ليس هناك شك في أن ثورة25 يناير قد غيرت بشكل جذري المجتمع السياسي السلطوي الذي ساد طوال عهد الرئيس السابق مبارك, وحولته إلي مجتمع ثوري بكل ما في الكلمة من معان ودلالات.
والمجتمع السلطوي قام علي أساس احتكار السلطة عن طريق انفراد الحزب الوطني الديمقراطي بالهيمنة علي مجمل الفضاء السياسي, عن طريق شبكات الفساد وممارسة التزوير المنهجي لكل الانتخابات برلمانية كانت أو رئاسية.
ولانقول إن ثورة52 ينايرقد محت بجرة قلم كل ملامح المجتمع السلطوي, لأن السلطوية ليست مجرد نظام سياسي استبدادي, ولكنها أيضا ثقافة تغلغلت في نسيج المجتمع, وتسببت في الخوف الشديد من السلطة والخنوع الجمعي, وأسست للوعي الزائف الذي مؤداه أن الجماهير تعجز عن مقاومة الاستبداد, وأنها لا تستطيع اتخاذ المبادرة في المعارضة الجذرية لتغيير سياسات النظام المنحرفة, أو في الانتفاضة الثورية لقلب النظام.
جاءت الثورة فغيرت عديدا من هذه الملامح, لأنها أسقطت النظام بالفعل في فترة قياسية, وأجبرت الرئيس السابق علي التنحي, وأبرزت الطاقة الثورية الهائلة الكامنة لدي جموع الشعب, وأكثر من ذلك أثبتت أن الجماهير في ميدان التحرير وغيره من الساحات الثورية, يمكن أن تمارس الضغط الثوري علي السلطة الممثلة في المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو في الوزارة, لكي تدفعها دفعا لاتخاذ قرارات معينة أو لتعديل قرارات اتخذت وثبت خطؤها.
والسؤال الذي ينبغي إثارته الآن, ماهي الملامح الأساسية لهذا المجتمع الثوري المصري الجديد الذي خلقته ثورة25يناير؟
قبل الإجابة علي هذا السؤال المحوري لابد لي أن أقرر أنه بعد قراءتي المتمعنة لتعليقات قرائي الكرام( التي بلغت44 تعليقا) علي مقالي الماضي أدركت أن بعضهم يحكم علي خطابي الفكري وتحليلاتي السياسية مستخدما فئات قديمة بالية فات أوانها وسقطت مكانتها, بعد أن كانت ذائعة في عصر الحداثة الذي انتهي بنهاية القرن العشرين, وانتقلنا من بعد إلي عصر مابعد الحداثة!
وأهم سماته سقوط السرديات الكبري أو الأنساق الفكرية المغلقة التي كانت تأخذ عادة شكل الإيديولوجيات المصمتة كالماركسية المتطرفة أو الرأسمالية الجامحة. كما سقطت أيضا أوهام الحقائق المطلقة, أو المواقف الفكرية الثابتة التي لاتتغير حتي لو انقلبت الأحوال, وبرزت ظواهر جديدة غير مسبوقة تحتاج إلي إطار نظري جديد يحاول الغوص إلي أعماق المشكلات في عصر لابد فيه من الاعتماد علي الأنساق الفكرية المفتوحة, التي تستطيع أن تؤلف تأليفا خلاقا بين متغيرات متعارضة, كان يظن أنه لايمكن الجمع بينها في مؤلف فكري أو سياسي واحد. كالتأليف بين العلمانية والدين, أو بين الاشتراكية والرأسمالية, أو بين الحرية والعدالة الاجتماعية.
في ضوء ذلك تصبح انتقادات بعض القراء لخطابي أو لخطاب غيري من الكتاب بأنه متناقض أو يتسم بالتخبط الفكري, في مجال اتخاذ مواقف محددة من الظواهر السياسية والاجتماعية والسلوكية المتعددة التي يزخر بها المشهد السياسي المصري الراهن والذي يتسم بالتعقيد الشديد, لامعني لها علي الإطلاق.
والكاتب المنهجي وهو يخوض في غمار العواصف السياسية والاجتماعية والسلوكية التي أحدثتها ثورة52 يناير يحاول أن يستخدم في استراتيجية الكتابة تكتيكات مختلفة, كالتقدم والتراجع, والدفاع عن موقف محدد ثم العدول عنه, أو تبني رأي ما وتغييره في فترة قصيرة, لأنه ثبت من خلال الممارسة خطؤه.
وبالتالي الحكم علي الكاتب أنه متناقض نتيجة قراءة سطحية غير متتبعة لمقالاته في مجموعها يعد إدانة لامحل لها, وليست لها أي قيمة معرفية.
ولذلك أدركت أنه من الضروري أن أرسم الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثوري المصري كما قرأتها, نتيجة مشاركة فعالة في المراقبة المنهجية لأحداث ثورة25 يناير وتحولاتها.
وأول ملامح هذا المجتمع الثوري المصري الوليد, أن دور المثقف التقليدي والذي ساد طوال القرن العشرين والذي كان يقوم علي أساس تبني رؤية نقدية لأحوال المجتمع والاهتمام بالشأن العام من خلال تبني ايديولوجيات متعددة, قد سقط لحساب دور جديد ناشيء لمن يطلق عليه الناشط السياسي.
وهذا الناشط السياسي نجده ممثلا في جميع الأعمال, وليس من الضروري أن يصدر عن إيديولوجية محددة, ولكن مايميزه حقا قدرته الفائقة علي تحريك الشارع في اتجاه معارضة السلطة, سواء في ذلك السلطة السلطوية السابقة أو السلطة الحالية في مرحلة الانتقال. ومما يميزه أن تحريك الشارع يتخذ ـ بحكم الثورة الاتصالية الكبري أشكالا مستحدثة غير مسبوقة, مثل الاستخدام الفعال لشبكة الانترنت بما فيها من أدوات الفيس بوك والتوتير بالإضافة إلي الأشكال التقليدية مثل رفع وعي الجماهير من خلال رفع شعارات ثورية صارخة, تدفعهم دفعا إلي الخروج إلي الشوارع في مظاهرات كبري, أو اعتصامات مفتوحة, أو وقفات احتجاجية.
والملمح الثاني من ملامح المجتمع الثوري هو ظهور فئة الحشود الجماهيرية الهائلة والتي حلت محل فئة الجماهير التقليدية التي كان يمكن أن تخرج إلي الشارع للمعارضة في صورة مظاهرة لايتعدي عدد أعضائها المئات, مما يسهل مهمة قوات الأمنية في تفريقها. غير أن الحشود الجماهيرية حين يصل أعداد المشاركين فيها إلي مئات الآلاف أو إلي الملايين في بعض الأحيان, فمعني ذلك عجز أي قوة أنية عن تفريقها أو وقف انتشارها.
غير أنه أخطر مافي ظهور الحشود الجماهيرية كفاعل أساسي أساسه ليس في كثرة الأعداد فقط, ولكن في أن سيكلوجية الحشد تتسم بسمات أساسية, أبرزها الاندفاع الذي لاحدود له, وتجاوز كل الحدود, والتطرف في رفع الشعارات التي يصوغها عدد من المحترفين الثوريين, والارتفاع بسقف المطالب أحيانا لدرجة تجعل من المستحيل تحقيقها في وقت قصير, أو التناقض الشديد في المطالب, كل ذلك مع تشرذم الآراء السياسية, وبروز الانقسامات الخطيرة مثل تحول المجتمع إلي معسكرين معسكر الليبراليين واليساريين ومعسكر الإسلاميين, سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو السلفيين.
والملمح الثالث من ملامح الخريطة المعرفية للمجتمع المصري بعد الثورة هو بروز التناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية.
الشرعية الثورية ظاهرة معروفة في كل الثورات, وتعني أن من قاموا بالثورة من حقهم أن يسقطوا الشرعية القانونية القديمة التي تأسست في عصر السلطوية المستبدة ويتخذوا من الإجراءات الجذرية مايدفع للتغيير الثوري حتي لو كان ذلك مضادا للقانون السائد.
أما الشرعية الديمقراطية فهي التي تقوم علي أساس إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعكس القوي السياسية الناجحة التي ستكون في تعاونها مع قوات سياسية أخري معارضة المعبرة حقا عن الإرادة الشعبية.
وأبلغ مثال لهذه الشرعية الديمقراطية هي انتخابات مجلس الشعب التي جرت مؤخرا والتي أقبلت عليها جماهير الشعب بالملايين, مما يدل علي انتصارها للشرعية الديمقراطية علي حساب الشرعية الثورية التي يزعم بعض شباب الثوار أن ميدان التحرير ومظاهراته هي المعبرة عنها, حتي لو خالفت الشرعية الديمقراطية!
والملمح الرابع من ملامح المجتمع الثوري هو إصرار الجماهير علي المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار, من أول المستوي المركزي حتي أدني مستويات المستوي المحلي, ليس ذلك فقط ولكن الرقابة الفعالة علي تنفيذ القرار.
يبقي هذا الملمح مطمحا من مطامح ثوار25يناير ولكن لم يتح له أن يتمأسس في شكل مؤسسات سياسية سفينة جديدة مستحدثة حتي الآن.
هذه هي الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثوري المصري.
ولانقول إن ثورة52 ينايرقد محت بجرة قلم كل ملامح المجتمع السلطوي, لأن السلطوية ليست مجرد نظام سياسي استبدادي, ولكنها أيضا ثقافة تغلغلت في نسيج المجتمع, وتسببت في الخوف الشديد من السلطة والخنوع الجمعي, وأسست للوعي الزائف الذي مؤداه أن الجماهير تعجز عن مقاومة الاستبداد, وأنها لا تستطيع اتخاذ المبادرة في المعارضة الجذرية لتغيير سياسات النظام المنحرفة, أو في الانتفاضة الثورية لقلب النظام.
جاءت الثورة فغيرت عديدا من هذه الملامح, لأنها أسقطت النظام بالفعل في فترة قياسية, وأجبرت الرئيس السابق علي التنحي, وأبرزت الطاقة الثورية الهائلة الكامنة لدي جموع الشعب, وأكثر من ذلك أثبتت أن الجماهير في ميدان التحرير وغيره من الساحات الثورية, يمكن أن تمارس الضغط الثوري علي السلطة الممثلة في المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو في الوزارة, لكي تدفعها دفعا لاتخاذ قرارات معينة أو لتعديل قرارات اتخذت وثبت خطؤها.
والسؤال الذي ينبغي إثارته الآن, ماهي الملامح الأساسية لهذا المجتمع الثوري المصري الجديد الذي خلقته ثورة25يناير؟
قبل الإجابة علي هذا السؤال المحوري لابد لي أن أقرر أنه بعد قراءتي المتمعنة لتعليقات قرائي الكرام( التي بلغت44 تعليقا) علي مقالي الماضي أدركت أن بعضهم يحكم علي خطابي الفكري وتحليلاتي السياسية مستخدما فئات قديمة بالية فات أوانها وسقطت مكانتها, بعد أن كانت ذائعة في عصر الحداثة الذي انتهي بنهاية القرن العشرين, وانتقلنا من بعد إلي عصر مابعد الحداثة!
وأهم سماته سقوط السرديات الكبري أو الأنساق الفكرية المغلقة التي كانت تأخذ عادة شكل الإيديولوجيات المصمتة كالماركسية المتطرفة أو الرأسمالية الجامحة. كما سقطت أيضا أوهام الحقائق المطلقة, أو المواقف الفكرية الثابتة التي لاتتغير حتي لو انقلبت الأحوال, وبرزت ظواهر جديدة غير مسبوقة تحتاج إلي إطار نظري جديد يحاول الغوص إلي أعماق المشكلات في عصر لابد فيه من الاعتماد علي الأنساق الفكرية المفتوحة, التي تستطيع أن تؤلف تأليفا خلاقا بين متغيرات متعارضة, كان يظن أنه لايمكن الجمع بينها في مؤلف فكري أو سياسي واحد. كالتأليف بين العلمانية والدين, أو بين الاشتراكية والرأسمالية, أو بين الحرية والعدالة الاجتماعية.
في ضوء ذلك تصبح انتقادات بعض القراء لخطابي أو لخطاب غيري من الكتاب بأنه متناقض أو يتسم بالتخبط الفكري, في مجال اتخاذ مواقف محددة من الظواهر السياسية والاجتماعية والسلوكية المتعددة التي يزخر بها المشهد السياسي المصري الراهن والذي يتسم بالتعقيد الشديد, لامعني لها علي الإطلاق.
والكاتب المنهجي وهو يخوض في غمار العواصف السياسية والاجتماعية والسلوكية التي أحدثتها ثورة52 يناير يحاول أن يستخدم في استراتيجية الكتابة تكتيكات مختلفة, كالتقدم والتراجع, والدفاع عن موقف محدد ثم العدول عنه, أو تبني رأي ما وتغييره في فترة قصيرة, لأنه ثبت من خلال الممارسة خطؤه.
وبالتالي الحكم علي الكاتب أنه متناقض نتيجة قراءة سطحية غير متتبعة لمقالاته في مجموعها يعد إدانة لامحل لها, وليست لها أي قيمة معرفية.
ولذلك أدركت أنه من الضروري أن أرسم الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثوري المصري كما قرأتها, نتيجة مشاركة فعالة في المراقبة المنهجية لأحداث ثورة25 يناير وتحولاتها.
وأول ملامح هذا المجتمع الثوري المصري الوليد, أن دور المثقف التقليدي والذي ساد طوال القرن العشرين والذي كان يقوم علي أساس تبني رؤية نقدية لأحوال المجتمع والاهتمام بالشأن العام من خلال تبني ايديولوجيات متعددة, قد سقط لحساب دور جديد ناشيء لمن يطلق عليه الناشط السياسي.
وهذا الناشط السياسي نجده ممثلا في جميع الأعمال, وليس من الضروري أن يصدر عن إيديولوجية محددة, ولكن مايميزه حقا قدرته الفائقة علي تحريك الشارع في اتجاه معارضة السلطة, سواء في ذلك السلطة السلطوية السابقة أو السلطة الحالية في مرحلة الانتقال. ومما يميزه أن تحريك الشارع يتخذ ـ بحكم الثورة الاتصالية الكبري أشكالا مستحدثة غير مسبوقة, مثل الاستخدام الفعال لشبكة الانترنت بما فيها من أدوات الفيس بوك والتوتير بالإضافة إلي الأشكال التقليدية مثل رفع وعي الجماهير من خلال رفع شعارات ثورية صارخة, تدفعهم دفعا إلي الخروج إلي الشوارع في مظاهرات كبري, أو اعتصامات مفتوحة, أو وقفات احتجاجية.
والملمح الثاني من ملامح المجتمع الثوري هو ظهور فئة الحشود الجماهيرية الهائلة والتي حلت محل فئة الجماهير التقليدية التي كان يمكن أن تخرج إلي الشارع للمعارضة في صورة مظاهرة لايتعدي عدد أعضائها المئات, مما يسهل مهمة قوات الأمنية في تفريقها. غير أن الحشود الجماهيرية حين يصل أعداد المشاركين فيها إلي مئات الآلاف أو إلي الملايين في بعض الأحيان, فمعني ذلك عجز أي قوة أنية عن تفريقها أو وقف انتشارها.
غير أنه أخطر مافي ظهور الحشود الجماهيرية كفاعل أساسي أساسه ليس في كثرة الأعداد فقط, ولكن في أن سيكلوجية الحشد تتسم بسمات أساسية, أبرزها الاندفاع الذي لاحدود له, وتجاوز كل الحدود, والتطرف في رفع الشعارات التي يصوغها عدد من المحترفين الثوريين, والارتفاع بسقف المطالب أحيانا لدرجة تجعل من المستحيل تحقيقها في وقت قصير, أو التناقض الشديد في المطالب, كل ذلك مع تشرذم الآراء السياسية, وبروز الانقسامات الخطيرة مثل تحول المجتمع إلي معسكرين معسكر الليبراليين واليساريين ومعسكر الإسلاميين, سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو السلفيين.
والملمح الثالث من ملامح الخريطة المعرفية للمجتمع المصري بعد الثورة هو بروز التناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية.
الشرعية الثورية ظاهرة معروفة في كل الثورات, وتعني أن من قاموا بالثورة من حقهم أن يسقطوا الشرعية القانونية القديمة التي تأسست في عصر السلطوية المستبدة ويتخذوا من الإجراءات الجذرية مايدفع للتغيير الثوري حتي لو كان ذلك مضادا للقانون السائد.
أما الشرعية الديمقراطية فهي التي تقوم علي أساس إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعكس القوي السياسية الناجحة التي ستكون في تعاونها مع قوات سياسية أخري معارضة المعبرة حقا عن الإرادة الشعبية.
وأبلغ مثال لهذه الشرعية الديمقراطية هي انتخابات مجلس الشعب التي جرت مؤخرا والتي أقبلت عليها جماهير الشعب بالملايين, مما يدل علي انتصارها للشرعية الديمقراطية علي حساب الشرعية الثورية التي يزعم بعض شباب الثوار أن ميدان التحرير ومظاهراته هي المعبرة عنها, حتي لو خالفت الشرعية الديمقراطية!
والملمح الرابع من ملامح المجتمع الثوري هو إصرار الجماهير علي المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار, من أول المستوي المركزي حتي أدني مستويات المستوي المحلي, ليس ذلك فقط ولكن الرقابة الفعالة علي تنفيذ القرار.
يبقي هذا الملمح مطمحا من مطامح ثوار25يناير ولكن لم يتح له أن يتمأسس في شكل مؤسسات سياسية سفينة جديدة مستحدثة حتي الآن.
هذه هي الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثوري المصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق