الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

أميرة الجنوب - اميرة الجنوب









ولدت عام 1972. أي أنني لم أشاهد أي حرب مصرية ضد محتل. صحيح كانت هناك حرب 1973. لكنني كنت ساعتها مازلت رضيعة. مع ذلك حلمت بها ذات يوم. أميرة من الجنوب. شابة يافعة في الثامنة عشر من عمرها تقريباً. ترتدي ثوبا من الكتان عاجي اللون، وعلى كتفها عباءة ملكية حمراء من المخمل. شعرها الأسود الطويل مجعد وهفهاف. يزينه وشاح أبيض طري شفاف وقصير كالمنديل من الخلف مرتبط في طرفيه سلسلة معدنية فضية اللون يتوسطها عند الجبهة قرص يشبه قرص الشمس بأشعة فضية مموجة. وفي مركز القرص توجد ياقوتة كبيرة حمراء. كانت هذه الأميرة تمشي على خريطة مجسمة لمصر من الجنوب الشرقي متجهة في الصحراء الشرقية صوب النيل. خلفها كان سرب من أربعين نفرا يتبعونها. كان الجميع يتحركون على الخريطة المجسمة تماماً كما تتحرك الطيور في السماء مواسم الهجرة، متجنبة الرياح المعاكسة والمطبات الهوائية.. في قدميها نعلٌ من الجلد به سيور تربطه بالقدم. عندما وصلت إلى النيل مشت بحذائه فترة ثم عبرته وانحرفت غرباً. كانت رحلة فيها تصميم وإصرار بحيث لم تكن تنظر أبداً خلفها ولم تكن تعرف حتى أن أربعين نفرا خرجوا وراءها تأييداً. أثناء قيامها بهذه الرحلة، كان هناك مستعمرون همج ما آتون من خلف البحر المتوسط، وقد دمروا كل مدينة دخلوها وقتلوا وشردوا وقطعوا نخيلا. أخبارهم المشئومة كانت تتقدمهم. وبينما هي في رحلتها هذه مصممة على رؤية ملكهم، كانت جحافلهم تتقدم في ليبيا. لم تستطع أن تصل إليهم قبل أن يدخلوا مصر. قابلتهم في إحدى الواحات التي تتوسط، وقد تكون أقرب للشمال من الوسط، الصحراء الغربية. ثم حدث قطع. ودخل مشهد جديد حيز الحلم. كانت الأميرة الجنوبية التي تطل أرض عشيرتها على البحر الأحمر من الناحية الشمالية الشرقية، تعتلي عربة خشبية مذهبة يجرها حصانان أسمران. كانت هي التي تسوق العربة. وبينما كانت تلف متفادية تل رملي كبير، ظهر لها رجل من الجهة الأخرى للتل على قدميه بملابس حربية. ظنت أنه هو ملكهم. استوقفته فوقف مبهورا بجمالها. قالت: أيها الملك الآتي إلينا غازياً، ثمار نخل هذه الأرض لزارعيه. فإن كنت غازيا تبغي ملكاً، فالملك لك وحدك شريطة ألا تقطع نخلة، ولا تسفك دماً ولا تلوث ماء النهر. انبهر قائد الجيوش والمخطط الحربي للملك الغازي بهذه العقلية الزاهدة في السلطة، الحامية لعناصر الحياة، فخر على ركبتيه احتراماً وافهمها أنه المخطط الحربي وقائد الجيوش فقط. وإنه أمام ما قالته لا يملك سوى الطاعة باقتناع واحترام. وأنه من هذه اللحظة لن يشارك في الحرب ضد أهل هذه الأرض الذين يفكرون بهذا الشكل. كما أنه سيتوقف عن التخطيط الحربي لصالح ملك ليس سوى متعجرف أرعن أمام هذه الحكمة وهذا الكرم من الأميرة.


عرف بعض الجنود بالأمر فابلغوا ملكهم الذي ما إن أدرك أنه فقد قائد جيوشة، ذا الحنكة والذكاء اللازمين لتخطيط حرباً، خشي أن يشن هذا القائد مع أميرته المحبوبة حرباً مضادة. فأمر بدخول البلاد، وسفك الدماء وقطع النخل ورمي الجثث في النيل. ثم قبض على قائد جيوشه وحبسه في قبو له بوابة حصينة. بمعاونة العشيرة، وبالحيلة، استطاعت الأميرة أن تجد طريقة لفتح باب السجن ليلاً في محاولة لتخليص هذا الرجل النبيل الذي أحبته. ولما رآها قائد الجيوش تدخل عليه السجن فاضت عاطفته وظل يعانقها وينهال عليها بالكلمات العاشقة. بينما هي متوترة تحاول أن تجعله ينتبه إلى أن الوقت ليس في صالحهما، وأنه عليهما أن يخرجا من السجن أولا ويهربا بعيدا عن معقل الجيوش وبعدها يمكنها في أمان أن يتبادلا أمور العاطفة. لكنه كان منجذباً لا يستطيع التفكير بالعقل أمام فرحة رؤيته لها مرة أخرى وفرحة شعوره بالقدرة على الخروج من السجن.


وأثناء ذلك أبلغ الحراس الملك بما يحدث، فجاء إلى السجن. في الحلم، رأيته. ربعة متين البنية بشعر أشعث، واقفاً أمام باب الزنزانة، عاقداً يديه. ينظر إليهما ويبتسم في خبث.


بعدها لم أر شيئاً. فقط إضاءة باهرة كأنه ماس كهربائي. واستيقظت. بالكاد يمكنني التنفس. وكأنما الهواء انكتم في رئتي ولم يعد يريد أن يخرج زفيراً. شهقة. غصة. وعيوني مفتوحة عن آخرها، مشدوهة، مصعوقة. متذكرة كل التفاصيل. تفاصيل الصورة. تفاصيل الأحداث. تفاصيل الحوار والشعور. انتهى الحلم هكذا، بنهاية مفتوحة على لحظة تشويق. عاودت النوم لربما تأتيني بقية القصة. ربما أعرف نهايتها. لكن شيئاً من هذا لم يحدث. استيقظت في الظهيرة. وشعرت بالسخف والسخرية من النفسي. فماذا أنتظر من أضغاث أحلام؟... قلت لنفسي قد أكون شاهدت فيلماً ذات يوم ما هذه قصته وقد عادت لسبب أو لآخر إلى مقدمة الذاكرة اللاواعية.. شعرت بالخجل من نفسي فقاومت الحلم وتناسيته وواصلت مسار حياتي نافضة عن ذاكرتي هذا الحلم السخيف.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق