعلومات الموضوعية.
ولكن أهم من ذلك كله أن العقل النقدي هو الوسيلة الوحيدة لتحويل المعلومات إلي معرفة, لأن المعلومات بذاتها لاتشكل معرفة. ومن هنا أصبح يقع علي عاتق المجتمعات العربية المعاصرة مسئولية تشكيل العقل النقدي, وهذا التوجه ينبغي ان ينعكس علي السياسة الثقافية بشكل عام, مع تركيز علي التغيير الجوهري لنظام التعليم الذي يقوم علي التلقين وليس علي التحليل, وترشيد النظام الإعلامي ليصبح أداة للتفكير الخلاق ويستدعي ذلك في المقام الاول تغيير نمط التنشئة الاجتماعية لكي يقوم علي أساس تنمية الابداع وتشجيع الحوار الخلاق ويستدعي ذلك في المقام الأول تغيير نمط التنشئة الاجتماعية لكي يقوم علي أساس تنمية الابداع وتشجيع الحوار الخلاق.
ولو تأملنا المشهد المعرفي العربي الراهن لاكتشفنا أننا لم نستطع كعرب أن نجتاز عتبات الحداثة الفكرية كما فعلت أوروبا وأعلنت أن العقل هو معيار الحكم علي الاشياء.. وإخفاقنا في تحقيق الحداثة علي النمط الأوروبي, وتركيزنا علي تجارب التحديث العشوائية التي نجحت أحيانا وفشلت أحيانا أخري, هو الذي أدي إلي هيمنة النص الديني علي جنبات المجتمع, وشيوع التأويلات الجامدة له والتي وصلت إلي درجة الانحراف في بعض الأحيان, مما أدي إلي تكوين الفكر الديني المتزمت,الذي عوق الحركة السياسية والاجتماعية, وشيوع الفكر المتطرف الذي أدي في نهاية المطاف إلي الإرهاب. والواقع أننا لو ألقينا نظرة شاملة علي مسيرة التنمية العربية منذ الخمسينيات حتي اليوم, لاكتشفنا أنه تم التركيز علي الابعاد الاقتصادية والتي عنيت بالنهوض بالمجتمعاات العربية, علي حساب التطور السياسي والتقدم المعرفي. لقد سبق لنا أن وصفنا الثقافة العربية بأنها ثقافة تحت الحصار! وذلك لأنه لا يمكن لمجتمع ما مهما بلغت إنجازاته الاقتصادية أن يتقدم في ظل سيادة الشمولية والسلطوية التي من شأنها أن تمنع إطلاق المبادرات الخلاقة للأفراد والجماعات والتنظيمات السياسية والمؤسسات الاجتماعية, والمشكلة تبدو خطورتها في السياق التاريخي الذي نعيش في ظله حيث تنتقل البلاد المتقدمة من نموذج مجتمع المعلومات إلي نموذج مجتمع المعرفة بالمعني الشامل للكلمة, مما يستدعي فتح باب الإبداع واسعا وعريضا, ورفع القيود أمام حرية التفكير وحرية التعبير.
وإذا كانت المجتمعات العربية المعاصرة قد نجحت في أن تلحق بالتطور العالمي في مجال إرساء قواعد مجتمع المعلومات العالمي وفي قلبه شبكة الإنترنت, إلا أنه تم تجاهل أن مجتمع المعلومات ليس مرادفا لتكنولوجيا المعلومات!
بعبارة أخري لاتتعلق المسألة بعدد أجهزة الكمبيوتر في بلد معين, ولابالزيادة المطردة في عدد مستخدمي الإنترنت وهي حقا ظاهرة إيجابية, ولكن أخطر من ذلك تجاهل أن مجتمع المعلومات العالمي هو نموذج حضاري متكامل يتجاوز بقيمه تكنولوجيا المعلومات, فهو يقوم أولا علي الديمقراطية, وثانيا علي الشفافية, وثالثا علي حرية تداول المعلومات.
ومعني ذلك أنه لايمكن الحديث عن وجود مجتمع معلومات حقيقي في العالم العربي إذا لم تتحقق الديمقراطية ولم تتوافر الشفافية ولم تقنن حرية تداول المعلومات, بحيث يصبح من حق كل مواطن الحصول علي المعلومة مجانا وفي أي وقت.
ولايمكن للمجتمع العربي المعاصر الانتقال من مرحلة مجتمع المعلومات العالمي إلي مرحلة أرقي هي مجتمع المعرفة, وهو التطور الحادث اليوم في المجتمعات الصناعية المتقدمة, بغير القضاء النهائي علي آفة الأمية. وإذا صدقت التقديرات التي تذهب إلي أن معدل الأمية في العالم العربي لايقل عن40% فمعني ذلك أننا أمام كارثة ثقافية قبل أن نكون أمام عقبة معرفية!
وذلك لأن الأمية تعني أساسا الانخفاض الشديد في الوعي الاجتماعي العام, مما يؤثر سلبا علي اتجاهات الجماهير العريضة وقيمها وحتي علي سلوكها الاجتماعي.
ولذلك ليس غريبا في الواقع أن تسود اتجاهات الفكر الخرافي, وأن يصبح الفكر الديني المتزمت هو المسيطر علي عقول الناس!
وإذا كانت الثقافة العربية واقعة تحت الحصار كما أشرنا, فإن من بين مشكلاتها المزمنة شيوع عقلية التحريم فيها,وذلك لأن الثقافة العربية المعاصرة المحاصرة بالنظم السياسية الشمولية والسلطوية تضع قيودا متعددة علي حرية التفكير. ولو تأملنا تاريخ التقدم في مختلف الحضارات, لأدركنا أنه كان محصلة لممارسة حرية التفكير بغير قيود ولاحدود.
ولننظر لتاريخ التقدم الغربي, وسنجد أن أوروبا لم تستطع أن تخرج من عباءة القرون الوسطي بكل تخلفها وأثقالها, إلا بعد أن حطمت المؤسسات التي كانت تحجر علي الفكر, وتضع قيودا لا حدود لها علي العقل الإنساني, بل تمارس البطش الشديد والقمع بمختلف صوره علي كل مفكر أو مثقف أو باحث جرؤ علي تحدي المسلمات العلمية أو الفكرية أو السياسية أو الدينية السائدة.
لقد سمحت حرية التفكير للعقل الأوروبي أن يستطلع آفاق ميادين الاجتماع والسياسة والاقتصاد من خلال بلورة علوم كاملة تدرسها, ودفعت به أيضا الي تنمية المنهج العلمي المنضبط لدراسة الظواهر الطبيعية بمختلف تجلياتها. وفي هذا المجال لم يتردد العقل الأوروبي إطلاقا في أن يبني علي القواعد الراسخة التي وضعها العلماء المسلمون في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية في الطبيعة والكيمياء والفلك والطب. ولم يزعم بعض الأوروبيين أن الفكر العالمي الإسلامي فكر وافد لاينبغي الاستعانة به, ولم ترتفع أصوات غبية ترفع شعارات الغزو الثقافي, أو تندد بالتبعية الحضارية, كما يحدث اليوم في بلادنا في مواجهة الفكر العلمي والإنساني المتقدم. ولذلك ـ نتيجة للتزمت الديني والجمود الفكري ـ تشيع دعاوي الحسبة التي يرفعها أنصار الفكر المحافظ ضد الأدباء والمفكرين, وهي علامة بارزة علي التخلف الثقافي العربي.
وأيا ما كان الأمر فيمكن القول إن من أبرز الكتب العربية التي نشرت اخيرا, أو ناقشت باستفاضة موضوعات المعلومات والمعرفة والتفكير النقدي, كتاب الدكتور نبيل علي الذي سبق ان أشرنا إليه وعنوانه العقل العربي ومجتمع المعرفة الكويت عالم المعرفة, ديسمبر2009.
وهو بعد استعراض عميق لتعريفات التفكير النقدي ومعاييره وحضارته من المنظور العربي, يؤكد في مجموعة نقاط مركزة أهمية أن نأخذ التفكير النقدي مأخذ الجد, وذلك لعدة أسباب رئيسية.
من أهمها تعليميا أن التفكير النقدي هو الحل البديل والأصيل لتخليص التعليم العربي من حتمية التعليم بالتلقين وسلبية التلقين.
ومن الناحية الإعلامية تبدو أهمية التفكير النقدي في كونه أكثر الوسائل فعالية لمواجهة حملات الخداع والتضليل, ورفع الوعي الإعلامي للجماهير.
أما من الناحية الثقافية فهو ضرورة من ضرورات التنمية كما أشرنا بالاضافة ـ كما يقول نبيل علي ـ إلي كونه سلاحا ماضيا للتصدي للحملة الضارية التي يشنها الغرب علي الثقافة العربية والحضارة الإسلامية.
وتبقي وظيفته الأساسية والتي أشرنا إليها مرارا, وهي قدرته الفعالة علي تحويل المعلومات الي معرفة, لأنه الذي يستطيع وحده بلورة المعاني الكامنة, واستخلاص الدلالات المتضمنة في فيضان المعلومات الزاخر.
بعبارة موجزة بغير عقل نقدي لايمكن تحقيق النهضة العربية!
ومنذ أن أعلنت الثقافة الأوروبية ثورتها المعرفية ضد قيود التفكير, وأرست مباديء الشك الفلسفي الذي من تقاليده مساءلة كل الأفكار المسبقة وحتي المعتقدات الميتافيزيقية, تم إرساء قواعد التفكير النقدي.
ويمكن القول بدون أدني مبالغة إن ممارسة التفكير النقدي الأوروبي في مسائل السياسة وموضوعات الاقتصاد ومشكلات المجتمع والثقافة بواسطة الفلاسفة والمفكرين والسياسيين, هو الذي دفع بالمجتمعات الأوروبية إلي آفاق التقدم. ولايعني ذلك أن التفكير النقدي بمفرده قادر علي تطوير المجتمعات, فلابد أن يصاحبه ـ كما حدث فعلا ـ نهضة صناعية وتكنولوجية وعلمية.
وهكذا حين انتقلت أوروبا من نمط الإنتاج الزراعي إلي نموذج المجتمع الصناعي بكل مايتضمنه ذلك من تطور تكنولوجي ونهضة علمية, انفتحت أمامها أبواب التقدم المجتمعي, وأصبح المجتمع الأوروبي ينضح بالحيوية بعد أن كان مجتمعا سكونيا جامدا. وإن كنا سجلنا رأينا منذ التسعينيات عن أهمية تكوين العقل النقدي في مجتمع متغير وذلك عقب نهاية الحرب الباردة ونشوء عالم جديد, فإننا اليوم نؤكد عليه مرة أخري, ولكن في سياق ثورة المعلومات التي أدت إلي تدفقها في كل المجالات المعرفية, مما يستدعي في المقام الأول عقلا نقديا يستطيع تصنيف هذا الفيض من المعلومات, والتفرقة بين المعلومات الصحيحة والمعلومات الخاطئة, والمعلومات المتحيزة والمعلومات الموضوعية.
ولكن أهم من ذلك كله أن العقل النقدي هو الوسيلة الوحيدة لتحويل المعلومات إلي معرفة, لأن المعلومات بذاتها لاتشكل معرفة. ومن هنا أصبح يقع علي عاتق المجتمعات العربية المعاصرة مسئولية تشكيل العقل النقدي, وهذا التوجه ينبغي ان ينعكس علي السياسة الثقافية بشكل عام, مع تركيز علي التغيير الجوهري لنظام التعليم الذي يقوم علي التلقين وليس علي التحليل, وترشيد النظام الإعلامي ليصبح أداة للتفكير الخلاق ويستدعي ذلك في المقام الاول تغيير نمط التنشئة الاجتماعية لكي يقوم علي أساس تنمية الابداع وتشجيع الحوار الخلاق ويستدعي ذلك في المقام الأول تغيير نمط التنشئة الاجتماعية لكي يقوم علي أساس تنمية الابداع وتشجيع الحوار الخلاق.
ولو تأملنا المشهد المعرفي العربي الراهن لاكتشفنا أننا لم نستطع كعرب أن نجتاز عتبات الحداثة الفكرية كما فعلت أوروبا وأعلنت أن العقل هو معيار الحكم علي الاشياء.. وإخفاقنا في تحقيق الحداثة علي النمط الأوروبي, وتركيزنا علي تجارب التحديث العشوائية التي نجحت أحيانا وفشلت أحيانا أخري, هو الذي أدي إلي هيمنة النص الديني علي جنبات المجتمع, وشيوع التأويلات الجامدة له والتي وصلت إلي درجة الانحراف في بعض الأحيان, مما أدي إلي تكوين الفكر الديني المتزمت,الذي عوق الحركة السياسية والاجتماعية, وشيوع الفكر المتطرف الذي أدي في نهاية المطاف إلي الإرهاب. والواقع أننا لو ألقينا نظرة شاملة علي مسيرة التنمية العربية منذ الخمسينيات حتي اليوم, لاكتشفنا أنه تم التركيز علي الابعاد الاقتصادية والتي عنيت بالنهوض بالمجتمعاات العربية, علي حساب التطور السياسي والتقدم المعرفي. لقد سبق لنا أن وصفنا الثقافة العربية بأنها ثقافة تحت الحصار! وذلك لأنه لا يمكن لمجتمع ما مهما بلغت إنجازاته الاقتصادية أن يتقدم في ظل سيادة الشمولية والسلطوية التي من شأنها أن تمنع إطلاق المبادرات الخلاقة للأفراد والجماعات والتنظيمات السياسية والمؤسسات الاجتماعية, والمشكلة تبدو خطورتها في السياق التاريخي الذي نعيش في ظله حيث تنتقل البلاد المتقدمة من نموذج مجتمع المعلومات إلي نموذج مجتمع المعرفة بالمعني الشامل للكلمة, مما يستدعي فتح باب الإبداع واسعا وعريضا, ورفع القيود أمام حرية التفكير وحرية التعبير.
وإذا كانت المجتمعات العربية المعاصرة قد نجحت في أن تلحق بالتطور العالمي في مجال إرساء قواعد مجتمع المعلومات العالمي وفي قلبه شبكة الإنترنت, إلا أنه تم تجاهل أن مجتمع المعلومات ليس مرادفا لتكنولوجيا المعلومات!
بعبارة أخري لاتتعلق المسألة بعدد أجهزة الكمبيوتر في بلد معين, ولابالزيادة المطردة في عدد مستخدمي الإنترنت وهي حقا ظاهرة إيجابية, ولكن أخطر من ذلك تجاهل أن مجتمع المعلومات العالمي هو نموذج حضاري متكامل يتجاوز بقيمه تكنولوجيا المعلومات, فهو يقوم أولا علي الديمقراطية, وثانيا علي الشفافية, وثالثا علي حرية تداول المعلومات.
ومعني ذلك أنه لايمكن الحديث عن وجود مجتمع معلومات حقيقي في العالم العربي إذا لم تتحقق الديمقراطية ولم تتوافر الشفافية ولم تقنن حرية تداول المعلومات, بحيث يصبح من حق كل مواطن الحصول علي المعلومة مجانا وفي أي وقت.
ولايمكن للمجتمع العربي المعاصر الانتقال من مرحلة مجتمع المعلومات العالمي إلي مرحلة أرقي هي مجتمع المعرفة, وهو التطور الحادث اليوم في المجتمعات الصناعية المتقدمة, بغير القضاء النهائي علي آفة الأمية. وإذا صدقت التقديرات التي تذهب إلي أن معدل الأمية في العالم العربي لايقل عن40% فمعني ذلك أننا أمام كارثة ثقافية قبل أن نكون أمام عقبة معرفية!
وذلك لأن الأمية تعني أساسا الانخفاض الشديد في الوعي الاجتماعي العام, مما يؤثر سلبا علي اتجاهات الجماهير العريضة وقيمها وحتي علي سلوكها الاجتماعي.
ولذلك ليس غريبا في الواقع أن تسود اتجاهات الفكر الخرافي, وأن يصبح الفكر الديني المتزمت هو المسيطر علي عقول الناس!
وإذا كانت الثقافة العربية واقعة تحت الحصار كما أشرنا, فإن من بين مشكلاتها المزمنة شيوع عقلية التحريم فيها,وذلك لأن الثقافة العربية المعاصرة المحاصرة بالنظم السياسية الشمولية والسلطوية تضع قيودا متعددة علي حرية التفكير. ولو تأملنا تاريخ التقدم في مختلف الحضارات, لأدركنا أنه كان محصلة لممارسة حرية التفكير بغير قيود ولاحدود.
ولننظر لتاريخ التقدم الغربي, وسنجد أن أوروبا لم تستطع أن تخرج من عباءة القرون الوسطي بكل تخلفها وأثقالها, إلا بعد أن حطمت المؤسسات التي كانت تحجر علي الفكر, وتضع قيودا لا حدود لها علي العقل الإنساني, بل تمارس البطش الشديد والقمع بمختلف صوره علي كل مفكر أو مثقف أو باحث جرؤ علي تحدي المسلمات العلمية أو الفكرية أو السياسية أو الدينية السائدة.
لقد سمحت حرية التفكير للعقل الأوروبي أن يستطلع آفاق ميادين الاجتماع والسياسة والاقتصاد من خلال بلورة علوم كاملة تدرسها, ودفعت به أيضا الي تنمية المنهج العلمي المنضبط لدراسة الظواهر الطبيعية بمختلف تجلياتها. وفي هذا المجال لم يتردد العقل الأوروبي إطلاقا في أن يبني علي القواعد الراسخة التي وضعها العلماء المسلمون في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية في الطبيعة والكيمياء والفلك والطب. ولم يزعم بعض الأوروبيين أن الفكر العالمي الإسلامي فكر وافد لاينبغي الاستعانة به, ولم ترتفع أصوات غبية ترفع شعارات الغزو الثقافي, أو تندد بالتبعية الحضارية, كما يحدث اليوم في بلادنا في مواجهة الفكر العلمي والإنساني المتقدم. ولذلك ـ نتيجة للتزمت الديني والجمود الفكري ـ تشيع دعاوي الحسبة التي يرفعها أنصار الفكر المحافظ ضد الأدباء والمفكرين, وهي علامة بارزة علي التخلف الثقافي العربي.
وأيا ما كان الأمر فيمكن القول إن من أبرز الكتب العربية التي نشرت اخيرا, أو ناقشت باستفاضة موضوعات المعلومات والمعرفة والتفكير النقدي, كتاب الدكتور نبيل علي الذي سبق ان أشرنا إليه وعنوانه العقل العربي ومجتمع المعرفة الكويت عالم المعرفة, ديسمبر2009.
وهو بعد استعراض عميق لتعريفات التفكير النقدي ومعاييره وحضارته من المنظور العربي, يؤكد في مجموعة نقاط مركزة أهمية أن نأخذ التفكير النقدي مأخذ الجد, وذلك لعدة أسباب رئيسية.
من أهمها تعليميا أن التفكير النقدي هو الحل البديل والأصيل لتخليص التعليم العربي من حتمية التعليم بالتلقين وسلبية التلقين.
ومن الناحية الإعلامية تبدو أهمية التفكير النقدي في كونه أكثر الوسائل فعالية لمواجهة حملات الخداع والتضليل, ورفع الوعي الإعلامي للجماهير.
أما من الناحية الثقافية فهو ضرورة من ضرورات التنمية كما أشرنا بالاضافة ـ كما يقول نبيل علي ـ إلي كونه سلاحا ماضيا للتصدي للحملة الضارية التي يشنها الغرب علي الثقافة العربية والحضارة الإسلامية.
وتبقي وظيفته الأساسية والتي أشرنا إليها مرارا, وهي قدرته الفعالة علي تحويل المعلومات الي معرفة, لأنه الذي يستطيع وحده بلورة المعاني الكامنة, واستخلاص الدلالات المتضمنة في فيضان المعلومات الزاخر.
بعبارة موجزة بغير عقل نقدي لايمكن تحقيق النهضة العربية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق