الحديث مع الناقدة السعودية الدكتورة ملحة عبد الله يفتح أمامك بابا مليئا بأسرار المعرفة وشلالا من الأسئلة التي تحيلنا إلى نتوءات التجربة وهموم الممارسة المسرحية.
في هذا الحوار، نستكشف سيدة المسرح السعودي وصاحبة موسوعة نقد النقد التي توجت بالعديد من الجوائز العربية والعالمية، كما أبدعت أكثر من 50 نصا مسرحيا ولها عديد الدراسات المتخصصة، ناهيك عن مشروعها "البعد الخامس".
ما دلالة تكريمك من لدن مهرجان الجزائر الدولي للمسرح؟
سعيدة جدا بهذا التكريم في الجزائر الذي أعتبره إمضاء تاريخيا، كما أنني فرحت كثيرا بتكريمي على أرض تعبق برائحة العروبة، وممتنة لهذه الحفاوة في مدينة بجاية الجميلة، مثلما أنا سعيدة بهذا الوعي والذوق الراقي، ما جعلني أنهي نص الصمت والقفاز، كعهدي في كل مكان أزوره.
بعد ثلاثة أجزاء من موسوعتك - حكمة النقد – ما هي استنتاجاتك في العملية النقدية والممارسة المسرحية الأكاديمية؟
وجدت أنّ جذور النقد والخطاب النقدي وُجدت عند العرب في جنوب غرب الجزيرة العربية، ومكونات موروثه قبل أن يأخذه الغرب، ثانيا النظريات الغربية بما فيها نظرية الحداثة وما بعدها من بنيوية وتفكيكية وغيرها من المصطلحات بعد أن غصت في تأثيرها على العقليات العربية والجمهور العربي، اكتشفت أنها تتكئ على إرث الفلاسفة المسلمين، ضمنهم كتابات ابن رشد والجاحظ ومسكويه والفارابي وابن سينا.
ومثال على ذلك أن التفكيكية التحليلية التي أسست مدرسة لها في النقد كان الجاحظ رائدها، كما طرح الفكر النقدي العربي مبكرا وقبل غولدمان، فكرة الفارابي في كسر القشرة للوصول إلى الجوهر وأيضا سبق جاك دريدا ونظرية الهنا وهناك في مفهوم الزمن، وبالتالي علينا خلخلة الفكر العربي وإعادة استنطاق الموروث النقدي العربي من جديد، لأن الفكر النقدي الغربي مستمد من الفكر العربي والشرقي ـ الهند ـ، واستعادة ما أسهمنا به من نظريات في الحقل النقدي، لكن بتغليف جديد.
كما نبّهت دراستي إلى أنّ ثقافة النخبة عندنا متعالية في الخطاب النقدي العربي، ما دفع برأيي إلى ثقافة الانسحاب، وأشير إلى أنّ حكمة النقد هي أول موسوعة عربية في نقد النقد، تقع في ثلاثة أجزاء وتشتمل على آراء نقدية في الشعر والمسرح.
تملكين قائمة ثرية من النصوص المسرحية، هل تم تجسيدها ركحيا ؟
لدي 50 نصا مسرحيا، تم تجسيد ما يقارب الثلاثين عبر مختلف المسارح العربية بالسعودية ومصر والأردن وسوريا وتونس وليبيا، حيث تمّ مسرحة جوكاستا شبة النار، مواطن رغم أنفه، عالم يفط يفط، السور التميمة ،أم الفأس، فنجان قهوة، سر الطلسم، المسخ، عندما تموت الثعالب الطاحونة، ومونودرام العازفة الذي فاز بالجائزة الأولى لمهرجان اي تي اي في دورته الثانية، كما تم اقتباس بعض نصوصي، وتناولت رسائل دكتوراه وماجستير دراساتي النقدية وكتاباتي المسرحية.
ما هي طقوس الكتابة لديك وعلى ماذا تعتمد ؟
أشتكي من الكتابة لأنها استغرقتني واحتوتني بحب، أشعر أنني دخلت دوامة طوعا، لكنها دوامة أخذتني إلى الأسفل وأغوص في بحوثي ودراساتي لأطفوا من جديد على السطح، إنها لحظات سحرية وواعية، وأكثر ما يسعدني هو تواجدي مع جمهوري وتكريمي 14 مرة في الوطن العربي.
الصدق هو الإكسير، وهدفي هو إزالة الاغتراب النقدي لدى النقاد العرب فى تعاملهم مع الاتجاهات النقدية الغربية.
ماهو تقييمك لمستوى النقد العربي وهل واكب اٌلإبداع المسرحي ؟
مأساة الثقافة العربية والمسرح بوجه خاص، هو تضخيم ذات الناقد، حيث أصبح لها لغة نخبوية غير لصيقة بالواقع، لغة متعالية أنتجت ما أسميتها ثقافة الانسحاب، أعتقد أنه كان من المفروض أن يلبس الناقد حلة المبدع في رسالته من حيث صياغة أعماله ومقاربتها، لكن بالعكس أصبح النقد في الوطن العربي بحاجة إلى نقد، والناقد لعربي أصبح يستوفد النظريات الغربية بعدما استنفذها هؤلاء في طينتهم مع ما يتناسب وثقافتهم فأنتجوا ثقافة تناسبهم، لكننا بتوظيفنا لنظرياتهم في تربتنا المحلية المغايرة، سنعاني من الاغتراب والاستيلاب، وأضيف إلى أنّ المسرح العربي يعاني من الشللية والوساطات والمجاملات ولذلك نلمس التراخي في القراءة.
أثارت مداخلتك حول البعد الخامس في التلقي والمسرح جدلا كبيرا بين المشاركين في الملتقى العلمي للمهرجان ؟
أنا جد سعيدة بهذا الحراك المعرفي والأكاديمي، لأنني ألقيت بحجر في المياه الراكدة وكناقدة سُررت بتلك الديناميكية، وما ذكرته في ورقتي، هو أنّ البعد الخامس عقيدة، والوجدانيات التي تتسرب عن طريق الحكي وإثارة الخيال أو الانزلاق العاطفي، يجعل المتلقي ينحت شخصية خاصيتها أنها محفزة للباطن وتحريضية للوصول لمرحلة النشوة والمتعة المعرفية والعقل الكوني.
ماذا عن راهن المسرح السعودي وحضور الصوت النسائي في سياقه ؟
ثمة حركية ودينامية في الفعل المسرحي السعودي حيث تقام سنويا 3 مهرجانات مسرحية، كما أنه مسرح عريق يُساير في تاريخه ذاكرة المسرح في العالم العربي، والذي يُكسب المسرح السعودي سمة متفردة هي توزعه على مسرح خاص بالنساء وآخر بالرجال نظرا لخصوصية المجتمع السعودي وأثر الهوية الإسلامية.
كما أن الشخصية المسرحية غير منحوتة، وتكتسب نحتها من إثراء الخيال لدى المتلقي، وقد انتهيت مؤخرا من كتابة نص حول مسرح المرأة في السعودية، حيث أنّ بنات حواء في المملكة متعطشات للمسرح وتمارسنه ككاتبات ومخرجات وسينوغرافيات وغيرها من عناصر اللعبة المسرحية.
هبة إيمولا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق