كانت أحلامي الأولى قصيرة وكأنها مقتطفات من أحداث طويلة. ذات مرة كان موسي يقف عند باب حجرة أسمنتية رمادية بلا طلاء، يخطط حربا. وكان الأعداء بالخارج يتوعدونه هو وقومه. كان موسى يقف ظهرة للفتحة التي سيحل مكانها باب عندما يكتمل طلاء الحجرة. وثلاثة رجال آخرون يقفون أمامه، ظهرهم لما سيكون لاحقاً الشرفة. وكان يحدثهم بهمس وذعر واضحين على ملامحه. لم يكن أحد منهم يراني، وإلا لماذا لم يوجه لي الحديث أحد. لم أكن حتى ذلك الحين شاهدت نفسي داخل حلم ما. لكنني كنت أعرف أنه بما أنني أرى ما يحدث فأنا موجودة، وربما يقتلوني لو شاهدوني. أو يخطفوني فلا أستيقظ في الصباح في بيت أبي. كان يبدو أن هؤلاء الأربعة هم الذين استطاعوا الفرار من حادث مريع ما، وأن بقية جيشهم قد انخرط في المعارك بحيث لا يمكن معرفة ماذا حدث له..
استيقظت مفزوعة. كدت أصرخ. لولا أني سمعت صوت أبي في حجرة الصالة يقرأ القرآن كعادته في هذا الوقت المبكر من السحر. نظرت حولي. كانت الحجرة مازالت تهيم في الإضاءة الأسطورية لهذا الوقت من اليوم، إضافة إلى نور الصالة الذي يصل طيفه من عقب باب الحجرة، وكأن الشمس تشرق أسفل. كان أبي يقول فيما معناه : "يا بن أمي لا تشد لحيتي". نظرت إلى الحجرة مرة أخرى. كانت أبعادها هي ذات أبعاد الحجرة التي كان يقف موسى عند بابها، أي في ذات الاتجاه الذي أضع فيه رأسي. الفارق الوحيد أن الحجرة التي أنا فيها مفروشة وعلى جدرانها طلاء. خرجت إلى الصالة وجلست بالقرب من أبي. صمت أبي عن القراءة عندما لمحني. سألني لماذا أنا لست نائمة فأجبته: هل تعرف واحداً اسمه موسى؟ فضحك أبي وقال: "كنت تتصنتين عليّ؟ موسى هذا أحد أنبياء الله، وأنا كنت أقرأ حكايته في القرآن." قلت له: أريد أن أقرأ القرآن. عانقني أبي وقال حسناً.. اجلسي جواري وأنا أقرأ لك." كنت أعرف أنني ما دمت إلى جواره، فأنا لست على سريري. إذاً لن يعيدني السرير إلى هذا الفزع في عيون موسى وحلفائه الثلاثة. في المساء، عندما ذهبنا لشراء العيش الفينو من أجل إفطار اليوم التالي، قلت لأبي ونحن نعبر كوبري الملك الصالح: "أبي موسى وهارون أخان." قال أبي: "وكيف عرفت ذلك؟" قلت: "من أختى التي في المرآة. فأنا عندما أحرك يدي اليسرى تحرك هي يدها اليمنى. يعني تفعل العكس. ولهذا هي أختى التي تشبهني وتفعل عكسي. والآن انظر لفمي وأنا أنطق اسميهما: مووووساااااا .... هاااااارووووون، في الأول أضم شفتي أولا ثم أفتحهما، وفي الثاني أفعل العكس.. لذلك فهما شبيهان يفعل كل منهما عكس الآخر.." ضحك أبي لكن القلق قد ظهر عليه.. بعد صمت قصير قال لي: "يبدو أنني سأبدأ في قراءة القرآن عصرا أيضاً، حتى تتمكني من متابعتي وأنا أقرأ لتعرفي حقيقة الأمور." قلت غاضبة: " لكنني لم أكذب يا أبي. ما قلته حقيقي أيضاً" قال أبي وهو يربت على كتفي بأطراف أصابعه: "نعم، حقيقي أننا نفتح فمنا ثم نضمه عند ذكر اسم هارون ونضمه ثم نفتحه عند ذكر اسم موسى."
فرحت باكتشافي. وفرحت أكثر لأن أبي يعترف باكتشافي. وأنه يمكنني أن أتحدث معه في هذه الأمور، طبعا بفضل رحلة العيش الفينو الذي نحتاجها كل مساء مادمنا نذهب في الصباح للعمل وللحضانة.
ش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق