السبت، 7 أبريل 2012

المثقفون العرب في عصر العولمة‏!‏ بقلم: السيد يسين



هناك أدوار متعددة لعبها المثقفون العرب منذ بداية النهضة العربية الحديثة حتي الآن‏.‏ وأبرز هذه الأدوار تشخيص تخلف المجتمع العربي من الجوانب السياسية والاقتصادية والسياسية‏,‏ واستنهاض همم الشعوب العربية عن طريق تطوير التعليم‏,‏ وإنشاء الصحف‏,‏ ورفع معدلات الوعي الجماهيري بأهمية السير في طريق النهضة الشاملة‏.‏
وفي دور آخر ومهم من أدوارهم ارتحل عدد من أبرز المثقفين العرب إلي أوروبا وعادوا وألفوا كتبا هامة عن مشاهداتهم الميدانية, وعن تحليلهم لقيم الحضارة الغربية ومحاولاتهم لزرع بعضها في البيئة العربية.
ولم يتخل المثقفون العرب في البلاد العربية المستعمرة عن خوض النضال الوطني, وتعبئة الجماهير وحشدها ضد الاستعمار والاحتلال.
وحين حانت لحظة الاستقلال الوطني في الخمسينيات, اندفع المثقفون العرب للمشاركة في حكم بلادهم سواء عن طريق الاصلاح أو بانتهاج أسلوب الانقلاب أو الثورة, وشارك كثير من مثقفي العرب ممن لم يدخلوا في إطارات السلطة الحاكمة في الجهد العلمي والفكري, لرسم ملامح التنمية المستدامة والنهضة الشاملة للمجتمع العربي.
غير أن المثقفين العرب واجهوا في مسيرتهم الطويلة تحديات متعددة حاولوا مجابهتها بطرق شتي وباجتهادات متنوعة.
ولعل التحدي الأول تمثل في النزوع إلي اعتبار التخلف بكل أبعاده مرده إلي الاستعمار الأجنبي, مما أدي إلي تجاهل الأسباب الكامنة في صميم المجتمع العربي, والتي أدت إلي بلورة ظاهرة التخلف.
ولعل أهم هذه الأسباب هو استمرار ميراث الاستبداد الذي عرفته الدولة الإسلامية عبر قرون متعددة في الدول التي نالت استقلالها والتي تحول بعضها ـ بالرغم من الماضي شبه الليبرالي الذي عرفته ـ إلي دول شمولية أو سلطوية.
كذلك لايمكن تجاهل ارتفاع معدلات الأمية, مما أدي إلي انخفاض الوعي الاجتماعي لدي الجماهير العريضة, بالإضافة إلي تخلف نظم التعليم, واعتمادها علي التلقين أساسا وليس علي تربية العقل النقدي.
وإذا أضفنا إلي ذلك تخلف البني الاقتصادية, لأدركنا أن إلقاء مسئولية التخلف علي عاتق الاستعمار الأجنبي, فيه محاولة للهروب من تحديد الأسباب الداخلية للتخلف.
ولايمكن من ناحية أخري القول أن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية الصعبة التي أحاطت بالمثقفين العرب حدت من قدرتهم علي العطاء, وذلك لأن التحديات يمكن أن تخلق استجابات إبداعية.
ومطالعة السجل التاريخي للأدوار المهمة التي لعبها المثقفون في المجتمعات الأوروبية منذ بداية النهضة وبزوغ عصر التنوير, وكذلك في المجتمعات الآسيوية كاليابان والصين, تشهد علي أن الصعوبات والعقبات قد تكون في ذاتها حافزا لإبداع المثقفين في مجال مواجهة مشكلات مجتمعهم, والمثقفون في مسعاهم الاجتماعي لايحتاجون فقط إلي معرفة دقيقة بتاريخ بلادهم وتاريخ العالم, ولابسمات الشخصية القومية السائدة, ولا بالسمات الأساسية للأنساق السياسية والاجتماعية لمجتمعهم, ولكنهم ـ بالإضافة إلي ذلك ـ هم في حاجة إلي تبني نسق متكامل من القيم, أبرزها الانتماء إلي الوطن, وتبني فكرة القومية العربية, وقبل ذلك كله قيمة الالتزام. فالمثقف الملتزم هو الذي يمكن أن يناضل بشكل منهجي ضد كل علامات التخلف, وهو الذي يجيد التعبير عن المصالح الاساسية للجماهير وأهم هذه المهام قاطبة هو القدرة علي قراءة التحولات الأساسية في بنية النظام العالمي. وأبرز هذه التحولات قاطبة هي الانتقال من نموذج المجتمع الصناعي الذي كان يقوم علي مؤسسة السوق, إلي نموذج حضاري جديد هو مجتمع المعلومات العالمي, الذي يدور حول فضاء عام جديد تماما في تاريخ الإنسانية, هو مايطلق عليه الفضاء المعلوماتيCyberSpace.
بعبارة موجزة نحن نعيش في عصر العولمة بكل تجلياتها. والعولمة عملية تاريخية هي نتاج تراكمات شتي في المجتمع العالمي, أبرزها علي الإطلاق الثورة العلمية والتكنولوجية, التي جعلت العلم مصدرا أساسيا من مصادر الإنتاج, والثورة الاتصالية الكبري, والتي تتمثل في البث الفضائي التليفزيوني وشبكة الإنترنت.
ويمكن لنا ـ بالرغم من الاختلافات الجسيمة حول تعريف العولمة وببيان ماهيتها الحقيقية ـ تعريفها إجرائيا بأنها سرعة تدفق المعلومات والأفكار والسلع والخدمات ورؤوس الأموال والبشر من مكان إلي مكان آخر في العالم بغير حدود ولاقيود.
وهكذا إذن أصبحنا في عصر العولمة نعيش في الزمن الواقعيRealTime, بمعني أصبح سكان الكوكب جميعا قادرين علي متابعة الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية لحظة وقوعها, مما خلق نوعا من أنواع الوعي الكوني, والذي هو ضرب جديد من ضروب الوعي, سيؤدي ـ علي المدي الطويل ـ إلي تخليق ثقافة كونية.
وإذا كان المثقفون العرب قد دخلوا في معارك إيديولوجية شتي دارت حول العولمة, حيث رفضها البعض منهم رفضا مطلقا باعتبارها صورة من صور الاستعمار الجديد, وقبلها آخرون باعتبارها مفتاح التقدم الاقتصادي, فإن المهمة الملقاة علي عاتقهم اليوم بعد أن هدأت عواصف الجدل النظري, هو كيف يمكن لهم أن يوجهوا مجتمعاتهم للتفاعل الخلاق مع العولمة, بهدف تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب وفق رؤية استراتيجية بصيرة.
ومما لاشك فيه أن العالم اليوم في عصر العولمة وبحكم تدفق المعلومات والأفكار والصور, قضي علي انعزال بعض المجتمعات وبعدها عن التفاعل العالمي الخلاق. ومن هنا بات يقع علي عاتق المثقفين العرب بعد أن انتهت المعركة الإيديولوجية الكبري بين صراع الحضارات وحوار الثقافات, تهيئة المجتمعات العربية للتفاعل مع الآخر من منظور الندية المعرفية وبدون تهويل أو تهوين.
لقد شهدت الممارسات الفكرية في العقود الماضية لعدد من المفكرين العرب النظر إلي الآخر الغربي, وكأنه يمثل قمة التقدم والرقي, ولذلك دعوا إلي احتذاء النموذج الحضاري الغربي بالكامل سياسة واقتصادا وثقافة. وهم في هذا الاتجاه تجاهلوا الدراسة النقدية لمنطلقات وممارسات الحضارة الغربية, والتي تحفل بعديد من السلبيات, بالإضافة إلي إيجابياتها المشهودة.
وهناك فريق آخر من المثقفين العرب هونوا بشدة من مكانة الحضارة الغربية بل إن بعضهم من ذوي الاتجاه الإسلامي المتشدد نعتوها بأنها حضارة ملحدة وكافرة وينبغي الحذر من تطبيقها, وفي قول آخر ينبغي شن الحرب عليها بلا هوادة!
كلا الموقفين يجافي النظرة الموضوعية للحضارة الغربية من ناحية, ويتجاهل النقد الذاتي للحضارة العربية الإسلامية من ناحية أخري.
كيف نقيم التوازن بين النقد الذاتي المطلوب وبين نقد الآخر؟ هذه هي المهمة الأساسية للمثقفين العرب في عصر العولمة, حيث تقاربت المسافات وانضبط الزمن!
غير أن القيام بهذه المهمة ليس سهلا علي الإطلاق, لأن لدينا المشكلة المزمنة في المجتمع العربي المعاصر وهي علاقة المثقفين العرب بالسلطة.
وهذه العلاقة بالغة التعقيد من ناحية, وتختلف اختلافات متعددة من بلد عربي إلي بلد آخر.
ولاشك أن قمع المثقفين النقديين ممارسة معروفة في كل البلاد العربية تقريبا. غير أننا ونحن في عصر العولمة حدثت تحولات أساسية في مجال العلاقة بين السلطة والمثقفين.
وذلك لأن تجليات العولمة السياسية يمكن تحديدها في شعارات ثلاثة هي الديمقراطية واحترام التعددية واحترام حقوق الإنسان.
وهكذا أصبحت الديمقراطية مطلبا عالميا, وأصبحت عديد من النظم العربية تحت ضغوط السياسيين والمثقفين العرب في الداخل, والضغوط الخارجية مطالبة بالتحول من الشمولية والسلطوية إلي الليبرالية.
وهذه هي العملية التي أصبح يشار إليها اليوم باسم الإصلاح السياسي.
وهذا الإصلاح في الواقع ـ إن شئنا أن نكون واقعيين ـ ليست مهمة النظم السياسية الحاكمة فحسب, بل هي مهمة المجتمع العربي بكل,مؤسساته. وفي مقدمة ذلك الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وروابط المثقفين واتحادات الكتاب. بل إن الجماهير العريضة نفسها مدعوة لكي تغير من قيمها وسلوكها لتكون أكثر أيجابية, وأكثر قدرة علي المشاركة في صنع القرار.
ولاشك أن شبكة الإنترنت ساعدت علي خلق فضاء عام جديد ظهر فيه فاعلون سياسيون لاسابقة لهم هم المدونون, الذين ينشرون علي الشبكة مدوناتهم الزاخرة بالنقد السياسي العنيف أحيانا والموجه ضد النظم السياسية الحاكمة وبعيدا عن رقابتها, لأنها في الواقع تسبح حرة طليقة في الفضاء المعلوماتي!
آن للمثقفين العرب أن يجددوا أساليبهم في مجال النضال الديمقراطي والتنمية الثقافية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق