الجمعة، 6 أبريل 2012

صـــراع الشـــرعيات السياســـية بقلم: السيد يسين


عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ندوة عن انتخابات مجلس الشعب بتاريخ‏23‏ فبراير‏2012,‏ شاركت فيها مجموعة متنوعة من الأكاديميين والسياسيين الذين يمثلون مختلف الأطياف‏,‏ بالإضافة إلي عدد من أعضاء مجلس الشعب الذين ينتمون إلي أحزاب شتي‏.‏
وقد شاركت في الندوة وافتتحتها ورأست جلستها الأولي, والتي كانت عامرة بالمناقشات الخصبة, والتي عكست اختلافات متوقعة في الرؤي حول الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية, أو كما هو التعبير السائد في الخطاب السياسي المصري الآن بين شرعية الميدان( إشارة إلي ميدان التحرير) وشرعية البرلمان.
وقد أكدت في كلمة لي نشرتها جريدة الأهرام في اليوم التالي للندوة ـ رأيا لي سبق أن سجلته ونشرته من قبل, وهو أنه لا ينبغي التحدث عن الشرعية الثورية بعد اكتمال انتخاب جميع المؤسسات الدستورية, وهي مجلسا الشعب والشوري, وتشكيل اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد, وانتخاب رئيس الجمهورية.
وذلك علي أساس أن عناصر الشرعية الديمقراطية تكون بذلك قد اكتملت.
وقد أدهشني للغاية أن يعلق علي هذا الخبر الذي نشرته الأهرام ثلاثة وثلاثون قارئا, توزعت آراؤهم بين القبول المطلق لفكرة سيادة الشرعية الديمقراطية وبين الرفض المطلق لها, علي أساس أن الشرعية الثورية هي الأساس بالرغم من استكمال جميع المؤسسات الدستورية.
وأنا أريد أن أعطي القراء الكرام من وافقوني ومن عارضوني علي السواء حقهم في إبراز أفكارهم, بغض النظر عن بعض التعليقات المسفة, والتي ذهب بعضها إلي اتهام الكاتب بتهم كاذبة لا أصل لها إمعانا في رفض آرائه, وتجاوزا واضحا لآداب الحوار التي نحاول بكل الطرق إرساءها. وأبدأ بعرض آراء من يؤيدون الشرعية الثورية ويرفضون الشرعية الديمقراطية, باعتبارها الشرعية السياسية الوحيدة.
جاء في أحد التعليقات أن رأي الكاتب فيما يتعلق بالاستغناء عن ميدان التحرير بذريعة اكتمال مؤسسات الدولة لا أساس له, لأن الميدان هو ضمانة لرأب الانتهاكات واستئصال الاعوجاج من جانب مؤسسات الدولة, وأضاف صاحب التعليق أن الميدان أعطانا دروسا وعبرا مستفادة لتقويم الحكام, ووأد كل شروع في العبث بالديمقراطية, أو سلب دولتنا المدنية بغطاء ديني زائف.
ومؤدي هذا الرأي أن وظيفة الشرعية الثورية تكمن أساسا في الرقابة النقدية علي مؤسسات الدولة لمواجهة الانحراف في بعض قراراتها, وكذلك مواجهة التيارات السياسية التي تريد سلب الطابع المدني للدولة متسترة في ذلك- وإن كان بطريقة زائفة- بالدين.
وتساءل قارئ آخر في تعليقه ما الذي يريده الكاتب من شباب الثورة وهم بحسب تعبيره- أجمل وأغلي ما في مصر, بعد أن حرمناهم من أي دور وتركنا المجال للكهول والجماعات!
ويضيف هل نكمم أفواه الليبراليين والمثقفين حتي لا ينتقدوا مجلس الإخوان والسلفيين؟
وأريد أن أحلل هذه العبارات والتي وردت فيها أفكار تستحق التعليق, بالرغم من تجاوز صاحبها لآداب الحوار.
والسؤال الذي يستحق أن يطرح الآن في ضوء هذه الملاحظات النقدية من الذي حرم شباب الثورة من القيام بأي دور؟
لقد سبق لنا أن حللنا الموقف في مصر بعد ثورة25 يناير, وقلنا أن الخطيئة الكبري التي ارتكبها شباب الثورة أنهم بعد تنحي الرئيس السابق غادروا ميدان التحرير وتفرقوا جماعات شتي, ولم تكن لديهم البصيرة الثورية لكي يشكلوا جبهة ثورية واحدة. ويكونوا مجلسا لقيادة الثورة تمثل فيه مختلف الائتلافات الثورية, لكي يضع خطة واضحة المعالم للمرحلة الانتقالية, تقوم علي أساس تطبيق إجراءات ثورية وليس إجراءات تقليدية.
وأعني بذلك أنه كان يمكن لهذا المجلس أن يقترح علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يستصدر مرسوما بقانون لتشكيل محكمة ثورية ينص علي إجراءاتها القانونية, لمحاكمة الرئيس السابق ورموز نظامه علي جرائم الفساد السياسي والمالي التي ارتكبوها طوال الثلاثين عاما الماضية.
كما أنهم كانوا يستطيعون أن يقترحوا مؤسسات ديمقراطية مستحدثة لتمثيل شباب الثورة, وغيرهم من طوائف الشعب التي ساندت الثورة وشاركت فيها منذ اليوم الأول, ولا تقوم بالضرورة علي أساس الديمقراطية التمثيلية التقليدية, والتي تتمثل في انتخابات لمجلسي الشعب أو الشوري لا يمكن لها بحكم تخلف الثقافة السياسية الراهنة من ناحية, وضعف صلة شباب الثورة بالشارع السياسي من ناحية, وجهلهم من ناحية أخري باللغة التي يتخاطبون بها بفعالية مع الجماهير أن تعبر عن روح الثورة.
ولو كانت لديهم المعرفة العلمية السياسية الكافية لعرفوا أن هناك الآن صيغا جديدة للديمقراطية يطلق عليها ديمقراطية المشاركةParticipatoryDemocracy.
يراد منها تجاوز الديمقراطية التمثيلية بجوانبها السلبية التي سبق لي أن نقدتها نقدا عنيفا في مقالاتي التي نشرتها قبل الثورة, وضمنتها كتابي ثورة25 يناير إلي الثورة الشاملة( القاهرة: الدار المصرية اللبنانية, الطبعة الثانية, يناير2012).
لو كانوا فعلوا ذلك لكان لهم شرف ابتداع ديمقراطية مصرية جديدة غير مسبوقة, كان من شأنها أن تضيف للتراث الديمقراطي العالمي.
ولكنهم بدلا من ذلك تشرذموا وانقسموا وتشكلت منهم مئات الائتلافات الثورية, التي لا يعلم أي إنسان من هم زعماؤها أو أعضاؤها, أو ما هي هويتها السياسية ومطالبها الثورية.
ورأت تعليقات أخري أن الدعوة إلي ترسيخ الشرعية الديمقراطية وإلغاء الشرعية الثورية وجهة نظر انهزامية, يراد منها تهبيط الهمم وهدفها إفساد الثورة بأي طريقة.
وفات صاحب هذا التعليق- الذي يذكر أن من أفضال الشرعية الثورية أنها صححت عديدا من القرارات الخاطئة وهذا صحيح- أن تأييد الشرعية الثورية والقيام بالمظاهرات والاعتصامات لأسباب مشروعة أو غير مشروعة, ورفعها لشعارات زاعقة أحيانا يستحيل تنفيذها, من شأنها إحداث حالة من عدم الاستقرار السياسي والفوضي الاجتماعية, والتي لا يمكن لها أن تسمح للمجالس النيابية التي اختار أعضاؤها الشعب المصري أعضاءها بكل حرية, بأن تعمل في هدوء لكي تواجه المشكلات المصرية الجسيمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما فيما يتعلق بالتعليقات التي وافق فيها أصحابها علي ضرورة احترام الشرعية الديمقراطية, فقد أجمعت علي ضرورة احترام الإرادة الشعبية متمثلة في القبول بنتيجة الانتخابات الحرة التي تمت, حتي ولو لم ترض مختلف الأطياف السياسية, فهذه بكل بساطة هي الديمقراطية.
والديمقراطية كما أكدنا أكثر من مرة آليات وقيم, الآليات تتمثل في احترام نتيجة صندوق الانتخابات مادامت تمت بحرية وشفافية ونزاهة, أما القيم فهي تظهر في القبول المطلق لمبدأ تداول السلطة, وقبول الآخر, وعدم إقصاء أي طرف سياسي معارض, وأهم من ذلك كله عدم احتكار عملية إصدار القرار, والحرص علي صياغة الحلول الوسط للتوفيق بين النزعات المتعارضة, إعلاء للمصلحة العليا للمجتمع بكل طوائفه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق