تقول كتب الأحلام التي طالعتها حينذاك، أن شرب دم المشنوق يعني الشعور بالذنب تجاه خطأ فادح، والرغة في الحصول على عقاب وافي للتطهر من هذا الدنث. أما بعض الكتب الأخرى فقالت إن أي حلم به دم مراق فهو حلم فاسد، ولا ينبغي أخذه في الحسبان لأنه مجرد "أضغاث أحلام". لكنني لم أستطع نسيان هذا الحلم برغم مرور أكثر من سبعة عشر سنة عليه. وإنه كلما تذكرته اكتسب حيوية كأنني أراه الآن.
كنت نائمة على سريري. ثم فتحت عيني ببطء في ظلام الليل. كان الهواء محمل بالدخان، بالضباب. لكنه كان مفرغا من كل صوت. وسط هذا الضوء الشاحب، رفعت الغطاء عني وجلست على سريري أنظر إلى الأرض تحتي. لم أكن أبحث عن شبشب. كنت فقط أنظر لأسفل، نظرة من يجل أحداثاً ما بينما لا يستطيع التدخل فيها. وبينما أنا كذلك أتقبل "القدر" بلا استنكار أو غضب، رأيت قطرات حمراء من الدم تسقط على الأرض وتتجمع في نقطة واحدة. تسقط بانتظام كأنتظام دقات المنبه. رفعت عيني لأعلى، فوجدت شاباً ممصوص اللحم مشنوقاً بحبل سميك خشن مثبت بسقف الحجرة، بينما يتدلى الشاب بلا حركة وكأنه تمثال من الجلد والعضم. أصابني الذعر لما فهمت بسرعة أنه المطلوب مني أن أفعله.. نظرت إلى الأرض مرة أخرى كان طبقي المفضل هناك، كعادته أحمر بلاستيكي، وفيه تتجمع القطرات. كان هناك شيء يدفعني من الخلف كأنه مسدس، شيء لا يمكنني أن أتغاضى عن تهديده لي، يطلب مني أن أرفع الطبق إلى فمي.
ببطء نزلت بجزعي بينما أنا جالسة على السرير، والتقطت الطبق بيدي، ورفعته. بقيت أتأمله للحظة. كانت انعكاسات الأضواء فيه تجعل الدم يتحول تدريجيا من أحمر دامي إلى فضي وأزرق وبنفسجي. انصعت للمهة قبل أن يتجلط الدم ويكون ذلك أصعب في شربه. وبينما أنا أرفع الطبق إلى فمي وجدت على صفحته رغيفاً مستديرا، من ثنيات الرغيف، تكون وجه المسيح. ابتسم لي بما يعني كلي واشربي ولا تخافي. غمست لقمة في الدم وبحذر ذقتها بلساني.. كان طعمها ما عرفته لاحقا، نبيذا أحمرا معتقاً. فرحت.
وضعت الطبق مرة أخرى تحت أقدام الشاب المشنوق. وبدأت أدعو المسيح أن يسرب إليه الخبذ والنبيذ حتى تعود له الحياة. وبينما كانت محتويات الطبق تتحول بخاراً مصوباً تجاه أقدام الميت التي بدأت تمتص ما يأتي من زاد، عدت مستلقية في الفراش. أعدت الغطاء فوقي، وأغمضت عيني.
استيقظت من النوم بعدها مباشرة. كان الليل مازال يخيم على الحجرة. نظرت للسقف غير متأكدة أنني لن أجد المشنوق هناك. إلى هذه الدرجة كان الحلم واقعياً.. لكن شيئا لم يكن في السقف سوى اللمبات النيون الطفأة. خرجت إلى المطبخ، كان طبقي البلاستيكي الأحمر المفضل يحتل مكانه الطبيعي في المطبقية. خرجت إلى الشرفة. كان الهواء بارداً والقمر بدراً. بقيت هناك. أتخلص من سخونة جسمي بعد حلم مرعب كهذا. عندما عدت إلى فراشي، خيل لي في تهاويم الضوء الليلي الشاحب، أن تنيناً له جلد بني وسميك يجلس على طرف السرير حيث أضع قدماي. عاملته معاملة عفريت الزي المدرسي: حاولت أن أخلد للنوم في وجوده.
كان هذا الحلم نهاية لمرحلة ما. بعده، بقيت فترة طويلة جدا بلا أحلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق